الأربعاء – السادس عشر من إبريل
مدينة قليوب – مصر
الساعة الخامسة والنصف صباحًاانتفض (خالد) من كرسيه على صراخ أخته فاطمة من حوش المنزل. خرج مسرعًا نحو مصدر الصوت. لوهلةٍ توهم أن غطاء غرفة المجاري الخرساني يتحرك ويعود ليُغلق فتحة الصرف أو ما يقال عنه "الطرنش"، والذي كان يستخدم في الماضي لتخزين الصرف الصحي حتى تأتي سيارات النزح وتسحبه قبل دخول شبكة الصرف الصحي للمنازل.
أخذ ينادي على أخته وهو يرهف سمعه ليحدد من أين جاء صراخها. عوضًا عن ذلك سمع صوتًا مكتومًا وكأنه صادرٌ من "الطرنش". اندفع وأمسك الحلقة الحديدية الصدئة المستخدمة لرفع الغطاء. ضغط على أسنانه وبكل عزمه شد الحلقة لأعلى حتى كادت عضلات ذراعه تشق جلده. لم يستجب الغطاء في البداية إلا أنه لم يستسلم. كادت الرائحة تدفع كل ما في معدته للخارج ولكنه أجبر نفسه على التغلب على اشمئزازه.
كان عمق الطرنش يزيد قليلًا عن مترين ومساحته لا تتعدى عشرة أمتار مربعة، انبطح خالد أرضًا وأنزل رأسه في الطرنش فرأى جزءًا في أرضيته مفتوحًا لأسفل وسمع صدى صرخات تأتي منه. وقف ليلتقط أنفاسه بعد أن كادت الرائحة العفنة أن تقتله، ودون ترددٍ جلس وأنزل رجليه وقفز إلى داخل الطرنش واضعًا يده على أنفه.
تحرك خالد ببطءٍ نحو الجزء المكسور من أرضية الطرنش ليجد أنها حفرة أخرى بعمق أكثر من خمسة أمتار. نظر داخل هذه الحفرة فلم يرَ آخرها. فكر في العودة إلى بيته والاتصال بالشرطة ولكن صدى صوت صرخةٍ مكتومةٍ ألغت الفكرة من رأسه وجعلته يبدأ في الهبوط إلى أسفل حتى لامست قدماه الأرض. كان النزول سهلًا نسبيًّا فأيًّا كان من صنع هذه الحفرة قد استخدم الحوائط للصعود والنزول.
وجد خالد نفسه في ممرٍّ ارتفاعه متر ونصف وطوله عشرة أمتارٍ تقريبًا وفي نهايته حفرةٌ أخرى. مشى نحوها ببطءٍ وظهره منحنٍ متحسسًا موضع قدمه وواضعًا يده على الحائط متهيئًا لما لا يعرف كنهه.
كان الحائط باردًا قليلًا والرائحة مثل أتوبيس مزدحم.
نزل خالد تلك الحفرة وهو يتحسس موضع أقدامه. وصل إلى أرضٍ ثانيةٍ ولمرةٍ أخرى وجد أمامه دهليز ولكنه أكثر ارتفاعًا ومنحدرٌ بصورةٍ كبيرةٍ كما أن هناك كثيرًا من التفريعات.
وقف خالد ليدرس المكان قليلًا.
كانت الحوائط الصخرية لزجة بعض الشيء. اختفت كل الأصوات من فوق الأرض فلا يصل إلى أذنه إلا صوت أنفاسه وقرع دقات قلبه.
كان السكون قاتمًا حتى إنه شعر بحركة عضلات جسده. حرك خالد يده على الحائط متلمسًا آثار التكسير عليها، ثم بدأ يتحرك دون إصدار صوتٍ عدا صوت خرفشة الصخور تحت قدميه حتى وصل إلى أول ممر جانبي.
لم يكن ممرًّا بالمعنى المعروف بل أخدودًا في الحائط فقط.
تركه خالد ثم تحرك للتالي والذي بعده وهكذا دواليك. كانت كلها على نفس الشاكلة ولكن بأطوال مختلفة، بعضها طوله متر أو اثنان فقط والبعض الآخر بعمق يزيد عن عشرة أمتار.
