الفصل العاشر

16.2K 1K 49
                                    

تصويت قبل القراءة وكومنت بعدها فضلًا 🥺❤

الفصل العاشر :-

حاولت استجماع نفسها التي أبت ألا تبعثر، كأن رؤيته كفيلة بإحراق قشرة الثبات الظاهرية، وتأجج ما أسفلها من جراح غائرة..!
ثم رفعت رأسها، وهتفت بثبات تُحسد عليه رغم التبعثر الداخلي:
-خير؟! حتى هنا مش سايبني في حالي.
أفصح عن السؤال المتوقع مذ وقعت عيناها عليه:
-أنتي بتعملي إيه هنا؟
هزت كتفاها متظاهرة باللامبالاة التي كانت مفتقرة لها في تلك اللحظات حرفيًا:
-هكون بعمل إيه! بشتغل.
ضيق عينيه ورأت الشك يحوم فيهما بوضوح:
-بتشتغلي إيه هنا؟
زفرت أنفاسها بصوت مسموع، والضيق والنفور يفسحان مجالهما في باطن روحها وكلماتها، ثم تابعت:
-هيفرق معاك فـ إيه؟
شدد على حروفه وهو يقول:
-ردي على سؤالي يا فيروز، بتشتغلي إيه هنا؟
أرادت أن تركض بحروفها لنهاية ذلك الحوار المقيت، وبعد أن أسعفها عقلها بالمخرج:
-بشتغل مهندسة مع شركة **** وجايين هنا عشان المؤتمر، خلاص إرتحت؟
إنكمشت ملامحه بغضبٍ لحظي، فهذه الشركة معروفة بمعاداتها لشركتهم، تراها فعلت ذلك خصيصًا لتنتقم منه؟!
وقبل أن ينطق بالمزيد، كانت فيروز تغادر وهي تتمتم بكره:
-ياريت تكون أخر مرة أشوفك.
ثم تخطته كما تمنت دومًا أن تتخطى ذكراه الشنيعة وأثرها، ولكن لم تفلح!
وهو الاخر تغضنت ملامحه بالضيق، ولا يدري ماذا عساه يفعل!
فمن جهة موعد طائرته قد اقترب جدًا فلا يسمح له وقته للبحث خلفها، ومن جهة اخرى لا يمكنه توكيل شخص بذلك البحث، فلن يقبل أن يعرف احدهم بشاعة ما فعل بالماضي..

في نفس الوقت توجهت فيروز صوت المرحاض، بللت وجهها وهي تتنهد بصوت مسموع، تمنع دموعها بصعوبة من التقافز لعينيها، ورغمًا عنها بدأ الماضي ينسج ذكرى ذلك اليوم بعقلها، اليوم الذي بدأ عنده كل شيء.....

كانت لازالت طالبة في كلية هندسة، دخلت غرفة والدتها لتجدها جالسة ارضًا تبكي بانهيار، ركضت نحوها تسألها بارتياع:
-مالك يا ماما في إيه؟!
ازداد نواح والدتها وهي تخبرها من بين دموعها:
-لازم نسيب البيت.
عقدت فيروز ما بين حاجبيها بعدم فهم، فهذا البيت ملكًا لهم من والدهم:
-نسيب البيت ليه؟!
غمغمت بحروفٍ متقطعة كروحها التي تناجي السكينة:
-خالك، خالك آآ.... أخد كل حاجة.
للحظات فشل عقلها في تحديد مقصدها وسألتها دون استيعاب:
-أخد إيه؟!!
-أخد البيت والمحل وكل حاجة، كل حاجة أبوكي كان سايبها لينا.
جاءت اجابتها مبحوحة، لتزيد من تجمد عقل فيروز الذي شلته الصدمة... صدمة القريب التي جاءت كالطعنة في الصميم، في صميم معتقداتها وانتماءها... وقلبها!
ثم تابعت اسئلتها:
-أخدهم ازاي؟
-بالتوكيل اللي كنت عملاه له عشان يشغل المحل ويتابع كل حاجة.
ردت، ثم بدأت تضرب على فخذيها وهي تستطرد بحسرة والسؤال يدور كالحلزون دون اجابة:
-عمل كده ليه! عمل كده ليه حرام عليه، حرام عليه.
ثم هزت رأسها نافية، وقالت من وسط دموعها:
-أنا والله ما زعلانة على الفلوس قد زعلي إن اخويا اللي اديته ثقتي واعتبرته مسؤول عنكم بعد وفاة ابوكم يعمل كده، عمل فيا كده ليه! ده أنا شقيقته، ده أنا أشيل اللُقمه من قدام بوقي واديهاله!
لم تملك فيروز سوى أن تربت على كتفها برفق، وتضمها لأحضانها محتوية إياها بكل الدفء، علها تدفئ روحها التي أثلجها الجشع والصدمة..
ولكن والدتها مازالت تغمغم محدثة نفسها بقلة حيلة وقهر:
-طب هنعمل إيه! هنروح فين، وهندفع مصاريف جامعتكم منييين؟!
أرادت فيروز وبشدة أن تخفف عنها ما يثقل كاهلها، أن تأخذ قسطًا من الوجع الذي تراه يُعشعش في عينيها، ولكن لم تستطع... تشعر بكُليتها مُلَّجمة أمام سطوة الموقف.
ابتعدت عنها ببطء وبعينين متورمتين أخبرتها بنبرة متحشرجة:
-اطلعي وسيبيني لوحدي يا فيروز.
-يا ماما آآ....
كادت فيروز تعترض، ولكنها أصرت:
-عايزه أقعد لوحدي إطلعي.
لم يكن امامها سوى الامتثال لطلبها، فخرجت بخطى بطيئة تجر اذيال الخيبة..

رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن