الفصل الثامن :-
وضعت الهاتف مرة اخرى على المنضدة بانهزام، انهزام لقلبها الذي أبى ثائرًا، ينعتها بالخائنة.. كيف لها أن تضعه بين اربعة قضبان وقد أصبح قلبها في قبضته وانتهى الأمر، وعقلها يجلدها بسوط الضمير، يحذرها أن تصبح شيطان أخرس، فتبقى هي مُعلقة بين قلبها وعقلها.. والجمر على بُعد خطوة من أي اتجاه ستخطوه!
جلست على الأريكة بملامح مهزوزة على وشك البكاء علها تفجر تلك الطاقة السلبية التي تهاجم جل خلاياها، وفي تلك اللحظات ظهر عيسى الذي كاد يفتح الباب ويغادر، ولكنه استدار نحوها متسائلًا بملامح مقتضبة بعض الشيء:
-مالك قاعدة كده ليه ؟ في حاجة مضيقاكي؟
ردت بنبرة ذات مغزى:
-ليه هو أنت هتعمل او بتعمل حاجة تضايقني؟
ثم بادرت بسؤال مماثل ولكنه أكثر اقتضاب وحدة:
-أنت رايح فين؟
هز كتفاه وكأن الاجابة التي تسأل عنها بديهية:
-رايح شغل، وبعدين من امتى وأنتي بتسأليني رايح فين؟!
رفعت حاجبها الأيسر مستنكرة ثم تابعت تذكره بما قاله سبقًا:
-مهو بما إننا بقينا بنتعامل عادي، وأنت عايزني استأذنك وأنا نازلة حتة، فـ يحق لي أنا كمان اسألك رايح فين.
تساءل في استهجان من طريقتها وقسمات وجهها الثائرة:
-مالك في إيه؟
فأجابت بحنق مفرط ليس بمحله:
-مالي يعني! أنت شايفني بشد في شعري؟!
هز رأسه بلامبالاة وكأنه فطن فقاعة الجنون الطفولي التي تبتلعها:
-طب أنا هسيبك عشان شكلك مجنونة دلوقتي.
وبالفعل تحرك نحو الباب، فأسرعت ناهضة خلفه توقفه وهي تصيح بحركة درامية ممسكة برأسها:
-دوخت دوخت مش قادرة إلحقني.
ولأنه لم يرَ ملامحها الدرامية وهي تصيح، صدق جوهر حروفها التي بثت القلق في روحه، فاقترب منها مسرعًا يسألها متلهفًا:
-مالك يا كارما حاسه بإيه؟
أكملت وهي تتقن رسم التعب على صفحة وجهها:
-اعصابي سابت مش قادرة.
حاوط كتفيها بذراعه برفق وراح يتمتم لها بصوت حاني استحضر خلفه ندم طفيف داخلها:
-اقعدي طيب وإتنفسي براحة والدوخة هتروح ان شاء الله.
أردفت بعفوية فضحتها:
-لا لا مش هتروح اوعى تمشي والنبي.
استكانت قسمات عيسى للحظات يتأمل ملامحها الخادعة، حتى ترآت له الحقيقة في جوفها، فزمجر فيها حانقًا:
-إنتي بتهرجي؟
هدرت فيه هي الاخرى تتصنع الانفعال بسبب تكذيبه لها، ولم تستطع الجمع بين الوهن والانفعال في نبرة واحدة ففُضحت اكثر:
-بهرج إيه يا عديم الاحساس والمسؤولية بقولك دايخة وأعصابي سايبة!
وبحركة مباغتة غير محسوبة كان عيسى يحملها بين ذراعيه، فتعلقت بعنقه بتلقائية وهي تشهق من المفاجئة:
-إيه ده نزلني.
تحرك بها صوب الغرفة، ثم وضعها على الفراش، وتعمد الاقتراب منها كثيرًا، حتى لطمت أنفاسه وجهها وأتت بنتيجة مثمرة فاهتزت حدقتاها في توتر ملحوظ وهي تبتلع ريقها متساءلة في توجس:
-أنت بتعمل إيه؟
أجابها بهمس خشن بعض الشيء ولم يبتعد ولو إنش، مستغلًا حالة التيه التي تصيبها في قربه:
-مش أعصابك سايبة؟
هزت رأسها نافية مسرعة وهي تغمغم بتلقائية غير مدروسة:
-لا لا مسكت مسكت خلاص.
إتسعت الابتسامة على ثغره وهو يقول بانتصار:
-جدعة خليكي مسكاها بقا لحد ما أرجعلك.
وبالفعل تحرك ولم يمهلها الفرصة لتنطق حرف واحد معترض، فنهضت خلفه تناديه ولكنه كان الأسرع حيث غادر فعليًا وأغلق الباب خلفه، زمجرت كارما بأعصاب إنفلتت تمامًا وضربت على الباب عدة مرات بغيظ حقيقي ينم عن الفشل الذي تشعر به حاليًا..
أنت تقرأ
رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيد
Romanceرواية رومانسية اجتماعية ❤ أتمنى لكم قراءة ممتعة 😍