الفصل السادس

17K 1K 28
                                    

استغرقت دقيقة تقريبًا لتستوعب المأزق الذي ألقاها به القدر دون مقدمات هكذا مجردًا إياها من كافة الحجج الممكنة!
ثم تراجعت خطوتان للخلف، وعدلت من خصلاتها وهي تبتلع ريقها بتوتر باحثة بين أرجاء عقلها الجاف عن كذبة جديدة، ثم هزت رأسها نافية بخفوت:
-مبعملش.
ازداد انعقاد حاجبيه الذي أكد لها غضبه الذي يزداد شيئًا فشيء:
-امال ماسكة اللاب بتاعي ليه؟
أفصحت عن كذبتها حين رددت بهدوء قارب على الخفوت:
-لاقيته طفى فقولت أشوفه عشان لو كده أحطه على الشاحن.
ثم مدت يدها نحوه تقربه تجاه فارس وهي تتابع بصوت حاولت جعله ثابت:
-خده اهوه شوف معملتش حاجة.
قبض فارس على كف يدها بقوة متعمدة، واقترب منها اكثر حتى صار امامها مباشرةً، قائلًا من بين أسنانه في تحذير:
-طب بعد كده إتحكمي في فضولك، عشان مبحبش أي حد يمد إيده على حاجة تخصني.
تغضنت ملامحها بألمٍ طفيف في كف يدها، وسحبت يدها من بين قبضته وهي تردف مستنكرة:
-إيه المستدعي كل ده! في إيه حضرتك؟
-في إني فاهمك كويس أوي.
قالها بصوت صلب، وعيناه تستبيح عقر عينيها التي اهتزت وهي ترمش متساءلة بصوت خرج مفعمًا بالتوتر:
-فاهمني إيه!؟
لم يتحرك ولو إنش، ولم تتغير ملامحه وهو يسترسل بنفس الصلابة والنظرات الغائرة:
-يعني فاهمك، وعارف امتى بتقولي الحقيقة وامتى بتكذبي.
تكذب إن أنكرت الانسياب الواضح لخلاياها في غمرة طوفان كلماته التي ترصدت أعماقها المظلمة المجهولة....
ولكنها ابتلعت ريقها رافضة الاستسلام، مستطردة بشجاعة لا تمتكلها حاليًا:
-أنا مش بكذب على فكرة.
مد فارس يده ورفع رأسها التي كانت تنظر في اتجاه اخر، وأردف بصوت أجش واثق:
-طب اعدلي اتجاه راسك، وظبطي نَفَسك وعَلي صوتك، وبعدين قولي مش بكذب.
عقدت ما بين حاجبيها بانزعاج، ولكن ليس من استنتاجاته الدقيقة التي أكدت لها ذكاؤه الشهير، بل من لمسة أصابعه لجلد وجهها الناعم، لا تدري لما استلطفت لمسته ولم تنفر منها، بل شعرت أن تلك اللمسة الرقيقة المداعبة لباطن روحها لا تناسب كلماته التعنيفية اطلاقًا..!
وهو الاخر نبتت بسمة صغيرة لم تدم سوى ثوانٍ وهو يجدها ترفرف بأهدابها على عينينها الفيروزية الناعسة، الناعمة ككل شيء فيها !
أبعد يده واضعًا إياها في جيب بنطاله ضاغطًا عليها بقوة وكأنه يعاقبها، فحمحمت هي قائلة بشيء من الاستنكار المرح لتغير الموضوع:
-هو أنت صاحب شركة ولا دكتور نفسي!
اقترب منها فارس قليلًا حتى تقارب وجيههما بابتسامة صفراء لم تظهر اسنانه، وتشدق بنبرة سمجة:
-صاحب شركة الصبح، ودكتور نفسي بعد الضهر، احنا هنهزر ولا إيه؟
في تلك اللحظة قطع صمتهما فتح الباب ودخول "نغم" طليقته السابقة، بعد أن أفرغت شحنة غضبها الأهوج في وجه السكرتيرة التي لحقت بها تحاول منعها مرددة في حنق:
-يا أستاذة مينفعش كده.
تجاهلتها نغم التي انتبهت لتقارب فارس وفيروز، اللذان تفاجئا بتواجدها، ونست سبب غضبها من تلك السكرتيرة التي دعست كبريائها المهووسة به، أشار فارس للسكرتيرة بالمغادرة:
-اتفضلي انتي يا هويدا.
فيما اقتربت نغم منهما وهي تسأل دون تردد مشيرة بعينيها تجاه فيروز:
-مين دي؟
رفعت فيروز حاجبها الأيسر مستنكرة سؤالها، فمَن هي لتسأل اصلًا؟!.. في حين رمقها فارس بنظرات حملت مقتًا مستقر داخله منذ القدم، واستحقار لسؤالها الذي لم يكلف نفسه عناء الرد عليه.
فتابعت نغم رافعة وجهها بترفع:
-هنتكلم كده قدامها؟
نظر فارس تجاه فيروز، متمتمًا بهدوء وجدية:
-اتفضلي يا فيروز تقدري تروحي تشوفي شغلك.
انتفخت اوداج فيروز بالغيظ الحقيقي حين طالبها بالخروج، مما يعني أنها تمثل سلطة في حياته لذلك استجاب لما تريد!؟

رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن