تلك الساذجة الناظرة للسماء..
عاشقة البحر.. محبة الأفلاك..
تلك الفاتنة بالوجه الباسم وبراءة الأطفال..
عشقتها منذ رأيتها..
فما العمل الآن؟..
****
كانت تقف بشرفة البناية والهواء يعبث بشعرها بينما تمسك كوب القهوة.. ثم تنفست بعمق تعب الهواء البارد المحمل برائحة الملح المنعشة لصدرها.. الشتاء هو موسمها المفضل حيث تصبح مدينتها هادئة.. والأمطار الخفيفة تغطي أسطح البنايات العتيقة والطرق الرئيسية والجانبية.. لتمنحها أروع مشاهد رأتها بحياتها.
-:"ريم تعالي لتأكلي وتوقفي عن التلكؤ"
سمعت صوت والدتها وتحركت للداخل وهي تنظر للساعة.. وعندها أدركت أنها تأخرت بالفعل
:"تأخرت على السيد شفيق!"
هتفتها وتحركت تركض نحو الطاولة
-:"توقفي عن مناداته بهذا اللقب يا فتاة!"
كالعادة اعترضت والدتها على مناداتها له بلقبه الذي رافقه منذ بلغا الثامنة.. وتحديداً مع بدأ متابعتها للرسوم المتحركة.. تناولت قطعة من الكعكة الهشة التي أعدتها والدتها وهي تصدر صوتاً متلذذاً.. قبل أن تتحرك نحوها وتطبع قبلة على وجنتها ثم همست: "لابد أن أبي عشقك أكثر بعد تذوقه لطهوكِ"
بدأت بالضحك وتضرجت وجنتاها باللون الأحمر.. قبل أن تضربها بخفة على ذراعها فهتفت بسعادة: "الآن يمكنني بدء يومي بعد هذه الضحكة"
ثم أخذت علبة الطعام التي تعدها لها والدتها يومياً.. ثم تحركت بعدها نحو غرفتها ولفت وشاحاً حول رأسها.. بينما رفعت شعرها بذيل فرس.. ثم هدلت غرة طويلة على جانب وجهها قبل أن ترتدي سترتها الجلدية.. ثم حملت حقيبتها والتفتت تودعها قائلة: "أراكِ بعد المدرسة أمي"
ثم أسرعت بالخروج وهي تكمل: "وادعي لي أن أمر من أمام شقيقتك الغالية السيدة كشرية بسلام"
أغلقت الباب سريعا لكنهاً استطاعت سماع ارتطام شيء ما بالباب وصوتها يصرخ: "في النهاية ستعودين لي مجدداً وسأؤدبك يا ريم"
كتمت ضحكاتها بينما تهبط الدرجات بسرعة وهمست بحمد لأنها نزلت بالوقت المناسب.. فما أن وصلت للطابق الأول كان مؤمن يخرج من باب شقته.. فأخذت نفسًا عميقاً وهي تبتسم لتقول: "صباح الخير سيد شفيق"
نظر لها بعيونه الضيقة ونظرته الباردة أسفل نظارته الطبية.. ووجهه الذي تكاد تجزم أنها لم تراه أبدا يضحك أو بملامح لينة.. كان هذا هو مؤمن ابن الجيران وقريب والدتها الذي يكبرها بثلاثة أشهر.. والذي تعتبره أخ لها وأعز أصدقائها بهذه الحياة.
ومع تردد ذاك الهاجس بنفسها همست بضجر: "للأسف!"
-:"بم تهمسين يا سبونج بوب"
عادت للنظر له وتذكرت لِم تردد الأسف مع كل مرة تتذكر بها أنه أعز أصدقائها..
واحد.. كان بارد كلوح الثلج لا يبتسم ولا يمزح.. لا يحب الخروج كثيراً.. وإن حدث في الغالب يكون برفقتها ونادراً ما يخرج مع رفاقه.. بل من المستحيل أن يخرج مع أصدقائه.. ببساطة لأنهم غير موجودين.. مؤمن لا يملك أي أصدقاء على عكسها ولهذا ترددت الأقاويل أنهما كالتوأم الملتصق المختلفان تماماً.. فهما دائماً يتحركان سوياً لكن شخصياتهما مختلفة تماماً.
-: "ثم إني لا أفهم ما هذا الذي تلفيه حول رأسك يا سبونج بوب"
اثنان.. كان عديم ذوق ولا يجيد التعامل مع الفتيات رغم امتلاكه لثلاث أخوات.. تنهدت بضيق ورغم محاولتها ألا تكترث لكلامه إلا أنها لم تقدر.. ورفعت كفها تتحسس الوشاح وهي ترد: "هذا وشاح للشعر يا عديم الذوق لماذا تسأل؟"
هز رأسه بلا مبالاة وتحرك قائلا: "لأنه يجعلك تشبهين السيدة في رسوم توم وجيري"
مطت شفتيها بانزعاج قبل أن تتبعه بالهبوط وهي ترد: "أنت بارد وعديم ذوق يا مؤمن.. وأنا لا أشبه تلك السيدة"
التفت ينظر لها ثم باغتها بالاقتراب منها.. ونظر لها بتمعن قبل أن يقول ببرود: "معك حق مظهرك أسوأ"
ثم تحرك يهبط الدرج كأنه لم يقل أي شيء فضربت الأرض بعصبية ونزلت تتبعه.. وبمجرد الخروج من باب المنزل لفحتهما النسمات الباردة.. وعندها تناسته كلياً ووقفت للحظات بصمت وسعادة تتطلع للسماء ثم همست: "عاد الشتاء أخيراً"
وقبل أن تتمكن من إغماض عينيها شعرت بكفه يسحبها بخشونة وهو يرد: "لا وقت لحالميتك يا سبونج بوب سنتأخر عن المدرسة"
أرادت ضربه وقتها لكنها لم ترد إفساد سعادتها وأيضا لم ترد إغضابه.. لذا مشت بهدوء تتبعه وهي تتطلع للسماء.
-: "لا أفهم لم لابد أن نمشي بجوار البحر يومياً بينما يوجد طريق مختصر"
تنهدت بملل قبل أن تسرع بخطواتها لتسير بجواره وهي ترد: "أليس من الرائع أن تشاهد البحر ببداية يومك.. سيمنحك طاقة إيجابية ترافقك باقي اليوم"
ارتفع أحد حاجبيه ليشعرها أنها كائن فضائي كالعادة.. بينما يعترض بحزم: "لم يتغير به شيء منذ رأيناه أول مرة سبونج بوب"
التفتت تنظر أمامها لترى تمثالاً لأحد الزعماء الشعبيين ومن خلفه البحر بينما تتذكر أن له جملة شهيرة تلائم موقفها مع ذاك البارد.. فمع كل صباح يتكرر ذاك الجدال حتى بأيام العطل.. فهي تحب الذهاب للبحر يومياً ولابد أن يرافقها شخصٌ ما وهذا الشخص بالغالب يكون مؤمن.. وقد باءت كل محاولاتها بالفشل بإقناعه بنظرتها.. هزت رأسها تطرد تلك الأفكار بينما تبتسم لرؤية البحر قبل أن تهمس: "ما من فائدة ستبقى عدو المتعة"
شعرت أنه ينظر لها بجانب عينيه لكن ما كانت لتهتم.. ومع وصولهم للشارع الرئيسي قال: "على كل حال لن نعبر الطريق حتى لا نتأخر"
لم ترد وتجاهلت تماماً تلك المحادثة البائسة.. وقررت مجاراته بعدم عبور الطريق حتى لا يبدآ بجدال لا ينتهي.. كانت تتطلع لشتاء هذه السنة دون سبب محدد.. لكن كان هناك ذاك الشعور الغريب الذي يساورها.. وصلا لمنعطف طرق حيث توجد مدرستهما على بعد أمتار من الشارع الرئيسي.. وما أن وصلا وسمعا موسيقى انتهاء الطابور أسرعت تسبقه لتتأكد من كارثة بداية كل فصل.
باب المدرسة كان قد أغلق ولم تحاول الالتفات والنظر له.. فنظرته اللائمة المتوعدة تخيفها أكثر من أي شيء.. لذا بدأت بالتفكير بالطريقة التي سيتسللان بها.. ومع صعود صفهما الدرج القريب من المدخل التفتت تنظر للعم كساب حارس المدرسة بعيون واسعة وفم مزموم.. ولم تكد تمر ثواني إلا وكان يتلفت حوله ثم يفتح بوابة المدرسة بحرص قبل أن ينظر نحوهما هامساً: "ادخلا بسرعة ولا تكرراها اتفقنا"
ابتسمت له وفكرت بإرسال قبلة بالهواء.. لكن الصنم حار الدماء الذي يسير بجوارها سيقتلها دون مواربة لو فعلتها.. لذا اكتفت بالابتسام له وأسرعت معه ينضما لمنتصف الطابور.. ولكن لسوء الحظ كان المجاور لهما هو أكمل الذي نظر نحوهما باستغراب.. ووقتها شعرت بالفراشات تحلق بداخلها وحولها.. وظهرت ابتسامة بلهاء على شفتيها وهي تطالعه متناسية كل ما حولها.. ولم يوقظها من حالتها الحالمية تلك إلا صوت السيد شفيق كالعادة يقول بحدته المحفوظة: "انظر أمامك فلو تم اكتشافنا بسببك ستحزن معجباتك على ما سأفعله بوجهك"
وكالعادة نظر له أكمل بسخرية قبل أن يرفع كفاه بالهواء بمهادنة.. ثم التفت لزميله وبدأ الحديث معه.. عندها كانت مستعدة للالتفات والصراخ على هذا الغبي الذي يفسد كل فرصها بالحديث معه.. لكن كل شيء اختفى مجدداً ما أن سمعت الصوت المزعج الكريه
:"ريم"
التفتت وشعور مخالف تماماً يتملكها.. الخوف.. الارتباك.. الكره.. كان هذا هو ما يدور ببالها.
: "يا له من صباح يوم أول للفصل الدراسي بوجه أستاذة كشرية.. سترك يا رب العباد سترك"
كانت تهمس بها بداخلها بينما تراقبها تقترب منهما.. ومع وصولها كان جميع طلاب الصف قد اختفوا ولم يبقى غيرهما.. كانت تقف أمامها بأنفها العالي ورأسها الذي لا ينحني.. بثوبها القصير الذي يظهر جزءاً من ساقيها المغطاتان بجوارب سوداء شفافة.. وعيونها القاسية ونظارتها المتصلة بسلسلة طويلة تلتف حول عنقها.. ولون أحمر الشفاه الغامق الذي تستخدمه دائماً رغم عدم ملائمته للون بشرتها.. انحنت قليلاَ وقالت بطريقتها المخيفة: "لم أرى أياَ منكما في الطابور صباحا"
ثم انحنت أكثر وهي تكمل بنبرة شريرة: "أنتِ بالذات آنسة ريم افتقدت فقراتك المسرحية صباحاً"
ابتلعت لعابها بصعوبة بالغة وهي تنظر لها.. قبل أن تفتح فمها وهي تنوي التحجج بقصر قامتها وأنها كانت تربط حذائها.. لكن أتى صوت السيد شفيق فوراً
:"لقد تأخرنا عن الطابور"
التفتت له بصدمة بينما تنعته بأسوأ الألفاظ بسرها وهو يكمل: "آسفين يا أستاذة شكرية لن تتكرر"
-:"أنقذكِ"
التفتت تنظر لها وهي تبتسم بطريقتها الشريرة قبل أن تكمل: "لو كنت سمعت أي كلمة غير الحقيقة كنت ستعاقبين طوال الاستراحة.. وكنت لأمنعك أن تحضري حصص الألعاب هذا الفصل"
حاولت ابتلاع لعابها مجدداً لكنها لم تقدر أبداً.. بقيت تطالعها من علوها بمنظرها المهيب المخيف قبل أن تنطق بصعوبة: "آسفين يا أستاذة"
ضحكت باستهزاء وهي ترد: "عندما تذكرت الاعتذار يا عفريتة"
ثم نظرت للواقف خلفها وأكملت بتحذير: "لا تكرروا التأخر يا مؤمن حتى لا تتعرضا لعقاب شديد"
أومآ لها معاً فأشارت بعصاها الطويلة نحو الدرج: "أسرعا للفصل حتى لا تتأخرا عن الحصة الأولى"
سحبها وأسرعا بالتحرك نحو الصف.. وبينما يصعدا الدرج للطابق الثالث ومع إفاقتها من الصدمة سحبت يدها وهتفت بعصبية: "لماذا أخبرتها أننا تأخرنا هل تسعى لجعلها تعاقبنا؟!"
لاح برأسها نظرتها بعينيها الأشبه بعيون الأفعى.. وسرت بجسدها قشعريرة باردة قبل أن تضم نفسها وهي تهمس: "أو تقتلنا"
وكالعادة لم ينظر لها حتى بينما يرد: "تقصدين أني لا أستطيع الكذب واحمدي الله لهذا.. وإلا كنتِ ستعاقبين لثلاثة أشهر"
مطت شفتيها بحنق وهي تقول: "إنها كذبة بيضاء ستنقذنا من العقاب وحسب"
التفت لها وقتها وكرر ذات الرد الذي تناله منه بالمواقف المشابهة: "بيضاء أو سوداء اسمها كذب وأنا لا أتقنه"
ثم التفت ليكمل طريقه متجاهلا إياها.. وما أن فتحت فمها لتتحدث أتى الهتاف من أسفل الدرج ليدفعها للركض خلفه.
:"توقفي عن الثرثرة يا مقصوفة الرقبة واذهبي لفصلك"
وصلا للصف وبدآ بالتحرك نحو مقاعدهما.
:"لماذا تأخرت يا فتاة؟!"
أسرعت باحتضان صديقتها سوزان وهي ترد بسعادة: "لقد اشتقت إليكِ"
احتضنتها هي الأخرى بينما تقول: "وأنا أيضاً"
وما أن ابتعدت عنها أكملت: "بالتأكيد أنتي السبب بتأخركما فمؤمن لا يتأخر"
مطت شفتيها وهي ترد بخبث: "ومن يشهد للعريس إلا ال..."
أسرعت سوزان بوضع يدها على فم ريم وهي تهمس: "ششششششششش.. توقفي عن قول هذا وإلا قاطعتك للأبد"
كتمت ضحكتها فأسرعت سوزان تتجه للمقعد متهربة بارتباك بينما تقول: "وقد أخبرتكِ مرارًا أن تلك الأفكار لا وجود لها إلا بمخيلتك المريضة"
أسرعت تسبقها بالجلوس بجوار النافذة ثم نظرت لها بخبث وهي ترد: "إذاً سآخذ مقعدي بجوار النافذة لأغذي مخيلتي المريضة"
مطت شفتيها وقالت: "وما الجديد بهذا.. دائماً ما تأخذيه"
:"ليجلس كل واحد بمكانه"
انتفضت سوزان ما أن سمعت صوت الأستاذة وأسرعت بالجلوس جوارها وهي تهمس: "لقد نسيت أن الحصة الأولى لخالتك"
مطت شفتيها بحنق وغيظ لكن سرعان ما تلاشا ما أن دخلت أستاذة كشرية الفصل فوقف الجميع بانتباه.. بينما تحركت الأستاذة بهدوء صارخ ووضعت مجموعة الكتب مع كراسة الحضور على مكتب المعلم.. ثم شملت جميع الطلاب بنظرة صاعقة.. قبل أن تضع العصاة بين ذراعها وصدرها بطريقة لا يتقنها غيرها.. ثم عقدت كفيها معا وابتسمت بشر وهي تقول: "صباح الخير أيها المشاغبون"
:"صباح النور يا أستاذة شكرية"
أمسكت بالعصاة وبدأت بالتحرك بينهم تلقي نظرة على كل واحدٍ منهم بينما تكمل: "بما أني أمينة صفكم هذا العام..."
:"إذاً سنقضي أياماً سوداء بالطبع"
همستها زميلتهم سلمى الجالسة خلف ريم وسوزان.. وقد ساهم حس دعابتها على تخفيف وقع الفاجعة على قلوب الواقفين.. وبصعوبة تمكنوا من كتم ضحكتهم.. فالجميع يعلم مدى قسوة وصعوبة مراس الأستاذة شكرية.. الملقبة بعملاقة الفيزياء التي يهابها الجميع حتى المديرة بنفسها.. لكن كل الأفكار توقفت ما أن سمعوها تهتف: "سمعتك يا سلمى وسآتي لك في الحال"
لم يتجرأ أياً منهم على الالتفات بينما أكملت الأستاذة طريقها وهي تكمل: "دعونا نكمل حديثنا.. أنا أمينة صفكم لهذا..."
أشارت بعصاها لشعر أحد الطلاب وقالت: "شعرك الطويل ذاك لا أريد رؤيته في الغد يا هيثم.. أستاذ أحمد إذا رأيتك واقفاً بالاستراحة مع أي فتاة سأعاقبك وأفسد صورتك المهندمة أمام الجميع"
ثم أكملت طريقها وتوقفت أمام قلب ريم المسمى مجازاً أكمل: "وأنت يا خبيث.. أي حركة منك سأجعل كساب يعلقك على بوابة المدرسة.. ولن ينزلك من عليها أي شخص حتى والدك بمنصبه"
تمنت قتلها حينها.. كيف تحادث ألطف وأكثر الشباب جاذبية بتلك الطريقة ألا تخاف من جرح مشاعره.
-:"السيد مؤمن ممنوع التأخر مرة أخرى"
أعجبها توبيخها لمؤمن ونظرت له بسخرية فابتسم لها بالمقابل.. وكانت تلك الابتسامة الوحيدة التي تتلقاها منه.. ابتسامة خبيثة جعلتها تتذكر أنها بلهاء.. فبالتأكيد ستصل لها وتحرجها بكلماتها أمام الشخص الوحيد الذي لا يجب أن يتم إحراجها أمامه.. بالتأكيد ستؤنبها أكثر من مؤمن.. التفتت نحوها فوجدتها تتحرك نحو الفتيات واتجهت لريهام فوراً وقالت: "أبعدي مقعدك عن صفوف الصبيان آنسة ريهام.. والأفضل ألا أراك تتحدثين مع أي منهم"
ثم تحركت للأمام ووصلت لريم وسوزان ولحسن الحظ اكتفت بنظرة واحدة من طرف عينيها.. لكن ريم استطاعت سماع ما تريد قوله بوضوح دون أن تنطق: "الشقاوة ممنوعة.. المقالب ممنوعة.. الضحك بصوت عالي ممنوع.. أنا أراقبك وسأراقبك يا شقية"
كان كل هذا يتردد ببالها وبالطبع لم تكن ستنفذ أياً منه.. لكنها بقيت تقف بانتباه إلى أن أنهت تعليماتها الصارمة لكل الحاضرين.. ثم وقفت أمام السبورة وقالت: "اجلسوا وأخرجوا كتب الفيزياء"
ثم التفتت تمسح السبورة بينما تكمل: "وحضروا أنفسكم بعد أسبوع سيكون هناك اختبار على ما سنأخذه هذا الأسبوع"
رفعت ريم رأسها للسماء ثم أسقطتها على المكتب بحركة مسرحية.. وكالعادة ودون أن تلتفت علمت الأستاذة بما فعلته وأكملت: "انتظري لتسمعي أن كل المواد سيكون بها امتحان"
****
-:"أنا أكرهها"
قالتها بغيظ وهي تجلس بجواره في الاستراحة بينما تتناول شطائر والدتها ثم أكملت: "أرأيت كيف تتحدث معنا.. تشعرني أننا آلات لسنا بشر عاديين"
قضمت قطعة كبيرة من الشطيرة ومضغتها بغيظ ولكنها تجمدت من رده: "ما الخطأ فيما قالته الأستاذة؟"
التفت ينظر لها بينما يكمل: "تريدنا أن نذاكر لننجح بتفوق.. هذا يعني أنها تخاف علينا وتريد لنا الخير.. الأفضل من التذمر أن نستمع لها ونحمد الله أنها تهتم بأمرنا"
ضاقت عينيها وهي تنظر له.. ثم للكتاب المدرسي لمادة الفيزياء الذي يحمله ويوليه كل انتباهه ثم قالت بغيظ: "أنت كائنٌ غريب"
هز كتفيه ورد ببساطة: "أنتِ من لا تحبين الدراسة.. في النهاية ستتزوجين وتربين الأطفال وحسب"
اتسعت عينيها ولم تتمكن من الرد لثوانٍ فنوعاً ما كلماته صحيحة.. فهي فعلا لا تحب الدراسة.. ولولا دفع مؤمن لها وحزم الخالة شكرية ومساعدتها كانت ستفشل بالتأكيد.. لكنها قررت معاندته ورددت بإنكار: "من أخبرك بهذا؟. أنا سأتخرج من الجامعة وسأعمل وأحقق ذاتي"
ضحك باستهزاء لثانية.. لكن قبل أن يولي اهتمامه للكتاب كالعادة ضربت المنضدة الخشبية أمامه وهي تقترب وتكمل بتصميم: "وسأشتري سيارة أيضاً"
نظر لها قليلاً ثم سحب الكتاب من تحت يدها وأولاه كل اهتمامه.. فقررت إنهاء الموضوع بالذات مع شعورها بدقات قلبها المتسارعة تزامنا مع اقتراب أكمل منهما.. وقف أمامهم وعندها مالت شفتيها بابتسامة.. قبل أن تطبقهما معا حتى تمنع تنهيدة عالية من الخروج من صدرها بينما ينظر لها قائلا: "كيف الحال ريم؟"
أومأت وهي ترد: "أنا.. الحمدلله بخير"
نظر لمؤمن الذي لم يلتفت له حتى ثم سأله: "لم لا تلعب معنا ينقصنا لاعب"
وكالعادة رد السيد شفيق القاطع البارد كان حاضرا: "لا وقت لدي ولا أريد"
مط أكمل شفتيه قبل أن يرد: "كما تريد"
ثم التفت وغادر فشعرت أن قلبها تركها ولحق به خاصة مع تلويحه لها وهو يقول: "أراك لاحقا ريم"
وعندها لوحت له كالبلهاء رغم أنه لم يكن ملتفتا لها.. وما أن ابتعد وعادت دقات قلبها لطبيعتها.. التفتت بحدة لذاك الأحمق الجالس بجوارها وسألته: "لِم لم تلعب معهم مؤمن؟. يا لك من كئيب"
هز رأسه ورد: "لأنهم لم يضعوني بخطة لعبهم من الأساس.. لولا أنهم ينقصهم لاعب ما كانوا طلبوا مني اللعب كما أني لا أريد اللعب"
أرادت معارضته لكن أتى هتاف من خلفها ألجمها وجمدها.
:"آنسة ريم.."
التفتت سريعا تنظر لكابوسها المزعج وهي ترد: "نعم يا أستاذة شكرية"
-:"هل أخبرك أي أحد أن المقاعد نفذت لتجلسي على المنضدة يا آنسة"
أسرعت بالنزول والجلوس بجوار مؤمن لكن نظرتها الصاعقة بقيت متركزة عليها.. فأسرعت تنهض من جواره وجلست أمامه.
من جهة لتختبئ من نظراتها الحارقة ومن جهة لتبعدها هي شخصياً عن ناظريها.. وبعد دقائق ومع عودة الحركة من حولها علمت أنها غادرت ولله الحمد.. لكن لم تتجرأ على الالتفات.. فبالتأكيد لن يتوقفوا عن التهامس حولها والسخرية منها بسبب تلك الكشرية.
نظرت له وهي تتكئ على المنضدة بينما تهمس: "هل علمت لم أكرهها.. إنها تتقصد إحراجي"
نظر لها أخيرا ورد: "هي لا تقصد إحراجك.. إنها فقط تعلمك ألا تجلسي بهذه الطريقة في الأماكن العامة وقد أخبرتكِ بهذا مرارا.. لكن أنت عنيدة ولابد أن يتم إرغامك على فعل الصواب"
مطت شفتيها ثم وضعت وجهها على المنضدة وهي تهمس: "وما الخطأ في الجلوس على المنضدة.. أنت وهي معقدين وكئيبين وحسب ولن أستمع لكما"
كانت تشعر بالحرج وهي تشعر بنظرات الجميع متركزة عليها ولكنها تجاهلتها.. لكن الأسى ملأها لأنه هو الآخر لم يحاول مواساتها بل زاد وعاد بتوبيخها.. فهو هكذا دائما يقف بصف الجميع ضدها ولا يحاول مواساتها.. لكن لم تكد تمر ثواني إلا وسمعته ينهض من أمامها قائلاً: "سأشتري شيئاً وأعود"
ثم غادر نحو المحل الصغير الموجود بنهاية الباحة الرئيسية للمدرسة.. ومع مغادرته قررت تفريغ غضبها بتناول الطعام.. ومع فتحها لفمها لإكمال الشطيرة تذكرت أنه لم يتناول أي شيء.. فألقت نظرة سريعة على حقيبته المجاورة لها ولم تجد بها أي طعام.. فقط كتب.. الكثير منها.. وعندها شعرت بالحزن وتذكرت ما حدث خلال فصل الصيف.. ومع إحياء كل ما حدث بداخلها كان هو قد عاد للمقعد أمامها حاملاً قطعة شيكولاتة قدمها لها.. فابتسمت بسعادة وأخذتها بينما تسأله: "لأجلي؟!"
-:"تسألين بعدما أخذتها.. كما أن لا أحد يجلس معي غيرك وأنا قدمتها لك فبالتأكيد ليست لأحد غيرك"
تنهدت وهي تهمس جملة صاحب التمثال الشهير مجددا: "ما من فائدة ترجى منك"
-:"لا تحزني"
قالها ثم أكمل: "أستاذة شكرية وأنا نريد تعليمك التصرف بلباقة وأدب"
ابتسمت له ثم انتهزت الفرصة والتقطت اثنين من شطائرها قائلة: "بما أنك تحاول تصحيح خطأك"
ثم ناولتها له وهي تكمل: "إذاً فأنت تستحق هذه المكافأة"
نظر لها بحاجب مرفوع قبل أن يرد: "أنا لم أخطئ لأحاول تصحيح خطئي يا سبونج بوب"
تنهدت بملل قبل أن تقول: "خذ الشطائر وحسب رجاءاً سيد شفيق"
نظر ليدها قبل أن يأخذها منها وعندها شعرت بسعادة أخفتها ببراعة.. حتى لا تمس كرامة السيد شفيق التي ستتألم إن لاحظ أنها قدمت له الطعام لأنه لا يملك.. ولم تلحظ عندها أنه كان يملك مالاً بالفعل لكنه اشترى لها به الشيكولاتة عوضاً عن شراء الطعام لنفسه.
-:"يا ريم"
التفتت تنظر لسوزان التي وقفت على مسافة منهما.. وأشارت لها أن تقترب منها هي وصديقاتها لتجلس معهن للمتبقي من وقت الاستراحة.
-:"اذهبي.."
التفتت له فوجدته قد عاود التركيز على الكتاب وهو يكمل: "سأبقى هنا وسأراك في الصف"
ابتسمت وأومأت له ثم وضعت الشطيرة بفمها.. قبل أن تنهض حاملة حقيبتها وتوجهت نحوهن.. وما أن وصلت قالت بمرح: "كيف الحال يا شلة الأنس"
:"كما تركتنا يا كَبيرة"
كان هذا لقبها بينهن فهي العقل المدبر لكل المقالب والكوارث.
:"أتساءل دائماً..."
التفت لسلمى التي أكملت بينما تتناول من كيس مقرمشاتها: "كيف يكون مؤمن ذاك قريبك يا ريم.. إنه كئيب ولا يضحك أبداً.. بينما أنتِ مرحة ولطيفة"
ردت رباب بحالمية: "لا يوجد بين شبان الصف إلا أكمل بجاذبيته وابتسامته التي تسكرني"
ضاقت عينيها وقررت الاشتباك معها.. لكن سوزان تدخلت وقالت: "لماذا تتحدثون عن مؤمن كثيراً اليوم؟"
نظرتا لبعضهما بخبث فتدخلت ريم وسألت بطريقة خطيرة: "هل تعرفان شيئا وتخفيانه عن الكبيرة؟"
اقتربتا منها وقالت سلمى بعد أن ابتلعت ما بفمها: "لقد سمعنا تابعات ريهام يتحدثن أن رئيسة عصابتهم معجبة به.. وتحاول استمالته أو إيقاعه بحبائلها على حد زعمهم"
ارتفع حاجبيها بدهشة ثم نظرت بطرف عينها لسوزان التي بدت متحفزة وارتفع أحد حاجبيها.. وعندها لم تتمالك ريم أعصابها وانفجرت ضاحكة.. السيد شفيق له معجبات ويبدو أن معركة طاحنة ستنشأ على اسمه.. فسوزان تبدو لطيفة في الظاهر لكنها تحمل صفات فتيات الأحياء الشعبية وقت الحاجة.
*****
بعد يوم دراسي طويل كانت تسير بجواره نحو المنزل.. وهي تستحضر أحداث اليوم بسعادة بالغة وترقب لما هو آت.. التفتت تنظر له وهي تفكر بإخباره بما عرفته.. لكنها فضلت الانتظار حتى تعرف المزيد رغم علمها أنه لن يهتم.. تنهدت وقررت الحديث بأمرٍ آخر قائلة: "صحيح.. نحن لم نكمل حديثنا سيد شفيق.. لم أخبرتني أنني في النهاية سأتزوج ولن أفكر بالعمل؟"
لم يلتفت لها وبقي يسير دون اكتراث وهو يرد: "لم أقل شيئاً خاطئاً.. أنتِ بالفعل في النهاية ستتزوجين وتبقين بالمنزل هذا ما يلائمك"
ضاقت عينيها وعادت للنظر أمامها بينما تقول: "سترى غداً عندما أشتري سيارتي الخاصة"
ضحك بسخرية بذات اللحظة التي توقفت قربهما سيارة يُفتَح بابها للأعلى.. كانت قد رأت واحدة أو اثنتين مثلهما بألوان لامعة ومبهرة.. كانت رائعة لذا التفتت تنظر له وهي تكمل: "سأشتري واحدة كتلك تماماً وغداً سترى بنفسك"
ضحك بسخرية ثم سبقها بحركته فأردفت بإصرار: "سترى ما أن أتخرج وأعمل سأشتري واحدة"
التفت لها فتوقفت بصدمة بينما تستمع لسؤاله: "ومن أي جامعة ستتخرجين وماذا ستعملين بالضبط؟"
بقيت تطالعه دون امتلاك قدرة على الرد.. وقبل أن تتمكن من فتح فمها التفت يكمل سيره قائلا: "أرأيتِ أنتِ لا تعلمين ما الذي تريدينه"
وصلا للمنزل وهي لا تملك ما ترد به مع هذا قالت: "بالتأكيد سأعرف.. أنا فقط لم أفكر بالأمر للآن.. هلا أخبرتني ماذا عنك سيد شفيق"
التفت ينظر لها ببرود.. ثم هبط درجتين حتى أصبح قريباً منها للغاية وهو يرد: "أنا أعلم جيداً ما الذي أريده.. لكنه ليس سهل التحقيق.. فليس كل ما تريدينه يمكن تحقيقه ريم"
شعرت بالغباء والرغبة بضرب نفسها.. لم تفوهت بهذه الحماقات؟.. وقبل أن تتمكن من الاعتذار أو حتى تبديل الموضوع التفت هو وتحرك نحو باب شقته.. وعندها خرجت خالتها نادية.. نظرت نحوه ببرود كالعادة قبل أن تلتفت لها وتقول: "كيف الحال يا ريم؟"
أومأت لها بابتسامة وهي ترد: "الحمد لله كيف حالكِ أنتِ خالتي"
-:"بخير يا حبيبتي"
قالتها ثم التفتت لمؤمن وقالت بحدة: "مؤمن أسرع بتبديل ثيابك واذهب لشراء حليب وفاكهة.. فالبائع نسي إرسالهم وأنا لم أستطع النزول وترك أخواتك"
وقبل أن يتمكن من الرد أسرعت تقول بحدة: "هيا أسرع.. اذهب حتى بدون تبديل ثيابك لا تتلكأ"
ثم أخرجت المال وأعطته إياه.. فخلع حقيبته وتركها بجوار الباب قبل أن يتحرك هابطاً الدرج.. بينما ريم تتابعه بنظراتها بأسى وقبل أن تتبعه...
:"ريم"
التفتت تنظر لخالتها التي أكملت بود: "تعالي واجلسي معنا قليلاً حبيبتي"
كان الاستغراب يملؤها ومع هذا ردت سريعاً: "مرة ثانية خالتي فأمي تنتظرني"
أومأت لها ووقفت تنتظر مرورها وعندها لم تمتلك حلاً سوى صعود الدرج.. فعلى أي حال كان من المستحيل أن تلحق بالصاروخ المتحرك بحركته السريعة.
****
:"لم تعاملني بكل هذه الطيبة وهو لا؟"
قالتها بينما تحمل أطباق الغداء مع والدتها نحو الطاولة وهي ترد: "بالتأكيد ستعاملك بطيبة فأنا أختها الكبيرة.. ومحبتكِ من محبتي بقلبها وأنا بحياتي لم أؤذيها"
وضعت الطعام وهي تقول بخفوت: "وربما لأني لست ابنة ضرتها"
وعندها عاجلتها والدتها بضربة قاسية على رأسها.. فالتفتت لها بينما تكمل: "ما الأمر.. هل هذا ما أتلقاه لأني أقول الحقيقة؟"
جلست والدتها وهي تنظر لها بطريقة غريبة قبل أن تبتسم وترد: "إنها الحقيقة ريم.. لكنها تحمل بين طياتها الكثير من الأحداث"
صمتت ولم تحاول الرد بينما تنصت لوالدتها.. علها هي تستطيع فك الطلاسم التي تملأ عقلها.. وقد رأت والدتها حيرتها فتنهدت ثم نهضت وأحاطت وجهها بينما تكمل: "يجب أن تفهمي أن نادية لا تكره مؤمن.. والواجب عليكِ أن تسانديه وألا تكرهيها بذات الوقت"
نظرت ريم لها قليلاً قبل أن ترد: "هي لا تكرهه بالتأكيد"
ثم ابتسمت بخبث وهمست: "ولا تحبه بالتأكيد.. أظن أن الخلل بجينات والدة أخواتك أمي فكلتاهما مروعتان"
مطت شفتيها بانزعاج ثم قرصت وجنتيها بحدة.. فصرخت بألم وهي تقول: "آسفة أمي آآآآآسفة رجاء"
ضحكت بشدة قبل أن تتركها بينما تجلس وترد: "اجلسي وتناولي الطعام.. لا يمكنني الحديث معك بجدية فلا فائدة ترجى منك"
ومع قولها تلك الجملة تذكرت أنها قالتها لمؤمن صباحا وعندها همست: "كما تدين تدان"
-:"يارب عوضني عوض الصابرين.. جنت الفتاة وأصبحت تحادث نفسها"
سمعت همستها فأسرعت بتناول الطعام وهي ترد: "دعكِ من كل هذا.. متى ستعدين لنا محشي بمناسبة عودة الشتاء"
****
ومع حلول المساء ودخول والدتها لغرفتها استعداداً للنوم.. كانت هي في الشرفة تطالع السماء وهي تشعر بحسرة.. نظرت للمحلات التي تحيط بالمكان من كل جهة بأضوائها القوية التي تحجب عنها رؤية النجوم وهي تهمس: "أتمنى أن تنقطع الكهرباء.. يارب حقق أمنيتي"
ولم تكد تمر بضع ثواني وبالفعل انقطع التيار الكهربائي.. كان هذا الحدث شائعا خاصة مع إعلانهم عن موجة طقس سيئ تبدأ من هذه الليلة.
:"بركاتك يا سبونج بوب"
نظرت للأسفل نحوه بينما يكمل بحنق: "كيف سأذاكر الآن؟!"
ارتفع أحد حاجبيها وهي تسأله: "تذاكر؟. إنه اليوم الأول من الفصل ماذا ستذاكر بالضبط؟"
-:"ألم تستمعي للأستاذة.. لدينا اختبارات بداية من الأسبوع القادم"
مطت شفتيها وهي ترد: "إنها مجرد تقييمات ليست امتحانات شهرية حتى"
عاد للنظر للكتاب وهو يقول: "ألم أخبرك في النهاية ستتزوجين وتبقين بالمنزل؟"
كادت ترد لكن نداء خالتي عليه ليدخل ويحمل إحدى شقيقاته أوقفها.. وتركته يرعى شئونه ثم رفعت رأسها للسماء.. لم تظهر النجوم كالعادة رغم غياب الأضواء.. لكنها نالت بعض السكينة فتنهدت بعمق وهي تهمس: "كم أنت مزعج وهادم للذات يا سيد شفيق"
*****
لم تتحرك من مكانها حتى مع انقطاع الكهرباء.. فلا أحد لتجلس معه بالداخل على أي حال.. على الأقل في الخارج تستمع لحديث الشقيان معا.. ابتسمت وهي تستمع تأنيب مؤمن لها.. وكانت على وشك الضحك بسخرية فهما معاكسان لبعضهما تماما.. مؤمن طموح وهادئ وملتزم.. وهي شقية ولا تفكر بحدود تبعد عن ملذات يومها.. سمعت صراخ شقيقتها على المسكين ليدخل وتبدأ بتعذيبه.. وعندها مدت رأسها تنظر للحمقاء.. وكما توقعت وجدتها تنظر للسماء دون هدف بابتسامة بلهاء.. ورغماً عنها خطت ابتسامة غريبة كالعادة كلما تراها.. ثم اتكأت برأسها على سور الشرفة وهي تتذكر كم المباركات التي تلقتها اليوم
-:"مبارك لهناء يا أستاذة شكرية"
-:"سعدنا كثيراً بسماع الخبر"
-:"تمنينا حضور الأسبوع لكننا لم نتمكن"
ابتسمت بسخرية ولسان حالها أنها هي نفسها لم تحضر الأسبوع.. تنهدت وعادت تنظر للأسفل.. وهي ترى ابنة أختها الكبيرة التي كانت لاتزال بمكانها ثم همست بأسى: "ستتعبين كثيرا بهذا العالم يا شقية!"
*****
-:"سوزان"
رفعت وجهها عن الكتاب والتفتت تبتسم لوالدها وهي ترد: "نعم أبي"
نظر لساعته وقال: "عزيزتي أنتِ تذاكرين منذ عدتِ.. لم لا تنهضي وتجلسي معنا عوضاً عن هذا؟"
التفتت له بكامل جسدها وفتحت فمها لترد لكن الرد جاء من والدتها التي دخلت الغرفة حاملة كوباً من الشاي مع بعض الشطائر..
-:"لا بالطبع يا سامح.."
تركت ما تحمله على المكتب والتفتت لها وهي تربت على رأسها قائلة: "الأفضل ألا تضيعي وقتك من بداية العام عزيزتي.. عليكِ تحقيق أعلى الدرجات فهذا العام تمهيد لأهم أعوام حياتك"
أومأت لها وردت: "معك حق أمي"
ثم التفتت وعادت للدراسة وبعد مغادرتهما استطاعت سماع الجدال بينهما..
-:"لا داعي أن تحمليها كل هذا سندس.."
-:"سمعتها بنفسك هي لا تريد ترك دروسها"
ثم ابتعدت الأصوات تدريجياً حتى لم تعد تستطيع سماع أي شيء.. بقيت لفترة تذاكر حتى تذكرت كلمات سلمى عن ريهام وما تنتويه وعندها تراجعت بمقعدها وعقدت ذراعيها بتفكير.. سقطت نظراتها على كتاب الفيزياء وابتسمت وهي تلتقطه وتتذكر أنه كان يمسك به.. يمكنها الجزم أنه الآن يذاكر مثلها.. فهما متشابهان.. ويمكنها الجزم أيضاً أن تلك الحمقاء ريهام لن تنال شيئاً مما تنتويه.. لكن...
التفتت تنظر لصورتها مع ريم وهي تهمس: "أنا لن أسمح لها بكل الأحوال أن تقترب منه!.."
*******
https://www.facebook.com/groups/694278894770968/posts/773361173529406
أنت تقرأ
رسالة من فتاة مجنونة
Romantizmالعالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا.. ولا تنتظريني فالأمل ضئيل للقائنا.. رواية رسالة من فتاة مجنونة هينزل منها كل يوم فصل بعد صلاة التر...