الفصل الثالث والثلاثون
بالحديقة الواسعة المتصلة بالأرض الزراعية الممتدة بلا نهاية أمام بيت المزرعة الصغير تجلسان تتحدثان في ركن مظلل بالأشجار الكبيرة فتنظران للشمس الذهبية على الزروع الخضراء دون أن تضايقهما حرارتها العالية ..
ما أجمل الشتاء هنا .. رغم برودة الليل إلا أن النهار مشمسا دائما حتى وإن غام قليلا أو أمطر ..
تضع هالة كأس العصير على الطاولة الصغيرة التي تفصلهما واضعة ساقا فوق الأخرى فتتحرك ساقها بانتظام تحت تنورتها الزيتونية ثم تعدل حجابها الأحمر حول وجهها قائلة بسخرية طفيفة" أخيرا عرف بعد كل هذه السنوات .. لا اعرف كيف عاش معها عامين دون أن يفهم وحده ؟! .. أيظن أن ليلى قادرة على ارتداء قناع والدخول لحفل تنكري والرقص معه دون أن تعرفه ؟! .. أنتِ على الأقل كنتِ تعرفينه قبلها وتحبينه منذ وقت طويل .. لكنه ... "
تقطع دارين قولها وهى تضم وشاحها الصوفي الأحمر القاتم حول جسدها متنهدة
" هالة .. كفى كلاما عنه وعنها "
ردت هالة وهى تتراجع مستندة لكرسيها
" آه .. رائد زهران خطكِ الأحمر "
تبتسم دارين بحنين وهى تشرب القليل من عصير البرتقال الطبيعي ناظرة للطيور المحلقة أمامها تحط على الأرض تأكل منها بعض الحبوب ثم تفرد جناحيها صاعدة للسماء بحرية ..
' رائد ' أيضا كان حرا .. كان حرا بدرجة لا يتصورها إلا مَن رآه قديما عن قرب .. أيام جامعته وما بعدها بشبابه ورجولته النابضة بلا هوادة تصهل فروسية وإباءا ..
قبل هذه النسخة المدمَرة التي جاءتها كاختبار نجحت فيه حتى جاءت النهاية ثم .. تداعى كل شئ بلحظة غضب ..
هى الحليمة حتى تغضب .. العاقلة حتى تجن .. الرحيمة حتى تقسو .. لا شئ يمكنه المساس بكرامتها وإلا .. أهلا بثورة قد ينهار لها كل شئ لكن .. إلا روحها ..
تفتش هالة عن شئ ما بحقيبتها ثم ترفع رأسها لدارين تسألها بفضولها المعتاد" لم تخبريني ماذا حدث حتى أخبرتِه ؟! .. أنتِ قررتِ منذ وقت طويل ألا تخبريه "
تلتفت دارين إليها بشرودها الراسم على ملامحها تعابيرا هادئة بغموضها ..
ألم ؟ .. بالطبع هناك ألم .. بل الألم محفور حفرا بنقوش لن تزول على قلبها لكن .. قلبها لا زال موجودا كما هو يحتمل نقش الألم منه كما اعتاد .. إن تناست هذه المرة فسيرحل قلبها وقد يأخذ حبه معه ..
سر حبها هو كبريائها الشامخ وكرامتها العزيزة .. هكذا هى .. أنثى بمائة رجل حين يلزم الأمر .. لا أحد بإمكانه أن يذلها يوما أو يلوي لها ذراعا طالما هى في طريقها مستقيمة .. حتى هو ..
ترد دارين دون إجابة" هكذا أخبرته .. كان لابد أن يعلم "
وأسرارهما أيضا هى جزء من كرامتها لن يعلم بها أحد .. إن كانت هالة تعلم القصة القديمة لأنها كانت بها فقصتها الجديدة معه ستظل بينهما فقط ..
أيظن طوال ذلك الوقت أن والدها مدينا لهم ؟ .. والدها دفع المبلغ كاملا وفوقه الشرط الجزائي المفترض بالعقد بعد غرق البضاعة وأخبرها قبل الموافقة عليه لتكون حرة دائما بقرارها ..
لكنه كعادته يبحث عن أي سبب قد يسمم حياتهما ويفرقهما ليوهم نفسه أنه لا يتغير لكنه .. عاد .. عاد من جديد دون أن يدرك ..
ذلك الضباب بداخله تلاشى ودق قلبه متنفسا الحياة مجددا ..
وسط أفكارها التي تحيها هالة بحديثها عنه تتذكر دارين متابعة
أنت تقرأ
عِشقكَِ عاصمةُ ضباب(مكتملة)
Storie d'amoreرواية بقلم المبدعة ساندي نور عشقكَِ .. عاصمةُ ضباب بفتح الكاف أو كسرها .. لا يهم العشق واحد والقلوب تختلف بداخل كل منا شيئا من ضباب شيئا لا ندرك كيف أتى ؟! .. ولكننا وجدنا أنفسنا هكذا المهم أن نفتح بصيرتنا لا أبصارنا .. لكى نرى ما نعجز عن رؤيته حقوق...