استمر خالد في التحرك حتى نهاية الدهليز الذي انحرف إلى اليسار قليلًا. تلاشى الضوء الذي كان ينساب من فتحة الطرنش تمامًا ولكن كان هناك إضاءةٌ ضعيفةٌ تأتي من مكانٍ ما.
أغمض خالد عينيه لمدة حتى تتعود على الظلام وحين فتحهما وجد نفسه يستطيع الإبصار بصورةٍ بسيطةٍ. استمر في التحرك متعمقًا داخل ذلك الدهليز والذي كان يضيق أحيانا ليصل إلى نصف متر ويتسع أحيانًا أخرى ليصل إلى ثلاثة أمتار وقد بدا طبيعيًّا دون أي آثار تكسير. كان الكثير من تلك التفريعات ينتهي بحائط وكأنه في متاهة فيضطر للرجوع إلى آخر مكانٍ توقف عنده ليبدأ من جديد.
على الرغم من تعبه، فلم يتوقف خالد حتى رأى بصيصًا من النور مع صوت همهمات يأتيان من بعيد. اقترب ببطء حتى استطاع تمييز ما يشبه القاعة بآخر الممر.
ظل خالد قابعًا في مكانه داخل الممر محاولًا استيعاب المكان الجديد والتقاط أنفاسه لبعض الوقت. التصق بالجدار متسللًا ببطءٍ كالقط. كانت الغرفة مضاءةً بطريقةٍ جيدةٍ نوعًا ما إلا أن الرائحة المنبعثة كانت تشبه خليطًا من كل البهارات وسط سوق خضار.
ما إن اقترب خالد من القاعة حتى صرخ شيءٌ ما يشبه الإنسان من جهة اليمين ولكنه شديد البياض.
في اللحظة التالية لصراخ هذا الشيء، قفز خالد خارجًا من الممر نحو مصدر الصوت، وأثناء انقضاضه لمح خالد أخته ملقاةً على الأرض والدم يغطي وجهها وملابسها بالكامل.
غلى الدم في عروقه فَلَكم الشخص الواقف أمامه لكمةً أطاحت به فارتطم بالجدار ليقع بجانب أخته فاطمة دون حراك.
التفت خالد فوجد أن القاعة بمساحة مائة متر تقريبًا وبها تسعة آخرون من تلك الكائنات ممسكين بسيوفٍ قصيرةٍ بَلْطات ويهجمون جميعًا في نفس اللحظة إلا واحدة وقفت بعيدًا ترتعد مما تراه.
كان يبدو أنها أنثى فهي لا تتمتع بنفس البناء الجسدي للآخرين.
هاجمه الأول بشيءٍ يشبه السكين فتفاداه خالد بسهولةٍ كما تعلم في صغره وكما تدرب في قوات الصاعقة أثناء خدمته الإجبارية بالجيش. أمسك يده وبحركة بسيطة أجبره على إفلات السكين، فالتقطه خالد قبل أن يلمس الأرض وبضربةٍ واحدةٍ شطر حنجرة المقاتل الأول الذي أطلق حشرجة محاولًا إيقاف تدفق الدم دون جدوى.
وقف خالد ممسكًا بالسكين مبعدًا بين قدميه وهو يدرس هجوم الباقين عليه، كانوا جميعًا يرتدون ملابسَ وكأنهم في مشهدٍ حربيٍّ من فيلم تاريخي إلا الأنثى وشخصًا آخر بجانبها يرتديان ملابس بيضاء ممزقة تشبه الجلاليب. بينما خالد يرتدي بنطلونًا "جينزًا" وتي شيرت أزرق.
أنت تقرأ
رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقي
Fantasyكان صوت أنين الأخير يصل إلى أذن چومانا ولكنها كانت تعلم أنه لا أحد يستطيع الاقتراب منهم ولا حتى أقاربهم. ومن يبدي فقط تعاطفه فسينتهي به الحال معلقًا مثلهم. كان سلوى أهاليهم الوحيد هو أن المُعلق سيموت سريعًا خلال يوم أو اثنين على أقصى تقدير ولن يتعذب...