اللحظة التي تنتظرها.. أنا أمقتها..
الحلم الذي تلاحقه.. لا أتفائل برؤيته..
وقلبي يمتليء ألماً.. مع ذكر أمانيك.. فتوقف..
أتذكر ما أخبرتني عن الحياة التي لا ترحم؟..
أتذكر ما أخبرتني عن ثمن الأحلام وعقبتها؟..
فماذا إن أخبرتك عدم رغبتي بدفع ثمنها!..
****
كم يكره هذه الرحلة.. لكنه أبداً لم يفقد أعصابه بذاك الشكل..
-:"إذاً لم.."
أخفض عينيه ينظر للنائمة على ذراعه وهو يهمس: "لم أنا غاضب؟"
تحركت السيارة فجأة فسقطت رأسها على صدره.. وعندها فتحت عينيها ورفعتها له تطالعه باستغراب.. ثم عادت لتنام ببساطة.. ارتفع حاجبيه وهو يشعر بشيء يحترق داخل صدره.. قبل أن يقرر تجاهل الأمر.. فتح حقيبة كتبه التي يحملها...
-:"لا تفكر حتى"
التفت ينظر لأستاذته التي كانت تمسك رواية لأغاثا كريستي بعنوان رحلة إلى المجهول.. رفع حاجبيه بينما يطالعها مفكراً أنه عنوان مناسب لهذه الرحلة السخيفة.
-:"إنها إجازتك.. لذا لا ترهق نفسك بالاستذكار"
قالتها بينما تطالعه بطرف عينها فأومأ لها قبل أن يخرج هو الآخر رواية لأغاثا كريستي لكن بعنوان موعد مع الموت ثم لوح بها قائلا: "لم أكن أنوي المذاكرة لا تخافي"
: "أنا لا أخاف أحداً يا ولد"
قالتها ثم عادت للرواية فالتفت هو الآخر وفتح الرواية.
-:"متى تنوي قراءة شيء آخر باستثناء الروايات البوليسية؟"
التفت ينظر لها فوجدها لا تزال مغمضة عينيها بينما تكمل بنعاس: "أعني شيئاً درامياً أو رومانسياً ربما"
-: "أنا لا أقرأ ما لا أقتنع به.. العالم ليس وردياً كتلك الروايات.. ولا أنوي تضييع وقتي بهذه التفاهات"
-:"يا لك من ممل كئيب"
قالتها وهي تنهض عن كتفه وتفرك عينيها ثم أكملت: "أنت بلا مشاعر مستر شفيق"
-:"وأنتِ بلا عقل"
كانت تتمطأ عندها قبل أن تلتفت له بحدة ثم اقتربت له حتى أصبحت المسافة بينهما معدومة وعندها شعر بالنيران تتصاعد أكثر داخل صدره حتى اختنق وأراد السعال لكنه كتم أنفاسه بصعوبة: "بلا عقل أفضل من بلا مشاعر مستر شفيق.. أشفق على المسكينة التي ستتزوجك"
-:أشفقي على نفسك"
همسها بداخله بينما ينفث الهواء بصدره بذات اللحظة التي التفتت بها ببطء وحاول هو تجاهل حركتها المفاجأة قبل أن تلتفت وتقول: "أمي أنا جا..."
توقفت عن الحديث وتراجعت تنظر أمامها.. فتوقع أن خالتها حدجتها بنظرة قاتلة حتى لا ترفع صوتها.. فوالدة ريم وزوجة والده كانتا نائمتين.. الجميع كان نائم عداهما والسائق بالطبع.. التفت لها عندها وقال: "لا تقلقي هناك استراحة قريبة.. يمكننا النزول بها وشراء الطعام"
أومأت بصمت ثم فركت عينيها ونظرت للرواية وهي ترد: "أفضل مشاهدة المحقق كونان على هذا"
-: "لأنكِ طفلة"
شهقت وردت: "انظروا من يتحدث.. كنت أنت في الأساس من عرفني على الرسوم المتحركة"
مط شفتيه قائلا: "أترين أنكِ طفلة.. عرفتكِ على شيء بهذه الروعة ولم تكلفي نفسك عناء الشكر حتى"
عقدت ذراعيها وهي تهمس بتذمر: "مغرور!"
*****
بعد أن اشترى لهما الشاي وبعض أكياس البسكوت.. عاد أدراجه نحو السيارة ليجدها قد خرجت منها.. خلعت سترتها ورفعت شعرها بذيل حصان.. بينما تقف موليةً إياه ظهرها تتطلع للسماء.. فاقترب منها ولم يحاول مجاراة تلك الرغبة بالوقوف ومراقبتها.. وما أن وصل لها التفتت تقول: "أنا أكره هذا"
تنفست بعمق بينما تلتفت وتنظر أمامها مكملة: "أنظر كيف تحيط بنا البنايات من كل جهة.. أنا بالكاد أستطيع التنفس.. كما أن الجو خانق بشكل لا يوصف"
عادت تتنفس بعمق ففهم أنها بالفعل تشعر بالضيق.. فاقترب يقف بجوارها وهو ينظر لما كان بيومٍ من الأيام قرية على الأرجح.. لكنها أصبحت الآن عبارة عن بنايات قبيحة موزعة بإهمال بكل جهة.. وإضافة لهذا لم تكن هناك أي شجرة بالمكان ليستظلوا بها.. والشمس الحارقة لم تكن تعترضها أي سحب.. لذا كانت الحرارة عالية بعض الشيء عن المعتاد بهذا الشهر.. كانت تشبه حرارة الصيف.. وريم تكره الصيف.
-:"أنتِ معتادة على المناخ الساحلي وحسب"
التفتا لبعضهما فابتسم وضرب رأسها بخفة قبل أن يكمل: "كأسماك بحر مدينتنا يصعب إخراجك منها"
ابتسمت له فشعر بارتياح لأن حزنها تبدد قليلاً.. ثم قدم لها كوب الشاي والبسكوت وتحركا يجلسان على عتبة عالية أمام الاستراحة بها بعض الورود الذابلة من قلة الاهتمام بها وبدآ بتناول الطعام.. بنفس اللحظة التي هبط بها والده من السيارة وتمطى مصدراً صوتاً مزعجًا.. قبل أن ينظر نحوهما لكنه تجاهله وسأل ريم: "عزيزتي هل رأيتِ السائق؟"
ابتلعت ما بفمها وردت: "قال إنه سيشرب فنجاناً من القهوة ويدخن بداخل الاستراحة"
تحرك عندها وهو يدمدم: "ذلك الجبان خائف من المسترجلة"
-:"ليس بقدر خوفك منها"
همسها فلكزته ريم بينما تكتم ضحكتها.. ثم التفتت تتأكد من ابتعاده قبل أن ترد: "ألا تتعلم الدرس أبدًا"
-:"أنا أقول الحقيقة وحسب"
قالها ثم احتسى قليلاً من الشاي ثم التفت لها فوجدها تتأمله قبل أن تقول: "جروح وجهك خفتت قليلا"
لم يكن مهتمًا بما قالته.. كان فقط يحدق بخصلاتها المنفلتة من عقدة شعرها والتي أحاطت بملامحها اللطيفة.. لطالما أعجبه لون شعرها الأسود.. حتى أنه بصغرهما قصته مرة واحدة وهو غضب وقتها لسببٍ غريب وطلب منها ألا تكررها.. وهي فعلت..
-:"شعرك انفلت"
قالها دون أن يعي بينما هي استغربت تعليقه.. قبل أن تتفهم أنه يعني ما قاله.. فتركت ما بيدها وبدأت بفكه لتعقده مجددًا بشكل أقوى..
-:"عليكِ ارتداء الحجاب مثلنا"
التفتت تنظر لفاطيمة التي اقتربت منهم.. حاملة قطعة قماش قدمتها لها فاستغربت ريم وردت:
"أنا لست محجبة"
ثم نظرت لها باستغراب بينما تحدق بالحجاب الذي ارتدته وهي تكمل: "وأنتِ أيضا لستِ محجبة"
-:"هل أنتِ حمقاء ريم؟!"
قالتها باستهجان قبل أن تكمل: "بالطبع أنا لست محجبة ولا أنتِ.. لكن هل تودين أن نظهر كالكائنات الفضائية هناك؟"
لم تتفهم ريم بل بدت مستغربة أكثر.. قبل أن تظهر علامات الضيق عليها وهي تتحرك بعصبية نحو السيارة وما أن وصلت سحبت الباب الجرار ثم نظرت لوالدتها تقول: "أمي لِم علي ارتداء الحجاب؟"
بدت والدتها مستغربة أيضا قبل أن تنظر لفاطيمة الواقفة خلفها ففهمت ما حدث..
-:"عزيزتي هذا لمصلحتك.. حتى لا تحزنك أي كلمة من عائلتنا هناك"
كان هذا رد زوجة والده قبل أن تتدخل والدتها وترد بحزم: "لا هي ليست مضطرة على الأقل ليس لهذا الهدف.. كما أنني أخبرتها مرارًا أنها إن ارتدت الحجاب لن تخلعه مجددًا والآن ليس استثناء"
هدأت وقفتها المتحفزة وبدا عليها الارتياح قبل أن تلتفت وتتراجع نحوه بينما تقول لفاطيمة: "من الأحمق الآن أيتها الثرثارة؟"
ثم جلست بجواره وعادت تتناول طعامها بينما فاطيمة تتذمر بطريق عودتها للسيارة..
-:"إذاً أخبرني.."
التفت ينظر لها فوجدها تبتسم بهدوء كأن شيئاً لم يحدث بينما تكمل: "أخبرني قصة تلك الرواية المملة"
-:"عندما يتحسن ذوقك سأخبركِ"
رد بها دون التفات فتأففت بعنف قبل أن تهمس: "أنا أشفق على تلك المسكينة.."
عندها ابتسم والتفت لها ثم رد: "عندما يتحسن ذوقك سأرد عليكِ"
***
أمضوا ساعتين أخريين على الطريق قبل أن يصلوا أخيراً لمدخل القرية.. إن كان هناك شيء يحبه في المكان سيكون فقط تلك الألوان الخضراء التي تحيط به من كل جهة.. كان مكاناً نادراً بتلك الأرض القاحلة لازال يحتفظ بمسببات الراحة النفسية.. التفت ينظر لريم التي فتحت النافذة ومدت رأسها للخارج كما المتوقع منها..
-:"صف السيارة على أي جانب"
همس ما أن سمع جملة والده: "ها قد بدأ التعذيب"
وبعد فترة قصيرة من الانتظار وصل رجل بسيارة وتحدث لوالده.. قبل أن يعود للسيارة يخاطب السائق: "اتبع تلك السيارة"
وبعد فترة من السير على الطريق وصلوا أخيرًا.. فتحت البوابة المعدنية الضخمة المفضية لحديقة صغيرة.. يليها منزل ضخم من طابقين.. وقد أحاطت مزرعة كبيرة بالمكان..
هبط من السيارة تتبعه ريم التي تنهدت بعمق وهي تهمس: "كم أكره عائلة والدك!"
التفت ينظر حيث كانت تنظر.. ليجد عماته الثلاث وبناتهن يقفن بإحدى الشرف.. وينظرن نحوهم وهن يتهامسن.. كان تلك اللحظة تتكرر بكل مرة يحضر بها إلى هذا المكان المقيت.. لكن فقط مرته الأولى التي كانت تعلق بذاكرته.. تلك المرة التي حضر بها مع والدته لا يمكنه محوها.
-:"مؤمن"
التفت لها ليجدها تتقدمه بخطوتين وقد بدا عليها القلق.. وقبل أن تكمل قاطعهما صوت جده
-:"ها أنتم ذا"
التفتوا له جميعاً بينما يقف بمدخل البيت مشيراً لهم بالاقتراب.. وما أن وصلوا سألهم: "لم تأخرتم؟"
رد والده بتبرم: "كنا لنصل أبكر لو أن أحدهم تركنا نأتي بالقطار بشكلٍ طبيعي"
لم تلتفت المعنية بالحديث له حتى وتابعت صعود الدرج بينما ترد: "تتحدث كأني أرغمتك على ركوب السيارة والجلوس بأريحية"
-:"لن يتوقفوا عن الشجار.. يا للإزعاج!"
قالها بينما يلتفت عائداً للسيارة..
-:"مؤمن إلى أين؟"
كان هذا السؤال من ريم فرد دون التفات: "سأحضر حقيبتي"
-:"اتركها وسيحضرها الخدم يا ولد"
كان هذا جده الذي أمره.. متوقعًا منه الانصياع لكنه لم يلتفت كالعادة.. وما أن وصل وبدأ بإزاحة الحقائب عن حقيبته.. وجد يداً تساعده فالتفت ليجدها ريم التي ابتسمت له وهمست: "هون عليك.. يومان وسيمران وسرعان ما سنعود لحياتنا"
ابتلع لعابه وهو يطالعها.. لقد كان غاضبًا بالفعل.. كما كان لا يرغب بالحضور لهذا المكان بأي ظرف.. يكره المكان كما يكره قاطني المكان..
لكن...
نظر لها بينما تزيح الحقائب وتنزل حقيبته وهو يهمس لاعنًا تلك ال لكن.. هي الأخرى يكرهها..
-:"هلا أحضرتما حقيبتي معكما"
كانت تلك فاطيمة والتفتت ريم بالفعل لتحضر حقيبتها.. لكنه منعها بأن أمسك كفها ورد: "تعالي واحمليها بنفسك"
حمل حقيبته وتحركا بينما تقول: "لم نكن سنخسر شيئا من إحضارها"
-:"لا تمنحيها الفرصة"
قالها بينما يسير.. فأسرعت الخطى لتسير بجواره وهي تسأل: "فرصة لماذا؟"
التفت لها ورد: "فرصة أن تعاملنا كالخدم"
بدت مذهولة من حديثه.. قبل أن تلتفت لفاطيمة التي كانت تشتكي لوالدتها من رده بينما تهمس: "خدم لأننا سنحضر لها الحقيبة؟ّ!"
-:"ستبقين ساذجة"
همسها بينما يسيران ولكن ما أن وصلا نظر له جده بتمعن.. وقد بدا عليه علامات الغضب قبل أن يبتسم وهو يقول: "هيا الآن ادخلوا"
دخلوا بالفعل وما أن فعلوا هتف جده: "نفيسة"
وعندها تراجعت ريم خطوة للخلف وهي تنظر للمرأة التي خرجت من المطبخ.
-:"حمداً لله على وصولكم سالمين"
قالتها بنبرة متعالية ووجهها لا يظهر أي علامات ترحيب.. كانت تلك عمته الكبرى.. أكبر من والده حتى.. وقد كانت كابوسا متحركاً.. وريم لم تنسى المرة التي وضعت بها ملعقة ساخنة على كفها لسببِ سخيف عندما كانت بالعاشرة.. نشب شجار يومها بين خالتها وبين نفيسة..
: "شكراً يا نفيسة.. رغم أن الترحيب لا يبدو عليكِ"
كانت تلك أستاذته التي ردت بابتسامة ساخرة.. قبل أن تلكزها والدة ريم.. بنفس اللحظة التي تدخلت بها نادية ترد: "شكراً يا عمة"
ضحكت باستهزاء ثم التفتت عائدة للمطبخ.. وما أن فعلت التفتت أستاذته لجده قائلة: "أحيانا أشفق عليك من تلك العائلة التي تملكها"
-:"شكرية هذا يكفي!"
قالتها والدة ريم بحدة فأجبرتها على الصمت.. بينما ضحك جده بشدة ورد: "أنا أستحق الشفقة بالفعل.. فأنا محاط بالحمقى"
-:"وما الذي يجبرك على هذا؟"
قالها مؤمن فالتفت له الجميع لكنه لم يهتم.. بقي يقف بثبات وبابتسامة هازئة أكمل: "تخلى عنهم وحسب وغادر"
-:"اخرس أيها المزعج ولا تتدخل بأحاديث الكب..."
-:"أنت من عليه أن يخرس!"
رد بها جده على والده بحدة.. قبل أن يلتفت ويتحرك ناحية غرفة الصالون فتبعه الجميع.. وهنا بدأ الكابوس الحقيقي.. عمتاه سيدة وفتنة ليسا بخطورة الكبرى.. لكنهما كالعقارب السامة.
: "أنرتم البيت يا أخي"
قالتها فتنة وهي تقترب لتسلم عليه.. وقد كان هذا أكثر الحوارات الباردة المفروض عليه رؤيتها بحياته حيث يحاول كلا الطرفين أن يبدي سعادته للآخر بكلمات الحفاوة المعتادة لكن هو وجميع من حوله وأي إنسان يحمل بعض العقل وأي كائن فضائي قد يمر بجوارهم سيرى بوضوح كم الادعاء والكره الواضح من كلا الطرفين..
التفت بلحظتها ينظر لجده الذي كان قد جلس بأبعد نقطة من الغرفة على مقعده الخاص.. لكن تلك النظرة بعينيه.. نظرة الحزن تلك لم يكن يراها إلا بهذا الموقف.. ثم يلتفت وينظر لصورة زوجته الراحلة وهو يهمس ببضع كلمات لا يعرفها.. كان هذا أيضًا مشهد متكرر لا يمكنه فهمه..
: "كيف الحال يا ريم.."
التفت ينظر لعمته سيدة التي أكملت بابتسامة صفراء: "كالعادة ملاصقة لمؤمن"
نظرت له ثم لها ثم له مجددًا.. ففهم أنها لا تدرك المغزى من جملتها.. قبل أن ترد ببساطة: "أنا بخير الحمدلله"
التفتت له بعدها لكنه عاجلها قبل أن تنطق: "أنا كنت بخير.. والآن نوعاً ما بخير.."
ثم ابتسم بينما يكمل: "وملاصق لريم كالعادة.."
كانت لا تطيقه وهو كذلك.. لكنها الآن تتمنى قتله لأنه لم يسمح لها ببث سمها وجعلها تبتلع كلماتها قبل أن تطلقها.. تلك الحمقاء..
-:"الغداء سيكون جاهز خلال نصف ساعة"
قالتها عمته نفيسة التي دخلت الغرفة.. فردت والدة ريم بأدب: "لا داعي.. أتينا للتحية وحسب.. سنذهب الآن أنا وشكرية فعمتنا جليلة بانتظارنا"
ابتسمت ريم بتلقائية ما أن سمعت ذاك الاسم.. كان هو الآخر ليبتسم لولا أنه على عكس ريم.. محبوس هنا ليومٍ كامل قبل أن يطلقوا سراحه في الغد.. وهذا إن سمحوا..
-:"بالطبع لا"
رد جده بينما ينهض ثم أكمل: "ستتناولن الغداء وتبقين معي لبعض الوقت سامية.. ولا نقاش بهذا"
كادت والدة ريم تعترض.. لكنه نظر لأستاذته وقال بابتسامة: "أنا واثق أن شوشو لديها رأي آخر"
ضحكت باستهزاء قبل أن تتحرك نحو الأريكة وترد: "أنت تعلم أنا لا أقاوم طهو ابنتك الغالية.. أدعو الله ألا تكون أفسدت الأرز كعادتها.. أو زادت الملح كما حدث بالمرة الماضية"
سمع ريم تكتم ضحكتها بصعوبة.. بينما بدا على عمته الغضب قبل أن تتخصر وترد: "على الأقل أجيد الطهو يا شوشو"
تنهدت أستاذته وهي تقول: "لا أجيد الطهو.. لكن أجيد الدراسة والحفظ يا نفوسة أذكر أنكِ كنتِ فاشلة بالاثنين"
-:"هذا يكفي كلتاكما!"
كان هذا التدخل من والدة ريم التي بدا عليها التعب.. فتحركت لتجلس بجوار أختها وهي تكمل: "لا تبدآ الشجار كالعادة"
-:"جيد ها قد جلستِ"
قالها جده ثم تحرك يغادر الغرفة بينما يكمل: "الآن اعذروني لبعض الوقت.. زكريا اتبعني أنت وابنك"
تحرك بملل متجه نحو غرفة مكتبه يتبعهما.. لكن بينما يسير التفت ليجد ريم تنظر نحوه وما أن تلاقت عيناهما ابتسمت وأشارت بقبضتها لتهمس: "تشجع"
ثم التفتت نحو والدتها فالتفت هو الآخر يدخل للمكتب.. كان جده يقف بقرب المكتب ويشرب بعض الماء ووالده ينظر من حوله للمكان وهو يقف بلا اكتراث..
: "لقد غيرت أثاث المكتب أبي.. هذا أفضل.."
حرك عينيه بلا اهتمام ينظر عبر النافذة متمنياً القفز منها بينما رد جده: "والد زوجتك السابقة هو من صنعه لي"
شعر بالتوتر الذي صدر عن جسد والده وعلم أنه الآن ينظر ناحيته.. فابتسم ابتسامة جانبية بينما ينظر عبر النافذة للا شيء.. قبل أن يرغم على الالتفات بيد قاسية.. نظر لعيني جده الذي كان يحدق به.. قبل أن يلتفت نحو والده قائلا: "لقد ضربته مجددًا رغم أني حذرتك!"
كان هذا ممتعا ليراه.. والده بدا مرتبكًا وعلى وشك نيل التوبيخ الآن.. نظر له فاتسعت ابتسامته ليغيظه أكثر..
-: "ألا يكفي فشلك وصفاقتك.. ألا يكفي أنك تسببت بموت والدتك وزوجتك السابقة.. ألا يكفي أنك خيبت أملي"
قالها بخفوت يملؤه الغضب بينما يقترب منه ثم وقف أمامه مباشرة وهو يكمل: "وها أنت الآن تحاول تدمير الشيء الوحيد الذي يمنعني من إلقائك بأي مكب للقمامة!"
رأى كفي والده ينقبضان ثم رد: "أنت لا تعلم ما فعله!"
-:"لا أعلم سوى أني حذرتك من ضربه"
قالها بهدوء خافت ورفع يده ليصفعه بعدها.. لكن عندها لاحت بباله ابتسامة ريم.. وشجار الأمس مع فاطيمة.. فتحرك بتلقائية ودون أن يشعر ليقف أمامه قائلاً: "هااي لا تضربه"
-:"لا تتدخل لست بحاجة لمساعدتك!"
التفت لوالده ونظر له لثانية قبل أن يرد بهدوء: "لا أهتم لأمرك.. هذا لأجل بناتك وعائلة زوجتك.. كيف سيشعرون إن خرجت ووجهك مزين بصفعة؟"
نظرا لبعضهما قليلاً وهو يفكر أن الأمر كان ليرضيه بل وسيسعده أن ينال تلك الصفعة.. فكما أهانه أمام بناته وريم ستتم إهانته أمام شقيقاته وبناته وزوجته..
