أنهت چومانا كلامها وظلت صامتةً لبرهة ثم أضافت: أريد أن أسمع رأيكم.
قال فوايت بصوته العميق المعتاد:
- ما الذي يجعلنا نثق فيه، إذا اشتد الوضع فيمكنه أن يهرب إلى عالمه ويتركنا وربما يرشيه الملك أو أحد من الحاشية.
لم تعرف چومانا كيف ترد ولكن تدخل سيبلاك معارضًا فوايت كعادته:
- أرى ألا نتسرع بإبداء الرأي.
ثم توجه بحديثه إلى چومانا قائلًا: هل تحدثتِ معه في شيء؟
قالت: لا
قال: أرى أن تتحدثي معه في البداية وبناءً على حديثكما يمكننا أن نتناقش ثانية.
وافق الجميع على رأى سيبلاك فقال فابكيراع الحرفي الوحيد في المجموعة:
- سآتيكِ ببعض الطعام الجاف ليكفيكِ ونتقابل بعد ثلاثين يومًا من الآن. خلال هذه الفترة على كل منا أن يفكر في خطة التحرك للقضاء على الملك وبالطبع لا أحتاج أن أقول لكم إنه إن عرف أحد شيئًا عما قلناه فهذا معناه المكوث في سجن الثعبان حتى الموت.
قال سيبلاك:
- هل سمعت هذا فوايت؟ يجب أن تمسك لسانك.
كان أي حديث بين فوايت وسيبلاك يدفع الابتسامة إلى وجوه الجميع مهما كانت الظروف.
نظر إليه فوايت ولكن قبل أن يتكلم تدخل مانريد قائلًا:
- أصدقائي، رجاءً توقفوا عن هذه الحوارات الصبيانية.
صمت فوايت ثم رد بهدوءٍ ووقارٍ شديدين موجهًا حديثه إلى سيبلاك: شكرًا على النصيحة عزيزي سيبلاك، أعدك أن أتذكرها جيدًا.
أضاف فوايت موجهًا حديثه إلى فابكيراع:
- دع لي أمر الطعام لجومانا وبراحت، سأشتريه وأحضره لك في ورشتك وأنت عليك وصوله إليهما وقتما تشاء.
انفض الاجتماع وتحرك كلٌّ إلى مسعاه إلا چومانا وبراحت
قال براحت بعد رحيل الجميع:
- انتظريني هنا يا چومانا، سأذهب إلى غرفتنا وأحضر كل أغراضنا.
قامت من الأرض وهي تقول:
سآتي معك. الأغراض كثيرة ومعًا سنقتصر الرحلة إلى واحدة فقط.*****
وصلت چومانا وبراحت قريبًا من حفرة رقم مائة وست وسبعين التي يقطنان بها. كان المكان مليئًا بذكرياتهما، ذكريات لعبهما مع أقرانهما، التسلق والأرجوحة والغميضة. ذكريات مع والدهما لافون وأمهما جندباد.
أخبرتها أمها ذات مرة أن والدها توفي في أثناء العمل ولكنها لم تصدقها. كانت صغيرة ولكن كانت هناك ذكريات مموهة عن ذلك اليوم الذي خطف الحراس فيه والدها. إنها تتذكر الخوف والاختباء وصراخ أمها ومقاومة أبيها ولكنها لم ولن تنسى أبدًا ابتسامته ولا أنها فقدت حنانه. ماتت أمها منذ سبع سنوات تقريبًا لتتركها وأخاها يواجهان الحياة معًا.
كانت غرف الأوبجازيين في حفر تحت الأرض، كل حفرة عبارة عن عدد من الطوابق. وبكل طابقٍ عددٌ لا يقل عن عشر غرف ولا يزيد عن عشرين غرفة. اقتربت من الحفرة حيث يجتمع الأوبجازيون للحديث بجانب الحفرة حتى يأتي موعد النوم فينزلوا إلى غرفهم، فهنا الإضاءة والهواء أفضل من الأسفل.
في أوقات قلة الحصاد، كان خدم الملك يوزعون حصص الطعام مجانًا على الأوبجازيين، ودائمًا ما يكون بجانبهم عمال من وزارة الاعتقاد لا يتوقفون عن مدح المالك والحاشية بينما الأوبجازيون الذين زرعوا وحصدوا هذا الطعام يقفون بالساعات في طوابير لأخذ نصيبهم.
