جاء يوم الاجتماع الثاني مع قادة المقاومة وبدأ الاجتماع بالكلام نفسه الذي ذكرته چومانا المرة السابقة ولكنّ الباقيين لم يدعوها تكمل مؤكدين أن الحلم مشترك بينهم جميعًا.
قالت چومانا:
- كم عدد من تثقون فيهم واستطعتم إقناعهم بالانضمام إلينا؟
فوايت: أنا وسيبلاك ومانريد استطعنا تجميع خمسة وسبعين رجلًا وثلاث نسوة.
قال فابكيراع: وأنا معي ثلاثة صناع فقط ولكنهم من أمهر الحرفيين.
قال بروتان: أنا ليس معي إلا صديقين لي ولكنهما قويان وماهران. الواحد منهما بعشرة.
قالت چومانا بتهكم: هذا رائع، أقل من مائة في مواجهة عشرين ألف.
رد بروتان بشيءٍ من الحدة: لماذا تتحدثين بهذه الطريقة چومانا؟ هل كنتِ تظنين أنه سينضم لنا الآلاف بمجرد أن نخبرهم أننا لدينا حلم أن ينتهي الظلم الواقع عليهم.
حاولت چومانا الكلام ولكن العبرة خنقتها فأخذت تبكي وهي تخفي وجهها في كفيها.
احتضنها أخوها براحت قائلًا:
- أنت تحت ضغطٍ شديد يا چومانا. وإن أردتِ ألا تكملي فلن يرغمك أحدٌ على فعل شيء ضد رغبتك. يمكننا أن نكمل حياتنا في الجبال وأعدك أنني سأبذل قصارى جهدي لتجديها ممتعة.
ابتسمت بحزنٍ ولكنها لم تتكلم.
قال بروتان:
- آسف جومانا. ولكنها الحقيقة، الناس لا تقتنع بالأحلام. إنهم لن ينضموا إلينا إلا إذا فعلنا شيئًا يجذبهم ويولد لديهم نفس الأمل الذي لدينا. وأيضا هناك الكثير الذين يخافون من التغيير أكثر من إحساسهم بالظلم.
قالت چومانا:
- آسفة، إنه فقط... لا شيء.
قال فوايت:
- رفض الرجل العلوي الانضمام إلينا؟
أشارت بوجهها أي نعم.
قال فوايت وهو يحك لحيته السوداء: هذا طبيعي جدًّا، فهو ليس منا ليشاركنا، لقد جاء هنا على عكس رغبته وسيرجع إلى السطح ليكمل حياته.
لم تستطع أن تتحمل أكثر فانفجرت في البكاء وخرجت مسرعةً إلى خارج الكهف فتبعها براحت كظلها.
قال فوايت بعد أن تركتهم چومانا وبراحت: لقد أحببته.
نظر إليه الباقون ولكن لم يعلق أحد منهم على كلامه وظلوا جالسين منتظرين أن تهدأ جومانا.ظلت چومانا تبكي لما يزيد عن ربع الساعة، وأخوها يقف بجانبها حتى سكتت، فقال لها براحت بعد أن هدأت:
- هل أنتِ أفضل الآن؟
قالت وهي تمسح دموعها: نعم، دعنا نعود إلى الباقين.
رجعا معًا وقالت چومانا بمجرد أن جلست وبصوتٍ جافٍّ وكأنه قد فقد سوائله في الدموع: آسفة لما حدث.
قال فوايت: صوتك أفضل الآن. يمكننا.....
قاطعته چومانا مغيرة الموضوع:
- أظن أن أفضل يوم للهجوم هو عيد الحصاد.
عقد بروتان حاجبيه والتفت إلى چومانا وهو يقول:
- عيد الحصاد هو أكثر أيام السنة تأمينًا، عدد الحراس الذين يقومون بتأمين الملك يوم عيد الحصاد أكثر من خمسة آلاف وهناك خمسة آلاف آخرون يقومون بتأمين الوزراء وقيادات الحاشية.
قالت چومانا: ولكنه اليوم الوحيد الذي يرى الأوبجازيون فيه الملك، أظن أن مهاجمة الملك يوم عيد الحصاد أفضل من مهاجمة القصر.
قال بروتان وهو يتوجه بنظره للباقين: لنأخذ الآراء، هل توافقون على مهاجمة الملك يوم عيد الحصاد؟
قال سيبلاك: أظن أن تأثير ذلك سيكون أكبر على الأوبجازيين.
وافقه كل من فوايت ومانريد ثم وافق الباقون تباعًا.
