الفصل الرابع عشر

102 10 0
                                    

في صباح اليوم التالي أحضرت نيرساري مساعِدة الحكيم محتوب بعض الملابس النظيفة والمماثلة لملابس الأوبجازيين ليرتديها خالد وفاطمة أثناء رجوعهما، وجاءت لهما بحقيبةٍ ليضعا ملابسهما القديمة فيها.
قال له الحكيم محتوب والجميع واقفون في الغرفة:
- سأفتقدك يا خالد، ربما لم نتحدث كثيرًا ولكنك شخصٌ ممتع الحديث معه وكنت أتمنى أن أدعوك للبقاء هنا ولكن.... المكان هنا ليس مكانًا جيدًا للحياة.
خالد: أنا أتفهم مشاعرك وأشكرك كثيرًا على الاعتناء بأختي حكيم محتوب. ولكن لدي سؤال، ماذا سيحدث للممر إلى بيتي؟
قال الحكيم: لقد تم تدمير كل البيانات والمخطوطات التي تؤدي إلى بيتك وكأنه لم يكن.
قال خالد: وهل سيتم إغلاقه؟
قال محتوب:
- ليس الآن وليس في المستقبل القريب، في العادة يتم إغلاق آخر جزء قبل السطح فور الإيقاع بالفريسة ولكن هذا لم يحدث في حالتك لأنك قتلت كل الحراس المفترض أن يقوموا بسده. ولكن بسبب ظروفك الاستثنائية قمت بالتعاون مع بعض الأصدقاء من الحراس بتدمير كل ما يدل على وجود هذا الممر أصلًا وفي المستقبل سنتدبر أمر إغلاقه حتى لا يتم كشفه صدفة.
قال خالد: إذًا فهو الوداع.
قال محتوب: بالطبع يمكنك الرجوع فلا أظن أننا سنتمكن من إغلاقه قبل عامٍ من الآن ولكن احذر فمن السهل أن تضل طريقك وسط التشعبات الكثيرة.
كانت فاطمة منشغلةً في ترتيب بعض الأشياء الصغيرة التي أعطتها لها چومانا كهدايا حين قال خالد:
- حسنًا أظن أنه حان الوقت لأقول وداعًا.
قال محتوب: كنت أتمنى أن أقول إلى اللقاء ولكني أظن أن وداعًا أكثر واقعية.

انطلق خالد مع فاطمة ونيرساري مساعدة الحكيم محتوب خارجين من المشفى ومشى معهم الحكيم حتى تخطوا الحراس المحيطين بالمشفى.
دخلوا في الممر المقابل للباب الجانبي وظلوا يسيرون فيه لدقائق حتى قابلوا شابًّا صغيرًا تبدو عليه ملامح النباهة وعرَّفه الحكيم محتوب باسم (فاخنار).

قال الحكيم قبل أن يرجع مع المساعدة:
- هذا هو الدليل الذي سيقودكما إلى بيتكما، طريق العودة سيكون أطول بكثيرٍ من طريق المجيء حتى تتجنبا الحراس. وبالمناسبة، فاخنار قليل الكلام.
شكره خالد وفاطمة وسلما عليهما بحرارةٍ قبل أن ينصرفا مع الدليل.
قالت فاطمة بعد فترةٍ من الصمت لم يقطعه إلا صوت أقدامهم وأنفاسهم:
- لا أعلم لماذا، ولكنني سأفتقد هذا المكان وأنا أفتقد چومانا بالفعل.
ابتلع خالد ريقه ولم يجب فأضافت فاطمة وهي تمسح الحائط بيدها:
- هل تعلم يا خالد، ما كنت أتمنى أختًا أفضل من چومانا، إنها مرحة بالفعل.
قال خالد: هل تقولين ذلك بعد كل ما فعلته بك؟
قالت فاطمة: أنت تعلم أنه ليس بيدها حيلة وأنه لولا الذي يعيشون فيه لكانوا مثلنا.
لم يجب خالد واستمرا في المشي لفترة خلف الدليل وفاطمة ترسم على الحائط كل فترة حتى لا تشعر بالملل بينما خالد ظل غارقًا في صمته.
أما دليلهما (فاخنار) فلم ينبس ببنت شفة طوال الطريق إلا ليسألهما إن كانا يريدان بعض الماء أو الراحة أو شيئًا آخر.
استمرت رحلتهم لساعاتٍ طويلةٍ تخللتها بعض فترات الراحة الكثيرة التي طلبتها فاطمة حتى وصلوا إلى الممر الموجود بآخره جيف الحراس وعندها استئذنهما الدليل ليرجع.

استمر خالد وفاطمة بالتحرك بمفردهما حتى استقبلتهما الرائحة النتنة لتحلل جثث الحراس.
أمر خالد أخته أن تغطي أنفها وألا تنظر إلى الجثث ولكنها لم تستطع أن تمنع فضولها ولا أن تبعد عينيها عن الجيف. اجتاحها شعور متضارب بين الاشمئزاز من منظر الجثث والفرحة في الانتقام ممن آذوها.
كانت الجثث متحللةً والدود فوقها وحولها فأجبرت فاطمة نفسها على الإسراع حتى تخطيا الجثث وبدآ في السير داخل الممرات الداخلية حتى وصلا إلى قاع الحفرة الموصلة إلى غرفة الصرف الصحي ببيتهما.
طلب خالد من فاطمة أن تنتظره وتسلق هو راجعًا إلى غرفة تجميع الصرف الصحي أو ما يسمى بالطرنش ثم تحسس طريقه حتى رفع الغطاء خارجًا منها.
أخذت فاطمة تنظر إلى أعلى حتى اختفى خالد عن نظرها.
بدأت تنظر حولها وهي تتخيل أن الجثث التي قتل خالد أصحابها ستأتي زاحفة نحوها الآن.
اقشعر جسدها فوضعت يديها على ذراعيها وكأنها تحتضن نفسها لتبعث فيها الدفء والاطمئنان.
ظهر بريق نورٍ خفيفٍ حين فتح خالد غطاء غرفة تجميع الصرف فظلت فاطمة تنظر إلى الأعلى منتظرة أن يرجع خالد إليها.
لحسن حظه لم يرَ أحدٌ "خالد" وهو يخرج من غرفة الصرف. تحرك مسرعًا وأخذ يبحث فوق لوحة الكهرباء حتى وجد المفتاح الاحتياطي لبيتهما. حمد الله في سره وفتح الباب مسرعًا ليجد البيت فارغًا كما توقع.
بحث في البيت حتى وجد حبلًا فرجع به وربطه في عمود البيت ثم أنزل طرفه الآخر في غرفة الصرف.
قفز داخلها حتى أوصل الطرف إلى فاطمة وساعدها على التسلق راجعين معًا إلى بيتهما بالدور الأرضي.
قالت فاطمة بمجرد أن خرجت من غرفة الصرف الصحي:
- هل أمي هنا؟
قال خالد وهو يعيد إغلاق غرفة الصرف:
- لا، ولا أظن أن خالي (سالم) كان سيدعها تعيش هنا بمفردها وأغلب الظن أنه أخذها لتعيش معه منذ أن اختفينا.
قالت وهي تدخل من باب شقتهم: أريد أن أستحم وأتصل بأمي فأنا أفتقدها بشدة.
ثم أضافت وهي تقف على السجاد:
- لم أعرف أن السجاد بهذه النعومة.
قال خالد وهو يجلس ولا يزال مرتديًا ملابس الأوبجازيين:
- سأستحم بعدك وأنام، ونكلمهما بعد أن نستيقظ بإذن الله.
بعد ما يقرب من الساعة وقف خالد أمام باب الحمام وهو يجفف شعره:
- ما هذه الرائحة؟
ردت فاطمة من داخل المطبخ: وجدت بعض المكرونة فقمت بسلقها وسأرش عليها الملح والفلفل، بالطبع تفتقدها أليس كذلك؟
قال خالد وعيناه تدور في أرجاء المطبخ: بلى، ولكنني سأنام الآن وسآكل حين أستيقظ.
قالت وهي تضع بعض المكرونة في طبقها: سآكل فأنا جائعةٌ بشدة.
أكلت فاطمة طعامها وهي تمني نفسها بنومٍ طويلٍ على مرتبة بدلًا من نوم الأرض الذي اعتادت عليه خلال الثلاثة شهور الماضية.
أنهت المعكرونة وظلت تنظر إلى أجزاء غرفتها وتتلذذ بملمس السرير والراحة التي تريد أن تمتصها لتعوض النوم على الصخور. كانت تتوق للراحة فغرقت سريعًا في النوم ونام مخها هو الآخر دون أحلام حتى الصباح.

رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن