لاحظ خالد في أثناء سيره أن مصدر الإضاءة هو الصخور نفسها أو بالأحرى شيء ما عليها. لمسها بيده اليسرى ثم قلب شفتيه عندما وجده لزج الملمس. مسح يده بملابسه ثم أعاد تركيزه على الاثنين السائرين أمامه.
كانت القاعة الجديدة أقل حجمًا من القاعة الأخرى، وبها عربتان مثل التي تجرهما الخيول أو الحمير ولكنهما أقل عرضًا وأطول قليلًا، ويجر كل عربة كائن لا يشبه أي من الكائنات الحية التي رآها خالد من قبل ولا حتى في حديقة الحيوانات بالجيزة. كان الكائن بحجم ما بين الحمار والحصان، دون أي شيء يغطي جلده الأبيض المتسخ، وذا أنفٍ متدلٍ وذيلٍ قصيرٍ وعينين واسعتين وأذنين كبيرتين ومرفوعتين كأذني الحمار.
أمر خالد الأوبجازيين أن يتنحيا جانبًا وانطلق مسرعًا إلى العربة الأقرب، والتي كان بها أوانٍ فخارية تحتوي شيئًا يشبه طعامًا ذا رائحةٍ نفاذةٍ وقربةٍ قذرةٍ بها شيءٌ سائلٌ، توقع خالد أن يكون ماءً.أخذ خالد يقلب الأواني ويتفحص محتوياتها ولكنه لم يجد شيئًا يمكن استخدامه لتضميد جراح أخته، فنظر إلى الاثنين الموجودين معه ثم قال:
- لا شيء مفيد في هذه القمامة.
قالت الأنثى:
- دواء موجود.
عقد خالد حاجبيه قائلًا:
- أين؟
تقدمت الأنثى بثباتٍ نحو العربة، فتبعها المقاتل الآخر ولكنها أشارت إليه بالتوقف ثم أكملت وفتحت إحدى الأواني فقال خالد بصوتٍ خشنٍ وهو ما زال ممسكًا بالسيف:
- لو حاولتِ فعل شيء سأقتلك.
نظرت إليه الأنثى وضمت شفتيها ثم أخرجت مقدار قبضة من بودرة بنية اللون ومدت يدها لخالد قائلة:
- هذا.
خالد: كيف سيساعدنا هذا؟
الأنثى: دواء.
ثم أغلقت قبضتها وأخذت الإِناء بكل البودرة بداخله وبدأت تمشي راجعةً إلى البهو الأول الراقدة به فاطمة وبجانبها الشخص الأوبجازي الآخر. وخالد خلفهما مباشرةً ممسكًا بسلاحه.
تقدمت الأنثى نحو فاطمة وكشفت عن بطنها، ثم بدأت بوضع البودرة فوق كل الجروح وتحركها ببطء لتتأكد من دخول تلك البودرة داخل جميع الجروح، بدأ جسد فاطمة ينتفض بقوة والأنثى تكمل وضع البودرة على باقي الجروح.
رأى خالد الواقف بجانب الأنثى مباشرةً انتفاض جسد أخته:
- ماذا تفعلين؟
الأنثى: دواء.
هدأت حركة فاطمة بعد قليل ولكن حبات العرق بدأت تتدحرج على جبهتها، فغطت الأنثى بطنها وقلبتها على وجهها وفعلت الشيء نفسه بالجروح على ظهرها وكتفيها وأقدامها.
لاحظ خالد أن الشخص الآخر يحدق إلى جسد فاطمة المتعري فقال بغضبٍ وهو يشيح بسلاحه:
- انظر بعيدًا.
ترجمت الأنثى ما قاله خالد فقام الآخر بتحويل نظره ولكنه لم يبتعد عن زميلته.
انتهت الأنثى من تغطية جروح فاطمة بالكامل بالبودرة البنية ثم قالت وهي تقف:
- الحكماء يعالجونها.
ثم أشارت إلى الممر الموجود بآخره عربة أغراضهم.
ظل خالد واقفًا وهو يدير الأمر في رأسه وأخته ممددة أمامه. إنه لا يريد أن يخاطر ويرجع بها إلى بيتهما فهو لا يضمن وصولها إلى البيت سالمةً مع كمية الدم التي فقدتها وأيضًا هو لا يعلم ما تلك المادة التي وضعتها الأنثى على جروح أخته، وفي الجهة الأخرى هو لا يضمن هؤلاء الأشياء أو الأشخاص وأيضًا لا يعقل أن يختفيا هكذا ويتركا أمهما بمفردها.
ظل يفكر لوقتٍ طويلٍ وهو يعلم أنه سيلعن نفسه ألف مرة لو اتخذ القرار الخاطئ وهو أيضًا لا يملك رفاهية عدم اتخاذ أي قرار. ظل يفكر ويفكر حتى قال في النهاية:
- أين هؤلاء الحكماء؟
الأنثى: نصف يوم.... نصل الحكماء.
خالد: سنذهب معكم ولكن أقسم بالله إن تلاعبتم أو هربتم أو لم تعالجوها لأعذبكم عذابًا تتمنوا الموت معه مليون مرة.
نظرت إليه الأنثى بعيونٍ خاوية ثم قالت:
- لنذهب.
ثم التفتت للشخص الآخر قائلةً شيئًا ما بلغتهما.
بدأ الشخص الآخر بتفحص المقاتلين الراقدين على الأرض الذين فقدوا وعيهم فقط في القتال مع خالد، ثم أخذ أحد الأسلحة الملقاة وقتلهم واحدًا تلو الآخر ثم مر عليهم مرة أخرى حتى تأكد من أنهم فارقوا الحياة.
تابعه خالد باستغراب محاولًا أن يستوعب لماذا فعل هذا مع زملائه، ولكنه ترك الموضوع جانبًا حينما لم يجد تفسيرًا مقنعًا.
تقدمت الأنثى ومرافقها وخلفهما خالد حاملًا أخته بين ذراعيه وممسكًا سيفه بيده اليمني، حتى وصلوا إلى البهو الموجود بها عربات أغراضهم.
تحرك خالد إلى إحداها وعيناه لا تفارقان الشخصين الآخرين وهو يدرس كيفية التحرك إذا حاولا مهاجمته أثناء حمله لأخته.
أنت تقرأ
رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقي
Fantasyكان صوت أنين الأخير يصل إلى أذن چومانا ولكنها كانت تعلم أنه لا أحد يستطيع الاقتراب منهم ولا حتى أقاربهم. ومن يبدي فقط تعاطفه فسينتهي به الحال معلقًا مثلهم. كان سلوى أهاليهم الوحيد هو أن المُعلق سيموت سريعًا خلال يوم أو اثنين على أقصى تقدير ولن يتعذب...