قال بروتان: حسنًا، الآن تم تحديد يوم الهجوم وعدد قواتنا وسيتم بناء الخطة على ذلك.
قالت چومانا: يوم الحصاد بعد خمسةٍ وأربعين يومًا.
ثم توجهت بحديثها إلى بروتان قائلة: هل ستكفي هذه المدة للتدريب.
قال بروتان: هذا يعتمد على الخطة، ربما نستغل بعض الأفراد لإثارة البلبلة أو التغطية على الهجوم، أما القتال المباشر حول الملك فلن يقوم به الكل لأنه ببساطة لن يستطيع الجميع الوصول إلى الدائرة المحيطة بالملك.
قالت چومانا وهي ترسم بيدها دائرة تخيلية على الأرض:
- كم تظن عدد من يمكنهم الوصول إلى هناك؟
قال بروتان: لا أعلم، ولكن ليس أكثر من خمسة أو عشرة بالتأكيد، لأنه ما إن يلاحظ الحراس أننا نحمل أسلحة سينطلقون لحماية الملك وعندها ستكون المعركة الفاصلة.
ابتلعت چومانا ريقها وعاودتها الرجفة في قدميها وهي تتخيل الأسلحة والقتل حولها. استعادت ثباتها بسرعة وهي تقول:
- إذًا يجب أن يتم اختيار أفضلنا.
قال بروتان وهو يدير عينيه إلى الجميع قائلًا:
- سنحاول أن نصل إلى الملك بأكبر عددٍ ممكن وإن لم يحالفنا الحظ فستبدأ المعركة قبل أن نصل إليه.
قال مانريد: هذا ليس سيئًا، فضربةٌ واحدةٌ كافيةٌ للقضاء عليه.
قال بروتان: الوصول إليه ليس سهلًا، وحتى إن وصلت إليه فالحراس المحيطون به هم أفضل الحراس على الإطلاق، يتم الاعتناء بتدريبهم وطعامهم لسنوات ولا هدف لحياتهم إلا حماية الملك فقط.
قالت چومانا: حسنًا، أظن أن الأفضل أن نهاجم جميعًا في وقتٍ واحد.
صمت بروتان للحظات ثم قال موجهًا حديثه لجومانا: أنتِ صيادة يا چومانا ولا تستطيعين القتال.
ردت چومانا بقوة: أمامي خمسةٌ وأربعون يومًا لأتدرب وأنا سريعة الحركة أيضًا بل ويمكنني القول إنني أسرعكم على الإطلاق، كما أنه لا يمكن لأحد أن يمنعني.
صمت بروتان قليلًا وفكر أن يجادل چومانا ولكنه عدل عن ذلك. ثم قال وهو يخطط على الأرض:
- حسنًا، كما تعلمون فإن الاحتفال يكون في ساحة النصر وهي ذات خمسة مداخل، اثنان لدخول الأوبجازيين من الجهة الجنوبية، واثنان لدخول النيروسيين من أقصى يمين وأقصى يسار الجهة الشمالية، وممر آخر في الجهة الشرقية وهو أيضًا مخصص لدخول النيروسيين، يجلس الأوبجازيون في الجهة الجنوبية فقط ويجلس النيروسيون في الجهة الشرقية والغربية، أما الجهة الشمالية فهي للملك والحاشية. كل الممرات مؤمنة وبالطبع حول أماكن الأوبجاز والنيروسيين، وأشد الأماكن تأمينًا هو أمام وحول الملك والحاشية
قالت چومانا وهي تنظر إلى التخطيط الذي رسمه بروتان على الأرض:
- وكيف يشاهد الملك الاحتفالات؟
رفع بروتان حاجبيه وهو يقول: ألم تذهبي إلى هناك أبدًا؟
قالت چومانا مبتسمة: حاولت مرة أنا وبراحت الذهاب، ولكنهم منعونا.
قال بروتان وهو يشير إلى الجزء الشمالي من المخطط الذي رسمه على الأرض: عرش الملك يقبع في كوة داخل الجبل على ارتفاع يعادل خمسة أمثال طولك تقريبًا.
قالت چومانا وعيناها لا تفارقان ذلك المخطط: وكيف يصعد إلى هناك؟
قال بروتان وهو يشير إلى جانبي موقع عرش الملك على المخطط:
- يوجد سلم على كل جانب وعند نهاية السلم يجلس مجموعة من الحاشية.
قالت وعيناها تضيقان: وكيف سنصل إليه؟
قال بروتان وهو يدير عينيه في وجوه الجميع:
- هذا هو السؤال الصحيح، هل يمكن أن نسمع اقتراحاتكم؟
ظل الجميع يلقي باقتراحٍ تلو الآخر والآخرون يفندونه. استمر الحال هكذا لبعض الوقت حتى قال مانريد:
- أقرب الأوبجازيين إلى الملك هم ضمن فرق الاستعراض.
قال بروتان: نعم، هذا صحيح ولكن إذا خرجت خطوة واحدة خارج المكان المخصص للاستعراض سيوقفك الحراس.
سأل براحت: من أين يدخل العاملون بالعروض؟
قال بروتان وهو يشير إلى الجزء الشمالي الغربي من المخطط وقد فهم ما يرمي إليه براحت:
- إنهم يدخلون من الممر الشمالي الغربي ويمرون بين صفين من الحراس حتى يصلوا إلى ساحة الاستعراض.
قال سيبلاك الجالس بجوار فوايت ليظهر تناقض لون بشرتهما واضحًا كالليل والنهار: نريد شيئًا يثير الفوضى ويشغل الحراس حتى نستطيع الاقتراب من الملك.
قال فوايت ويده تداعب عصاه بطريقة لا إرادية:
- يمكن أن نثير الأوبجازيين لتخطي الحراس والوصول إلى أماكن الاستعراض.
قال بروتان بازدراء: لا تتوقع منهم شيئًا.
قال فوايت: سنجذبهم إلى هناك، ما رأيكم أن نلقي بعض العملات في ساحة العرض وهذا سيجذبهم بالتأكيد.
هزت چومانا رأسها اعتراضًا وهي تقول:
- خوفهم من الحراس سيتغلب على حبهم للمال.
قال فوايت: يمكن أن ننشر سرًّا قبل العرض أن الملك أمر برمي المال في وسط العرض كنوع من الاحتفال وأنه سيأمر الحراس بترك الأوبجازيين يمرون ليأخذوا العملات من على الأرض ثم يرجعوت إلى مكانهم.
قال بروتان ببطء: إنها فكرة مقبولة.
تحدث فابكيراع لأول مرة:
- أظن أن الفكرة جيدة إلى حد ما لإثارة الفوضى، ولكن ماذا بعد ذلك؟
قال بروتان: بعد ذلك مواجهة الحراس مباشرةً للوصول إلى الملك.
صمتوا جميعًا متذكرين قوة الحراس وتدريبهم وهنا تذكرت چومانا خالد ثانية وتمنت لو أنه لم يخذلها ولكنها أزاحت الخاطرة عن رأسها قائلة:
- سيكون هدفنا هو الملك نفسه، من يجد فرصة للوصول إليه فلا يتردد.
ثم أردفت بعد مدة صمت:
- إذا نجحنا في مسعانا أو وجدنا أنه قد فشلنا فعلى الباقين الهروب والرجوع إلى مكان التدريب أو هنا ومن ثم الانتقال إلى كهفٍ آخر لأنه في حالة القبض على أحد فسيعترف على الباقين.
قال بروتان: حسنًا. الآن سننقسم إلى فريقين، مانريد وفوايت وسيبلاك وفابكيراع... عليكم نشر الإشاعة عن النقود وسط الأوبجازيين بصورةٍ تنتشر وكأنها سر، أما أنا وچومانا وبراحت سنقتحم بيت سلعود.
قال فابكيراع: سلعود!!! هذا رائع، إنني أمقت هذا الرجل منذ أن وطأت قدماي السوق. كل العاملين في السوق يكرهونه، إنه يأخذ تعبنا دون حق، إما أن يكون شريكًا في عملك أو لن يكون لك عمل. العام الماضي حاول أحد الصناع أن يعترض على الأموال التي ندفعها لرجال سلعود دون وجه حق، ثاني يوم وجدوا رأسه على طاولة بمنتصف السوق ولم يجدوا باقي جسده.
قال بروتان وهو ينهي الاجتماع:
- أظن أن كل منا لديه عمل الآن، اذهبوا لتستريحوا ولنتقابل غدًا في نفس الموعد.*****
أنت تقرأ
رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقي
Fantasyكان صوت أنين الأخير يصل إلى أذن چومانا ولكنها كانت تعلم أنه لا أحد يستطيع الاقتراب منهم ولا حتى أقاربهم. ومن يبدي فقط تعاطفه فسينتهي به الحال معلقًا مثلهم. كان سلوى أهاليهم الوحيد هو أن المُعلق سيموت سريعًا خلال يوم أو اثنين على أقصى تقدير ولن يتعذب...