الفصل الخامس :
لم تكن المفاجأة وحدها من تكفلت بتثبيت جسدها مكانه، بل تلك الكراهية التي كانت ربيبتها طيلة سنوات مضت، جنحت من الظلام في قلبها للعلن في عينيها التي أبت أن تخفي أكثر فباحت بما لم تبح به قبلًا..
ثم صدح صوتها وهي تهتف بحروفٍ ثقيلة:
-أنت إيه اللي جابك هنا ؟
رفع حاجباه معًا يصطنع الدهشة، رغم توقعه مسبقًا:
-هنتكلم هنا ! على الباب كده؟!
تغلغل عدم التصديق نبرتها التي مالت نحو السخرية بعض الشيء حين أردفت:
-أنت جايب برودة الأعصاب دي منين بجد، لتكون مستني أقولك ادخل نشرب شاي؟
هز رأسه ببساطة؛ وكأنه يزرع صبار في حديقة مفعمة بزهور الربيع:
-وليه لأ؟ هو أحنا مش قرايب وفي بينا دم؟! والدم عمره ما يبقى مايه.
تدرجت كلماتها للغل المدفون في مكنونات قلبها وهي تتابع من بين أسنانها:
-لأ بقا مايه من يوم ما عملت اللي عملته.
زفر مستطردًا بجدية أذهلتها وكادت تقنعها لوهله بحججه الوهنة جدًا:
-أنا حاولت أكفر عن غلطتي، لكن انتم فضلتوا مصممين، ورغم كده أنا جيت لكم اهوه تاني.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خالية من الروح، وواصلت بسخرية مريرة جمة:
-لأ كتر ألف خيرك مش عارفة هانودي جمايلك فين، بس أحنا مستغنيين، ياريت منشوفش طلتك هنا تاني.
لم يستطع تجاهل طريقتها الفظة معه أكثر، وكرامته استعصت المثول تحت ظل الصمت أكثر، فهدر فيها بقليلٍ من الإنفعال:
-اتكلمي معايا بأدب يا بنت، متنسيش أنتي بتكلمي مين.
وكأن نبرتها كانت تأن بوجع كصاحبتها، حين استطردت:
-ياريتني عارفه أنسى، أنا مش ناسيه ولا هنسى.
تراجع خالد خطوتان وهو يردد في فتور لطالما كان سكين باردة على عنق "فيروز" :
-أنا كده عملت اللي عليا، سلام.
ثم غادر تحت أنظارها الكارهة، ليته لم يأتِ، فحين يأتي لا يفعل سوى أن يسكب على جراحهم نارًا ليزيد من عذابهم.
أغلقت الباب بملامح مغلقة ايضًا، وكادت تعود لغرفتها، فخرجت والدتها تلك اللحظات من غرفتها وهي تغلق الخط ممسكة بهاتفها في يدها ويبدو أنها كانت تتحدث، ثم سألت فيروز بهدوء:
-مين اللي كان بيخبط يا فيروز؟
حاولت فيروز غسل ملامحها الموشومة بالنفور بابتسامة صافية وهي تجيبها بثباتٍ:
-دي كارما يا ماما عايزاني أطلعلها شوية.
عقدت والدتها ما بين حاجبيها وهي تنفي برأسها مستنكرة:
-تطلعيلها ده إيه! دي لسه عروسة جديدة، ماينفعش دلوقتي طبعًا.
هزت فيروز رأسها تسايرها:
-ايوه منا عارفة طبعًا، واتحججت بأي حجة.
اومأت والدتها موافقة، وكادت تتحرك فتقدمت منها فيروز بخطى سريعة لتحتضنها هكذا دون مقدمات، شعرت أنها تود أن تفعل ذلك لتوأد خيال الذكرى الذي يضج برأسها، مذكرًا إياها بالمعاناة التي عانوها بسبب ذلك الشخص الذي من المفترض أنه يربطهم به صلة دم، خاصةً والدتها !هم لم يرغبوا ابدًا بأكثر من العادي، رغبوا فقط أن يجدوا في العائلة الدفئ والحماية اللذان فقدوهما مع فقدان والدها، لا أن يزيد هو من معاناتهم برميهم في صكيع قارص لم تدفئ روحهم منه منذ ذلك الحين..!
أنت تقرأ
رواية " لخبايا القلوب حكايا " بقلم/ رحمة سيد
Romanceرواية رومانسية اجتماعية ❤ أتمنى لكم قراءة ممتعة 😍