-:"لكنه لا يستحق"
تلك الجملة ترددت بباله بصوت والدته.. كان يكرهه مثلما كرهته والدته.. لكنه لا يستحق حتى ذاك الكره وعندها التفت لجده ونظر له بإصرار فتنهد الأخير قبل أن يأمره: "غادر الآن"
لم يقف لثانية بعدها وغادر فورًا.. ثم مرت لحظات قبل أن يجلس جده على المقعد القريب منهما.. فالتفت ينظر عبر النافذة.. تلك الأرض التي تحيط بالمنزل هي السبب.. يتمنى لو أنها تحترق ذات يوم وحسب.. سيدفعها ويدفع حياته فوقها لو كان بإمكانه محو التعاسة التي عاشتها والدته بسببها لكنه لا يستطيع.. فقد رحلت بتعاستها وأخذت معها سعادته..
-:"أنت فعلا لا تهتم لأمره؟"
كان هذا السؤال من جده.. فرد ببساطة لا تنم عن الغضب بداخله: "إنها الحقيقة أنا لا أكذب"
سمع ضحكته القصيرة بينما يقول: "المشكلة أنك لا تكذب.. أنت بالفعل لا تهتم لأمره بل وتكرهه أيضاً"
التفت له فوجده ينظر ناحيته.. قبل أن يرتاح بالمقعد وهو يكمل: "أتعلم لم لا يمكنني سماع نصيحتك بالمغادرة وترك كل شيء خلفي؟"
بقيا ينظران لبعضهما لفترة قبل أن يرد: "لأنه ما من مفر لك.. أنت أحضرتهم لهذه الحياة.. ستبقى أشباحهم تلاحقك أينما ذهبت.. وهذا في حالة أنهم توقفوا عن ملاحقتك بأجسادهم"
بقي ينظر له قبل أن يبتسم ويقول: "أنا وأنت متشابهان يا ولد"
-:"للأسف"
رد بها قبل أن يكمل بعزم: "لكن لن أسمح لنفسي أن يتم أسري مثلك أبدا"
-:"حظًا موفقًا بهذا يا ولد"
قالها ثم فرقع أصابعه ناحية زجاجة المياه فتحرك نحوها يحضرها له بينما يسمعه يكمل: "جدك يرسل لك تحياته.. يخبرك أنه سيبقى منتظرًا ليوم لقائكما"
: "أنا أيضًا منتظر"
همسها وعينيه معلقتان بالصورة الموضوعة على المكتب.. كانت صورة زفاف والديه..
كانت والدته بالصورة.. وكانت مبتسمة.. كما يذكرها دائما كانت مبتسمة.. أيًا كان الموقف الذي يذكرها به.. سواء كانت تُضرب.. تبكي.. تضحك.. ساهمة في البعيد.. تشكو له ما تقاسيه..
كانت دومًا تنظر له وتبتسم بسعادة.. قبل أن تفتح ذراعيها وتدعوه للاقتراب..
سمع سعال جده فالتفت حاملاً الماء وناوله إياه..
-:"المطمئن أنك تشبهها أيضا"
همسها جده قبل أن يتجرع المياه وهنا استطاع أخيرًا أن يبتسم ثم التفت ينظر للصورة وهو يهمس: "أتمنى أن أشبهها ولو قليلاً"
****
لا يمكنها التحمل.. لا يمكنها تحمل إزعاجهن..
همستها بنفسها وهي تتنفس بعمق مجددًا ومجددًا..
كان هذا الفصل الأول من تلك الرحلة التعيسة..
ضمت ساقيها لها وهي تضع رأسها على ركبتيها.. بينما تنظر للبعيد وهي تهمس: "على الأقل سأرى جدتي جليلة"
-:"مرحبا ريم"
التفتت وابتسمت بتلقائية وهي ترد: "شهاب كيف حالك؟"
احمرت أذناه ووجنتيه قبل أن يقترب ويجلس بقربها وهو يقول: "بخير.. كيف حالك أنتِ؟"
طالعته قليلاً قبل أن تنطق بما يدور برأسها: "لقد ازداد طولك يا فتى"
نظر أمامه ورد: "بالتأكيد سيزداد طولي.. أنا أتقدم بالعمر"
ربتت على ظهره بقوة وهي تضحك ثم قالت: "وطال لسانك أيضًا"
تأوه بخفوت ثم التفت لها وابتسم يرد: "عندما لم أجدك بالداخل توقعت وجودكِ هنا"
خفتت ابتسامتها قبل أن تلتفت وتنظر للمزرعة.. من البوابة الجانبية للمنزل التي تؤدي إليها مباشرة.. ثم تنهدت بعمق مجددًا قبل أن تقول: "هذا مكان يخفف علي عناء الوجود مع عائلتك"
ثم التفتت ومطت شفتيها وهي تكمل: "وعائلة والدي بالطبع"
-:"وأنا أيضا"
قالها سريعًا مجبرًا إياها على الضحك قبل أن تعبث بشعره وهي ترد: "انظر لنفسك كيف كبرت.. كنت البارحة فقط أحملك لأركض بك"
نظر أمامه وقال بحنق: "أنتِ تكبريني بثلاث أعوام فقط!"
ازداد ضحكها قبل أن تزيد من العبث بشعره وهي ترد: "لكن لازلت كنت أحملك يا ولد"
-:"ريم"
التفتت لمؤمن الذي كان يحمل دارين.. ثم نهضت سريعًا تتجه إليه وهي تسأله: "كيف كان الأمر؟"
وقفت أمامه فرد بهدوء: "لا شيء.. لا تقلقي"
تنهدت براحة قبل أن تأخذ دارين منه وتقول: "لندخل الآن حتى لا ينزعجوا من جلوسنا بالخارج"
ثم تحركت أمامه بينما اقترب شهاب منهما.. ومع تحركها التفت ينظر لها..
-:"لا تنظر لها هكذا وإلا اقتلعت عينيك"
التفت ليجد وجه مؤمن مقابلاً له فتحرك للخلف بفزع.. قبل أن يستقيم مؤمن ويتنهد مكملا: "يكفيني الحمقى بالمدرسة.. أحدهم سيتم قتله على يديّ قريبا"
اتسعت عينا شهاب قبل أن يقترب منه ويقول بحنق: "لا يمكن أن يحدث هذا.. عليك حمايتها حتى أكبر وأتزوجها"
ارتفع أحد حاجبيه ثم عاد يهمس: "هذا ما كان ينقصني!"
-:"هاااي أنتما أسرعا"
التفت ينظر لها فوجدها تنظر لهما باستغراب وعندها سقطت عيناه على دارين.. فاقترب منهما وأخذ دارين منها بينما يتبعه شهاب وقبل أن يفتح فمه ثم التفت يناوله إياها بينما يقول: "ها هي عروسك التي تتوسلني لحملها يا شهاب"
اتسعت عينا شهاب وهو ينظر له بصدمة.. بينما مؤمن يبتسم بطريقة شريرة.. ثم لريم التي ابتسمت له بدفء قبل أن يكمل مؤمن: "لكن لا تعتد على هذا"
التفت ينظر للصغيرة التي كانت تضع إصبعها بفمها.. واتسعت عيناه أكثر قبل أن يهمس: "هذا مستحيل.. لن يحدث هذا!"
-:"هذا لا يجوز"
قالتها ريم بينما تنتزعها من بين يديه قبل أن تكمل: "لا يجب أن يحملها مؤمن!"
-:"لماذا؟"
-:"رددت على نفسك منذ قليل.. هي عروسه كيف يحملها؟"
كان شهاب يقلب عينيه بينهما.. ثم ينظر للصغيرة التي كانت تطالعه بغرابة.. ثم ضحكت وهي تمد إحدى يديها إليه.. وعندها شعر بصدمة وهو لا يصدق أنهما يتحدثان بجدية فعلاً..
-:"أنا حملتك مرة وأنتِ صغيرة"
نظر لمؤمن ثم لريم التي ردت بهدوء: "هذا أمر مختلف.. علاقتنا مختلفة.. أنت واجبٌ عليك حملي إن أصابني مكروه.."
ثم تحركت لتغادر فنظر شهاب بأثرها ببلاهة وهو يهمس: "يا لها من ساذجة"
-: "هذا ما أقوله دومًا"
رد بها مؤمن قبل أن يلحق بها تاركاً إياه يحدق بأثرهما قبل أن يهمس: "إنهما مجنونان.."
*****
جلسوا على مائدة الطعام جميعاً.. تلفتت حولها تنظر للمكان.. كان سقف الغرفة عالي وتحتل منتصفه ثريا ضخمة.. ضخمة للغاية.. كان شكلها مخيف لكنها بدت لائقة على كل شيء من حولها..
-:"لابد أنكِ لم تري مثلها قبلا"
نظرت لابنة عمة مؤمن التي تكبرهم بعامين.. والتي ارتاحت بمقعدها وهي تكمل بعنجهية: "لا يمكنك أن تري مثلها في..."
-:"توقفي عن التبجح!"
قالها الجد قبل أن يكمل بسخرية: "فأنتِ حمقاء كسائر الحمقى بهذه العائلة!"
التفتت تنظر لها فابتسمت لها بسخافة.. وحركت حاجبيها مستفزة إياها لترد.. لكن ما كانت لتتحدث الآن..
-:"إنها تشبهك كثيرًا يا سامية"
التفتت تنظر للجد الذي أكمل بابتسامة: "أتساءل إن كانت ستصبح مثلك بكل شيء"
عادت تنظر لوالدتها التي بدورها كانت تنظر لها وتبتسم.. قبل أن تمسح على شعرها وهي تهمس: "ستكون بالتأكيد"
ابتسمت هي الأخرى ثم التفتت لمؤمن.. الذي كان يحمل دارين وهو يجلس بجوار شهاب ويتحدثان وقد أسعدها كونه أخيراً يتحدث مع شخصٍ غيرها..
***
-:"لا أصدق أنك ورطتني بهذا!"
همسها بحقد بينما ينظر له.. فابتسم مؤمن بسخرية قبل أن يرفع دارين أمامه.. ويداعب أنفها وهو يرد: "ستشكرني يومًا ما على هديتي الساحرة.. دودو لن تجد مثلها"
التفت ينظر لفاطيمة وعلياء اللتان كانتا تتشاجران ثم همس: "أرى نسختين أكبر منها!"
التفت ينظر لمؤمن الذي ابتسم بشر قائلا: "إنهن ملائكة صدقني"
ضاقت عيناه وهو يرد: "بالطبع لن أفعل.. من يصدق شيطانًا مثلك"
أشار لريم برأسه وقال: "هي تفعل"
التفت شهاب ينظر لها قبل أن يرد: "هذا لأنها طيبة وحسب.. طيبة ولطيفة وجميلة و..."
توقف عن الحديث لسببٍ لا يفهمه فالتفت ينظر لمؤمن ليجد نظراته منصبة عليه وقد شعر عندها أنه بالفعل ينوي قتله وعندها فهم السبب بتوقفه عن الحديث.. لقد كان الخوف..
-:"وأنت لست كذلك"
كان هذا رد مؤمن قبل أن يكمل: "ولست شيطانًا كذلك"
ثم اقترب مجبرًا إياه على التراجع.. بينما يرى عيناه تلتمع بالشر من خلف نظارته وهو يكمل: "لذا تنحى جانبًا لمصلحتك"
*****
أخيرًا غادرن ذاك المنزل كان هذا ما يدور ببالها وحسب.. وهي تتحرك مع والدتها وخالتها بالسيارة ناحية القرية.. حتى وصلوا لبيتٍ بسيط تحيط به أرض خضراء.. ما أن توقفت السيارة خرجت سيدة طاعنة بالسن بابتسامة واسعة.. وعندها هبطت من السيارة وركضت نحوها وهي تهتف: "اشتقت لكِ يا جليلة"
ضحكت بخفة ثم أبعدتها وهي ترد: "وأنا أيضا يا عزيزتي"
كادت ترد لكن ضربة أصابت رأسها.. فالتفتت لخالتها التي قالت: "قولي جدتي يا مقصوفة الرقبة!"
مطت شفتيها بانزعاج قبل أن تسحبها جليلة لحضنها وترد: "اتركيها تفعل ما يحلو لها يا مزعجة!"
أرادت أن تخرج لها لسانها لكنها فضلت عدم افتعال المشاكل..
-:"لِم تأخرتن؟"
سألتها فأتى الرد من والدتها التي اقتربت تقبل جبهتها وهي ترد: "مكثنا بعض الوقت بمنزل عائلة الهلالي"
أطرقت تنظر لها وهي تمسح على شعرها قبل أن تقول: "المسكين صلاح.. عسى أن تكون زيارتكم أسعدته قليلا"
حركت كتفيها وردت: "لم يبدو حزينًا لي"
-:"لا زلتِ ترين بعينيك وحسب"
نظرت لها باستغراب وهي تتذكر سماع تلك الجملة من قبل.. لكن سرعان ما انشغلت بأحاديثهن قبل أن يدخلن المنزل..
****
بوقتٍ متأخر من المساء..
كانت تنام بجوار النافذة الموجودة بجوار فراشها البسيط.. كان القمر ظاهرًا بوضوح أمامها.. والمكان من حولهم بالكاد مضاء ببعض المصابيح.. وعندها لاح ببالها مظهر مؤمن وهو يودعهن اليوم.. بدا حزيناً بشكلٍ لا يوصف وهي تقدر الجحيم الذي يمر به.. وتتمنى فقط أنه يجلس الآن بغرفته بعيدا عن إزعاجهم له.. نامت على ظهرها تنظر للسقف وهي تفكر به وعندها لاحت ببالها صورة عمته.. نفيسة الخبيثة.. اقشعر جسدها فوراً وهي ترفع كفها لتنظر لأثر علامة الحرق الباقي معها.. والذي ربما لن يُمحى أبداً.. تلك الخبيثة كانت على وشك تشويه وجهها كذلك لولا تدخل مؤمن يومها..
ابتسمت وهي تضم كفها لها متذكرة كيف دفعها يومها لتسقط غير مبالي لصراخها وضربها له ثم سحبها ليغادرا نحو بيت جدتها جليلة.. ثم انفجرت بعدها ضاحكة وهي تتذكر خالتها شكرية عندما ذهبت إليها مقسمة أن تضربها وقد فعلتها..
توقفت عن الضحك ثم عادت للنوم على جانبها وهي تنظر للخارج وبعد فترة شعرت بالنعاس يثقل عينيها فأغمضتهما وهي تهمس: "تصبح على خير مستر شفيق"
***
ضحكات عالية..
ضحكات مزعجة..
المكان كان يضج بها..
-:"الحمقى المدعين"
همسها بينما يجلس مع جده بشرفة مكتبه.. فبهذا البيت لن يجد مكانًا لا يزعجه به أحد إلا بجوار جده.. فالجميع يهاب الاقتراب منه.. عدل من وضع نظارته وهو يحاول عدم الاستماع لحديثهم الذي يصله بوضوح والتركيز على الرواية.
-:"ألم يغير والدك رأيه يا نفيسة؟"
-:"أنتِ تعرفينه.. لا أمل لنا على الإطلاق بإقناعه"
كان هذا جزءًا من حوار تجنب سماع بقيته فهو يعرفه حق المعرفة..
-:"هاااي يا ولد"
التفت لجده الذي كان يجلس على مقعد خاص.. بجواره منضدة صغيرة ثم ابتسم وقال: "تعال واجلس بقربي"
تحرك بالفعل من جلسته على الأرض ثم جلس بجوار مقعده وهو ينظر للسماء قبل أن يكمل جده: "أخبرني ما الذي تقرأه؟"
تنهد ونظر للرواية قبل أن يفتحها ويرد: "إنها رواية بوليسية لكاتبة معروفة اسمها أجاثا كريستي"
أشعل القداحة وبدأ ينفخ في الغليون خاصته ثم قال: "إذاً ارويها لي"
*****
في الصباح التالي
تحركت بعد أن اغتسلت نحو المطبخ حيث كانت تقف والدتها بينما تجلس جدتها على أحد المقاعد ومع شعورها بذلك الهدوء وتلك السكينة تنهدت براحة وسعادة ثم ابتسمت تقول: "صباح الخير"
-:"صباح النور"
ردتا بالوقت ذاته قبل أن تتلفت هي بالمكان وتسأل: "أين خالتي؟"
-:"ذهبت للتنزه"
ردت والدتها فأومأت واقتربت تقول: "هل أساعدكما؟"
-:"أعدي الطاولة الموجودة بالشرفة الخارجية ريم.. سنتناول عليها الغداء"
-:"دعيها تتناول الإفطار أولا سامية"
-:"لست جائعة"
كانت ابتسامتها قد اتسعت.. قبل أن تقفز للخارج وهي تهتف مكملة: "سأعدها حالا"
كانت تدندن بلحن ما بينما تعدل وضع الطاولة.. باللحظة ذاتها التي سمعت بها صوت سيارة تقترب من المنزل.. التفتت تنظر نحوها ليتوقف كل شيء.. كان هذا أسوأ جزء من تلك الرحلة..
توقفت السيارة ليترجل منها رجل وامرأة.. عمها وعمتها.. واللذان كالعادة حدجاها بازدراء.. قبل أن يصرخ بها عمها: "لم تقفين بالخارج دون حجاب؟!"
أرادت أن تصرخ به بالمثل.. لكنها تنفست بعمق قبل أن ترد: "أنت تعلم أني لست محجبة"
-:"ولم لستِ محجبة للآن يا فتاة؟"
ها قد ظهرت السيدة حرم سلطح باشا.. والتي تخال نفسها حفيدة آخر ملوك الفراعنة..
-:"ثيابكِ لا تدل على هذا"
همستها وهي تنظر لألوانها العجيبة بينما تتخيل أن لون أحمر شفاه خالتها الداكن أرحم من ذاك اللون الفاقع الذي ترتديه بوضح النهار..
-:"برتقالي.. برتقالي بوضح النهار يا طريفة؟!"
همستها بداخلها فترددت بأذنيها بصوت والدها.. وعندها ابتسمت وهي تهمس جملته الشهيرة: "رحم الله أباكِ"
-:"بم تهذين أيتها المزعجة؟"
قالها بصوته الغليظ فابتسمت له قبل أن تهتف: "أمي.. عمي وعمتي قد حضرا"
ثم التفتت تسبقهما بالدخول وهي تهمس مكملة: "للأسف"
بعدها بفترة كانت تقف بالمطبخ لتعد لهم الشاي.. وهي تستمع لحوارهم مع والدتها.
قدم معتمد ظرفًا على الطاولة وقال: "هذا نصيبك من بيع محصول الأرض هذه السنة"
ابتسمت وردت: "شكراً يا معتمد"
-:"لماذا ريم ليست محجبة للآن يا سامية؟"
تنهدت والدتها بعمق قبل أن ترد: "ريم يمكنها تقرير ما تريد.. ما علي سوى النصيحة وإخبارها بالصواب والخطأ"
-:"لهذا أردتكم أن تعيشوا قربنا!"
قالها عمها بعصبية فهمست هي الأخرى: "بأحلامك أيها المعقد"
سمعت صوت ضحكات مكتومة.. فعلمت أن جدتها تضحك على مظهرها بالتأكيد.. وعندها لاحت ببالها فكرة فابتسمت بشر..
:"أنا لن أخرج من بيتي إلا لقبري يا معتمد.. وابنتي لم تعتد على حياة الريف.. كما أني لا أستطيع الابتعاد عن أخواتي"
سمعت والدتها تقولها بحزم.. بينما تحمل صينية الشاي وتتجه نحوهم ثم وضعتها بينهم..
-:"هذا لمصلحتك سامية.. الفتاة أفضل لها أن تكون بجوار عائلة والدها"
نظرت لعمتها وهي تتمنى أن يصدر من عينيها الآن شعاع ليزر كما بالأفلام لتذيبها بمكانها قبل أن ترد والدتها بهدوء: "عائلة والدها لا تتلقى منهم اتصالا طيلة العام يا طريفة إلا بشأن المال"
-:"هذا لأنكِ بعيدة"
قالها عمها قبل أن يكمل بازدراء: "كما أن حقكن بالأرض يصلكن سنوياً ماذا تريدين أكثر؟"
التفتت تنظر لوالدتها التي طالعت الظرف بأسى.. وابتسمت وهي ترد بخفوت: "نعم.. حقي يصلني بالفعل ماذا أريد أكثر"
أرادت قتلهما أو طردهما وقد كانت على وشك فعل إحداهما قبل أن تسمع صراخهما ولعن عمها فالتفتت لهما وابتسمت بينما يصرخ بها: "ماذا وضعتِ بالشاي؟"
ادعت البلاهة وعقدت حاجبيها قبل أن تفكر ثم شهقت وهي ترد: "يبدو أني نسيت ووضعت الملح مكان السكر!"
ابتسمت بسخافة لهما ثم أكملت: "العذر منكما"
التفتت بعدها لوالدتها وقالت: "سأقف بالخارج قليلا"
أومأت لها بابتسامة فعلمت أنها على موعد مع توبيخٍ منها.. فهي تعلم أنها يستحيل أن تخلط بين الملح والسكر..
خالتها ربما..
لكن هي لا..
ومع هذا علمت أيضاً أنها سعيدة بداخلها لما فعلته.. التفتت بعدها لتغادر المنزل متجاهلة حديثهم.. لكن ما أن خرجت وجدت مؤمن يقف أمام المنزل.. اقتربت منه وهي تبتسم وتقول: "هربت بهذه السرعة سيد شفيق"
-:"ليس بسرعة هروبك يا سبونج بوب"
رد بها بينما ينظر للسيارة ثم أكمل: "يا لها من سيارة قبيحة"
التفتت تنظر لها وهي ترد: "هي كذلك"
-:"كراكبيها"
قالاها معاً باللحظة ذاتها.. قبل أن يلتفت لها مؤمن ويبتسما لبعضهما ثم قال: "هل نهرب؟"
-:"سأسبقك بهذا"
قالتها ثم ركضت أمامه فتبعها.. كانا يعلمان أين سيتجهان بالضبط.. فبنهاية القرية هناك أرض واسعة مملوكة لجده.. وصلاها بعد ركض لنصف ساعة.. وكالعادة وجدا أستاذتهما جالسة أسفل شجرة البرتقال التي تتوسط الحقل.. توليهما ظهرها بينما تتطلع للبعيد بجوارها حافظ الحرارة المليء بالشاي طبعاً وهي تضع مفرشاً على الأرض وتجلس فوقه.. تحركا نحوها وما أن وصلا لقربها سألتهما دون التفات: "كيف تجداني دائمًا؟"
التفتت له ريم قبل أن تعاود النظر لها وهي ترد: "ربما لأنك لا تغيرين مكانك أبدًا"
همهمت قبل أن تتنفس بعمق وتقول: "سأنتبه لهذا بالمرة القادمة"
-:"هل نغادر؟"
قالها مؤمن بعد صمت حل لثواني.. لكنها تنهدت مجدداً وردت: "أين ستذهبان.. لابد أن الحمقى أجبروكما على الهرب إلي"
ابتسما عندها ونزعا أحذيتهما.. قبل أن يجلسا على المفرش أسفل منها وهما ينظران للأرض من حولهما.. كان ذلك المكان الوحيد الغير مزروع بسبب شجرة البرتقال على الأرجح.. وكان هذا شيء تستغربه بكل مرة.. التفتت لخالتها وقالت: "أتساءل لِم يسمحون لنا بالجلوس هنا كل مرة؟"
صبت خالتها لنفسها بعض الشاي بينما تنظر لها باستهزاء وترد: "يا فتاة أنتِ تجلسين بجوار صاحب الأرض بنفسه"
نظرت لمؤمن الذي اضجع بارتياح على الأرض.. مستنداً على ذراعه وهو يرد بثقة: "ابنة أختك لا تمنحني وضعي الحقيقي.. لا تعرف من أنا.."