اقتربت چومانا وبراحت من السلم النازل داخل الحفرة فنظر إليهم جيرانهم بلا مبالاة ثم أكملوا ما كانوا يتحدثون فيه. في أثناء نزولهما على السلم قرأت چومانا كثيرًا من الجمل التي كتبها عمال من وزارة الاعتقاد مثل:
(اصبروا على هذه الحياة لتلحقوا بآمون)
(إخناتون ينتظركم)
(نفرتاري تحبكم وأنتم أبناؤها)
(أنتم أبناء إخناتون)
(محبة إخناتون معكم)
مع بعض الصور التي تصور حياة جميلة بعد الموت.
كانت چومانا تتعجب دائمًا من كتابة تلك الأشياء هنا، فقليل من يستطيع القراءة من الأوبجازيين ومن يستطيع القراءة فلن يصدق هذا الهراء الذي يكرره عمال وزارة الاعتقاد.
وصلا إلى غرفتهما وطولها متران وعرضها متران، وحوائطها من الصخر من ثلاث جهات، بينما المدخل يغطيه شرائح من الشجر والجزور وسعف النخيل. قبل أن يدخلا غرفتهما قابلتهما جارتهما (نورلامب) والتي تعمل قابلة.
كانت (نورلامب) هي من ساعدت أمهم أثناء ولادتهما.
كانت امرأة طيبة القلب، ودائمًا ما تحنوا على چومانا وبراحت منذ وفاة أمهما فقد كانت بمثابة أمهما الثانية. كانت دائما تشاركهما الفاكهة التي تحضرها من عند النيروسيين، وهي الوحيدة التي أخبرتها چومانا أن حلمها أن تقتل الملك وأن تعيش في عالمٍ بلا خوف.
لم تعر (نورلامب) انتباهًا لكلام چومانا واعتبرتها حماسة شباب وستنطفئ وأيضًا لم تتحدث معها چومانا ثانيةً بعد أن حذرها أخوها من ذلك مذكرًا بما كانت تقوله أمهما وهما صغار: (لا تثقا أبدًا بعامة الناس ولا تفقدا حرصكما).
كانت نورلامب دائما ما تنصحها بأن تكون مثل باقي الفتيات وتتزوج وتبني عائلة جميلة كما فعل أبواها ولكن چومانا قررت منذ صغرها أن تغلق قلبها حتى لا تكرر مأساة أمها وأبيها.
سلّما على نورلامب ودخلا غرفتهما بعد أن أخبراها أنهما سينتقلان إلى غرفة أكبر في حفرة ثلاثمائة وسبعة عشر.
ما إن دخلت چومانا غرفتهما حتى هاجمتها الذكريات. كان لكل شبر في هذه الغرفة ذكرى. توقف نظرها عند ثقبٍ صغيرٍ صنعته في الحائط، كانت تتخيل أنها ستجد ذهبًا وتعطيه لأمها لينتقلوا إلى مكان أكبر ويأكلوا طعامًا أكثر.
تذكرت حين ضايق بعض الحراس أمها فهجمت على الحارس وأخذت تخربشه وتعضه فعاقبها الحراس بالضرب وحلق رأسها حتى الجلد كما يعاقبون الأطفال الذين يتم القبض عليهم لأي سبب. لم يؤلمها الضرب بقدر ما آلمها حلاقة شعرها وأخذت تبكي في الغرفة لساعاتٍ ورفضت أن تخرج منها لخمسة أيامٍ متواصلة إلا ليلًا لقضاء حاجتها فقط.
ظلت چومانا تنظر إلى الحوائط ودموعها تنهمر مع الذكريات التي سيتركونها خلفهما ويهربان.
أيقظها صوت أخيها وقد بدأ في حمل الأغراض فأخذت تساعده. لم تكن الأغراض كثيرة فحملا معظمها وتركا الباقي لجيرانهما.
تحركا خارجين من غرفتهما.
صعدا إلى أعلى مبتعدين، ولم ينظر أحد منهما خلفه.*****
أنت تقرأ
رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقي
Fantasyكان صوت أنين الأخير يصل إلى أذن چومانا ولكنها كانت تعلم أنه لا أحد يستطيع الاقتراب منهم ولا حتى أقاربهم. ومن يبدي فقط تعاطفه فسينتهي به الحال معلقًا مثلهم. كان سلوى أهاليهم الوحيد هو أن المُعلق سيموت سريعًا خلال يوم أو اثنين على أقصى تقدير ولن يتعذب...