وصل خالد إلى بيته ليجد فاطمة نائمةً في غرفتها، لم يشأْ أن يوقظها وترك الطعام الذي أحضره معه على طاولة السفرة، ثم جلس على الأريكة ليستريح.
استيقظت فاطمة الساعة السادسة صباحًا لتجد أخاها جالسًا على الأريكة، قالت حينما رأته ما زال مرتديًا بدلة العمل: هل هناك شيء يا خالد؟
قال لها بعينين متعبتين: لا شيء، فقط لا أستطيع النوم.
سألته فاطمة وهي تقترب لتجلس بجانبه:
- هل حدثت مشاكل في حفلة الأمس؟
قال بلا مبالاة: مثل باقي الحفلات.
كان قد مضى على رجوعهما أكثر من أربعين يومًا وخلالها عاد خالد إلى عمله في تأمين الحفلات والمناسبات وأيضًا عمله في تدريب الكاراتيه صباحًا.
قالت فاطمة وهي تضع يدها على كتفه:
- لماذا تبدو حزينًا بعد كل حفلة تحضرها، هل ضايقك المغني أو أحد المعجبين؟
قال باقتضاب: لا.
قالت له: احكِ لي يا خالد، ماذا يضايقك؟
نظر إليها خالد نظرةً مطولة ثم قال مفضفضًا عما يدور بخلده:
- أنا لا أعلم لماذا أعيش؛ أنا أستيقظ كل يوم أتمرن وآكل وأشرب وأعمل. وماذا بعد ذلك؟ لا شيء، لا شيء أعيش من أجله.
قالت فاطمة وقد فهمت ما يضايق أخاها:
- ستتزوج وتعيش حياةً سعيدةً مع من تحبها.
قال بنفس نبرة فقدان الرغبة في الحياة التي يتحدث بها:
- وبعدها ماذا؟ لا شيء. سأكون مثل الحمار في الساقية، أذهب وأعود من العمل وهكذا.
قالت فاطمة: يمكنك أن تبدأ عملًا خاصًّا بك، أقصد إنشاء شركة مثلًا.
قال خالد: لقد فكرت في ذلك ولكنني لا أشعر برغبة في أي شيء. الحقيقة يا فاطمة أنا لا أشعر برغبة في الحياة أصلًا.
اقتربت منه فاطمة ثم جلست بجواره قائلة بصوت هادئٍ حنون: هل تفتقدها؟
لم تتكلم فاطمة عن هذا الموضوع منذ عودتهما بناءً على طلب أخيها الذي أقام الدنيا ولم يقعدها عندما ذكرت اسم چومانا بعد يومين من عودتهما.
قال خالد وهو يتنهد ويرمي رأسه للخلف: لا أستطيع التوقف عن التفكير فيهم كلهم. چومانا وبراحت ودكتور محتوب ونيرساري.
قالت ببطءٍ حذر: هل تود الرجوع؟
قال خالد وهو مغمض عينيه: أنا أفكر في ذلك كل دقيقة، أنا أشعر أني خذلتهم بطريقةٍ ما. لقد تخليت عن أصدقائي هنا عندما كانوا في أشد الحاجة إلي ولكنني فعلت ذلك لخوف أمي ولكن لا شيء يمنعني الآن وأنا لا أتحمل تأنيب الضمير مرة أخرى.
قالت بهدوء لتختبر ردة فعله: يمكننا أن نرجع معًا، إنهم يحتاجونك.
قال خالد قاطعًا عليها الطريق: إذا رجعت فسأرجع وحدي.
قالت فاطمة وابتسامة ماكرة تظهر على شفتيها: إذا رجعت أنت فلن أتركك وإذا حاولت فلن تصل إليهم فلن تعرف الطريق من دوني.
قال خالد: إنها ليست نزهة.
ابتسمت قائلة: أنت قلت إنها مغامرة.
ابتسم خالد ورمى رأسه إلى ظهر المقعد ولم يعلق.
*****جاء اليوم السابق ليوم عيد الحصاد وقد بدأت التجهيزات للحفل السنوي وعمت الفرحة بعض بيوت الأوبجازيين في محاولة لنسيان واقعهم المزري الذي يعيشونه يوميًّا. أما چومانا والفريق فكانوا مشغولون بوضع آخر لمسات الخطة. كانوا يقفون في كهف التدريب الذي قضوا فيه الفترة السابقة كلها ومعهم كل من سيشاركهم في تنفيذ الخطة.
ألقى كل من بروتان وفابكيراع خطبة حماسية ألهبت مشاعر الموجودين ولكن چومانا رأتها مجرد كلمات لا تكفي لإزالة خوفهم أو خوفها.
مرت الأيام الأربعون الماضية ما بين تدريب وتجهيز للخطة وزيارة لمكان الاحتفال ثم تدريب وتدريب وكثير من التدريب.
انطلقت چومانا مع الفتيات للركن المخصص لهن بعد أن انتهى التدريب الأخير وأوى الجميع إلى مهاجعهم.
سمعت چومانا بعد قليل صوت أخيها براحت يناديها من الخارج فقامت متخطية النائمين، وما إن اقتربت ورأت علامات القلق البادية على وجهه حتى قالت: ما الأمر؟
قال لها: أريد أن أتحدث معك قليلًا.
أخذته ليقفا بعيدًا عن الباقين ثم قالت وهي تنظر إلى عينيه:
- هل هناك خطبٌ ما؟
قال براحت وهو يمسح شعرها ويزيل الشعيرات النازلة على جبهتها:
- أنا خائف عليكِ يا چومانا ولا أريدك أن تشاركي غدًا.
نظرت چومانا إلى عينيه العسليتين الجميلتين لثوانٍ ثم قالت بحنان وهي مبتسمة: أنا أحبك أخي، وأحب خوفك عليّ. ولكن مشاركتي غدًا هي أمل حياتي، ولا أظن أنه يمكنني التخلي عنه.
قال براحت:
- إذا كان ولا بد فيمكنك أن تكوني مع باقي الأوبجازيين الذين يسيرون الفوضى وليس وسط القتال.
ابتسمت مرة أخرى قائلة:
- لا يمكنني هذا أيضًا أخي. أنت أكثر من يعلم أنني عشت حياتي أحلم بهذا اليوم ولن أتخلى عن حلمي أبدًا.
سكت براحت وهو ينظر إلى الأرض منهزمًا ثم رفع رأسه قائلًا:
- على الأقل كوني قريبةً مني.
قالت: سنكون معًا حتى يجد أحدنا فرصة للوصول لدكتاس ويقتله.
قال: هذا يكفيني.
دخلا الكهف معًا وتركها تذهب إلى مكان الفتيات وهو يقول: أراكِ غدًا صباحًا.
نظرت إليه لبعض الوقت ثم انطلقت لتنام.
*****
أنت تقرأ
رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقي
Fantasyكان صوت أنين الأخير يصل إلى أذن چومانا ولكنها كانت تعلم أنه لا أحد يستطيع الاقتراب منهم ولا حتى أقاربهم. ومن يبدي فقط تعاطفه فسينتهي به الحال معلقًا مثلهم. كان سلوى أهاليهم الوحيد هو أن المُعلق سيموت سريعًا خلال يوم أو اثنين على أقصى تقدير ولن يتعذب...