الفصل التاسع :-
أحاطت صورتها في عقل فارس دائرة نارية من الشك، ولكنه استطاع شد لجامها حتى لا تشعل ثباته الذي يحافظ عليه بصعوبة، ونظر أمامه في صمت تام وكأن شيء لم يحدث، هنالك ثغرة لا يعلمها فيما يخص تلك الفيروز، ولكنه سيحبسها في نفس البئر المظلم المجهول ويتسلل لها في الخفاء كما تفعل هي، ليعلم عنها كل شيء..
فالمواجهة الصريحة الان لن تجدي نفعًا، وربما تفر هاربة ولا يستطع الوصول لها مرة اخرى او معرفة ما تريد..حين استظل الادراك بعقل فيروز، شهقت داخلها في اللحظات التالية ولكنها استطاعت حبسها في باطن جوفها، وقد تذكرت فخ الكذب الذي وقعت فيه بغباءها دون أي تدبير !
نظرت نحو فارس بنظرات تشبعت ذعرًا خشية شكه بها او معرفته لأي شي، ولكن وجدته ثابت ينظر أمامه متظاهرًا بالشرود...
بدأت تحاول تنظيم أنفاسها، تخبر نفسها أن ربما هو الاخر لم ينتبه، وأنه ليس بتلك الدقة فيما يخص الموظفين لديه، وعليها ألا تتوتر فتثير شكه!توقف المصعد، فنظر لها فارس بشيء من الغموض المستفز، نظرة أحستها ليست عادية، ولكنها أصرت ألا تتوقع السيء فقررت تجاهلها، ثم تخطاها وتوجه نحو استقبال الفندق..
تتبعه فيروز مسلوبة الأنفاس وقد اتضح أنها ليست بارعة بالكذب والتمثيل كما ظن!..***
بعد فترة...
كان الجميع يتأهبون متجهزين للمؤتمر الكبير الذي كان على وشك البدء، توجهت فيروز لتعد لنفسها كوبًا من القهوة، وقررت أن تفعل لفارس بالمثل وتقدمها له، لتجس نبضه تجاهه، إن كان قد شك بها سيظهر عليه بالتأكيد..!
وحين كانت قد إنتهت، عَلى رنين هاتفها بإتصال من احدى زميلاتها في الفريق، فأجابت بهدوء:
-ايوه يا هند.
سألتها الاخرى:
-أنتي فين يا فيروز؟
ردت فيروز وهي تسند الهاتف بكتفها وتحمل أكواب القهوة بيديها:
-أنا جايه كنت بعملي قهوة وبعمل لمستر فارس عشان واضح إنه مش في المود وأنتي عارفة المؤتمر مهم للشركة قد إيه.
-طب تمام متتأخريش يلا عشان بيسألوا عليكي.
-حاضر جايه.
أغلقت الهاتف، دون أن تنتبه للتي خلفها والتي استمعت لتلك المحادثة القصيرة، وإرتفعت أبواق المكر داخلها معلنة حرب انثوية على وشك البدء..
وبدأت تلك الحرب فعليًا، حين تقدمت "نغم" طليقة فارس، وبحركة متعمدة كانت تسكب أكواب القهوة التي كانت بيد فيروز وسُكبت أرضًا بعد أن اصابت جلدها بحرق، تأوهت فيروز صارخة بانفعال:
-مش تبصي قدامك.
وضعت نغم يدها على فاهها متظاهرة بالصدمة وهي تهتف ببرود:
-سوري بقا يا فيروز حظك، دلق القهوة خير!
شعرت فيروز بالغيظ يتسلط عليها كجنود خفية من شيطانها الذي بث فيها رغبة بقتلها، ولا تدري حقًا أي لعنة حلت عليها حتى تأتي تلك المقيتة خلفهم هنا.. لم تكن تعلم أن نغم تدير شركة هي الاخرى وجاءت لتحضر المؤتمر مثلهم..
فصاحت فيها باهتياج:
-لأ مش خير، المؤتمر خلاص هيبدأ ومفيش وقت أقعد أعمل قهوة تاني.
لوت نغم شفتاها في استهانة مرددة:
-وهو حد طلب منك اصلًا تعملي قهوة لفارس، ولا أنتي بتتلككي عشان تقربي منه.
إندفعت فيروز ترد لها الصاع صاعين بقولها:
-ليه أنتي مفكره كل الناس زيك ولا إيه؟!
اهتاجت فرائص نغم التي زمجرت بها غير سامحة لها بالمساس بكبريائها الرهيب:
-أنتي تطولي أصلًا تبقي زيي يا بتاعة أنتي! فوقي ده أنتي حتة موظفة في شركة.
ردت فيروز مشمئزة:
-مش عايزه أطول أصلًا، يوم ما أعوز أطول هعوز أطولك أنتي!
ظهر فارس في تلك اللحظة، ولم يتفاجئ من رؤية نغم، يبدو أنه قد قابلها بالفعل وعلم بوجودها، اقترب منها وهو يسأل مقتطب الجبين:
-في إيه صوتكم عالي ليه؟
سارعت نغم بالرد وهي تلبس حروفها ثوب المسكنة:
-كل ده عشان كانت بتعملك قهوة وخبطت فيها غصب عني وإتدلقت يا فارس، بدأت تغلط وتقل أدبها.
كادت فيروز تعترض مغتاظة، ولكن فارس أوقفها بإشارة من يده، وقال بحزم حاد بعض الشيء:
-في إيه يا فيروز احنا مش جايين نعمل مشاكل هنا، ومش في حضانة.
ثم هز رأسه مضيفًا باستنكار:
-وأصلًا تعملي أنتي القهوة ليه هي دي شغلانتك؟ أنتي جايه معانا بصفتك مهندسة معانا مش بتاعت الاوفيس!
تصنمت أمام سيل هجومه المفاجئ الذي اكتسحها مبددًا حروفها الحادة الهوجاء، وشعرت بالغيظ والحقد داخلها يتغذى على ذلك الهجوم، فيما أشار فارس لنغم التي كانت رافعة أنفها بنشوة الانتصار، قائلًا:
-يلا يا نغم عشان هنتأخر.
ابتسمت نغم وهي تخبره برقة لا تناسب وحشة باطنها:
-هعملك أنا قهوة يا فارس هتعجبك وهتظبط مودك قبل المؤتمر.
بادلها ابتسامة أعلنت نفسها على ثغره عنوة، وهو يجيبها بهدوء:
-ياريت، وشكرًا لذوقك يا نغم.
إتسعت عينا فيروز، منذ ثانية كان يوبخها لأنها تفعل شيء لا يخصها، والان يتقبل من الاخرى بصدر رحب!
انتفض داخلها بالاستحقار وهي تدرك أنه يسير وفق اهواءه، فما الذي تتوقعه منه وهي قد رأته مسبقًا يقف أمام تلك المقيتة مسلوب الأنفاس..
أنت تقرأ
رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيد
Romanceرواية رومانسية اجتماعية ❤ أتمنى لكم قراءة ممتعة 😍