~الرسالة الثانية~
مفاجآت الحياة لا تأتي دوماً سارة..
لذا وجِب الحذر..
**
استيقظت في اليوم التالي وقد شعرت ببعض التحسن.. لكنها كانت لا تزال متعبة لذا أخذت حماما دافئا.. وما أن غادرت الحمام توجهت للمطبخ لتجد رسالة على باب الثلاجة من والدتها:
"غادرت لشراء بعض الأغراض من السوق.. تناولي فطورك واشربي بعضاً من الأعشاب التي قمت بغليها لأجلك"
ابتسمت بينما تضع الرسالة جانبًا وبدأت بالتفكير بما ستحضره للفطور.. لكنها سمعت جرس الباب فتوجهت نحوه وفتحت الباب لتجد مؤمن أمامها.. تذكرت ما حدث فعقدت ذراعيها وهي تنظر له بغضب.. ناوية الصراخ عليه ثم غلق الباب بوجهه بطريقة مسرحية شيقة كما يحدث بالأفلام.. لكن قبل أن تنفذ خطتها ألجمها بجملة واحدة: "كنت قلقا عليك"
تجمد لسانها كما حدث لباقي جسدها الذي تجمد بفعل الصدمة ففي الغالب هو لا يعتذر ولا يبرر.. في الغالب هو يرد بجملة واحدة عندما تلومه بأي موقف:
"أنتِ تعلمين لم أفعل هذا.. كما تعلمين أني أكره التبريرات لذا اختصري اللوم والعتاب الذي لا طائل منه.."
تذكرت تلك الجملة الباردة التي كان يرددها من قبل وقارنتها بطريقته الدافئة المختصرة بشرح سبب انفعاله وهذا ضاعف صدمتها وملأ رأسها بمزيدٍ من الأسئلة التي لا تجد لها أي إجابة.. تخيلت أنه محتار من صمتها الطويل لذا أكمل بهدوء مفسراً: "في الغالب حتى إن غضبتِ مني تخبريني بوجهتك.. لذا خفت مما قد يكون أصابك.. لكني أخطأت بردة فعلي.. كان علي الحفاظ على هدوئي.. وأيضاً قبلها صباحاً.. كان علي مراعاة مشاعرك أمام الجميع.. أنا آسف"
-:"هذا المزعج لا يترك لي فرصة لأبقى غاضبة منه!"
همست بها لنفسها.. قبل أن تتنحنح محاولة طرد حديث ساندي الذي لا زال يتردد ببالها للآن.. وقررت أنها لن تسامحه فورا.. هي بالفعل سامحته بداخلها لكنها لن توافق بهذه السهولة.. وقبل أن تقول أي كلمة ابتسم وهو يتكئ على الباب مكملا: "أخبرتك أن كل شيء يظهر بوضوح على صفحة وجهك"
ثم وضع إصبعا على جبهتها.. وعندها شعرت بقشعريرة باردة تسري بجسدها واحتلتها صدمة.. قبل أن يتملكها الخجل وتتراجع فجأة.
ارتفع حاجباه بدهشة وفتح فمه ليسألها عما أصابها لكنها قررت ألا تمنحه فرصة وأسرعت ترد: "توقف عن قول هذا!"
ابتلعت لعابها ورفعت صوتها أكثر بمحاولة لإخفاء ذلك الشعور الذي انتابها بينما تكمل: "هذا الهراء عن كون كل شيء يظهر على وجهي بوضوح.. هذا غير منطقي!"
ازداد ارتفاع حاجبيه قبل أن يضحك بخفة بينما يرد: "إنها نهاية العالم بالتأكيد.. أنتِ تتحدثين عن المنطقية"
ضاقت عينيها وتملكها غضبٌ شديد رغم علمها أنه يمزح معها لا أكثر.. ولم تعلم هل السبب بانزعاجها أم أن هذا طبيعي نظراً لظروفها الصحية.. ورغم أنها لا تجد سبباً قوياً للصراخ عليه إلا أنها قررت افتعال شجارٍ جديد لكنه قاطع أفكارها بأن أكمل: "اسمعي لم لا ترتدي شيئاً ثقيلاً وتتبعيني للسطح"
لم تمنحه ردا فسبقها بينما يردف: "لا تتأخري سأنتظرك"
وقفت تتطلع بأثره ومشاعرها تتأرجح لسببٍ لا تعلمه بين الحزن والفرح.. أغلقت الباب بعد صعوده ووقفت خلفه وتلقائيا وضعت يدها على موضع لمسه لجبهتها ثم ابتسمت وهي تهمس: "ما الذي أصابني؟!"
تحركت بعدها لتبدل ثيابها لكن عاد صوت جرس الباب يعلو فتخيلت أن مؤمن نسي شيء أو أن والدتها عادت لذا فتحت الباب فجأة لتجده شخصاً آخر.. شخصاً تذكر حضوره السابق الذي أزعجها لذا كان ردها جافاً دون تفكير..
-:"مرحباً أنا...."
-:"أنا أعرف من أنت حضرة المحامي"
قالتها ثم عقدت ذراعيها وهي تسأله: "ماذا تريد؟"
ابتسم بخفة كانت لتذيب قلب إسلام وقد سمعت لصوت تنهيدتها الطويلة برأسها فهي كانت لتبدي إعجاباً كبيراً بالشخص الواقف أمامها..
-:"أود رؤية والدتك.."
عادت لتركز معه بينما ترد بجفاء: "أمي ليست هنا.. وإن كنت تريدها بشأن بيع المنزل فدعني أخبرك أننا لن نبيعه.. أنرتنا بطلتك!.."
ثم دفعت الباب لتغلقه لكنها توقفت ما أن قال: "ليس برغبتك!.."
فتحت الباب وهي ترد: "عفواً!.. يبدو أنك بحاجة لكوب ماءٍ بارد لتستفيق.. هذا بيتي وأنا من أحدد إن كنت سأغادره أو لا.."
عادت الضحكة الخافتة القصيرة تزين وجهه بينما يقول: "ربما أنتِ على حق.. توقعت أن تدعيني لشرب القهوة كما فعلت والدتك.."
-:"لقد فهمتني بشكلٍ خاطيء.."
ردت بها ثم ابتسمت ببرود وهي تكمل: "كوب الماء لن يكون للشرب بل ليُسكب على وجهك.."
ارتفع حاجباه ثم انفجر ضاحكاً وهو يرد: "أنتِ حقاً مسلية.."
تملكها الغضب وكادت أن تبدأ بالصراخ عليه لكنه نظر لها لثوانٍ قبل أن يكمل: "أنتِ بالتأكيد لا تشبهين والدتك.."
تنهد بعدها ثم تراجع وهو يردف: "على أي حال من فضلك بلغي والدتك بحضوري.. وأعتذر إن كنت أزعجتك.."
لم تكلف نفسها عناء الرد فقط وقفت تطالعه بينما يهبط الدرج لكنه توقف فجأة وقال دون التفات: "لكن عليك التعلم أن كل شيء متاحٌ للفقد بهذه الحياة.."
التفت لها وابتسم بينما يكمل: "حتى تلك الأشياء التي تملكينها من السهل أن تفقديها.. لذا لا تنتظري الانصاف والعدل كلاهما غائبان بهذا العالم.. خذي هذه النصيحة من حارس العدل بذاته.."
تحرك بعدها يكمل طريقه وهو يلوح بيده مودعاً بينما هي بقيت تطالعه وكلماته تتردد برأسها بلا توقف لكنها لم تسمح لنفسها بالتفكير بها كثيراً فقد أغلقت الباب بعنف ثم تحركت ناحية الحائط المقابل لأريكة والدتها.. وقفت هناك تطالع صورة والدها لفترة لم تحسبها ثم أغمضت عينيها وهي تهمس: "لن أسمح لهم بأخذ بيتك مني أبداً يا أبي.. أنا أعدك.."
***
كانت جالسة على حاسبها تكتب التقرير عندما سمعت صوت فتح الباب.. فالتفتت لتجد والدتها التي قالت: "سان لم لا تأخذي مالي معك للتدريب"
لم تحاول النظر لعينيها فقط ابتسمت وأومأت وهي ترد: "أجل أمي بالطبع"
ثم نهضت محاولة إضفاء الحماس لحديثها: "سآخذها ونتناول الإفطار والغداء خارجًا"
ابتسمت لها والدتها ثم اقتربت واحتضنتها وهي تهمس: "شكراً لك عزيزتي"
ربتت على كتفيها بصمت قبل أن تبتعد وتقول: "هناك مالٌ بالخزانة خذي ما يكفيكما"
أومأت لها وما أن خرجت لم تسمح لنفسها بالوقوف مكانها حتى لا تفكر كثيرا.. أسرعت للخزانة وبدأت بتحضير حقيبة التمرين.. كما ارتدت ثيابا خفيفة ترتديها أثناء ذهابها.. ثم خرجت من غرفتها لتتوجه لغرفة مالي.. لكنها توقفت فجأة وقد انتابتها فكرة فأسرعت نحو الهاتف وطلبت رقم إسلام.
****
كانت على وشك الخروج من المنزل عندما رن الهاتف.. فتوجهت نحوه ورفعت السماعة ليأتيها صوت إسلام: "صباح الخير يا بيتهوفين"
ضحكت بخفة وجلست بجوار السماعة وهي ترد: "كانت بضع ساعات عزفت بها أمامك وحسب سولي"
-: "هذا ليس رأي الآنسة نغم"
ردت تسألها: "ماذا تقصدين؟"
-: "اسمعي.. من المفترض أن لدي درسا بعد ساعة.. حصة تعويضية عما فاتني.. عندما اتصلت بها لأؤكد ذهابي طلبت مني أن أحضركِ معي.. أخبرتني أنها تريد تدريبك"
ارتفع حاجبي ريم قبل أن تحتل ابتسامة شفتيها.. ثم تذكرت أن التدريب بالتأكيد سيتطلب مالا.. لذا صمتت قليلاً قبل أن ترد بحزن: "لا أعتقد أن هذا ممكن"
-: "لماذا يا فتاة؟!"
ابتلعت لعابها وهي تحاول الإتيان بسببٍ مقنع رداً على سؤالها المليء بالحماس.. وعندها دخلت والدتها المنزل فأسرعت تقول: "أمي سترفض بالتأكيد.. فأنت تعلمين لدينا امتحانات وهذا المشروع الذي نعمل عليه"
نظرت لها والدتها ثم تحركت ناحية طاولة الطعام لتضع أكياس المشتريات بينما إسلام ترد: "حسناً سأتصل بها وأخبرها.. لكن اسمعي ساندي تريدنا أن نذهب لتناول الغداء معها بالنادي اليوم"
:"سأستأذن أمي وأرد عليكِ"
ردت بها ثم أغلقت بعد توديعها بشكل مؤقت.
:"ماذا حدث؟"
التفتت لوالدتها وقررت إخفاء الجزء الأول من المحادثة فهي تعرف والدتها لطالما تمنت أن تتم دروسها الموسيقية على البيانو.. وستوافق بالطبع ما أن تعلمها برغبة الآنسة نغم.. لكن ظروفهم الحالية لا تسمح أبداً بأي شيءٍ زائد.. بالكاد تكفيهم النقود لتغطية مصاريف مدرستها الباهظة بالإضافة لدروسها التي ستتضاعف مع دخولها العام الأخير من الثانوية العامة..
