الفصل الثامن

185 11 0
                                    

انطلقت چومانا إلى السوق والتي تبعد عن المشفى ساعتين سيرًا على الأقدام. كانت السوق من أكثر الأماكن إضاءة في مدينة ساندرون، فصاحب كل مشغل أو متجر يعمل على تغطية أكبر قدر ممكن من الحوائط الخارجية بالطحالب المضيئة، كما يعملون على تسخينها باستمرار.
كان للسوق أربعة مداخل، أكبرها من الناحية الشرقية وهو أقربها للمشفى ولذلك اختارته چومانا. كان جانبا المدخل منحوتين في جبلين ليشكلا أسدين كل منهما بارتفاع تسعة أمتار، ويلي المدخل ساحة كبيرة يحتل يمينها المبنى الحكومي وهو أول ما قابلها عند دخولها للسوق، وهو مجلس واستراحات للحراس ومركز للبريد ومحكمة أولية لتسجيل المواليد والزواج والوفاة وخلافه وساعة مائية لتقسيم اليوم إلى أربعة وعشرين ساعة أو ما يسمى بثلاث وحدات (ديكاد).
انعقد حاجبا چومانا عندما تذكرت ما كان يحدث عندما تأتي مع صديقاتها عند زواجهن لتسجيل الزواج وكمّ المضايقات التي تعرضن لها من الحراس فشدت ملابسها حولها كرد فعل تلقائي.
كان على يسار المدخل مركز تعليم وتثبيت الانتماء والذي يُجبر جميع الأوبجازيين على حضوره. كل ما يتعلمونه هنا هو أن الملك هو حامي البلاد وأنه ظل الإله في الأرض وممنوع التساؤل أو التفكير فيما يفعله.
كان أعضاء (وزارة الاعتقاد) يملؤون عقول العامة بحكاياتٍ عن بطولات الملك وتضحيات الحاشية والنيروسيين القدامى. كما يكررون قصصًا عن مخلوقات أسطورية كانت تقتل الأوبجازيين ولكن الملوك والحاشية قتلوهم وخلصوا الشعب من شرهم. وأيضا يملؤون عقولهم بحكاياتٍ عن المخلوقات التي تسكن سطح الأرض والتي تريد قتل الأوبجازيين وسرقة الخير الذي يعيشون فيه ولكن الملك والحاشية يقفون لهم بالمرصاد.
كانت تتمنى چومانا أن يكون هذا المكان لتعليم الشعب تعليمًا حقيقيًّا. ولكن الحكيم محتوب أخبرها ذات مرة أن الشعب الجاهل سهل الانقياد ولذلك فهم يريدون أن يتعلم كل أوبجازي ما يعمل به فقط.
استمرت چومانا بالمشي بوتيرةٍ بين الإسراع والمشي بتمهلٍ وعيناها تنظران خلسة دون تحريك رأسها حتى لا تلفت النظر إليها.
كان الشحاتون يملؤون الطرقات الجانبية البعيدة عن الحراس لأنه إن تم القبض عليهم فسينتهي بهم الأمر معلقين وسط السوق حتى الموت. كان الحراس يتركونهم طالما لم يجلسوا في الطرقات الرئيسية ولم يتضايق من وجودهم أحد من النيروسيين.
كانت محلات بيع الأقمشة الأقرب للمبنى الحكومي تحتل يمين ويسار السوق وبعض الطرق الجانبية أيضًا، تلتها محلات السجاد ثم محلات الشعر المستعار وتلوين الشعر وتزيينه ثم محلات الطعام المخصصة لبيع الخضروات واللحم تلتها محلات البهارات ثم النجارة.
وقبل أن تصل إلى وجهتها، عبرت چومانا ساحة الأمان، وهي أبعد ما تكون عن الأمان. ففي وسط الساحة رأت چومانا أربعة أشخاص معلقين وتحتهم بركة حمراء قانية من دمائهم. ثلاثة مُعلقين من أيديهم والأخير من قدميه. كان ثلاثة منهم قد ماتوا وبدأ بعض العامة الأشد فقرًا وبعض (الغولز) يقطعون أجزاءً من أجسامهم ليطبخوها.

رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن