~الرسالة التاسعة والأربعون~
أنا أحبك..
وسأدفع حياتي لأحميك..
أنا أحبك..
فلا تكسر قلبي وتضيع أحلامنا الزاهية..
أنا أحبك..
ولن أتركك أبدًا يا أغلى ما ليا..
****
تحركت تخرج من المطبخ حاملة صينية عليها أكواب العصير وبعض المخبوزات الخفيفة..
وصلت لغرفة المعيشة حيث وجدتها تقف أمام الصورة الجماعية التي التقطوها بيوم زفاف ريم, وما أن شعرت بوجودها التفتت تقترب منها لتحمل عنها الصينية وتضعها على الطاولة ثم عادت تنظر للصورة وهي تقول: "لقد تخيلت أنها لن تدعوني على الزفاف حتى وصدمت من أنها اختارت صالوني لتجهيزها للعرس"
انعقد حاجبي شكرية وردت: "لم تقولين هذا؟!"
ابتسمت هند والتفتت لها وهي تقول: "لقد سلبنا بيتها الذي كانت تحبه كثيرًا"
صمتت قليلا قبل أن تكمل: "لقد ظننتها ستكرهني للأبد"
:"ريم لا يمكنها كره أحد"
قالتها وهي تطالع الصورة فابتسمت هند وردت: "أعلم لأنها تشبهك كثيرًا خالتي"
رفعت حاجبيها قبل أن تكمل بسخرية: "أنا واثقة أنكِ لن تسعدي بزفافي كما سعدتِ بها"
ضحكت شكرية واقتربت تقول: "يبدو لي أنك غيورة بطريقة ما"
ربتت على ذراعها وأكملت: "أن تتزوجي أو لا أمر يخصك, لكن أنا سأكون سعيدة مادمتِ أنتِ سعيدة"
ابتسمت لها هند واحتضنتها فلم تنتظر منها كلمة أخرى وسحبتها لتجلسا على الأريكة..
هي كانت تعلم أنها تشعر بالسوء والإحباط.. هند تخيلت أنها ستمتلك العالم بتلك النقود التي حصلت عليها من بيع المنزل ثم اصطدمت بالواقع.. النقود اشترت لها الكثير من الأشياء التي أسعدتها لكنها أبقتها وحيدة.. وتلك الوحدة تؤلمها وتزيد من شعورها بالذنب..
هند لن تعترف بكل هذا ولن تقدر على الاعتذار الآن على الأقل..
وهي لا تنتظر منها اعتذارًا كذلك ريم لن تفعل..
هي وريم تجاوزتا ألم تركهما لذلك المنزل وفقد سامية بسبب تلك الحقيقة وأكملتا حياتهما لأنهما لا تحملان ذنبًا وقد اتفقتا قبل سنوات أن ذكرياتهم بهذا المنزل ستبقى معهم دائمًا مهما ابتعدتا عنه..
لكن هند تحمل ذنبًا كبيرًا ولا يمكنها التخلص منه..
الفارق بين هند وهنا أن الطمع لم يتمكن من إحداهما بشكلٍ كامل لذا فهي تتعذب وتحاول الخلاص دون جدوى..
وأيضًا هند كانت متعلقة بوالدها ووالدها كان يحب ذلك المنزل كثيرًا ولابد أنها الآن تتخيله أمامها بكل لحظة مصابًا بالإحباط وخيبة الأمل مما فعلته..
هند تدعي أنها تجاوزت الماضي لكنها تعيش أسيرة له وللأسف هي لا يمكنها تخليصها من ذلك الذنب.. هي سامحتها بالفعل وريم كذلك وهذا هو أقصى ما يمكنهما فعله..
:"وكيف حال ريم؟"
سألتها هند فتنهدت وردت: "أوووه ذكريني أن اتصل بها بعد أن نتحدث قليلًا"
ثم وضعت يدها على صدرها وهي تهمس: "لا أعلم لم استيقظت اليوم بشعور سيئ!"
كان بالفعل ينتابها شعورًا سيئًا لهذا أوصلت دارين لمنزل شقيقتها لتتفقد الأوضاع هناك لكن سرعان ما وصلها ذلك الاتصال من هند تعلمها بقدومها فعادت فورًا خوفًا من أن شيئًا سيئًا أصابها..
لكنها تبدو بخير, ودارين راسلتها تخبرها أن كل شيء على ما يرام بمنزل نادية..
هزت رأسها بعنف تخبر نفسها أنها ستتصل وتطمئن عليها بعد ساعة حتى لا تقطع تمارينها فهي دون شيء متوترة وخائفة بسبب ذلك العرض..
مدت يدها تحمل كوب الشاي وتسألها: "إذًا كيف حالكِ؟!.. ألا توجد أخبار عن شقيقتكِ الحمقاء؟!"
:"توجد.."
قالتها هند بتنهيدة محبطة قبل أن تكمل: "وجميعها سيئة"
****
:"ألا توجد أخبار من فطيمة؟!"
سألتها بينما تجلسان أمام بعضهما كانت تحتسي الشاي بينما دارين تشرب العصير قبل أن ترد: "أخبرني جدي أنها ستتزوج قريبًا, وسيكون علينا الحضور بالطبع"
أومأت لها بتفهم فترددت عليا قبل أن تسألها: "ماذا عن ريم.. كيف حالها؟"
:"إنها بخير.. وسنذهب لقضاء اليوم معها هي وأخي نهاية الأسبوع"
أومأت بصمت فتابعت دارين: "إن أردت يمكنك القدوم معنا"
هزت رأسها سريعًا بنفي وردت: "لا طبعًا"
طالعت عينيها بلوم فتهربت وارتاحت بمقعدها وهي تتنهد مكملة: "إن تحدثت معه أمي ستغضب"
ارتفع حاجبيها الصغيرين قبل أن تهز رأسها قائلة: "أنتِ تستمعين لأوامر أمي بشأن إبعادكِ عنه؟!"
أومأت لها بإيجاب ثم ردت بغضب: "على الأقل أمي كانت بجوار أبي عندما توفى"
ابتسمت دارين ثم التفتت تطالع غرفة والدها تقول بخفوت: "وانظري كم ساعده وجودها بجواره!"
كانت تعلم ما ترمي إليه!..
بداخلها كانت تعلم أن والدتها لم تبقى بجوار والدها لأي شيء سوى لمصلحتها كما لم تمنعها الآن عن التحدث مع مؤمن سوى لغيظها منه بعد أن أفقدها كل شيء..
لكنها لن تصرح بهذا!..
هي لن تسامحه أبدًا لرفضه لقاء والدها قبل أن يموت..
:"أنا لا أحاول التأثير عليكِ.. افعلي ما يحلو لكِ"
قالتها دارين ببرود فابتسمت لها بسخرية وردت: "أنتِ تشبهينه كثيرًا"
:"وهو أمرٌ جيد في حالتنا"
مجددًا نطقت تلك الجملة ببرود آلمها فهزت رأسها وقررت تغيير الموضوع وسألتها: "ألم تسمعي شيئًا عن فادي؟"
تنهدت وردت: "ريم مستاءة منه فقد اختفى فجأة"
انعقد حاجبيها وسألتها: "كيف؟!"
مطت شفتيها وردت: "لا أعرف لكني سمعتها تخبر جدتي بأنها ستحطم رأسه ما أن تراه فهو تجاهل اتصالاتها منذ تزوجت"
أومأت بتفهم وقالت: "ربما هو مشغول بشيءٍ ما"
طالعتها قليلًا قبل أن تسأل: "غريبٌ أنكِ سألتي عن فطيمة ولم تسألي عن والدتي؟!"
ابتسمت دارين ببرود فاتكأت على المنضدة التي تفصل بينهما ثم أكملت: "إنها والدتكِ لمعلوماتك"
:"ولمعلوماتك هي لم تسأل عني منذ غادرت هذا المنزل لا أنا ولا شقيقتها التي تسببت بتخييب آمالها وإحراجها أمام الجميع"
ردت بها دون أن يرف لها جفن فقالت بعصبية: "ربما لأنكِ خذلتها وذهبتِ لتعيشي مع خالتك وأخيكِ"
صمتت دارين قليلًا قبل أن تبتسم وترد: "وربما هي غاضبة مني لأني تسببت بفشل خطتها باستغلالي لسنوات طويلة كما فعلت معكِ أنتِ وفطيمة ووالدي"
تراجعت بصدمة مما سمعته من شقيقتها الصغيرة التي لم تكتفي واتكأت على المنضدة وهي تكمل بخفوت: "ربما هي غاضبة لأني كنت سببًا بقطع إمدادات جدي من الأموال عنها وسحب كل أرصدته المفتوحة لأجلها.. ربما هي غاضبة لأني بنظرها كنت السبب بخروجها خاسرة وكنت السبب بفضحها أمام عائلتنا"
لم تكن قادرة على الرد بينما دارين ابتسمت بسخرية وأكملت: "الأسباب لتكون أمي غاضبة مني كثيرًا عليا لكنها أبدًا لا تتعلق بكوني ابنة جاحدة خيبت أملها واخترت الابتعاد عنها.. أنا ابنة جاحدة بنظرها لأني لم أسمح لها باستغلالي كما أرادت"
انتفضت واقفة وتحركت تبتعد كأنها تهرب من أمامها قبل أن تلتفت لها قائلة: "إنه يغذي عقلك بتلك الأفكار التي..."
:"لست غبية ليعبث أي شخصٍ كان بعقلي عليا"
قالتها دارين بصرامة ثم أكملت: "وأخي لا يتحدث معي بشأنك أنتِ أو والدتك, هو لا يسأل عن شخصٍ يرفضه خذيها معلومة عنه إن أردتِ"
:"إنه يكرهها"
ردت بها بعصبية ثم أكملت: "مؤمن يكره والدتي لهذا يريد أن يبعدنا عنها"
:"له كل الحق بكرهها"
قالتها ببساطة ثم أكملت: "هي ستبقى أمي وسأبقى أحبها, لكن لا يمكن لأي شخص إنكار أنها دمرت طفولة مؤمن وكانت سببًا رئيسيًا بابتعاده عن كل شيء يحبه.. أنا وأنتِ والعالم كله لن ينكر تلك الحقيقة.. مع ذلك أنا سأصدقكِ لو منحتيني سببًا واحدًا مقنعًا غيره يجعل مؤمن يرغب بالانتقام منها عن طريقنا مع الوضع في الاعتبار أنه لولاه ما كنت أنا وأنتِ وفطيمة وعماتك وأبنائهم حصلنا على أي شيء من إرث جدكِ"
فتحت فمها وأغلقته عدة مرات دون أن تمتلك ما ترد به هي بالفعل لا تملك أي شيء لتقوله.. إن كان بالفعل يرغب بالانتقام فلماذا طلب إعادة تقسيم الإرث.. دارين لم تحد بعينيها عنها واستمرت بالصمت كأنها تنتظر أن تسمعها أي رد حتى يأست وأردفت: "استيقظي عليا قبل أن تفيقي على كارثة أسوأ بكثير من رحيل والدنا"
كان وقع الجملة مدمرًا على مسامعها وفورًا تراجعت وابتعدت عن ناظريها وهي تتضرع لله أن تكون مجرد مخيلة دارين الطفولية هي ما تجعلها تتصور كل هذا..
****
جلس مطأطئ الرأس وهو يتذكر ما حدث في الصباح ولقائه غير المتوقع بآخر شخص تخيل أن يراه وأكثر شخص تمنى أن يراه...
&&&&
:"أخبرني ماذا سنجمع؟"
سألته وهي تخرج من غرفة نومه حاملة بعض الثياب من خزانة ملابسه.. كان هو يقف أمام الصور المعلقة على الجدار..
لقد كان ترك هذه الشقة أمرًا مفروغًا.. لقد صبر عليه صاحب المنزل بالفعل كثيرًا, وهو سيكتفي برد كل المتأخر عليه من الإيجار على هيئة أثاث منزله بالكامل وسيكتفي فقط بأخذ ثيابه وكل شيء يحتفظ به كذكرى بما في ذلك كتبه وصوره..
وبهذا تنتهي كل مدخراته, ولا يعلم ما الذي سيفعله بعدها؟!..
:"فادي"
استيقظ من أفكاره على صوتها ثم تنهد يرد: "أهم شيء سنأخذه هو هذا"
قالها وهو يرفع المذياع الصغير الذي يحبه كثيرًا وقد استأذن صاحب البناية بأخذه مع أغراضه المهمة والرجل لم يعترض, فلا قيمة لمذياع مهترئ بالنسبة إليه على كل حال..
-:"مذياع قديم.. هل تمزح معي؟!"
التفت لها يطالعها ليهمس بذات الكلمات لنفسه..
تلك الفتاة مجنونة!..
كيف طاوعها ووافق على الزواج منها؟!..
كان يسأل نفسه كلما طالعها لكنه أحرز تقدمًا فقد أصبح لا يستغرب وجودها قربه.. ريهام أجادت بطرقها جعله يعتاد على حضورها الدائم معه بل إنه أصبح لا يستطيع الابتعاد عنها..
الشيء الوحيد الذي فشلت وستفشل به أن تجعله يتوقف عن الندم لوجودها بجواره..
وجودها بحياته ذنب لن يغفره لنفسه ولكنه لن يستطيع الابتعاد عنها..
هي أصبحت إدمان تمامًا كإدمانه على تلك الحبوب المخدرة!..
اقترب يضع المذياع بالحقيبة التي تحملها, ثم أمسك برأسها وقربها منه فجأة وهو يرد بسخرية: "تأدبي يا سيدة, فهذا المذياع ذكرى من حماكِ الراحل"
طالعته بتحدي ثم قالت: "كيف تعامل جميلة الجميلات بتلك الطريقة القاسية؟!"
ادعى التفكير لثواني قبل أن يرد: "أين هي أنا لا أراها!"
قرع جرس الباب عندها فتركها متجاهلًا الغيظ الواضح على وجهها, ولكن ما أن فتح شعر بالبهجة التي غادرته منذ أسابيع تعود وعيناه تلتقي بعيون الواقفة أمامه بالرغم من النظرة المستاءة المرتسمة على وجهها, وفمها الذي فُتِحَ وكان يعلم أنها ستطلق العنان للسانها لتوبيخه على عدم الرد على اتصالاتها طيلة الفترة الماضية!.
لكن كل هذا لا يهم.. المهم أنها موجودة وأمامه الآن, وفي النهاية انتصر الشعور الذي حاول مقاومته وهاتفه الذي عاند بإباء وبقي يمنحه الأمل ويخبره أن مؤمن أو أي شخص بالعالم لن يتمكن من إبعاد ريم عنه.
:"من هناك؟"
سألت ريهام وهي تقترب منه والتي ما أن رأتها ريم تجمدت لثانية قبل أن تقول بلطفها المعتاد: "مرحبًا"
ولم تنتظر منها ردًا حتى.. التفتت نحوه وهي تكمل بحدة: "أين كنت؟.. أخفتني عليك!"
:"كان..."
هذا الرد غير المكتمل صدر من ريهام الواقفة بجواره, والتي ما أن حدجها بتحذير صمتت, ثم تحرك يقف مع ريم خارجًا بعد أن أغلق الباب.. ابتسمت له وحركت فمها ببطء دون إصدار صوت لتشكل كلمتين: "هذا أفضل"
ابتسم لها بينما هي ضاقت عينيها وسألته بغضب: "أين كنت فادي؟.. لقد قلقت عليك!"
كان يفكر بإخبارها الحقيقة وحسب, صحيح أنها ستغضب لكنها أبدًا لن تتخلى عنه..
مهما فعل ريم لن تتخلى عنه وتتركه وحيدًا!..
لكنه لا يقدر!..
لا يملك الشجاعة لينظر بعينيها ويخبرها بالحقيقة!..
:"لقد سافرت لمدينة مجاورة لأجل العمل"
انعقد حاجبيها مع سماعها تلك الجملة فأسرع يكمل: "أفكر بالذهاب لدمياط.. تعلمين ورش كثيرة هناك.. ويمكنني إيجاد عمل جيد"
ارتسم الحزن على وجهها ما أن سمعت بأمر السفر الوهمي الذي اختلقه فشعر بقبضة تعتصر قلبه وقد علم أنها غير قادرة على تكوين أي جملة أو قول أي شيء..
قرر فورًا أنه لن يتركها تغادر حزينة واقترب منها قائلًا: "لم لا نذهب للتنزه على الشاطئ القريب؟.. سأشتري لكِ المثلجات التي تحبينها"
ابتسمت وأومأت له فورًا وهبطا معًا لكنها توقفت أمام باب البناية وسألته: "هل ستترك ريهام وحدها بالشقة؟"
:"سأخبركِ ما قلته لإيلام.. لا أملك شيئًا مهمًا لتسرقه"
رد بها بسخرية لكن لم يبدو عليها الاقتناع, ولم ينقذه من فضولها سوى تدخل شخصٍ غريب اقترب منهما وخاطب ريم يسألها: "إلى أين سيدتي؟"
التفتت له وردت: "عم عيسى.. سنذهب للشاطئ القريب من هنا"
تحرك نحو سيارة ليفتح الباب الخلفي.. لكنها أوقفته وهي تكمل: "سنذهب وحدنا ولن نتأخر"
التفت لها وبدا عليه التردد قبل أن يومئ لها باحترام وعندها أشارت له أن يتحركا سريعًا وهو ما فعله..
:"إنه السائق الذي عينه مؤمن ليوصلني"
كان متأكدًا من هذا دون أن تفسر, وقد أشفق عليها مما سيفعله السيد مغرور ما أن يعلم أنها خالفت أوامره وأتت لزيارته..
لقد كان أول ما فعله عندما أتى للمنزل اليوم هو سؤال البقال أسفل منزله وصاحب البناية إن كان أحدٌ سأل عنه, وعندما ردا بنفي علم أنه منعها من زيارته, فكلما كان يختفي ليومين كانت تصر على القدوم وانتظاره إلى أن يعود من العمل ثم يذهبان للجلوس بأي مكانٍ عام لتوبخه لاختفائه..
وبعيدًا عن الإحباط الذي أصابه في الصباح عندما علم أن هذا لم يحدث إلا أنه كان يتوقع أمرًا كهذا..
حرك رأسه بعنف لينفض تلك الأفكار منه ما أن وصلا للشاطئ وجلسا على سور البحر, وقبل أن تبدأ هي بسؤاله أسرع يقول: "تبدين منزعجة.. ماذا حدث؟"
:"الكثير"
ردت بها ثم تنهدت ولعقت جزءًا من المثلجات قبل أن تكمل: "أهمهم أن لدي مقطوعة هامة سأعزفها بعد بضعة أيام ولازلت غير قادرة على إتقانها"
:"ستجدين طريقة يا ذهبية المقام"
رد بها دون أن يفكر, وما أن التفتت له لاحظ أن شيئًا واحدًا تغير بريم وهو تسريحة شعرها..
لقد أصبحت تترك العنان لغرتها لتتهدل على جبينها, ولكن لا شيء آخر تبدل..
لازالت تحمر خجلًا عندما تسمع مديحًا.. لازالت تطالعه بعطف ودفء, وتفكر بكلماتها التي توجهها له بعناية حتى لا تضايقه..
والأهم من كل هذا أنها لازالت تعامله بنفس الاهتمام والرعاية كأنه أخوها الصغير أو ابنها الذي لم تنجبه..
:"لا تحاول تملقي!"
قالتها ثم طالعته بانزعاج وهي تكمل: "أنا مستاءة منك لأنك لم ترد على اتصالاتي!"
مجددًا صمتت بتفكير قبل أن تقول ما توقع أنه سيسمعه منها: "ثم إن علاقتك الغريبة بريهام تربكني وتخيفني عليك فادي"
فتح فمه ليرد لكنها رفعت يدها بوجهه وهي تردف بصرامة: "لا تتكلم.. أنا أعلم أنك ستحاول الكذب وإخفاء الحقيقة عني.. وهذا سيغضبني منك أكثر"
شعر بالغضب لكن من نفسه فهذا ما كان سيفعله, وتزامنًا مع ذلك الشعور تصاعد الندم بداخله مجددًا لكن كل شيء تبخر ما أن ابتسمت له..
:"أنت تعلم أني أكره إصدار الأحكام على البشر الذين لم أتعامل معهم بشكلٍ كافٍ.. ريهام تبدو متسرعة ومتهورة لكني منذ سنوات أبقيها على مسافة مني وكذلك تفعل كلًا من ساندي وإسلام لذا لا يمكنني تشكيل حكم عليها لكني واثقة من شيءٍ واحد"
توقفت تأخذ نفسًا عميقًا ثم أكملت: "ريهام لا تشبهك فادي"
قالتها برقة ثم اقتربت برأسها منه وأردفت: "أنت أفضل منها بكثير.. قد تبدو مبهرة وساحرة من الخارج لكنها ليست كذلك ويمكنك أن ترى كم هي هوائية ولا تكترث لأي شيء من تصرفاتها البسيطة.. من داخلها هي خاوية ولا تحمل أي شيء وأنت..."
حركت رأسها وهي تتنفس بعمق قبل أن تقول: "أنت فادي الرقيق الحنون الموهوب الذي يمكن أن يمتلك الكثير فقط لو تريث وصبرَ وسعى قليلًا وانتهز فرصته"
فتح فمه وحاول أن تخرج نبرته ثابتة عكس رغبته بالبكاء الآن وإخبارها كل شيء..
:"لم يحدث شيئًا لكل هـ..."
:"لا تكذب عليّ!"
قاطعته بحدة ثم نهضت من مكانها, واتجهت لسلة المهملات القريبة لتلقي بها المتبقي من المثلجات قبل أن تلتفت له وقد فهم من وجهها المحتقن أنها نهضت وتحركت من أمامه لتحاول أن تهدأ فقط..
:"لا تكذب عليّ.. فأنا واثقة أن الكثير قد حدث!"
نهض يقترب منها لكنه توقف على بعد بضع خطواتٍ منها مذكرًا نفسه أنها لم تعد له..
لم تكن أبدًا له!.. وعليه تقبل الأمر والالتزام بحدوده..
:"أنا لا أعلم ماذا تخفي عني فادي.. لكن عليك أن تعلم أني سأساندك, وسأبقى أوقظك كلما أشعر أنك حدت عن طريقك"
ابتسم لها ورد بامتنان: "أعلم أنك ستفعلين"
وسمح لنفسه بالاقتراب خطوة أخرى.. قبل أن يكمل: "لو تخليتِ عني لن تكوني ذهبية المقام"
ابتسمت له وأومأت ثم تحركت تقول: "حسنًا.. والآن أعدني للعم عيسى قبل أن يفقد صبره"
لكنها تراجعت ورفعت إصبعها تكمل بتحذير: "لكن تذكر أن حديثنا لم ينتهي وعليك أن تحضر العرض القادم لي"
وقبل أن يعترض سبقته بالتحرك بينما تردف: "أنا لا أناقشك!"
&&&&
: "فادي"
أيقظه صوتها من ذكراه فتجاهل الأمر وحاول الإبقاء على صورة ريم وحسب داخل رأسه.. لكنها تحركت ووقفت فوق رأسه تقول بسخافة: "ليت اسمي ريم"
فرك عينيه بتعب, وقد بدأ الصداع يصيب رأسه بسبب انتهاء مفعول الحبة التي تناولها في الصباح.. وقد أدركت هي هذا, وأحضرت حقيبتها لتمنحه قرص المخدر.. بينما هو يتخيل ما ستفعله ريم لو علمت أنه أدمن تلك الأقراص.
شعورها صحيح.. الكثير حدث له في غيابها..
وكل ما حدث لن يعجبها منه شيئًا!..
:"هل سنغادر؟.. لقد جمعنا كل أشيائك"
سألته بعد أن تناول الحبة, ففرك رأسه في محاولة لتهدئة الصداع قبل أن يسألها بوجوم: "إلى أين سنذهب؟!"
ارتفع حاجباها بدهشة ثم ردت: "إلى بيتنا!"
ضحك بسخرية قائلًا: "اسمها إلى بيتك"
ثم انفجر ضاحكًا, وتراجع يستند برأسه على ظهر الأريكة قبل أن يكمل والألم يعصف بقلبه: "بيتك أنتِ يا ريهام!"
التفت ينظر لصورته الأخيرة مع والده التي كانت موضوعة بجواره ثم أردف بخفوت: "بيتي أنا سُلِبَ مني منذ سنوات!"
أنت تقرأ
رسالة من فتاة مجنونة
Romanceالعالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا.. ولا تنتظريني فالأمل ضئيل للقائنا.. رواية رسالة من فتاة مجنونة هينزل منها كل يوم فصل بعد صلاة التر...