-:"ريم.. ماذا بك؟"
رمشت عدة مرات وهي ترغم نفسها على إخفاء الأمر حتى لو رغبت به.. فعليها ألا تزيد أعباء والدتها لذا ابتسمت قائلة: "إسلام وساندي تريداني أن أتناول الغداء معهما.. بعد حضور مباراة تمهيدية لسان في النادي"
ابتسمت والدتها وردت: "لا مانع عندي على الإطلاق"
اقتربت منها واحتضنتها وهي تهمس: "شكرا أمي.. أنتِ الأفضل"
ربتت على ظهرها ثم أبعدتها قليلا بينما ترد: "الآن ساعديني بنقل المشتريات.. وأخبريني بما حدث البارحة"
أومأت لها لكنها تذكرت مؤمن الذي ينتظرها فقالت: "سأصعد سريعاً لمؤمن حتى لا أتركه ينتظر وأهبط في الحال"
أومأت لها فأسرعت تتحرك بينما والدتها ترد: "لا تتأخري فأنتِ بالتأكيد لم تتناولي إفطارك للآن"
: "حااضر"
قالتها وهي تخرج من المنزل.. ولم تكد تصعد درجتين إلا ووجدته يهبط برفقة علياء التي أسرعت نحوها وقالت: "صباح الخير يا ريم"
-: "صباح النور عزيزتي"
التفتت للقادم نحوهما الذي توقف أمامهما قائلا: "لقد اتصلت بي ساندي وطلبت مني معاودة الاتصال بها"
أومأت وردت: "أعتقد أنها ستدعوك أيضا للغداء"
التفتت له علياء وضمت كفيها معا ونظرت له بتوسل فقال: "لا.. لن آخذكِ معي"
: "لِم لا؟"
سألته فأسرعت علياء تكمل: "أجل لِم لا؟. لم أخرج منذ فترة.. وأنا سأكون مطيعة ولن أتسبب لك بأي ازعاج وأيضا..."
: "حسناً كفى!"
قاطعها بحدة ثم تنهد وأكمل: "استأذني والدتك.. وإن وافقت لا مانع عندي"
قفزت بالهواء وأسرعت تهبط الدرج.. فالتفت هو لريم: "إذاً لنذهب معا.. ولنؤجل الصعود للسطح عند عودتنا"
أومأت له وردت: "حسنا"
اقترب منها أكثر وسألها: "ألا زلتِ غاضبة؟"
تراجعت فورا مع اقترابه منها.. وعقدت ذراعيها وهي ترد: "أجل.. أعني قليلا وحسب.. أنت لم تفعل أي شيء لأسامحك من الأساس"
كانت ردودها سريعة ومليئة بالتوتر.. لذا قررت تبديل الموضوع بينما تكمل: "لم لا تأتي لتناول الإفطار معي أنا وأمي لابد أنك لم تأكل"
لم يبدو عليه أي شيء فقط أومأ ورد: "لا بأس"
تحركت نحو باب شقتهم وفتحته بمفتاحها.. وما أن دخلت وجدت والدتها تمسك سماعة الهاتف وهي تبتسم بينما تقول: "بالطبع أنا ليس لدي أي مانع"
أشارت لهما ليقتربا بينما تكمل: "ستكون عندك بالموعد آنسة نغم"
اتسعت عينيها وتراجعت لتقف خلف مؤمن الذي نظر لها باستغراب.. قبل أن تنهي والدتها المكالمة وتنظر لها بلوم.. فأسرعت تقول: "كنت سأخبرك بكل شيء أقسم.."
بقيت تنظر لها بعمق عينيها فلم تجد بداً من الاعتراف: "عدا الجزء الأخير بالطبع.."
رفع مؤمن كفه وسأل: "هل لي أن أفهم ما يحدث رجاء؟"
ضحكت والدتها بينما تنهض وتقترب منهما وهي ترد: "سأخبرك في الحال"
ثم فجأة شدت أذنيهما بذات اللحظة: "لكن أولاً إياكما والشجار بتلك الطريقة مجدداً.. عليكما احترام بعضكما والاهتمام ببعضكما.."
هتف كلاهما بألم وهما يتوسلانها التوقف.. وبعد لحظات تركتهما بالفعل.. فالتفتا لها وعندها وضعت كفيها على كتفيهما وهي تنظر لهما.. ثم انحنت أمامهما وعندها فتح مؤمن فمه ليتحدث...
: "اسمعاني جيداً"
توقف عقله كلياً مع طريقتها بالحديث وشعر بصمت يحيط بالمكان وكذلك ريم التي نظرت لها بانتباه ودون رمش بينما تبتسم وتكمل: "بيوم ما ستفهمان معنى حديثي.. لقد ربيتكما لأجل ذلك اليوم الذي ستدركان به أن لا أحد قريب من أياً منكما بقدركما.. أنتما بحاجة لبعضكما.. ولن تتمكنا أبداً من إنكار أو الهرب من تلك الحقيقة.. لذا عليكما الاهتمام ببعضكما.. مهما افترقتما.. مهما تشاجرتما.. في النهاية مصيركما بجوار بعضكما"
كانا يطالعانها بصمت قبل أن تسحبهما وتحتضنهما وهي تهمس: "تذكرا ما أنفقته لأجلكما.. تذكرا كلماتي دوماً"
-:"لا تتحدثي بتلك الطريقة!"
قالها مؤمن بعصبية واضحة.. فنظرت له ريم لتجده يدفن رأسه بكتفها ويتشبث بها.. فلم تفهم ما أصابه.. لكنها هي الأخرى أراحت رأسها على كتفها وهمست: "سأتذكر دوماً.. أعدك"
شعرت بتربيتتها الحانية على كتفها.. ومرت ثوانٍ من الصمت شعرت بها أن ثلاثتهم عُزلوا تماما عن العالم من حولهم.. قبل أن تتراجع والدتها وهي تقول: "هيا كفاكما دلالاً وساعداني بحمل المشتريات للمطبخ سريعاً.. فريم لديها درس موسيقى تلحق به"
التفت لها مؤمن وسأل بدهشة: "درس موسيقى؟!"
رفعت رأسها وتبعت والدتها وهي ترد: "لا تحلم.. لن أخبرك أي شيء"
*****
:"أنتِ نادمة"
التفتت هند لشيماء التي أكملت: "هذا واضح على وجهك"
عادت للنظر أمامها وهي تتنهد.. ثم تلفتت حولها تنظر للمحل الذي تعمل به.. قبل قليل اصطحبت زبونة لما يقارب الساعة وهي تحاول إقناعها بابتياع أي شيء.. وبعد كل هذا الوقت من تبديل الثياب المختلفة رفضت الشراء.. بل وأسمعتها ما تكره عن كون المعروضات لا تليق بأسعارها المرتفعة.. وهي كانت مضطرة على الصمت وعندها ردت: "أنا بالفعل نادمة"
ثم عادت تنظر لشيماء وهي تكمل: "لكنه حقي.. وذلك الحق هو وسيلتي الوحيدة لأعيش بأمان لذا لن أتنازل عنه!"
*****
بعد ساعة
وقفت أسفل البناية تتطلع للأعلى وهي لا تصدق أنها أتت بالفعل.. والدتها لم تخبرها أي تفاصيل.. فقط أعلمتها أن الآنسة نغم اتصلت بها.. واستأذنتها أن تحضر دروس الموسيقى مع إسلام.. وقد وافقت والدتها بعد وعد الآنسة لها أن الدروس لن تؤثر على دراستها أبداً.. تململت بوقفتها ثم نظرت لساعتها.. أخبرتها إسلام أنها ستلحق بها فور وصول جدتها للمنزل لذا الأفضل أن تنتظرها..
-:"آنسة ريم"
التفتت تنظر خلفها لتجد السيدة فادية تحمل بعض الأكياس ابتسمت لها وأكملت: "يسرني رؤيتك مجدداً"
أومأت لها وردت: "وأنا أيضا"
أعادت وضع الحقيبة على كتفها وأسرعت تقترب منها وهي تكمل: "دعيني أساعدكِ رجاء"
حاولت أن تعترض لكنها لم تسمح لها.. وحملت عنها الأكياس وهي تردف: "هذا لا شيء"
ابتسمت لها وردت: "لنصعد هيا"
تبعتها بصعود الدرج.. وما أن وصلوا فتحت الباب.. ثم تبعتها لغرفة مجاورة للباب تبين أنها مطبخ.. ووضعت الأغراض على إحدى الطاولات.
: "يمكنك انتظار نغم وإسلام بالداخل"
التفتت لها بينما تكمل: "سأحضر لك بعض العصير"
-"شكرا"
ردت بها ثم تحركت نحو غرفة الموسيقى.. وما أن وصلت وجدت بوابة الشرفة مفتوحة وذات المظهر المثير للراحة أمامها.. كانت الستائر تتحرك بفعل النسيم العليل.. وضوء الشمس يحتل كل ركن من الغرفة.. تركت حقيبتها الصغيرة على الأرض.. وتحركت تقف بالشرفة تنظر للبحر الواسع.
-:"أنتِ تحبين البحر كثيرا"
التفتت تنظر لنغم التي وقفت باستقامة وذات النظرة الثاقبة.. بينما تبتسم وتقترب منها وهي تكمل: "ربما هو السبب بذاك الحس الإبداعي الذي تملكين"
ضحكت بخفة وردت: "لا أظن أن هذا صحيحا.. فأنا لست مبدعة"
ارتفع حاجبيها وقالت: "هل تنتقصين من قدرتي على تثمين الأشياء يا فتاة؟"
شعرت فجأة أنها تقف أمام خالتها شكرية.. وذات الشعور بالرهبة ينتابها.. لكنها لم تستطع كبح لسانها وردت: "أنا إنسانة ولست شيء"
-:"بل أنتِ شيء"
قالتها وهي تقترب منها ثم أكملت: "كل البشر مجرد أشياء.. وأنتِ لستِ أفضل من أي بشري"
صمتت قليلا قبل أن ترد: "تتحدثين كشخصٍ أعرفه"
ابتسمت بينما تقول: "لابد أنه يعاني"
انعقد حاجبيها دون فهم.. لكنها لم تمهلها والتفتت تكمل: "اتبعيني"
تبعتها بالفعل فأشارت لها بالجلوس على البيانو.. بينما هي اتجهت لمكتبة بأحد أركان الغرفة.. وأخرجت منها نوتة للعزف.. ثم تحركت نحوها ووضعتها أمامها.. نظرت ريم للنوتة ثم لها وسألتها: "ألن ننتظ..."
-:"لا!"
ردت بها بصرامة وعيون تمتلئ بالقسوة.. فعادت تنظر للنوتة وقررت أن تستمع لها وحسب.. لكنها كانت تشعر بالتوتر فضغطت على الزر بعنف ليصدر صوت نشاز.. تلقت على إثر ذلك الخطأ ضربة خفيفة على رأسها من دفتر تحمله الأستاذة التي تحركت حولها وهي تقول بحدة: "ركزي وانبذي ذلك التوتر بنفسٍ عميق.. تعاملي مع الأداة برفق وإلا كرهتك"
كانت تتمنى الصراخ عليها وقد توقعت أن هذا ما ستفعله.. لكنها وعلى العكس نفذت كل ما طلبته وبدأت العزف وهي تتبع تعليماتها بصمتٍ وانصات..
****
كان يمسك بذراع ألعاب الفيديو وبثانية هتف: "فزت!"
ثم التفت لفادي الذي مط شفتيه بينما أكمل هيثم بملل: "أنت لا تفوز بأي شيء يا فادي.. أتعلم حتى الأحمق أكمل مسلٍ عنك"
فجأة ضربته كرة والتفت ليجد أكمل يقول: "أتقارني بذلك الجبان!"
-:"على الأقل لست أحمقاً!"
همس بها فادي فأسرع أكمل نحوه وهو يسأله بغضب: "ماذا قلت يا أحمق؟!"
التفت له ورد: "قلت على الأقل لم أغضب شخصاً مخيفاً لا يجب أن أغضبه"
ضحك أكمل باستهزاء قبل أن يقول: "مخيفاً بالنسبة لجبانٍ مثلك.. لكنه أحمق متعجرف لا يدرك عاقبة أفعاله بالنسبة لي"
ادعى فادي التفكير قليلا ثم رد: "على الأقل لم أغضب صديقي المفضل"
التفت أكمل عندها لهيثم الذي كان يطالعه بغضب وسأله: "لم هذه النظرة؟"
-:"ألا تعلم لم؟!"
سأله بحدة فتنهد أكمل بملل ثم التفت لفادي هاتفا: "لم لا تذهب لإحضار بعض الماء لنا"
كان سينهض بالفعل.. لكن هيثم منعه بينما يرد: "اذهب وأحضرها لنفسك نحن لا نعمل لديك"
عض أكمل شفته السفلى بقسوة وهو يقول: "ما الخطأ بما فعلته.. أنا لم أقل إلا الحقيقة.. كما أني لازلت لم أتخلى عن مسعاي للتقرب منها"
-:"إذاً ستتخلى رغما عنك"
قالها فادي وهو يسعل ليحاول التمويه على ما قاله وعندها ابتسم أكمل بشر وهو يرد بتفاخر: "ذلك الهزيل لا يمكنه الوقوف بوجهي لثانيتين"
-:"سنرى إذاً"
التفت لهيثم الذي كان يجلس باسطاً ذراعيه على ظهر الأريكة قبل أن يبتسم ويكمل: "لكني لن أتدخل عندما يجهز عليك.. فإن كنت مكانه لن أمررها لك دون رد"
ثم نهض متجاوزا إياه وهو يقول: "انهضا حتى لا نتأخر عن سان ومالي"
-: "أجل لا نريد إغضاب الشرسة!"
رد بها أكمل باستهزاء فضحك هيثم بينما يلتفت وينظر له قبل أن يقول: "لاحظت الآن كم أنت أحمق لدرجة إغضاب من لست نداً لهم.."
عاد يلتفت ويغادر بينما فادي يتبعه وهو يكمل: "ستنال دروساً قاسياً مقابل تلك الرعونة يا رجل.."
****
: "خطأ!"
هتفت بها نغم لتجبرها على التوقف.. ثم عندما حاولت أن تلتفت
-:"إياكِ أن تلتفتي.. ركزي مع البيانو!"
بقيت ثابتة بينما تنظر لإسلام التي عزفت قليلا.. وتلقت توبيخا كثيرا قبل أن تنهض.. ومن وقتها وهي جالسة تمتثل لتعليمات النسخة الأسوأ من خالتها شكرية.. فالأستاذة نغم بوجهها الصارم الذي لا يبتسم.. وتعليماتها التي لا تقبل بها أي نقاش تذكرها بخالتها لكن بصورة أكثر قسوة.. فبالتالي صورة أسوأ من خالتها.
-:"أخبرتك ألا تضغطي على الأزرار بعنف ريم.. هذا يجعل اللحن يخرج عن تناغمه.. أتودين أن يشعر من يستمع لك أنه يستمع لأصوات غير منضبطة"
هزت رأسها بنفي فأكملت بحدة: "إذاً توقفي عن الضغط بشدة على المفاتيح!"
ثم وضعت كفها على رأسها وأردفت: "وإن ضغطتِ عليها بشكلٍ خاطئ من الآن.. سأضغط بالتزامن على رأسك أفهمتِ"
ابتلعت لعابها وردت: "نعم أستاذة.."
****
بعدها بساعتين
-:"إنها قاسية جدا!"
قالتها ريم بينما تمسد على رأسها التي آلمتها من فرط ضغط نغم عليها ثم أكملت: "أقسى حتى من خالتي.. وهو أمر نادر أن أجد شخصاً مثلها حتى!"
ضحكت إسلام بينما تسير بجوارها ثم ردت: "إنها طيبة للغاية.. لكنها عصبية قليلا"
التفتت لها فأكملت: "لكن ستعتادين عليها وتحبينها مع مرور الوقت"
أومأت لها ثم سألتها: "لم تتعلمين الموسيقى يا سولي؟"
-: "كانت رغبة جدتي ووالدي بالمثل.. خاصة و أن الآنسة نغم وشقيقتها صديقتان للعائلة"
ردت بها ما أن عبرتا الطريق لتسيرا بجوار البحر ثم التفتت لها تسألها: "وماذا عنكِ؟.."
ابتسمت وهي ترد: "أخبرتك أن أمي هي من علمتني.. أمي تحب العزف على البيانو وأنا ورثت عنها تلك الصفة.."
أومأت لها وعادت للنظر أمامها بينما تقول: "جدتي أخبرتني أن أمي كانت تحب العزف أيضاً.. لهذا هي أصرت أن أتعلم رغم أني لست متحمسة بشأنه.."
لكزت ذراعها وهي تكمل: "لكن أنتِ موهوبة على عكسي.."
تملكها الخجل بينما ترد: "أنتِ تبالغين سولي.."
ضحكت إسلام ثم أحاطت كتفيها قائلة: "الأيام ستثبت من منا على صواب.."
********
وصلتا للصالة حيث تتم المباراة الودية.. تلفتت إسلام حولها قبل أن تشير لإحدى الجهات وهي تقول: "ها هم هناك"
ثم سحبتها ليتحركوا ناحية المدرجات.. وما أن وصلوا أفسح لهم فادي بينما يسأل: "لم تأخرتما؟"
ردت ريم بينما تجلس: "الزحام شديد اليوم"
: "بسبب الإجازة ورحلات اليوم الواحد"
رد بها فادي بينما تلفتت هي لساندي التي بدت مركزة تماما.. بينما تلقي تعليمات لصديقاتها قبل أن تسأل: "هل فاتنا الكثير؟"
: "أختي تلقنهم درسا وحسب"
التفتت تنظر لمالي التي اقتربت مع هيثم وهي تحمل الكثير من الحلوى.. ثم جلست بينها وبين اسلام التي قالت: "كيف الحال مال؟"
بدأت بتناول الحلوى وهي ترد: "بخير"
بدؤوا جميعا بالتركيز على المباراة.. كانت ساندي بالفعل متألقة وتلعب بحماسٍ كبير رغم كونها مجرد مباراة ودية وقد أشعلت طريقة لعبها الحماسة بقلوبهم جميعاً حتى أصبحوا يشجعونها ويهللون لها بأصوات تتردد بالملعب.. لكن بعد مرور الفترة الأولى من اللعب ضربت إحدى الفتيات من الفريق المنافسالكرة بعنف بوجه ساندي وقد بدت متعمدة.. لذا نهضوا جميعا واقتربوا من الحاجز الفاصل بينهم وبين الصالة.. ومع عدم اتخاذ الحكم لأي قرار هتف أكمل: "حتى الضرير يمكنه رؤية خطأ تلك المعتوهة!"
التفت الجميع نحوهم وتعالت الشهقات من كل جهة.. لكن كان هذا آخر هم أيا منهم.. فقد أسرعت ريم وإسلام بدخول الصالة.. وانحنتا على ساندي وكلتاهما تسأل: "سان أنتِ بخير؟"
-:"أرني وجهك؟"
-:"كيف تتجرؤون على تلك الإهانة.. جميعكم مطرودين و..."
هتف بها الحكم.. لكن قبل أن يتم جملته وجده يقفز على الحاجز ويتحرك نحوه.. بينما بقي هيثم ومؤمن خلف السور لثوان قبل أن يسأله: "ألن تتدخل؟"
فكر هيثم قليلاً قبل أن يرد: "لا.. ذاك الوغد يستحق ما سيناله"
مط مؤمن شفتيه ثم تحرك ناحية ساندي وهو يقول: "لنطمئن على سان ونتركه له"
***
: "ألا تعلم من أكون يا هذا!.. أنا أكمل علوان وهذا النادي عائلتي هي المساهم الأكبر به.."
قالها قبل أن يمسك برقبة الرجل ويسحبه نحوه بقسوة بينما يكمل: "لا أحد يحق له طردي عدا معلمة صفي.. خاصة إن كان شخصاً يعمل لدي"
بدا الرجل مرتبكاً بالبداية.. لكن سرعان ما حاول دفعه وفتح فمه ليعترض على طريقته.. لكنه رأى شخصاً من الخلف يتقدم نحوهم وما أن وصل قال: "سيد أكمل هل من مشكلة؟"
التفت أكمل ليجده أحد الإداريين المسؤولين في النادي ورد: "أجل هناك مشكلة.. أنت تقوم بتوظيف حمقى وهذا لن يعجب عائلتي.. فعائلتي تكره الحمقى"
كان الرجل على وشك الموت من فرط الحرج.. وبدا مظهره مثيرا للشفقة وهو يحاول فتح فمه لينطق بأي كلمة دون فائدة..
-:"أكمل"
التفت ينظر لساندي التي كانت تمسح أنفها النازف بينما تكمل: "هذا يكفي أنا بخير"
حدق بها أكمل قليلا قبل أن يرد: "لا.. أنتِ لستِ كذلك"
ثم التفت وهو ينوي توبيخ مدير الصالة.. لكن فجأة شعر بذراع تسحبه للخلف فالتفت ليجد ساندي التي قالت: "أنا بخير حقا أكمل.. لا داعي لافتعال شجار"
نظر لها قليلا ثم قرر الامتثال لكلامها.. باللحظة ذاتها التي سحبها بها مؤمن ناحية المدرجات وهو يقول: "ارفعي رأسك سان حتى يتوقف النزيف"
وما أن ابتعدوا التفت للحكم وقال بتقرير: "أظن أن لدينا وقتا مستقطعا أليس كذلك؟"
بدا الرجل متوترا ثم أعلن عن وقت مستقطع بالفعل.. وعندها التفت يتحرك ناحية ساندي التي كانت جالسة والجميع حولها.. بينما مؤمن يحاول إيقاف نزيف أنفها بمنحها بعض التعليمات: "سان أبقي رأسك للخلف"
كانت تمتثل له بالفعل لكنها لم تتوقف عن النظر لهم.. وهي تتذكر كيف تحركوا دون تفكير أو التفات لاعتراضات البعض.. وعندها ابتسمت وهمست: "أنا بخير.. شكرا لكم"
****
بعد انتهاء المباراة خرجت تتجه نحوهم بينما يقفون خارج الصالة.. وما أن وصلت هتفت مالي التي يحملها هيثم: "سنذهب للسينما"
مطت ساندي شفتيها وهي ترد: "مالي لا يمكنني..."
بدت منزعجة فأكملت: "لنذهب لتناول الغداء وحسب.. ونؤجل السينما للغد بعد المدرسة"
حل عليها الصمت قليلا قبل أن تومئ باستسلام.. وعندها التفتت لهم جميعا وقالت: "أنا سأدعوكم اليوم"
****
بعد تناول الغداء قررت إسلام وريم إيصال ساندي ومالي
: "إذاً كيف كان درس الموسيقى؟"
التفتت ريم لساندي بينما ترد: "عدا عن كون المعلمة تذكرني بخالتي بنسختها الأشد قسوة.. فقد استمتعت بالباقي"
ابتسمت لها ساندي وعادت للنظر أمامها.. حيث كانت مالي تسير بجوار إسلام ثم قالت: "لا أريدك أن تغضبي مني"
: "لست غاضبة"
ردت بها ريم بينما تلتفت لها وهي تكمل: "نحن أصدقاء في النهاية"
كانت ذكرى ما حدث صباحا لا تزال متعلقة بعقلها.. فابتسمت وهي ترد: "نعم نحن كذلك"
ثم التفتت لها وأكملت: "لكني متمسكة برأيي.. أنت تحبينه بالتأكيد"
لكزتها ريم بذراعها ثم هتفت بينما تتقدم ناحية إسلام: "أنتِ مزعجة سان!"
ضحكت بينما تتبعها وهي تهتف: "لا تهربي من الحقيقة يا فتاة!"
**
سار أربعتهم بعد أن خرجوا من المطعم.. عبر أحد الأزقة ليصلوا للشارع الرئيسي.. بينما سأل فادي: "أعتقد أن إقناع آبائنا بالرحلة التالية سيكون صعبا"
فكر هيثم قليلا قبل أن يرد: "لدينا أمل إن حققنا علامات جيدة بالامتحانات الشهرية"
: "إذاً علي أن أدرس!"
همس بها فادي بملل قبل أن يكمل: "هذا مزعج!"
: "يمكننا الاستعانة بمؤمن"
قالها أكمل بسخرية بينما يسير بجواره.. لكن الأخير توقف وهو يرد: "أنا لا أعمل لديك يا أكمل علوان.. لذا عليك أن تطلب بأدب وأنا سأفكر بالموافقة أو الرفض"
التفت له أكمل وكاد يرد عليه.. لكن قبل أن يتحرك حتى وجده يمسك بياقة قميصه.. ويدفعه للخلف ليستند على الجدار.. وخلف نظارته رأى الغضب يحتل عينيه بينما يكمل بهدوء: "واعلم أنك إن تدخلت بما لا يعنيك مرة أخرى.. فاللعنة على المشروع وعليك.. وعلى اسم عائلتك وعلى كل شيء!"
تحرك فادي ليتدخل لكن هيثم منعه.. وما أن التفت له وجده يبتسم بسخرية بينما مؤمن يكمل: "أنا لا شيء لدي لأبكي عليه.. يمكنني إفساد كل شيء بلحظة.. لذا اسمع كلمتي جيدا"
اقترب منه أكثر وأردف: "ابتعد عن طريقها!"
ثم ضربه بعنف بساقه التي كان يحاول تحريكها ليبعده لكنه لم يستطع.. وما أن تراجع نظر له مؤمن بتوعد ثم التفت ليغادر دون أي كلمة إضافية.. ومع ابتعاده التفت أكمل لهيثم الذي لم يخفي نظراته المتشفية.. لكنه لم يتمكن من اعتراضه.. فقط التفت لفادي ليفرغ غضبه عليه وهو يقول: "لِم لا تتبعه كعادتك؟!"
التفت له فادي ولم يبدو متأثراً بحديثه بينما يرد: "حتى التابع عليه معرفة الأوقات التي لا يجب أن يتواجد بها قرب شخص خطيرٍ كالذي سار أمامنا"
: "تخيل أن التابع أذكى منك!"
ضحك هيثم وهو يقولها ثم سار مبتعدا وهو يكمل: "توقعت شجارا كبيرا.. أنا أحسده على ثباته الانفعالي"
***
كانت خالتها تصحح حلها للأسئلة التي منحتها لهما بعد انتهاء الدرس.. قبل أن تسلم الدفتر لمؤمن وهي تقول: "كالعادة لا بأس يا مؤمن.. لكن حاول الاختصار بأجوبتك.. لا داعي للإسهاب مادام السؤال محدد"
ثم التفتت لها وهي تمنحها دفترها بينما تتنهد بملل وهي تكمل: "وكالعادة الآنسة ريم تجيب عن الأسئلة الصعبة.. وتخفق بالأسئلة السهلة"
ضربتها بخفة على رأسها بعدها بينما تردف: "ركزي وإلا ستتلقين مني ما لا يسرك"
أومأت لها فارتاحت بمقعدها ثم قالت: "اذهبا فأنتما طليقان"
نهضا بعدها وتحركا ليغادرا.. لكن ريم توقفت وقالت: "خالتي نسيت إخبارك أني بدأت اليوم دروس موسيقى"
: "والدتك أخبرتني يا مقصوفة الرقبة"
قالتها وهي تبتسم.. ثم اختفت الابتسامة وهي تكمل بتحذير: "لكن اعلمي إن شعرت أنكِ أهملتِ دراستكِ ولو قليلا.. سأطلب منها إيقاف تلك الدروس"
ثم نظرت لهما معا بينما تردف: "بالمثل بالنسبة لذلك المشروع.. إن لم تحققا علامات عالية هذا الشهر.. انسيا أمر السفر.. مفهوم؟"
: "أجل"
ردا بها معا قبل أن يلتفتا ليغادرا بينما ريم ترد: "تصبحين على خير خالتي"
وما أن غادرا سمحت لنفسها بالابتسام بينما ترد: "وأنتما بخير أيها الأحمقان"
****
تنهدت بتعب وهي تتحرك نحو الدرج بينما تهمس: "اثنان من خالتي باليوم ذاته.. كثير علي!"
كادت أن تهبط لكن كفه أمسكت بها.. فالتفتت له بينما يسحبها وهي تسأله: "إلى أين؟"
-: "أود أن أريكِ شيئا"
لم تكن مهتمة برده كانت فقط تمسك بكفه الممسك بيدها وهي تشعر بالخجل والتردد.. فإن سحبت كفها من يده ستلفت انتباهه وسيسألها.. وعندما سيسألها لن تتمكن من الكذب.. والحل الثاني أن تترك يدها بيده.. وعندها ستموت من فرط الخجل.. بقيت على هذا الحال من الحيرة حتى وجدته يترك كفها ويلتفت لها وعندها تنهدت براحة.
-: "إذاً ما رأيكِ؟"
انتبهت له وعندها أدركت أنهم وصلوا للسطح فسألته: "بماذا؟"
: "بهذا"
أجابها بينما يشير للمكان الذي يجلسان به للدراسة.. لتتسع عينيها بصدمة وهي ترى الأرجوحة الموجودة بجواره.. تحركت نحوها وما أن وقفت جوارها أدركت أنها مصنوعة يدوياً.
-: "أنت صنعتها؟!"
: "بضع قطع من الخشب مع الحبال والورود البلاستيكية للتزيين.. ليست شيئا صعبا"
قالها وهو يتقدم منها ثم طرق على المقعد المعلق وهو يكمل: "لقد اختبرتها.. وجعلت علياء تجلس عليها لفترة لأتأكد من أنها آمنة"
التفتت له وابتسمت وهي ترد: "شكرا مؤمن"
ارتفع حاجباه بدهشة.. فعلمت أن هذا ليس رد فعلٍ طبيعي.. وهو كذلك ففي الغالب كانت ستشاكسه دون شكر.. خاصة وأنهما كانا متخاصمان حتى الصباح.. حمدت الله عندما لم يسألها ويطل التفكير بردة فعلها فقد تراجع وقال: "جربيها"
تحركت تجلس على المقعد وهي تتأمله.. كان مريحا ومزين بورود زرقاء لطيفة.. وما أن حركها مؤمن شعرت بسعادة بالغة وهي تلتفت له ثم ردت: "إنها رائعة"
ابتسم لها واتكأ على القائم الخشبي: "جيد"
التفتت تنظر أمامها للسماء وهي لا تعلم ما عليها قوله.. في الغالب كانت ستشاكسه لكنها لازالت مرتبكة ولا تجد ما تقوله.. لذا فضلت الصمت قبل أن تتذكر وتسأله: "لِم لم تحضر علياء اليوم؟"
التفتت له بينما يرد: "والدتها رفضت"
عندها تذكرت رفضه في الصباح وربطت الأمور ببعضها.. مؤمن لا يرفض خروج شقيقاته معه لأنه لا يريد.. بل لأن خالتها لا تسمح له.. وعندها عادت تنظر أمامها وهي تشعر بالأسف.. لكن سرعان ما قررت أن تغير الموضوع والتفتت له لتقول: "لِم لا تأتي معي درس الموسيقى القادم.. أود أن تستمع لي بينما أعزف وتخبرني برأيك"
: "يمكنني التخيل بصراحة"
قالها وهو يتحرك ليجلس على الأرجوحة بجوارها.. كان ملاصقا لها تماما وقد كان هذا ليمر بشكلٍ عادي قبل يومين وحسب.. فلطالما جلسا متلاصقان دون أي حرج.. لكن ليس الآن.. كانت تشعر برغبة بالصراخ تزامنا مع سعادة دفينة بداخلها.. لكنها قررت تجاهل حرجها وهي ترد: "الجميع.. يخبرني أني..."
التفت ينظر لها فازداد ارتباكها لكنها أسرعت تكمل: "أني جيدة نوعا ما.. وأنا أريد رأيك أنت"
ابتسم لها وقال: "سآتي بالتأكيد"
****
في اليوم التالي
كانوا جميعا جالسين بالصف بانتظار بداية الحصص.. عندما تفاجأوا بدخول الأستاذة جنات مع أستاذة شكرية.. استغربوا جميعا بينما ينهضون وهم يردون تحية الصباح.. ثم سمحت لهم الأستاذة جنات بالجلوس.. صمتت قليلا قبل أن تسأل: "كيف العمل على المشاريع أيها الصف؟"
ردت واحدة من زميلاتها: "نعمل عليهم أستاذة.. لكن معظمنا توقف حاليا بسبب الاختبارات الشهرية"
أومأت لهم وردت: "أنا واثقة أنكم ستبذلون قصاري جهدكم"
تراجعت قليلا بينما تكمل: "أريد أن أؤكد على أهمية تلك المشاريع.. حتى وإن كانت درجاتها بلا قيمة بالنسبة لبعضكم.. فمشاريعكم وسيلة لنعلمكم أن تحترموا العقاب المصاحب لأخطائكم.. لذا..."
قالتها ثم التفتت لسوزان وهي تكمل: "لا أريد مشاكل.. ولا تنسوا أن التقييم الرئيسي سيكون على التعاون بين الأفراد.. إن لم يعمل فرد واحد من المجموعة.. معناه أنه ببساطة لا يحترم عقابه ولا يعترف بخطئه.. وهذا سيؤثر على المجموعة بالسلب.. ببساطة تقييمكم لن يكون على المظهر النهائي للمشاريع وحسب لذا التزموا"
ثم نظرت للجميع وهي تردف: "هل هناك شيء غير مفهوم بكلامي؟"
: "لا يا أستاذة"
ردوا بها جميعاً فأومأت وغادرتا بعدها.. وقبل أن تسأل مالت إسلام عليها هي وساندي بينما تهمس: "لقد سمعت أن هناك خلاف بين مجموعة سوزان"
: "لا عجب بهذا.. فهي متسلطة وقاسية"
ردت بها ساندي بينما هي كانت تنظر نحوها ولا تعلم لِم.. لكنها شعرت ببعض الذنب يحتلها.
*****
طرق على الباب تبعه فتح علياء للباب بينما كانت هي تعد طعام الغداء.. وقبل أن تسأل وجدتها تهتف: "أمي.. هناك رجل يطلبك على الباب"
تحركت تضع الحجاب بينما تتجه للباب.. وما أن وصلت وجدت رجلا غريباً يحمل حقيبة ويقف أمامها.. اقتربت من الباب واستندت عليه بينما يقول: "هل هذا منزل السيد زكريا؟"
ابتلعت لعابها بخوف قبل أن ترد: "نعم.. بم أساعدك؟"
سلمها ورقة ثم تقدم نحوها بدفتر وقلم وهو يقول: "أريد توقيعك هنا بأنك استلمت هذه الورقة"
انعقد حاجبيها ونظرت للورقة بينما تسأله: "وما هذه الورقة؟"
-: "إعلان قضية طرد"
اتسعت عيناها بهلع وارتفعتا تنظران له بصدمة بينما يكمل: "يبدو أن أصحاب البيت يريدون طردكم"
وعندها لم تشعر سوى بنفسها تسقط بهوة لا نهاية لها.
****
أنت تقرأ
رسالة من فتاة مجنونة
Lãng mạnالعالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا.. ولا تنتظريني فالأمل ضئيل للقائنا.. رواية رسالة من فتاة مجنونة هينزل منها كل يوم فصل بعد صلاة التر...