مطت شفتيها وقالت: "لست صاحبها لوحدك لو تعلم"
-:"هذا ينطبق على قراره"
التفتت لخالتها التي أكملت: "قد ينفذ وصية جده ويأخذها لنفسه"
-:"لا لن يفعل بالتأكيد"
قالتها بشكلٍ قاطع فحركت خالتها كتفيها بلا مبالاة.. وعندها التفتت تنظر أمامها.. كانت تشعر أنها خائنة.. لأنها تركت والدتها وحدها في المنزل.. مع الرجل الإخطبوط والمرأة البرتقالة.. لكنها لا تطيق الوجود معهم بالمكان ذاته..
نامت على ظهرها تطالع السماء وهي لا تصدق أن والدها كان شقيقًا لهما.. والدها الحنون المرح صاحب ألطف ابتسامة وأطيب قلب.. لم يعنفها يومًا أو يصرخ عليها.. لا زالت تذكر للآن حمله لها على كتفيه والركض بالشارع.. حتى عندما مرض لم يتوقف عن تدليلها..
لكنه رحل تاركًا لها السيرة الطيبة.. وعائلة لم تسأل عليه بمرضه حتى.. فهل كانوا ليهتموا بأمرها..
أغمضت عينيها تبتسم بأسى قبل أن تبدأ بقراءة الفاتحة لأجله.. ولم تكد تمر دقائق بعدها وكان الهدوء المحيط بها قد أثر عليها.. وأجبرها على الاسترخاء والنوم.. لكنها سمعت صوتًا لم تعلم إن كان حقيقة أم حلم.
-:"هذه الفتاة تثق بك كثيرا"
كان هذا صوت خالتها قبل أن تشعر بشيءٍ ما يوضع على جسدها.. وصوت مؤمن يرد بنبرة غريبة على أذنيها: "سيخيب أملها كثيرًا"
*****
: "إذاً أين اختفيتما الثلاث أيام الماضية؟"
كان هذا السؤال من سوزان.. مع أول فرصة للراحة بين الحصص.. فتمطت بينما ترد: "لقد ذهبنا لقرية عائلاتنا"
-:"لابد أن هذا كان ممتعا"
التفتت لها بينما تنظر لها بترقب وهي تكمل: "أخبريني بما حدث"
مطت شفتيها وهي تفكر أنها لا ترغب بالحديث عن الأمر.. حتى تلك الأمور التي استمتعت بفعلها لا تريد إخبارها بها.. لكن سيكون عليها في النهاية أن تخبرها بشيءٍ ما.. فتنهدت وفتحت فمها لتتحدث.. لكنها سمعت صوت سقوط شيءٍ ما من خلفها.. فالتفتت لتجد ريهام تقف أمام مقعد ساندي.. وحقيبة ساندي ملقاة أرضًا وقد تبعثرت منها أشيائها.
-:"انحني وأحضريها إن استطعتِ.. يا سوداء القلب والبشرة"
تملكها الغيظ عندها ونهضت تقفز عن مقعدها.. وهي ترفع حقيبتها عن الأرض وتضعها أمامها بينما تنظر لها بابتسامة.. فنهضت ساندي بعينيها الدامعتين وكادتا تنحنيان لتجمعا أغراضها معًا.. لكن ريهام أسرعت بإبعاد كتبها بقدمها فانقطع أحدها.. وعندها رفعت ريم عينيها لها ثم دفعتها بعنف وهي تقول: "ما مشكلتكِ أيتها غبية!"
سقطت على زميلة لهم تدعى إسلام.. وقد كانت فتاة طيبة لا تؤذي أو تتحدث مع أي أحد.. فسقط بعض من عصيرها على ريهام التي صرخت.. وعندها نظرت ريم لإسلام تقول: "آسفة سولي.."
نظرت لها بهدوء وابتسمت ثم كادت ترد...
-: "يا لكن من مجموعة فاشلات قبيحات.. وأنتِ يا ذات العيون الأربع لم لا تنتبهين.. أفسدتِ زيي يا مزعجة!"
كانت إسلام تنظر لها عندها بالابتسامة ذاتها.. ثم سكبت المتبقي من العصير فوق رأسها لتتعالى صيحات الاندهاش من كل ركنٍ بالصف تزامناً مع تعالي صرخة ريهام المصدومة قبل أن تعاود النظر لريم بينما هي ترد: "أوووه لا عليكِ ريم"
-:"لقد انتهى أمركِ!"
قالتها ريهام بينما تنهض وقد اجتمع من حولها مجموعتها من الفتيات.. وعندها تدخلت ريم لتقف على المقعد أمام إسلام وهي تقول بتحذير: "لا تقتربي منها!"
-:"ريم هذا يكفي!"
التفتت لسوزان التي بقيت بمقعدها مع سلمى ورباب.. بينما تكمل بأمر: "عودي إلى هنا ولا تفتعلي شجارًا"
لم تكترث لحديثها والتفتت لريهام التي كانت على وشك التراجع..
-:"هااي أنتِ يا مشاكسة"
التفتت لصاحب الصوت الذي كان فتا يدعى حازم من صفهم أيضًا.. وقد نهض عن مقعده وهو يقترب منها قائلا: "ابتعدي عنها"
عقدت ذراعيها بينما أسرعت ريهام نحوه تقف خلفه وهي ترد: "أجل أوقفها حازم.. تلك المتوحشة"
ارتفع أحد حاجبيها ثم ابتسمت وهي تقول: "انظروا يا شباب.. أحدهم مشتاق للصراع مع الفتيات"
كتم الجميع ضحكاتهم بينما ظهر الارتباك عليه فأكملت: "أحدهم مشتاق لثناء من تظن نفسها ملكة جمال الصف.. يا حرااام"
صدرت الضحكات من حولها.. فاقترب منها وهو يرد بغيظ: "أيتها المشاكسة ال..."
لم يكد يقترب منها خطوتين.. إلا ووجد مؤمن بوجهه يدفعه للخلف بعنف.. فسقط على ظهره وعندها وضع مؤمن يديه بجيبي سرواله وهو يقول: "أين تخال نفسك ذاهبًا؟"
نهض حازم عن الأرض واقترب منه بعصبية ثم رد: "أطبق فم تلك الفتاة مؤمن.. وإلا سأقطع لسانها!"
انعقد حاجبيها بينما تنظر له.. وباللحظة ذاتها ابتسم مؤمن بشر.. واقترب منه وهو يهمس: "حاول إذاً"
ثم دفعه مرةً أخرى للخلف دون اكتراث لتهديده..
-:"أوه يا شباب.. لنكتفي بهذا!"
كان هذا أكمل الذي تدخل ساحبًا حازم.. ثم وقف بينهما وهو يرد: "لا داعي لإثارة الفوضى.. لا نريد إغضاب المعلمين.. كما أن ريم محقة حازم.. إنه شجار فتيات لا يجب أن نتدخل"
وعندها ضحكت ريهام وقالت بسخرية: "انظروا من تظن نفسها ملكة جمال الصف الآن.. لديك اثنين يدافعان عنك وأنا واحد.. اللقب نلته أنتِ بالتأكيد"
تملكها الغضب وردت بحدة: "وهل تظنين الجميع مثلك يا عديمة الحياء؟!"
شهقت بعنف وصعدت على المقعد لتواجهها ثم تحركت نحوها تتبعها إحدى الفتيات وهي تهمس: "كيف تجرؤين؟!"
وقبل أن تصل لها وتصفعها.. كانت ذراع قد دفعتها للخلف لتقع على ظهرها.. التفتت عندها لتجد ساندي.. تقف بجوارها وهي تقول بتحذير: "اقتربي مرة أخرى وستنالين مني الكثير يا معتوهة!"
-:"أيتها المسخ!"
همستها بتأوه بينما تنهض هي والفتاة من خلفها.. ثم انضم لها اثنتين أخريين.. باللحظة ذاتها التي حاول بها حازم الاقتراب.. لكن مؤمن أمسكه ودفعه للخلف مجدداً.. وعندها تجمع حوله صديقيه بينما نظر له بشر ورد: "انتهى أمرك أيها الكئيب!"
نهض بعدها وهو ينظر له بغيظ وكذلك من خلفه.. وقبل أن يبدأ الشجار على الجهتين تدخل هيثم وهتف: "وووووو لنتريث يا شباب.. كنا الصف المثالي قبل لحظاتٍ فقط!"
أحاط هيثم بعنق حازم وهو يقول: "هدئ من روعك يا رجل"
أبعد حازم ذراعه بعنف وهو يهتف: "توقف أيها الأحمق.. ذاك الكئيب أهانني وإن تدخلت ستنال ما سيناله!"
نظر له هيثم وضحك.. قبل أن يرفع ذراعيه بالهواء وهو يرد بسخرية: "وأنا بالتأكيد.."
ثم ابتسم بشر قبل أن يكمل: "أرغب برؤية ما ستفعله بنا"
ثم التفت ينظر لأكمل الذي فرقع أصابعه.. ثم لريهام وهو يكمل: "لا أصدق أننا سنتشاجر لأجل تلك العاهرة"
-:"أيها ال..."
كان هذا الهتاف من حازم لكنه لم يكمله.. فقد لكمه هيثم بمنتصف وجهه ثم هتف: "ووووووو أنظروا من سيلقن درسه الآن!"
سب حازم بعنف ثم نهض.. وبدأ الشجار مع ثلاثتهم هو وأصدقائه.. وعلى الجهة الأخرى نظرت ريهام لساندي وهي تقول: "كل هذا بسببك أيتها القبيحة!"
-:"لا توجد قبيحة هنا غيرك!"
ردت بها ريم فقالت ريهام وهي تقترب: "سأقتلع شعرك أيتها المهرجة.. وسأحطم نظاراتك أيتها الساذجة"
قالتها وهي تلتفت لإسلام التي كانت تقف وتحدق بالموقف دون دافع حقيقي للتدخل.. قبل أن تقول ريهام تلك الجملة وتكمل: "وسأدفعكِ ثمن ثيابي التي أفسدتها!"
وعندها ابتسمت إسلام قبل أن تخلع النظارة.. وتصعد على المقعد لتقف بجوار ريم وهي ترد: "وسأدفع تكاليف المشفى أيضا"
-:"أي مشفى.."
سألت ريهام باستغراب فأسرعت إسلام بدفع مقعدهم للخلف.. ففقدن توازنهن وسقطن جميعا.. وعندها هتفت بتبجح وهي تنحني: "تلك التي ستدخلينها بفعل ضرباتي.. أيتها المتنمرة عديمة الحياء!"
ثم صرخت ريهام وبدأ عراك الفتيات أيضًا..
*******
-:"لا أصدق.. لا يمكنني التصديق!"
قالتها مشرفة الطابق بينما تتحرك أمامهم.. ثم التفتت تنظر لمظهرهم جميعًا.. كان الشجار قد دام لفترة.. فقد أصبح الصف بأكمله يتشاجر مع بعضه فجأة.. وتطلب الأمر ستة معلمين ليحاولوا فض الشجار.. الذي لم ينفض بالطبع إلا مع تدخل خالتها.. التي ستقتلها بالتأكيد!.. لذا تأكدت بأن تتجنب النظر نحوها..
-:"سأصدق هذا على حازم ومجموعته وريهام كذلك.. لكن مؤمن نابغة المدرسة.. كيف تتورط بهذا؟!"
قالتها وهي تلتفت لمؤمن الذي لم ينطق بأي كلمة.. فشعرت بالأسى عليه.. هي من ورطته بهذا..
-:"وأنتِ ريم كيف تفعلين هذا؟"
اهتزت شفتيها بارتباك قبل أن تخفض ناظريها.. بينما تكمل المشرفة: "أعلم أنكِ مشاغبة لكن لا تؤذين أحدًا.. لم فعلتِ هذا؟"
-:"أستاذة"
التفتوا جميعا لساندي التي أكملت: "ريم وإسلام لا ذنب لهما كانتا تساعداني بعد أن ألقت ريهام أغراضي أرضاً وسبتني"
-:"إنها كاذبة!"
هتفت بها ريهام التي كانت على وشك البكاء بتصنع لتقنع المشرفة.. لكن ساندي أسرعت تكمل: "لقد وصفتني بسوداء البشرة والقلب أمام الجميع.. وهذه لم تكن أول مرة.. ريم تعلم هذا فقد دفعت أذاها عني من قبل.. واليوم حاولت مساعدتي بجمع الأغراض التي ألقتها ريهام.. لكنها لم تسمح لنا ومزقت أحد كتبي"
التفتت مشرفة الطابق لريهام بغيظ وقبل أن تنطق بأي كلمة...
-:"هذا يكفي!"
وقفوا جميعاً بانتباه أمام ناظر المدرسة الذي دخل.. ووقف أمامهم ينظر لهم بينما الجميع ينظر للأرض.
-:"ريم عدلي وضع شعرك.. ساندي ارتدي حذائك بشكلٍ صحيح.. وأنتِ إسلام ارتدي نظاراتك"
قالها لهن ولم تتجرأ أي واحدة على الحديث.. قبل أن يلتفت لمجموعة الصبيان ويكمل: "عدلوا ثيابكم"
ثم بعد ثوانٍ قال بهدوء: "الآن ارفعوا أعينكم لي"
رفعوا بالفعل وجوههم فأكمل: "غدًا جميعكم سيتم استدعاء أولياء أموركم.. وعندها سنسمع القصة كاملة"
هذا بالضبط ما كان ينقصها..
بالضبط تماماً ما كان ينقصها..
أرادت الصراخ بهذا وكانت على وشك فعلها لكنها فجأة سمعت صوت بكاء فالتفتوا جميعاً لإسلام التي بدأت بالبكاء وهي تهمس: "لقد انتهى أمري"
ثم بدأت البكاء بصوتٍ أعلى وهي تهتف: "لقد انتهى أمري!"
****
-:"أتعلم أتمنى البكاء مثلها.."
قالها هيثم دافعاً أكمل للضحك بخفوت بينما يكمل: "سيقتلني أبي بالتأكيد فمدير المدرسة صديقه.."
رد أكمل بمزاح: "سأوزع بعض الحلوى لروحك الطاهرة يا هيثم"
مط شفتيه ثم التفت له وقال: "اجعلها سجائر من فضلك.."
حاولا كتم ضحكاتهما ثم التفت أكمل لمؤمن يقول: "أنت مدينٌ ل..."
توقف عن الحديث ما أن رأى تلك النظرة على وجهه.. كان غاضباً ومستاءاً على ما يبدو وشيءٌ ما بداخله أخبره أن يصمت وحسب..
لكن عيناه ذهبتا بتلقائية ناحية ريم التي لم تكن منتبهة له رغم أنه ملاصقٌ لمؤمن.. كانت فقط تنظر لها بعيون دامعة.. كانت ستبكي لأجله لسببٍ ما!..
****
أنت تقرأ
رسالة من فتاة مجنونة
Lãng mạnالعالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا.. ولا تنتظريني فالأمل ضئيل للقائنا.. رواية رسالة من فتاة مجنونة هينزل منها كل يوم فصل بعد صلاة التر...