الفصل الثاني عشر :-
أسكتت الصدمة كافة حواس فيروز، حتى أنها فشلت في استيعاب الحديث الدائر حولها، ولم تعد قادرة على اعطاء رد فعل فبقيت متصنمة مكانها وكأنها فقدت أبجديتها...
اما فارس فلم تتدخر الصدمة جهدًا وأخرسته لثوانٍ قبل أن يمزق حلة الصمت هاتفًا بنبرة دبلوماسية صلبة:
-فيروز مراتي، لكن مش عرفي! رسمي.
حدقت به فيروز مذهولة، شاعرة بقدميها تغرسان أكثر في وحل، فيما سارع الصحفيين بطرح اسئلة اخرى عليهم، حتى أسكتهم فارس بقوله الحاد:
-في حاجة أسمها خصوصية ياريت نحترمها شوية.
ثم قبض على كف فيروز الذي صار كالثلج اثر الصدمة، وسحبها خلفه مغادرًا ذلك المكان... مؤقتًا.ركبا السيارة سويًا، فأغمض فارس عيناه غارقًا في بحر مظلم الجوف من الأفكار، بينما فيروز التي مازالت تعاني توابع الصدمة، بدأت تهسهس:
-يعني إيه ؟!
ثم صارت تردد بما يشبه الهذيان وهي تشعر بصبغة العار السوداء تلتصق بها شيئًا فشيء:
-أنا اتفضحت، اتفضحت!
في البداية كان فارس عاجزًا عن مواستها، ولا يستطع ترتيب أفكاره حتى.. ثم سارع يحاول تهدئتها:
-اهدي يا فيروز، ماتفضحتيش ولا حاجة.
فهزت رأسها وبقاع وجهها قد افترشها الضياع:
-ماتفضحتش ازاي؟! أنت مش سامع كانوا بيقولوا، أنا سيرتي هتبقى على كل لسان!
ثم حدقت به فجأة وكأن ارسال الكلمات لمركز الاستيعاب في عقلها بطيء، وصاحت مستنكرة:
-أنت ازاي تقولهم كده؟!
رفع كتفاه بقلة حيلة، يخبرها مدافعًا عن نفسه وعن نواياه:
-كنتي عايزاني أعمل إيه؟! لو مكنتش قولت كده كنت كأني بأكد كلامهم.
وضعت فيروز وجهها بين يديها، ورغمًا عنها انسابت دمعاتها معلنة انهيار تماسك صاحبتها، اقترب منها فارس ولا اراديًا مد أصابعه يمسح دموعها برقة متلمسًا طراوة وجنتها، وأمنية خفية تبزغ بين ضلوعه؛ أن يحتضنها محتويًا دموعها على صدره!
فيما نفضت يده بعيدًا عنها وهي تصيح فيه بشراسة مفاجئة ومناقضة للدموع المتلألئة في عينيها:
-ابعد ايدك واوعى تلمسني.
ثم تهدج صوتها اثر البكاء وهي تتابع:
-أنت حطتني في ورطة كبيرة.
جنح الغضب من كرامته الملكومة بتصرفها، للسانه الذي تشدق بحدة:
-أنا برضو اللي حطيتك في ورطة؟! أكيد أنا مش متلهف عشان أقول إنك مراتي او امسح دموعك، ده موقف رجولي وإنساني مني.
وجهت نظراتها له، فأكمل شارحًا لها علها ترى أنها هي التي في وجه المدفع وليس هو:
-أنا لو عليا عادي، مش مهم اللي يتكلم عليا يتكلم، وأقولك حاجة كمان، أنا هنزل دلوقتي أكدب اللي قولته.
ثم استدار بجسده يتظاهر أنه سيترجل من السيارة، متيقنًا كونها ستمنعه، وبالفعل حل يقينه على أرض الواقع حين أمسكت بذراعه مغمغمة بحروف متقطعة:
-أستنى، أنت ليه كده؟!
نظر لها عاقدًا ما بين حاجبيه، فأشبعت فضوله المتعجب حين بدأت تخبره بنبرة واهنة:
-أنت بتضغط عليا وبتذلني عشان متأكد إني هقولك لأ متروحش ومش بعيد أتحايل عليك.
إتسعت عيناه مذهولًا من منحنى أفكارها التي أشعرته أنه مجرد سادي:
-أنا ؟!
اومأت مؤكدة برأسها، ثم زمجرت مطلقة سراح دموعها وحروفها الهوجاء معًا:
-ايوه أنت، وبعدين هو مين السبب إني أكون موجودة هنا اصلًا وأتحط في الموقف الزفت ده، مش أنت؟
تنهد فارس بعمق، ثم خرج صوته هادئًا صلبًا وهو يخبرها على مهل:
-بصي يا فيروز، أنا اتعودت دايمًا إني أتحمل نتيجة أفعالي، عشان كده قولتلهم كده وعشان كده لازم نكتب الكتاب حفاظًا على سُمعتك لأن بكره الصبح الأخبار هتكون في كل حتة، حتى لو أنا بمعارفي حاولت أمسحهم.
لم تنطق وهي تسمع له مؤيدة كلامه داخلها، تشعر أنها داخل قوقعة كبيرة سوداء كتمت أنفاسها وربيع روحها، ثم انتبهت له حين استطرد:
-بلغي مامتك وعرفيني أجيلكم امتى واجيب المأذون، بس لازم في أسرع وقت.
هزت رأسها ببطء كالمخدرة بالألم والصدمة، وتمتمت:
-هبلغك.
عاد فارس للمقود من جديد وسار، بينما فيروز تشعر أن كل أحلامها... تخيلاتها تضيع في مهب تلك العاصفة، فهي ستتزوج من شخص اُرغم على الزواج منها فقط لأنه يتحمل نتائج أفعاله، ليس لأنه يحبها او يرغب بالزواج بها هي فقط بكل إصراره!!
أنت تقرأ
رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيد
Romanceرواية رومانسية اجتماعية ❤ أتمنى لكم قراءة ممتعة 😍