الفصل السابع

175 9 0
                                    

قال خالد:
- دعكِ منهم، كلي أنتِ وهم سيتدبرون أمرهم.
قالت فاطمة:
- لا، لقد شبعت بالفعل والحقيقة أن طعمه غير مشجع وهذه الخضروات أفضل منه.
شكرها الحكيم ثم قال شيئًا لچومانا وبراحت الذين قاما بالهجوم على ما تبقى من الطعام والتهماه بالمناصفة حتى اللقمة التي بصقتها فاطمة على الأرض، وبعد أن انتهيا جلسا يلعقان أصابعهما وهما يسندان ظهريهما للحائط.
قال الحكيم محتوب:
- عادة يستغرق إغلاق أي ممر إلى العالم العلوي عشرين يومًا تقريبًا ولكن لأنه تمت رؤية چومانا وبراحت عائدين بالفريستين ودون إرسالهما للملك فسيبدأ البحث عنهما خلال يومين أو ثلاثة.
ثم نظر إلى چومانا قائلًا:
- أظن أن عليكِ أخذ زمام المبادرة ويمكنني مساعدتك في التخلص من حياتك بأقل ألم ممكن.
لم ترد چومانا فتوجه الحكيم محتوب بحديثه لخالد وفاطمة قائلًا:
- أما أنتما فلا تتحدثا مع أي أحد مهما كان إلا إذا طلبت منكما ذلك.
قالت فاطمة: هل تطلب من چومانا أن تقتل نفسها لشيء لم تفعله؟
قال الحكيم محتوب: أنا أعرض المساعدة فقط. يمكنها أيضًا أن تختبئ في الجبال إلى الأبد.
ظل الجميع صامتين لمدة، ثم تحدثت چومانا بالأوبجازية وبؤبؤ عينيها يهتز بقوة وكأنه يخشى أن تداهمه الدموع:
- لا أريد أن أعيش في الجبال، هذا أسوأ من سجن الثعبان.
وضع براحت ذراعه حول كتف أخته فدفنت چومانا نفسها أكثر بأخيها وكأنها تلتمس الأمان منه.
هز الحكيم محتوب رأسه قائلًا بنفس اللغة:
- ليس هناك أسوأ من سجن الثعبان، صدقيني، لقد سمعت عن أشياء هناك ما منعني النوم لأيام. الموت أفضل من الوجود هناك دون تعذيب فما بالك بالتعذيب.
صمت قليلًا ثم أضاف:
- ليس عندي حل آخر، إما أن تتخلصي من حياتك أو تهربي.
ظلت چومانا ساكنة لوهلة ثم قالت:
- هل تذكر ما كنا نتحدث فيه سابقًا؟
قال: هل ستعودين إلى الهراء والحماقات ثانية؟
قالت چومانا بتحدٍّ:
- نعم، مع أن الحياة كانت قاسية إلا أنني كنت أخاف أن أفقدها، أما الآن فليس لدي ما أفقده وسأحقق الحلم الذي أعيش من أجله.
الحكيم: هذه ليست أحلام إنها أوهام. نحن لا نستطيع تحدي الحراس فما بالك بالملك والحاشية.
قالت وهي تشير برأسها إلى خالد:
- نحن لا نستطيع بمفردنا، ولكن إذا زاد عددنا وانضم هو إلينا ففرصتنا كبيرة.
قال الحكيم وهو يضم شفتيه: هذه الفكرة أكثر حماقة من فكرتك الأولى، في الحقيقة أنا أتعجب من أنه لم يقتلك حتى الآن.
صمت قليلًا ثم أضاف:
- أنتِ حمقاء بالفعل، وكيف ستطلبين منه ذلك؟
چومانا: لا أعلم، ولكنني يجب أن أتقن العربية أولًا.
الحكيم: ليس فقط العربية، يجب أن يقتنع الآخرون بالفكرة.
قالت وقد عاد بريق عينيها:
- إذًا فأنت موافق. سأتحدث معهما وأنت تتحدث مع مساعد رئيس الحكماء.
قال الحكيم محذرًا: يجب ألا يتم الزج باسم (مانكيم) في أي شيء نفعله أو نخطط له.
كان الحديث يدور بالأوبجازية، وفاطمة وخالد يتابعان الحديث دون أن يفهما محتواه فتدخل خالد بالحديث قائلًا بالعربية:
- فيمَ تتحدثان؟
قال محتوب:
- آسف لأننا تحدثنا بالأوبجازية
ثم ابتسم ورفع يديه بطريقة مسرحية مكملًا:
- الحقيقة أن چومانا ستموت لا محالة، إما سيقبضون عليها ويعذبونها حتى الموت أو ستهرب وتموت في الجبال، أما هي فتريد قتل الملك.
قال خالد موجهًا حديثه للحكيم:
- لماذا تكره الملك؟

ابتسم الحكيم محتوب بمرارة:
- الملك يمتلك كل شيء... كل الأراضي والمتاجر وأماكن الصناعات... كل شيء. الملاك من النيروسيين يستأجرون الأراضي ويدفعون الإيجار والضرائب للملك والحاشية. ناتج الزراعة أو التصنيع يملكه النيروسيون ويعطي في المتوسط 6 زينكا في اليوم للعامل أو الصانع.
قال خالد: زينكا؟!!!
قال الحكيم:
- إنها عملة نحاسية، كل مائة زينكا تساوي عملة فضة وكل عشرة عملات فضية تساوي عملة ذهبية. يعمل الأوبجازي طوال اليوم لقاء ستة زينكا فقط في اليوم وتكلفة الوجبة الواحدة أكثر من اثنين زينكا، فيضطر العامل المسكين لأكل وجبة واحدة ليترك الباقي لعائلته.
تنهد الحكيم ثم أكمل:
- أي بائع أو صانع بالسوق يجب أن يكون له شريك من النيروسيين، كما أنه ممنوع البحث عن معادن إلا بأمر الملك أو الحاشية وهم فقط من يمكنهم إصدار العملات.
قالت چومانا شيئًا بالأوبجازية فترجمه الحكيم محتوب:
- مراقبة الأوبجازيين هو أساس التحكم، الأوبجازيون دائمًا خائفون. لا يستطيع أي أوبجازي التجول بحرية داخل المدينة، وإذا خرج من المدينة فهناك قطاع الطرق، والذي يُعتقد أنهم متعاونون مع الحراس ولذلك لا يتم القبض عليهم ليزيدوا من خوف الأوبجازيين، بينما لا يقترب قطاع الطرق هؤلاء من النيروسيين.
قالت چومانا شيئًا آخر فترجمه الحكيم محتوب أيضًا:
- تقول چومانا أيضًا أن هذا النظام يفسد من بقلبه مثقال حبة شعير من خير ولذلك يجب تغييره.
قال خالد:
- هذا تخريف وأحلام يقظة.
قالت چومانا:
- حلم لا...... هدف.
ثم أضافت بالأوبجازية موجهةً حديثها إلى الحكيم محتوب:
- سأنصرف الآن لأتحدث مع الباقين.
ثم قالت بالعربية وهي تمسك بالقاموس موجهةً حديثها لخالد وفاطمة:
- تعلما. .أوبجازية.
ثم انصرفت دون أن تنتظر ردًّا أو تعليقًا منهما وعيون الباقين تتابعها، وأخوها خلفها كظلها.

*****

رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن