الفصل الثالث :
تحركت "فيروز" بأقدام مترددة نحو مكتب "فارس" الذي استدعاها على عجالة ما أن فارقه شريكه "خالد" فبدا وكأنه يدب في قلبها سكين بارد السن، يُعذبها قبل أن يمزق قلبها.
وقفت للحظات أمام السكرتارية الخاصة بمكتبه، تود لو تسألها عن وجود شريكه "خالد" او عدمه، فلابد ألا يراها او يعلم بوجودها بالشركة ابدًا، بالاضافة لكونها لا تتمنى ابدًا لمح طيفه الأسود ولو على بُعد، فهي لم تنسى ما فعله معها بعد..!
نفضت أطراف ذلك السؤال المُلح على لسانها، وتمتمت بصوت حاولت جعله هادئ:
-فارس بيه طلبني.
اومأت الاخرى مؤكدة بجدية:
-ايوه فعلًا مستنيكي، اتفضلي.
دلفت لمكتبه وهي تأخذ شهيقًا ثم زفرته على مهل، طاردة معه رذاذ قلق أمطرها به عقلها المُلبد بالمخاوف، وقفت أمامه بثبات تُحسد عليه، وسألته مباشرةً:
-حضرتك طلبتني يا باشمهندس، في حاجة؟
للحظات لم يرفع رأسه عن الأوراق أمامه، فأحست وكأنه مديرها في المدرسة الذي سيُعاقبها على قلة تهذيبها !
رفع عيناه ببطء لها ولمحت فيهما الاستنكار لسؤالها، ثم ترجم ذلك السؤال لسانه حين سألها:
-أنتي شايفة إنك معملتيش حاجة؟
هزت رأسها نافية وهي ترفع كتفاها معًا:
-لأ مش عارفة، ياريت حضرتك تعرفني.
-أنتي ازاي يا باشمهندسة يا عاقلة يا رزينة تدلقي القهوة في نص الشركة وتجري زي الأطفال من غير حتى ما تنادي حد من الاوفيس يمسح اللي عملتيه.جاءتها حروفه شديدة اللهجة موبخة، تبًا لقد ظنت أن لم ينتبه لها أحد، ولكن كالعادة حظها التعس يفرض رسمه المُذل لها ضاربًا بكل ظنونها عرض الحائط.
لم تجد ثغرة في ذلك الموقف تستطع العبور بها من اسفل حجر الصرامة الشديد الذي وضعه بكلماته، سوى أن تتعمد الظهور كبلهاء غاضة البصر عن كبريائها قليلًا..
لذا بررت بابتسامة قطرت بما شابه بلاهة الأطفال:
-معلش يا باشمهندس أصلي كنت عايزه أدخل الحمام بسرعة.
ازداد الاستنكار تجمهرًا وسط حروفه وهو يردد خلفها:
-الحمام !
صمت لحظة ثم واصل بنفس الصرامة والشدة:
-مينفعش يصدر منك فعل زي دا، أنتي كدا مستهينة بمكانة الشركة اللي أنتي شغالة فيها، دي مش سوق الجمعه.
بملامح متجهمة اومأت برأسها موافقة:
-تمام، عن اذنك عشان ورايا شغل.
ثم استدارت نفس اللحظة وغادرت مسرعة وكأنها تهرب من بين فكي الأسد الذي لا يكف عن الضغط عليها بأنياب صرامته وشراسته.بينما فارس يراقبها بعينين شاردتين غير مقروء ما يعم سطريهما، ويده تتلاعب بالقلم بين أصابعه قبل أن يثبته متنهدًا.
****
دخل "عيسى" منزله الذي يقيم فيه مع شقيقه "حازم"صاحب العشرون عامًا، ووضع بعض المشتريات جانبًا على المنضدة وبدأ يبحث بعينيه عن شقيقه، لم يطول بحثه كثيرًا إذ اخترق الصورة شقيقه الذي خرج من غرفته، فقال عيسى بابتسامة هادئة:
-أي خدعة يا عم جبتلك كل اللي أنت عايزه.
تفحص الأشياء التي جلبها عيسى ثم هتف بشيء من العتاب:
-كويس إنك فاكر إني عايش معاك.
استنكر عيسى بشدة جملته:
-كويس إني فاكر !! هو أنا ليا مين غيرك أصلًا يا حازم عشان مافتكركش؟
هز حازم رأسه نافيًا وقد قرر مصارحته:
-أنا مبقتش في حياتك تقريبًا يا عيسى.
رفع عيسى حاجباه معًا مدهوشًا:
-ليه بتقول كدا ؟!
-مش عارف بقول كدا ليه؟ ولا عامل نفسك مش عارف؟
باغته حازم لأول مرة بنبرة بها هجوم جعل عيسى مأخوذًا بوقعه، فأجابه بصدق:
-لأ مش واخد بالي فعلًا يا حازم.
أعترف حازم شاعرًا بكل الأسف:
-أنت بعدت عني خالص يا عيسى، أنت كنت بتحكيلي على كل حاجة في حياتك، لكن دلوقتي أنا اتفاجأت زيي زي الناس الغريبة إن أنت هتتجوز، وكمان مش هتعمل فرح.
لم تمر تلك النقطة على بصر عيسى الذي إلتهى عقله تمامًا وأصبح ما يفكر به ويخطط له حاجز أمام عيناه..
لذا تنحنح وهو يسحب حازم معه نحو الأريكة برفق:
-تعالى بس يا حازم وهفهمك كل حاجة.
جلسا معًا على الأريكة، فواصل عيسى نافضًا عنه غبار الاتهام الذي ألقاه عليه:
-كل الحكاية إني قررت أتجوز وأستقر، الموضوع مفيهوش قصة يعني، وموضوع الفرح دا بسبب ظروفها أنت عارف يعني الناس مش بتسيب حد في حاله، وكمان عندهم حالة وفاة.
رفع الاخر حاجبه الأيسر في استهجان واضح وردد:
-عايز تقنعني إن عيسى اللي ماكنش بيفضل مع واحدة أسبوع، قرر فجأة يتجوز ويستقر !!
ضرب عيسى كفًا على كفٍ نافيًا إصرار حازم على حقيقة يحاول دفنها داخله حتى لا يعرض شقيقه لأي سوء او يُدخله في اعماله.
ثم أردف في حنق اجاد رسمه:
-ما يمكن ربنا هداني يابني، وقررت استقر وافتح بيت، إيه المشكلة! دا أنت غريب أوي يا حازم.
استدار بجسده نحوه وأمسك بمؤخرة رأسه يقربه منه وهو يؤكد عليه في حزم حاني:
-يا عبيط أنت اخويا، يعني أبعد أي حد عني إلا أنت، دا أنت كل اللي فاضلي في الدنيا دي ياض.
بدأت الابتسامة تتلمس أطراف ثغر حازم وهو يهز رأسه مؤكدًا قول شقيقه الذي يعلم دومًا كيف يحتويه مبددًا ما يعتريه من تراهات.
أنت تقرأ
رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيد
Roman d'amourرواية رومانسية اجتماعية ❤ أتمنى لكم قراءة ممتعة 😍