الفصل الثالث عشر

117 11 0
                                    

أحضرت لهم چومانا مرة بعضًا من لحم القوارض والزواحف التي يأكلها الأوبجازيون إذا وصلت أيديهم إليها ولكن خالد وفاطمة لم يتقبلاها.
وخلال تلك الفترة شرح لهما الحكيم محتوب كثيرًا من الأمور عن حياة الأوبجازيين، فمثلًا (الغولز) وهم فئة أقل ذكاءً من باقي الأوبجازيين يعيشون في أماكن بمفردهم ولا يتزوجون أبدًا من خارجهم. هم طيبون في العادة، ويعملون في المزارع فقط أو يستخدمهم الحراس ولكن لا يعملون في التجارة أو الصناعة.
أخبرهم أيضًا أن الملك دكتاس هو الحاكم ومعه ستة وزراء. وزير حماية الملك ووزير المعلومات والتحكم ووزير الأمان ووزير المزارع والماء ووزير الأموال ووزير الاعتقاد. شرح لهما مسئولية كل وزارة منها. وأخبرهم أيضًا أن الحكماء وضعهم أفضل من الأوبجازيين كثيرًا ولكنهم ليسوا أغنياء كالنيروسيين، وأن أبناء النيروسيين يتعلمون لدى الحكماء ولكنهم ليسوا شغوفين بالتعليم لأن حياتهم سهلة. وأخبرهما أيضًا أن بعض الأوبجازيين يعتبرون بعض الحكماء سحرة ولكنهم فقط بارعون في الهندسة والكيمياء.
وعرفا أيضًا أن هنا يتم قياس اليوم تبعًا لشدة الضوء. تكون الطحالب أشد ضوءًا مع الظهر فوق سطح الأرض وينخفض ضوؤها مع الليل. أما بالنسبة لقياس العام فيقوم الحكماء بحساب ثلاثمائة خمس وستين يومًا وكل أربع سنوات يزيدون يومًا.
وحكت لهما چومانا عن الظلم المتفشي بين الأوبجازيين حتى إنهم يمكن أن يشوا ببعضهم البعض لقاء مكانة وهمية أو حظوة لدى رئيسهم أو حتى بدافع الخوف فقط. قصت عليهما كيف أن رئيس المزارعين في أحد المزارع مع أنه من الأوبجازيين مثلهم إلا أنه يعاملهم بالسوط ليتقرب من صاحب الأرض من النيروسيين وقصت عليهما أنها ذات مرة رأت شخصًا يكرهه كل زملائه بسبب تملقه الدائم للنيروسي صاحب المزرعة. اتهم هذا الشخص زميلًا له بسب الملك حتى لا يرد له ما اقترضه منه، والشخص المسكين مات معلقًا في السوق. ومرة وشي أحد الخدم بالآخر ليحصل على وظيفته لأخيه وانتهى الأمر بالمسكين أيضًا معلقًا في السوق.

مع توطد العلاقة والحديث اليومي وزيادة تمكن خالد وفاطمة من اللغة الأبجازية أخبرتهما چومانا في اليوم الخمسين عن ما يخطط قادة المقاومة لفعله.
قال خالد بصوتٍ جافٍّ وهو جالسٌ يسند ظهره للحائط بينما فاطمة وچومانا يجلسان بجانب بعضهما على الحائط المقابل له: ستكونون حمقى إن ظننتم أنكم ستغيرون شيئًا.
كان رد خالد مخيبًا لأمل چومانا فقالت وحاجباها يعانقان بعضهما البعض: لماذا تقول ذلك؟
قال خالد باقتضاب وبنبرة صوت لم تسمعها چومانا من قبل: نفس الأحلام السخيفة بنفس الحماقة.
تدخلت فاطمة في الحديث قائلة: حدث شيء عندنا مختلف قليلًا عما تريدونه وكان من ضمن الحالمين اثنان من أصدقاء خالد.
قالت چومانا وقد زاد فضولها: ماذا حدث لهما؟
قالت فاطمة وهي تتحاشى النظر لأخيها: قُتل كلاهما.
قال خالد بغضب: لا أريد الحديث عن هذا الموضوع.
قالت چومانا: أنا آسفة لما حدث لأصدقائك، لا بد أنك حزين من أجلهم.
رد خالد بحدة وهو يقوم ليقف بجانب مدخل الغرفة: قلت لا أريد الحديث عن هذا الموضوع.
قالت فاطمة بصوت خفيض: لقد حزن عليهما كثيرًا ولكن ما مضى قد مضى، دعينا من الحديث في هذا الأم.ر
سألت چومانا موجهة حديثها إلى فاطمة: لماذا يغضب هكذا؟
أشارت إليها فاطمة أن تسكت الآن ثم قالت مغيرة الموضوع:
- كم عددكم چومانا؟
قالت چومانا: نحن الآن تسعة فقط، أنا وأخي وثلاثة أوبجازيين وأحد الصناع والحكيم محتوب وواحد من الحراس، وهناك مساعد رئيس الحكماء أيضًا ولكنه لا يتدخل في أي شيء.
فاطمة: جيد، أنتم بذرةٌ جيدة.
چومانا: نحن لدينا هدف مشترك.
ترددت لفترة ثم سألت بصوت منخفض وهي تشير إلى خالد:
- هل يمكن أن يساعدنا؟
قبل أن تجيب فاطمة، قال خالد دون أن يلتفت:
- لقد سمعتكما، بالطبع لا، هذه حماقة وأنا لا أتعاون مع حمقى.
لم تتكلم چومانا فقالت فاطمة بعد مدة من الصمت وبصوتٍ منخفض لا يسمعه غيرهما: دعيني أسأله بمفردنا.
قامت چومانا من جلستها على الأرض قائلة: سأذهب لإحضار بعض الطحالب وأعود بعد قليل.
ظل خالد واقفًا لمدة ثم تحرك وجلس في مكانه المعتاد وظهره مستند للحائط، فقامت فاطمة وجلست بجواره لاصقةً رجلها برجله ثم وضعت رأسها على كتفه لفترة.
وضع خالد يده على كتف أخته وضمها إليه.
ظلت فاطمة ساكنةً لفترةٍ ثم اعتدلت لتكون بمواجهة خالد ثم قالت:
- لماذا لا تريد أن تساعدهم؟
نظر إليها خالد بخواء قائلًا:
- ولماذا أساعدهم، نحن لا نعيش هنا، ما إن تتحسني حتى نعود إلى بيتنا.
قالت فاطمة: أسباب المساعدة كثيرة.
قال: مثل ماذا؟
قالت فاطمة وهي تنظر في عينيه مباشرة:
- "أولًا، كان يمكن أن نكون نحن هنا وأنت لا ترضى أن أكون أنا مكانها.
قال خالد: ولكنك لست مكانها.
أكملت متجاهلةً مقاطعته لها:
- ثانيًا، نحن مسلمون والإسلام يأمرنا بالدفاع عن المستضعفين.
قال: أنا أقسمت على حماية بلدي وأهلها عندما كنت في الجيش ولم أقسم على حمايتهم هم.
قالت: بدفاعك عنهم ستمنع استمرار خطف البشر العلويين وبذلك ستحمي أهل بلدك.
ظهرت چومانا عند المدخل مع نهاية قولها فقالت:
- يمكننا إعطاؤك بعض المال.
قال خالد بغضبٍ:
- لقد كنتِ تتصنتين، أليس كذلك؟ على كلّ إجابتي هي لا.
قالت چومانا وصوتها بين الرجاء والبكاء:
- أنت مقاتلٌ جيد، سيكون لك تأثير كبير معنا.
قال خالد: لن أغير رأيي فلا تضيعي وقتك. ولكن أخبريني، لماذا تريدون شخصًا من البشر العلويين معكم؟
نظرت چومانا إلى الأرض ثم قالت بأسى:
- بعد عقود من الفساد أصبح الفساد أمرًا طبيعيًّا ولا أحد قادرٌ على تغييره، كل من يحلم بالتغيير قد مات أو مات حلمه، أما أنت فدماءٌ جديدةٌ وأيضًا قدراتك القتالية لا يباريك فيها إلا خواص حراس الملك والحاشية.
تدخلت فاطمة في الحديث قائلةً: دعيه الآن يا چومانا فلن يغير رأيه الآن.
صمتت چومانا وظلت تحدق في خالد لفترة.
دخل عليهم الحكيم محتوب والذي لاحظ تعبيرات وجوههم فسأل: لماذا تبدون هكذا؟
قالت چومانا وقطرات من دموعها تنساب على وجنتيها: لا شيء، أظن أنني كنت حمقاء بعض الشيء.
قال الحكيم محتوب مبتسمًا: وما الغريب في هذا؟
لم تبتسم چومانا لدعابته فتنحنح قائلًا: آسف، لم أقصد أن أضايقك.
قال خالد بصوتٍ جاف: متى نستطيع الرجوع إلى بيتنا أيها الحكيم؟
قال محتوب: لقد تماثلت أختك للشفاء تقريبًا، ويمكنكما العودة في أي وقت.
قال خالد: سنعود الآن.
ابتلعت چومانا ريقها ثم قالت وهي متوجهةٌ إلى الباب دون أن تنظر خلفها:
- سأنصرف الآن، آسفة على كل شيء فعلته يا فاطمة.
ثم انصرفت.
قال الحكيم محتوب: أنا لم أرها هكذا من قبل.
ثم أردف: سأحضر لكما من يخرجكما ويرجع بكما إلى الممر الذي جئتما منه ولكن لن يكون هذا قبل الغد، استريحا الآن وسأعود إليكما غدًا.
*****

رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن