رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس والعشرون

209 11 0
                                    

~ الرسالة الرابعة عشر ~
أقدارنا أعيت أحلامنا بقسوتها..
لم يعد هناك مفر لنا من قسوة العالم..
لم يعد هناك مكان نلتجيء به ليحمينا مما يؤلمنا..
ريم الحسيني
***
وأطل الفجر ببسمته كغريبٍ عاد لبلدته..
أشعث من طول مسيرته وغبار عاث بوجنته..
وأطل الفجر – حنان عصام
****
:"أنا هنا يا سبونج بوب"
كان الصوت يتردد ببالها بلا توقف.. وهي تردد خلفه أنه كان مجرد حلم.. حلم لم ولن يتحقق..
كان هذا ما يدور ببالها منذ استيقظت.. وبقيت الجملة تتردد وهي تردد خلفها أنها كانت تحلم بينما تمارس نشاطاتها العادية بصباح يوم الاثنين.. استيقظت واغتسلت.. توضأت وصلت.. ارتدت ثيابها واتجهت للمدرسة.. كان لديها مراقبة بالفسحة وخمس حصص للموسيقى لم يكن يكترث لها الطلاب كالعادة.. وهي بذلت كل طاقتها لتستعري انتباههم ونجحت ببضع مرات وفشلت بالباقي.. أضناها التعب في النهاية وحاولت أن تتناول أي شيء.. لكنها لم تقدر على مضغ أو ابتلاع أي شيء.. فجلست بجوار إحدى النوافذ تطالع الخارج وقضت الوقت بترديد جملة..
:"لقد كان مجرد حلم"
الغريب بالأمر أنها لا تذكر شيئاً عمّ حدث البارحة معها.. تذكر فقط أنها كان لديها تمرين موسيقى مع الآنسة نغم التحقت به وعزفت ثم لا شيء..
آلمتها جبهتها من كثرة ما فركتها طيلة النهار لتحاول التركيز على العمل.. حامدة الله لأمرين.. أولاً أنها لا تملك أي أصدقاء بالمدرسة.. ورغم أن هذا لم يمنع همسات الاستعجاب من حالتها.. إلا أنها تجاوزت الأمر بسهولة لأنها معتادة على تهامسهم عنها.. الفتاة الأصغر التي لا تختلط بأحد.. تُدَرِس مهنة تافهة بالنسبة لهم.. نالت الوظيفة بسبب خالتها الأستاذة شكرية وكيلة المدرسة التي ستخرج قريباً من المدرسة وتصبح على المعاش بعدها سيصبح مصيرها مجهول.. كانت تلك الهمسات تتردد دوماً وهي تمارس التجاهل حتى أتقنته وأصبحت بارعة فيه..
ثانياً أن اليوم راحة من التمارين.. فقد أمرهم السيد عنان أن يرتاحوا اليوم استعداداً لعرض الغد وقد أراحها هذا.. فعلى الأقل ستعود للبيت وترتاح.. ظنت للحظات أنها ربما حمى هي ما تجعلها بتلك الحالة.. وقررت أنها ستستريح اليوم بالفراش عازلة نفسها عن كل شيء..
وصلت لمنزلها ودخلت تقول: "لقد عدت خالتي"
:"لم تأخرتِ يا هذه؟"
التفتت تنظر لساندي التي تحركت من غرفة الجلوس نحوها وسلمت عليها قبل أن تطالعها وهي تكمل: "نحن ننتظرك منذ فترة"
:"نحن؟!"
همستها باستغراب قبل أن ترى إسلام تقترب منها.. وعندها تذكرت تلك المحادثة التي دارت بينها وبين ساندي أثناء خروجها من المدرسة يوم أمس.. وتذكرت اتفاقها معها على الحضور للبيت..
:"ما الأمر ريم؟.."
كان هذا السؤال من إسلام بعد أن سلمت عليها فهزت رأسها وهي ترد: "لا شيء..."
ثم ابتسمت وهي تكمل: "اعذراني فالطريق كان مزدحماً وقد أُنهِكت اليوم بسبب إشراف الفسحة لذا أشعر ببعض التعب.."
ابتسمتا لها بينما قالت ساندي: "لا تشغلي بالك والآن هيا.."
سحبتها وهي بالكاد تتم جملتها نحو غرفة نومها.. وما أن دخلنها اتجهت إسلام لخزانتها فسألت باستغراب: "ماذا تفعلان؟!.."
:"ماذا برأيك نفعل؟!.."
قالتها ساندي بسخرية وهي تقف أمام طاولة الزينة وتخرج علبة مستحضرات التجميل خاصتها.. بينما ردت إسلام: "سننتقي ما سترتديه للخروج معنا.."
تنهدت بتعب واتجهت للفراش ثم ألقت ظهرها عليه طالعت السقف لبرهة بضياع ورأسها ينبض من فرط التعب قبل أن تقول: "ألم نتفق أن نقضي اليوم في البيت؟!.."
:"لا.."
ردتا بنفس الصوت بينما أكملت ساندي: "أخبرتك سنفكر ولم أقطع أي وعد.."
التفتت تنظر لهما كانتا كلتاهما متأنقتان بشكلٍ ملفت.. إسلام بفستان ضيق بجزءه العلوي ذي اللون الأسود بينما تنورته البيضاء المخططة بالأسود التي تصل لركبتها واسعة كفساتين الباربي وسترة بقصيرة بذات لون التنورة وقد جمعت شعرها بكعكة أنيقة خلف رأسها وأحاطت قلادة فضية أنيقة بجبهتها ورأسها.. وساندي كالعادة كانت متحفظة بثيابها لكن أنيقة.. فستان طويل من اللون الرمادي فضفاض ويخفي كامل جسدها ويمنحها طابعاً رسمياً كأنها ذاهبة لمؤتمر لا لنزهة مع أصدقائها لكنها كانت سعيدة بتركها شعرها منسدلاً.. مطت شفتيها وهي تتنهد قائلة: "حسناً ليكن بمعلوماتكما أنا ميزانيتي محدودة.. لذا في الغالب أنتما من ستحاسبان"
التفتت بعدها إسلام وهي تخرج تنورة قصيرة.. بنقشة من المربعات بألوان متداخلة بين البيج والأسود.. مع كنزة من الصوف الأسود عارية الكتفين.. ارتفع حاجباها بدهشة وهي تسألها: "أنتِ تريدين مني ارتداء هذه الثياب في الشارع؟!.."
نظرت لساندي التي طالعت التنورة ثم همست: "إنها قصيرة بعض الشيء!.."
التفتت لها إسلام بحدة قبل أن ترد: "نحن لن نسير في الشارع سنذهب للمطعم فوراً.. كما أنها ملائمة للحدث!"
راقبت ساندي التي بدت متفهمة وأرادت أن تسأل لكنهما لم تمهلاها.. اقتربت ساندي وسحبتها بحركة واحدة لتنهض عن الفراش وهي تقول: "يمكنك ارتداء ذاك الجورب الأسود الذي اشتريناه معاً"
بينما كانت إسلام قد خرجت من الغرفة وعادت بحذاء ذا رقبة عالية ورفعته أمامها قائلة بسعادة: "أخبرتك سنحتاجه.."
عندها ابتسمت وقررت مجاراتهما.. فلسببٍ ما كانت تشعر أن طاقتها مستنفذة.. غير قادرة على الحديث أو الجدال.. لهذا أخذت الثياب واتجهت للحمام.. وما أن خرجت سقطت عينيها على خالتها الجالسة بالصالة الرئيسية.. واضعة كفاً أسفل رأسها المستند عليه بينما تطالع البعيد.. وكالعادة السبحة بيدها.. تذكرت عندها استيقاظها في الصباح وخروجها من الغرفة لتجدها جالسة بذات الطريقة..
كانت ستتحرك نحوها لتسألها عن سر جلستها بعيون ممتلئة بالهم.. إلا أن ساندي أيقظتها من أفكارها عندما لمست ظهرها.. وما أن التفتت لها وجدتها تسألها باستغراب: "ريم لم توقفتِ؟.."
التفتت تنظر لخالتها ثم عاودت النظر لها وهي تكمل بقلق: "هل أنتِ بخير؟!.."
نظرت لخالتها التي كانت تطالعها بخوف واضح فأسرعت ترد: "لا شيء.. أنا فقط مجهدة فقد كان لدي الكثير من العمل اليوم.."
التفتت تنظر لخالتها تتأكد من أنها هدأت قليلا.. قبل أن تبتسم وتتجه للحمام وهي تكمل: "سأبدل ثيابي سريعاً.."
مر الوقت بعدها بين أحاديث ساندي وإسلام عن أعمالهما وانجازاتهما خلال الفترة التي لم يرين فيها بعضهن وقد ألهاها هذا كثيراً.. وبعد انتهاء عمليات إسلام الدقيقة في وجهها نظرت لنفسها.. كانت الثياب تليق بها خاصة مع خسارة وزنها الملحوظ خلال الفترة الماضية.. رغم أنها لم تكن ترغب بخسارته.. ارتدت معطفاً بنفس خامة ونقشة التنورة والجورب كان شفافاً بعض الشيء لكن كان أفضل من السير بدونه.. ثم نظرت لشعرها الذي جعلته إسلام متحرراً على ظهرها وجمعته من الأمام بمشبكين صغيرين من جانبي جبهتها مع أحمر الشفاه بلونه الأحمر ورسمة العين الحادة.
:"حسناً لا يمكنني إلا أن أسأل.."
قالتها ثم التفتت تنظر لإسلام وهي تكمل: "هل نحن ذاهبات لزفاف أو ما شابه؟"
تأففت إسلام بينما تسحبها وترد: "هذا ليس من شأنك.. كان عليكِ أن تشكريني وحسب"
ما أن خرجن من الغرفة نهضت خالتها ونظرت لها قليلا.. ثم نظرت للتنورة القصيرة وحدجتها بنظرة صاعقة تراجعت على إثرها.. وأشارت إليهما بكلا يديها وهي تقول: "هما من دفعتاني لارتدائها.. لقد رفضت بباديء الأمر.."
وعندها أسرعت ساندي بالاعتراض قائلة: "لقد رفضت كذلك لكن إسلام أصرت.."
نظرت لهما إسلام تتوعدهما بصمت.. قبل أن تلتفت لخالتها وهي تبتسم بينما تقول: "لكنه يليق بها فعلاً.. كما أننا سنوصلها ونعيدها بسيارة ساندي يا أستاذة.."
حل التوتر لبعض الوقت قبل أن تتنهد شكرية وترد: "حسناً.."
أسرعت إسلام تقترب منها وتحتضنها.. فابتسمت شكرية وربتت على ظهرها وما أن ابتعدت همست: "ألن تعيدي التفكير بأمر قدومكِ معنا؟"
ضحكت خالتها وردت: "تعلمين لقد كبرت على تلك الأمور يا فتاة.."
ابتسمت لها إسلام واقتربت تطبع قبلة على وجنتها ثم تحركت نحو الباب وهي تقول: "سأسبقكما لأخرج السيارة من مكانها.."
تحركت ساندي وسلمت على خالتها وقبلتها ثم ودعتها وغادرت تتبع إسلام وعندها اقتربت ريم وسألتها: "خالتي هل أنتِ بخير.. هل تشعرين بأي تعب؟.."
-:"وإن كنت أشعر لم سأخفيه يا فتاة؟.."
مطت شفتيها ما أن سمعت جملتها الباردة ثم تنهدت.. وكادت تعيد سؤالها بصيغة أخرى لكن خالتها اقتربت تقول: "المهم لا تتأخري.. فلديكِ عرض هام بالغد ويجب أن تستيقظي باكراً"
ابتسمت وأومأت لها ثم تحركت وهي ترد: "لن أتأخر أعدك.."
وقبل أن تغلق الباب نظرت لها فابتسمت قائلة: "واستمتعي بوقتك.."
تجمدت ابتسامتها وهي تتخيل والدتها تقف بجوارها وتقول ذات الجملة.. كانت دوماً تطلب منها أن تستمتع عندما تغادر المنزل ذاهبة لمؤمن أو لأصدقائها.. كانت لتعترض على ثيابها كذلك لكن في النهاية ستتركها لمرة واحدة وتطلب منها ألا تتأخر.. ثم تبتسم كخالتها بتلك اللحظة وتطلب منها أن تستمتع بوقتها..
هزت رأسها بعنف ثم عادت تبتسم وهي ترد: "سأفعل.."
ثم تحركت سريعاً تاركة كل أفكارها المرهقة خلفها ناوية تجاهلها.. تحركت نحو السيارة وما أن ركبت بالمقعد الخلفي نظرت لكلاً من ساندي وإسلام بريبة قبل أن تسأل: "ما الذي تخططان له بالضبط؟.."
نظرتا لبعضهما ثم ردتا بذات الوقت: "لا شيء.."
بدأت إسلام التحرك بالسيارة بينما تنهدت ساندي وهي تكمل: "استرخي واستمتعي وحسب.."
****
عدل من وضع كنزته وألقى نظرة أخيرة على نفسه ليتأكد أنه متأنق بالكامل.. وضع عطره المفضل قبل أن يخرج من الحمام ليتجه لمكتبه يجمع بعض من الأوراق التي سيعمل عليها بالمنزل بحقيبته السوداء.. سمع صوت طرق على الباب فقال: "ادخل.."
نظر للباب ليجد فرح أمامه: "كنت على وشك طلبك.. هل أجلتِ كل مواعيدي؟.."
أومأت له وردت: "أجل أستاذ أمجد.."
:"حسناً.. أنا لدي مرافعة في الغد لذا قد أتأخر قليلاً بالقدوم للمكتب.. لذا إن احتجتِ شيئاً راسليني"
قالها وهو يغلق الحقيبة فردت: "حاضر سيدي"
رفع عينيه لها ليجدها لازالت واقفة بمكانها فسألها: "ما المشكلة؟"
-:"الآنسة هند في الخارج تطلب رؤيتك"
انعقد حاجباه باستغراب بينما أكملت: "هي لا تملك موعداً سابقاً.. وقد طلبت مني إخبارك بوجودها.."
نظر لساعته وهو يمط شفتيه بضجر مستمعاً لمساعدته تسأل: "هل أطلب منها تحديد موعدٍ آخر؟"
نظر للفراغ لثانية قبل أن يرد: "لا داعي أدخليها"
أومأت له وخرجت من الغرفة ولم تكد تمر ثانيتين بعدها إلا ووجد هناء تدخل.
المال يمنح الكثير من الأشياء...
كانت تلك هي الجملة التي تتردد بباله عندما يراها.. فتلك السيدة ذات الثياب الباذخة والعيون الجريئة والمظهر المرموق.. تختلف تماماً عن الفتاة التي دخلت بيومٍ ما مع شقيقتها المتسلطة وزوج شقيقتها المستغل بعيون مضطربة ومليئة بالتردد.. لكنها كانت أفضل من شقيقتها.. تلك المرأة المدعوة هند لا تطاق.. وقد كان ليشفق على زوجها لو كان أي رجل آخر عدا حاتم.. فكلاهما يليق بالآخر..
:"مرحباً أستاذ أمجد"
قالتها وهي تمد كفها له فصافحها وابتسم برسمية يرد: "أهلاً آنسة هند"
دعاها للجلوس ففعلت وتبعها هو الآخر..
:"أتمنى ألا أكون قد أخرتك عن مواعيدك"
قالتها بهدوء فرد مبقياً على ابتسامته: "لا شيء يُذكَر.. لكن سأستأذنك بالدخول بصلب الموضوع فوراً.. لأن لدي حفلاً هاماً.."
أومأت له بهدوء ثم أخرجت من حقيبتها ملفاً ووضعته أمامه وهي تقول: "أنا أنوي فتح فرع جديد للمركز في العاصمة.."
فتح الملف ليجد بضع أوراق مرفقة بصور بينما تكمل: "هذه هي المعلومات عن المكان الذي اخترته.. لكن لا أعرف شخصاً ليتحقق من صحتها.. كما أرغب أن تكون أنت ممثلي بعملية إمضاء العقود واخراج التراخيص وهكذا أشياء.."
ارتاح بمقعده ونظر لساعته وهو يتمنى لو كان قادراً على فعل عكس ما سيفعله..
لكن العمل هو الأولوية دوماً ودون تفكير..
لذا رن جرس الاستدعاء وما أن دخلت مساعدته التفت لهنا وسألها بلطف: "ماذا تحبين أن تشربي؟َ!.."
التفتت للفتاة وردت:" قهوة من فضلك.."
****
كانت تعلم أنهما تخفيان عنها شيئاً.. لكن لم تتوقع أن تفاجئانها بحفلة بأحد المقاهي العصرية الذي يديره صديق دراستهم حازم.. وقد دعوا كل زملائها من الصف في مرحلة الثانوية..
كانت قد أطفأت الشمع وتلقت التهاني من الجميع عدا سوزان.. التي كانت جالسة بأحد الأركان مع بعض من زملائها.. ولم تتوقف عن انتقادها والتقليل منها..
:"لا أفهم كيف واتتها الجراءة للاحتفال بيننا بعد كل هذا الفشل الذي تعانيه.. أتذكرون كيف كانت تتغنى بكونها ستدخل كلية الصيدلة؟!.. أشعر بالشفقة عليها.."
كانت تلك إحدى الجمل التي وصلتها بوضوح.. وهي تحمد الله أن ساندي لم تسمعها.. وإلا كانت ستفسد كل عمليات التجميل التي قامت بها بوجهها ببعض من لكماتها..
ابتسمت بسخرية وهي تتذكر حفل عيد ميلاد أكمل.. وأمنيتها التي لم تتحقق كسائر أمنياتها...
: سأحب فقط أن أكون بين أشخاص يحبوني ويتمنون لي حياة طيبة.."
يمكنها أن تعد على أصابعها الأشخاص القادمين ليحتفلوا معها بعيد ميلادها بصدق.
:"أنا آسفة"
أفاقت من أفكارها على صوت إسلام التي وقفت بجوارها وهي تطالع الجميع من حولهما.. والذي كان كلاً منهم مشغول بالحديث أو تناول الطعام.. ثم التفتت لها ووضعت كفها على جانب فمها وهي تكمل: "لم أقصد أن يحضر معظم هؤلاء"
كتمت ضحكتها بالبداية بينما ضاقت عينا إسلام مردفة بغيظ: "لقد أخبرت رباب وحسب.. ثم انتشر الخبر وطلب الجميع الحضور.. سأقتل تلك الثرثارة ما أن نخرج من هنا"
ضحكت عندها ثم التفتت لساندي التي كانت تمارس واجباتها الأمومية.. وتوبخ فادي الواقف أمامها بتذمر طفولي واضح قبل أن ترد: "هذا إن تم إنقاذك من بين يدي ساندي.. فقد بدت متفاجئة أكثر مني"
:"خفت أن أخبرها وتتحرك بطيش كعادتها.. ليس بعيداً عنها أن تتصل بهم فرداً فرداً وتطلب منهم عدم الحضور"
قالتها إسلام لتزداد ضحكاتها ثم التفتت تنظر لها لتجد ابتسامتها قد تجمدت.. ثم أطرقت بتوتر قبل أن تسألها: "ألا زلتِ غاضبة مني؟"
أطرقت هي الأخرى مذكرة نفسها بحديث فادي ثم طالعتها وهي ترد: "أجل وهذا لأني أحبك"
اتكأت إسلام على الجدار بكتفها وسألتها: "هل تظنين أني سيئة.. أني لا أستحق أي شيء حتى النصيحة؟"
انعقد حاجبي ريم وهي ترد: "هل فقدتِ عقلك؟!.. ما هذا الهذيان؟"
تنهدت ثم أكملت: "إسلام أنا أعرفك.. أعرف ما أنتِ عليه.. أعرف كم أنتِ رقيقة ولطيفة وطيبة.. ولا أجد سبباً واحداً لما رأيته بتلك الليلة.. أنا واثقة أن من رأيتها فتاة أخرى غير صديقتي التي بمثابة أختٍ لي"
رأت الدموع تلتمع بعينيها فأمسكت بكفها وابتسمت وهي تردف بتعب قد أنهكها منذ سنوات ناحيتها: "لكني لم أعد بارعة في النصح.. لم أعد أجيده.. وسأموت ولن أخبر أحداً بما رأيته تلك الليلة.. وهذا يشعرني بالعجز ناحيتك.. فأنا غير قادرة على مساعدتك.. أو حتى أن أطلب من أي شخص مساعدتك"
هطلت دمعة من عينيها فأسرعت بمسحها قبل أن يراها أحد.. وعندها أمسكت إسلام بيدها وهي تقول: "أتعلمين أنتِ تساعدين بمجرد وجودك ريم"
ثم رفعت كفوفهما المتشابكة وهي تكمل: "بمجرد إمساكك بي بهذا الشكل"
ابتسمت لها فتنهدت إسلام وطالعتها بعيون تمتلئ بكثيرٍ مما لا يمكنها تفسيره.. ليتألم قلبها أكثر وأكثر ففي الماضي كانت تتفهمها دون حديث.. إسلام -على عكس من ساندي- لا تستطيع شرح مشاعرها .. وقد كانت تفهمها دون حديث لكنها فقدت تلك القدرة مع الكثير من الأشياء الأخرى..
لكنها ستؤازرها دوماً لهذا ابتسمت فقابلتها بابتسامة هي الأخرى بينما تردف: "إذا استطعت يوماً ما البوح.. فستكونين أول من أخبرهم بما يختلج في صدري"
طالعتها قليلاً قبل أن توميء وهي ترد: "سيزعج هذا ساندي كثيراً"
ثم قررت تبديل الموضوع وهي تكمل: "وعلى ذكر ساندي"
التفتت تنظر لها لتجدها لازالت تؤنب فادي بينما تردف: "لنذهب وننقذ فادي من بين يديها"
-:"أجل حتى تستلمي راية التوبيخ منها"
التفتت لإسلام بعيون ضيقة قبل أن تبتسم وترد: "بالضبط"
****
:"لا يوجد أي عذر ستمنحه.. أسمعت أي عذر!..."
تنهد بحنق بينما ساندي تكمل بطريقتها الصارمة: "يمنحك الحق بالتأخر عن عيد الميلاد.. فقد أكدت عليك ألا تتأخر"
مجدداً وللمرة التي لم يعد يحسبها تنهد بحنق بينما تسأله بتهديد: "أين كنت أخبرني في الحال؟"
فتح فمه ليرد لكنها رفعت كفها بوجهه ثم ابتسمت بشر وهي تكمل بتسلط: "أنا سأعرف بطريقتي"
ثم التفتت لإيلام وقد تبدلت نبرتها كلياً وهي تقول: "هل أعجبتك الكعكة يا لامي؟"
رفع وجهه لها بابتسامة واسعة بينما يمضغ ما بفمه.. فاقتربت تجلس بجواره وهي تكمل: "أعلم كم تحب الكيك البرازيلي لهذا طلبت إضافته للقائمة فور علمي بقدومك"
-:"شكراً ساندي"
راقب عيني ساندي تضطربان تزامناً مع ابتسامتها وهي تطالع أخيه الصغير.. كان هذا هو السبب الذي فكر لأجله ألا يحضره.. لكنه لا يملك أحداً يثق به ليتركه معه.. وعندما حادثته تخبره بأمر حفل عيد الميلاد.. أصر إيلام أن يتحدث معها ولم يجد بداً من إعطائه الهاتف ليتكلم معها.. وفور أن أعاد له الهاتف بدأت ساندي بتأنيبه لعدم إخبارها بوجوده معه.. واعتبرته قادماً دون اعتراض.. كان يعلم كم تحبه لأنه يذكرها بشقيقتها الراحلة وما كان ليكره هذا..
لكن تلك النظرة المليئة بالدموع بعينيها كانت تجعله يحزن لأجلها ولا يجد ما يفعله..
هزت رأسها بينما تعاود استجوابه دون أن تشعره: "أخبرني لم تأخر أخوك عن الحضور؟.. هل كان لديه ما يشغله؟.. هل قابل شخصاً مثلا؟"
:"فتاة مثلاً؟"
التفت لدارين أخت مؤمن التي تلقت لكزة من أختها عليا التي زجرتها قائلة: "دارين احترمي نفسك!"
وعندها تدخل قائلا: "وهل يمكن أن أختار فتاة لأقابلها غيرك يا دودو؟"
توردت وجنتا الفتاة والتفتت لإيلام الذي رد: "لا تصدقيه إنه يكذب"
ثم التفت لساندي يكمل: "لقد كان لديه بعض العمل لأنه تأخر بالذهاب اليوم بسبب سهره البارحة"
:"ولم كان ساهراً يا إيلام هل كان يحادث شخصا؟"
التفت لهيثم الذي توقف عن الضحك ليسأل هذا السؤال.. ثم أكمل الذي أردف عنه: "فتاة مثلا؟"
ضحك بسخرية ثم رد: "وهل يمكنني فعلها دون نصائحكما.. فأنتما متمرسان ماشاء الله"
حدجه أكمل بنظرة صاعقة.. بينما تلفت هيثم حوله يتأكد من عدم وجود إسلام.. وعندها كان دوره بالانفجار ضاحكاً بينما يتجاهل نظراتهما المهددة..
:"كان يحادث صديقكم"
:"اللعنة!"
همس بها وهو ينظر نحو إيلام وقد توقف عن الضحك.. نادماً أنه لم يوقف الحديث عند هذا الحد.. بالتحديد مع قول ساندي بينما تتلفت حولها: "لابد أنه حازم.."
:"لا ليس حازم"
رد بها إيلام وهو يتناول قطعة أخرى من الكعك.. ثم تلفت حوله وهو يكمل: "إنه ليس هنا"
:"إذاً هو صديق لأخيك وحده"
قالها هيثم ثم ضرب كتفه بعنف وهو يكمل: "لقد كبرت وأصبحت تملك أصدقاءًا غيرنا.. كيف تجرؤ؟!"
لم يكن يهتم بهيثم حالياً.. كان فقط يتضرع بصمت أن يكتفي الثرثار الصغير من الحديث لكن ما كان هذا ليحدث.. فقد التفت لساندي وهو يقول: "لا أعلم.. لقد كانا يتحدثان بشأنكم وقد فهمت أنكم أصدقاء قدامى من كلامهم"
اتسعت عينا ساندي والتفتت له.. فأمال رأسه نحو الجانب الآخر من الطاولة حيث كانت تجلس عليا ودارين دون أن تشعرا ثم ابتسم قائلاً: "أضفتِ الكيك البرازيلي للثرثار.. ولي أنا التوبيخ يا لطيب أخلاقك"
ثم التفت لأكمل الذي بدا مصدوماً هو وهيثم فأردف: "أخبراها أننا نستحق بعض الاهتمام"
-:"لا بالطبع"
"اكتملت!"
همس بها وهو يلتفت لصاحبة الصوت والتي كانت ريم الواقفة أمامه مباشرة بينما سألت إسلام: "عماذا تتحدثون؟"
عندها ضم كفاه معاً وهو يدعو الله أن ينهي هذا الموقف.
:"انتبهوا يا شباب"
حمد الله سراً بينما يلتفتون جميعاً لحازم الذي كان يقف أمام مكبر الصوت.. ثم نظر لريم وهو يكمل: "نحن هنا لنحتفل بعيد ميلاد زميلتنا المشاغبة الأكبر بصفنا ريم"
ضحكت ريم بينما صفق الجميع وأكمل حازم: "كل عام وأنتِ بخير و..."
:"لحظة لحظة!"
قاطعه فادي قبل أن يسأله: "هل تنوي الغناء كهدية لريم؟"
ثم تلتف حوله وهو يرفع ذراعه مكملاً: "إن كان هذا ما ستفعله؟؟ أنا أطالب بسدادات أذن من الآن"
لكزته كلاً من ريم وساندي بينما انفجرت إسلام ضاحكة كحال الجميع.. وعندها شعر بشيءٍ يضرب رأسه ليلتفت ويجدها ملعقة.. وقد سددها حازم نحوه وهو يقول: "انظروا إنه المزعج الأكبر بصفنا.. فادي يمارس هوايته المفضلة بإفساد متعة من حوله بمزاحه"
ربت على صدره بكفه ثم رفعه في الهواء وهو يبتسم ويرد: "حبيب قلبي تسلم"
:"توقف فادي"
قالها هيثم بحدة ثم التفت لحازم يكمل بسخرية: "جميعنا نعلم أنه أراد دوماً احتراف الرقص"
:"ها قد بدأنا"
قالها حازم الذي علم عندها أنه أخطأ بالسماح لهم بدخول مقهاه بينما أكمل يرد: "لكنه كان راقصاً مريعاً"
-:"حسنا هلا أحضر لي أحدكم زجاجات العصير لألقيها عليهم وأسكتهم"
:"لا.. لا تفعل حازم"
ردت بها إسلام ثم أكملت: "لا تهدر هذا العصير الجيد عليهم.."
ضحك الجميع حتى حازم قبل أن يقول: "حسناً كما كنت أقول.. نحن نحتفل اليوم بعيد ميلاد فتاة مميزة.. وصديقة لنا جميعاً.. رغم أني لم أكن أطيقها في المدرسة"
:"الشعور كان متبادل بيننا يا حازم والله"
رد بها فادي فانفجر الجميع ضاحكين وقد كان متأكداً أنهم جميعاً تذكروا شجاراتهم المتكررة.. والمشاكل التي وقعوا بها كصفٍ واحد لحوالي ستة أعوام بالمرحلة الإعدادية والثانوية..
:"بما أنه عيد ميلادك هلا عزفتِ لنا"
قالها حازم ثم أشار للعمال ليسحبوا الستار التي كانت تحيط ببقعة أمام إحدى الشرف بها بيانو أبيض جميل.. وقد حاولت ريم أن تعترض لكن التصفيق من الجمع أرغمها على التحرك نحو البيانو.. وضعت يدها عليه تتحسسه..
: "وعلى عكس اعتقاد فادي.. فنحن سنشغل أغنية بدون موسيقى"
أفاق من تأملها على صوت حازم الذي التفت له وهو يتنهد براحة ثم رد بمزاح: "أرحت قلبي"
ضحكوا جميعاً بينما تحرك حازم يجلس على طاولة المشروبات وهدأت الأنوار قليلاً.. كان المقهى بموقع مميز على الشاطئ.. وواجهاته كلها من الزجاج المغطى بستائر بعضها منسدل ليتطاير بالمكان.. وقد كانت الشرفة الخلفية للبيانو مفتوحة بستار منسدل.. جلست ريم ورفعت غطاء المفاتيح ثم نظرت للنوتة وابتسمت.. ففهم أنها تعرفها وعزفتها من قبل ما دامت أظهرت هذا الارتياح.. وكالعادة مررت أصابعها على المفاتيح سريعاً لتحييها.. ثم التفتت وأومأت للشخص المسئول عن تشغيل الأغنية وبدأت العزف فوراً.. وبعد مقدمة ساحرة انطلقت هادئة ثم ارتفعت وتيرتها.. بدأ صوت المغني الهادئ يصدح بالمكان تزامناً مع هدوء اللحن..
***
(اسم الأغنية: Writing's on the wall
المغني: Sam smith)
I've been here before
كنت هنا من قبل..
But always hit the floor
لكنني دوماً اصطدم بالأرض (يقصد أنه يخاف من المواجهة)..
I've spent a lifetime running
أمضيت عمرى هرباً (يقصد أنه يخاف من الاستقرار)..
And I always get away
ودوماً ما أبتعد..
But with you I'm feeling something
لكن معك أشعر بشيء..
That makes me want to stay
يجعلني أريد البقاء..
I'm prepared for this
أنا مستعد لذلك..
I never shoot to miss
لا أخطئ أبداً عندما أصوب..
But I feel like a storm is coming
لكنني أشعر كأن عاصفة قادمة..
If I'm gonna make it through the day
إذا كنت سأفعلها اليوم..
Then there's no more use in running
فأنه لم يعد هناك جدوى من الهروب..
This is something I gotta face
هذا شيء علي مواجهته..
If I risk it all
إذا خاطرت بكل شيء..
Could you break my fall?
هل ستتمكنين من إيقاف سقوطي؟..
How do I live? How do I breathe?
كيف أعيش؟. كيف أتنفس؟..
When you're not here I'm suffocating
عندما لا تكونين هنا أنا اختنق..
I want to feel love, run through my blood
أريد أن أشعر بالحب يسري في دمي..
Tell me is this where I give it all up?
أخبريني هل هنا حيث علي أن اتخلى عن كل شيء؟..
For you I have to risk it all
من أجلك علي أن أخاطر بكل شيء..
Cause the writing's on the wall
لأنه قدر مكتوب..
***
: "لا لم يكن حلما"
كانت سعيدة عندما رأت اللحن.. فقد كان لأغنية تحبها نغم كثيراً وقد علمتها اللحن.. وطلبت منها سماع الأغنية لكنها لم تهتم أبداً بسماعها.. والآن هي نادمة أنها لم تفعل.. كانت كلماتها رائعة وجميلة.. لكن هناك شيء بها غير اللحن العذب والكلمات الساحرة.. شيء عبث بقلبها وجعلها فجأة تتذكر وترد على الصوت بداخلها الذي يهتف بصوته وهو يقول: "أنا هنا يا سبونج بوب!"
وترد عليه: "لا لم يكن حلماً"
وعندما تذكرت ما حدث رفعت عينيها لتصطدم بعينيه واقفاً على مدخل المقهى يتكئ بكتفه على الباب وهو يطالعها دون أن يرف له جفن..
&&&
كان شيئاً بداخلها يصرخ أنه مجرد حلم.. حلم لن يتحقق.. وهي تتخيله الآن.. هي جُنَت.. فقدت ما تبقى من عقلها.. بالتأكيد تآكل بفعل الحزن والإحباط..
أي شيء كان ليحدث عدا أن يكون موجوداً فعلاً أمامها.. عدا أن يكون عاد الآن ويقف أمامها..
أغمضت عينيها ولم تعبأ بالدموع التي سقطت على وجنتها.. ثم فتحتهما لتجده لازال واقفاً ولازال يطالعها بشوق..
كان الحل الوحيد لتتأكد من أنها لا تحلم أن تلمسه.. لهذا حاولت أن ترفع كفها وبعد محاولات كثيرة رفعته بالفعل حتى وصل لبعدٍ قريب من وجهه.. كانت تشعر بأنفاسه تضرب كفها وفهمت أنه بالتأكيد حقيقي.. ولكنها تخيلت ألا يكون حقيقياً.. تخيلت المرات الكثيرة التي انتهى بها الأمر تستيقظ من أحلامها باكية لأنه مجرد حلم.. لاعنةً إياه لأنه تركها لوساوسها.. تركها لوحدها دون سابق إنذار.. دون أن يعلمها كيف من المفترض أن تعيش بدونه.. كيف تحكي لغيره أسرارها ومخاوفها.. كيف من المفترض أن تبكي على كتف شخصٍ غيره.. لقد غادر دون حتى أن يخبرها كيف تكرهه لأنه تركها.. كيف توقف نفسها عن التفكير بمسامحته..
لقد غادر مؤمن باحثاً عن أحلامه ولم يعلمها ما الذي من المفترض أن تفعله عندما تضيع كل أحلامها..
وعندها لم تتحمل وتراجعت من أمامه ثم ركضت ناحية الطريق الرئيسي مرددة لنفسها أنه حلم.. حلم وستستيقظ منه قريباً.. ومع أول سيارة أجرة وجدتها ركبتها وأخبرته بعنوان صالة الموسيقى لينطلق فوراً..
&&&
***
تركها كان الحل الأمثل.. فهي كما عهدها.. لا شيء تغير.. ريم لازالت ساذجة.. لازالت حالمة.. لازالت طيبة ومسالمة.. لازالت ضعيفة.. وقد كان واثقاً أنها لازالت تطالع السماء بسعادة.. كأنها نجمة تطالع بيتها وشقيقاتها.. لازالت تحب البحر ولا يستقيم يومها دون رؤيته..
ولازالت جميلة ولا تعرف قيمة نفسها..
علم كل هذا مع رؤيتها صباح اليوم السابق تزور قبر والديها.. تبتسم وتهمس بكلمات لم تصل لأذنيه لبعد المسافة.. ثم نظرتها للزهور التي كان سبق ووضعها.. تلفتها حولها وهي تبحث عنه جعله يبتسم بسعادة.. رغم أن صوتاً بداخله طلب منه أن يرجح العقل.. أخبره أنها ربما تبحث عن من وضعها وقد نسيته تماماً.. لكنه دحضه وألقاه خلف ظهره دون اكتراث.. كان يعلم أنها تبحث عنه.. ثم اختفت السعادة ليتساءل كم مرة حدث معها ذلك الموقف.. كم مرة تهيأت وجوده وتلفتت حولها تبحث عنه ثم يئست من وجوده.. فغرق وجهها المنحني بحسرة بخصلاتها السوداء الساحرة.. ثم التفتت لتغادر بعيون مليئة بالدموع.. وعندها عاد الألم.. ذاك الألم الذي لازمه.. تلك الكلمات التي رددها الجميع سواء مدحاً أو ذماً بحقه اختفت.. وبقيت جملتها تتردد بلا توقف
:"أنت قاسي كالعالم تماماً"
وعندها قرر أنه لن يلحق بها.. فقد فهم تماماً أنه سيصدمها ويجعلها غير قادرة على إكمال يوم عملها بسلام.. كما أنه كان بحاجة لبعض الوقت حتى يهدأ ويرتب أفكاره.. ولهذا هو غادر ليزور ثاني أكثر شخص تاق لمقابلته.. أستاذته.. المرأة التي جعلته يحب الألغاز والروايات البوليسية.. وأول شخص هاداه بلعبة بحياته.. علبة المكعبات التي غادر بها ولازال يحتفظ بها..
كانت ريم تردد أنه سيكون مهندساً ويبني الكثير من البنايات الساحرة.. وكانت أستاذته تردد ذات كلماته لكن بنظراتها الفخورة ودروسها التي لم تبخل بها عليه..
والجميع كان ليتوقع أنها ستصفعه أو تؤنبه.. لكنها فتحت له الباب وابتسمت وهي تقول بسخريتها المعتادة: "عدت سريعاً يا فتى!"
ومع وقوفه على بابها تذكر تلك الجملة التي كانت ترددها خالته الراحلة سامية: "شكرية هي أطيبنا قلباً.."
كانت ترددها للجميع.. وهو الوحيد الذي كان يصدقها.. كانت أطيبهم بالفعل.. وقد فتحت بابها ورحبت به وجلست معه تحادثه عن أخباره دون لوم أو عتاب..
وبعد جلسة لطيفة وطويلة غادرها على وعد بأن يعود مجدداً هذه المرة.. ثم اتجه للمدرسة وانتظر ريم ليحادثها.. وكما توقع قابلتها بصدمة وعدم تصديق.. طالعته بسعادة وخوف بذات الوقت.. كان يمكنه سماع ما يدور داخلها تزامناً مع دقات قلبها المتسارعة.. كان هناك شجار بداخلها بين التصديق والاحتفال بسعادة بالغة.. وبين الخوف من أن يكون حلم.. مجرد حلم يخيفها ألا يكون حقيقة..
وبما سمعه من خالتها ومن شهاب وجده قبلها على مر السنين.. استنتج أنها أصبحت ترتعب من الأحلام.. فكل أحلام ريم تحطمت.. وقد كان هو أول تلك الأحلام المتحطمة.. لهذا تركها تركض مبتعدة لأنه التصرف السليم.. ومر بليلة كانت كالجحيم.. لم ينم ولم يرد على اتصالات أحد.. وانتهى به الأمر يبحث كالمجنون عن عنوان صديقه فادي.. ليجلس معه ويحادثه بأخبارها علّ هذا يهدئه لكن لم يحدث.. في النهاية كان عليه العودة لبيته وحيداً.. ليفكر بها وحيداً وبم أصابها.
وها هو الآن قد أتى بعد أن قرر عدم الانتظار كما طلب منه فادي.. وهي تطالعه بينما تعزف على تلك الأغنية..
***
A million shards of glass
ملايين الشظايا من الزجاج..
That haunt me from my past
تلاحقني من ماضيّ..
As the stars begin to gather
حين تبدأ النجوم بالتجمع..
And the light begins to fade
و حين يبدأ الضوء يبهت..
When all hope begins to shatter
عندما يبدأ كل أمل بالتحطم..
Know that I won't be afraid
اعلمي أنني لن أكون خائفا..
If I risk it all
إذا خاطرت بكل شيء..
Could you break my fall?
هل ستتمكنين من إيقاف سقوطي؟..
How do I live? How do I breathe?
كيف أعيش؟. كيف أتنفس؟..
When you're not here I'm suffocating
عندما لا تكونين هنا أنا اختنق..
I want to feel love, run through my blood
أريد أن أشعر بالحب يسري في دمي..
Tell me is this where I give it all up?
أخبريني هل هنا حيث علي أن أتخلى عن كل شيء؟..
For you I have to risk it all
من أجلك علي أن أخاطر بكل شيء؟..
Cause the writing's on the wall
لأنه قدر مكتوب..
The writing's on the wall
إنه القدر المكتوب..
***
كان يكره هذا المغني كثيراً.. ومع سماعه للأغنية كرهه أكثر لكنه أحب الأغنية.. منذ سنوات أرسلتها سيرين له وأخبرته أنها تمثله.. وأصرت أن يسمعها رغم علمها أنه يكره المغني.. ومع إصرارها سمعها وبالطبع لم يعترف لها أنها أعجبته.. ولم يعترف لنفسه أن كلماتها مست شيئاً بداخله.. ولا زال لن يعترف.. الكلمات جميلة والأغنية كذلك وهو يكره المغني.. ويحب عزف ريم عليها.. كأنها تعزف بأوتار محفورة داخل صدره..
انتهت الأغنية وتعالى التصفيق من كل حدب وصوب وقد استحقته بجدارة..
:"مؤمن هل هذا أنت؟"
التفت لصاحبة الصوت التي تعرف عليها من صوتها فوجهها بدا غريباً.. ولكنه لم يكترث لأمرها وتحرك من مكانه نحو ريم متجاهلاً الجميع.. وبينما يقترب كانت هي تنهض عن البيانو وتقف أمامه ثم سمعها تهمس بما توقعه تماماً...
****
:"لم يكن حلماً"
أغمضت عينيها لتستوعب ما يحدث.. لقد عاد حقاً وهي لا تعلم ما عليها فعله تالياً..
:"مؤمن!"
التفتت لإسلام التي تبعها رفاقها.. طالعته بصدمة قبل أن تبتسم وهي تكمل بمزاح: "أيها الخائن.. أهان عليك العصير الذي كنت أمنحه لك؟"
صدمت من ردها الساخر بينما قال مؤمن: "كيف حالك سولي؟"
-:"أنا بخير.. لِم لم تكن تسأل؟"
-:"كنت مشغولاً.. وظننت أنكم ستكونون مثلي"
توقعت أن يكون الرد حاداً عليه.. وقد كان من ساندي التي قالت بسخرية: "كنا لنفرغ لك قليلاً من وقتنا"
-:"وتظنينه كان ليرغب بإلهائنا"
التفتوا لأكمل الذي أردف:" ألا تذكرون كم كان صارماً بتدريسنا وعدم تضييع الوقت؟"
:"ماذا ننتظر من وغد مثله؟"
قالها هيثم بينما يطالعان بعضهما لبعض الوقت.. ثم ضحك وضربه بكتفه وهو يكمل: "انظر لنفسك أصبحت طولي"
-:"ومنذ متى كنت أقصر منك؟"
-:"دوماً كنت أقصر مني"
-:"حدث هذا بأحلامك وحسب"
-: "أنا الأطول من بينكم الآن.. والأوسم كما كنت دوماً"
-:"لازال مؤمن وغداً.. ولا زلت يا أكمل متعجرفاً.. ولازلت يا هيثم أحمقاً.. ولا تنسوا أني كنت الأطول من بينكم حتى بضع سنوات فاتت"
-:"كان هذا في الروضة سان"
-:"ها قد بدأنا.. سولي أحضري العصير علنا نسكتهم"
-:"رائع لنشرب العصير.."
كانت تطالع الحوار الدائر بينهم وهي لا تصدق.. كانت الوحيدة المصدومة من وجوده.. الجميع بلا استثناء.. لا بل كان هناك استثناءً.. التفتت تنظر لفادي الذي كان يجلس بجوار أخيه يطالع المشهد بضياع مثلها تماماً.. قبل أن تنظر لعليا لتجدها تطالع الموقف بصدمة ثم نهضت وسحبت دارين لتغادرا المكان.. وعندها تركت مكانها ولحقت بهما لخارج المقهى وهي تناديهما: "عليا.. دارين.. انتظرا"
توقفت بالفعل ونظرت لها فابتسمت تكمل: "إلى أين؟"
:"سنغادر"
قالتها ثم حاولت أن تبتسم وهي تكمل: "الأفضل أن نغادر الآن"
-:"لماذا؟!"
التفتتا لدارين التي أكملت: "أريد أن أتحدث مع أخي"
كادت تتدخل لكن علياء زجرتها قائلة: "لا.. سنعود للبيت الآن!"
ثم التفتت لها وأكملت: "كل عام وأنتِ بخير يا ريم.. نرجو أن تعجبك هدايانا"
وقبل أن تفتح فمها التفتت تغادر ساحبة دارين التي بدت مستاءة لكن ليس بقدرها.. تنفست بعمق ليزداد غضبها ثم التفتت تعود أدراجها..
*****
:"لا شيء تغير مطلقاً"
قالها مؤمن وهو يطالع فادي الذي اقترب منهم.. ثم التفت للجميع وهو يستند على البيانو مكملاً: "جميعكم كما تركتكم"
كاد يلتفت ليبحث عن ريم التي اختفت..
:"لا شيء تغير بالفعل"
لم يكترث لصاحبة الصوت التي اقتربت تبتسم بطريقة غريبة قبل أن تكمل: "لازالت إسلام تعشق العصير.. وساندي ترعب الجميع و..."
:"هل تحبي أن أرعبكِ أكثر بلكماتي يا دمية السليكون؟!"
هتفت بها ساندي لينفجر الجميع ضاحكاً.. بينما هو بقي على وقفته ثم التفتت له ساندي وقالت بخبث وسخرية: "ألم تعرف يا مؤمن سوزان أصبحت طبيبة تجميل.. لديها مركز ضخم وقريبا ستصل للعالمية"
وعندها التفت لسوزان ورد بصدق ودون تفكير بالمغزى من حديث ساندي: "رائع هذا يلائمكِ كثيراً"
وعندها ابتسمت ساندي وهي تطالعها فاقتربت سوزان وهي ترد: "إنه يلائمني كما سمعتِ على عكسك.. لا أعلم كيف يضعون وجهاً مثلك على رأس شركة للسياحة.. لابد أن السياح يرتعبون ما أن يروكِ"
ارتفع كتفا ساندي مع أحد حاجبيها وهي تملأ صدرها بالهواء الذي ستنفثه حالاً.. مع الكثير من الكلمات التي ستصفع بها دمية السليكون.. بينما تدخلت إسلام تقول: "هااي يا أنتِ احترمي نفسك وإلا..."
-:"وماذا ستفعلين أيتها المهندسة المسترجلة؟!"
شهقت إسلام وكادت تصرخ عليها.. لكنه تدخل دون أن يعي: "هذا رائع إسلام"
التفتت له فأكمل: "أصبحتِ مهندسة؟.. لا أصدق!"
ابتسمت وردت: "أنا مهندسة تصاميم"
أومأ لها وقال: "ربما نعمل معاً"
:"هااي أيها الوغد إنها تعمل معي"
رد بها هيثم فظهر شبح الابتسامة الشريرة على وجهه.. قبل أن يعاود النظر لإسلام وهو يقول: "أذكر كم كانت تصاميمك رائعة يا سولي"
ثم همهم قليلاً قبل أن يكمل: "سأدفع ضعف ما يدفعه لكِ"
شهقت بسعادة وردت: "حقاً ستفعل؟!"
:"إسلام!"
لم تلتفت لهتاف هيثم الغاضب لأن ساندي سحبتها وانحنت قربها تقول: "هذه فرصة رائعة يا فتاة اغتنميها.."
التفتت تنظر لها فأكملت: "يمكنك مع زيادة راتبك استبدال سيارتك القديمة التي تسخر منكِ دمية السليكون كلما رأتكِ بها"
:"هذا سيكون رائعاً.."
قالتها إسلام وهي تضم كفاها معاً وتنظر للفراغ بسعادة.. بينما هتفت سوزان وهي تقترب من ساندي: "توقفي عن مناداتي بهذا وإلا..."
:"ها قد بدأنا!"
التفتوا لحازم الذي كان يطالع مؤمن وهو يكمل: "لقد كان الحفل رائعاً حتى وصلت أيها الكئيب"
لم يبدو على مؤمن أي تأثر والتفت لفادي قائلاً: "أخبرني كيف أصبحتم أصدقاء لهذا المعتوه؟"
اتكأ فادي على البيانو بينما يتنهد قائلاً: "والله يا صديقي.. هو تغير و..."
ثم نظر لحازم قليلاً قبل أن يكمل: "بصراحة لا زال ثقيل الدم ومعتوه ولا يجيد المزاح.. ولا أعلم للآن كيف أصبحنا أصدقاء.."
ضاقت عينا حازم ونهض عن مقعده ثم التفت لأحد العاملين وقال: "انسى أمر علب العصير أحضر لي سكيناً"
:"لم يا حازم فادي لم يخطئ"
التفت ينظر لصاحبة الصوت وتلك بالفعل لم يعرفها إلا مع قول حازم: "لا شأن لك ريهام!"
:"رائع عراك"
قالها أحد زملائهم القدامى وبدأ الحماس يدب بالمكان.. حتى رأى زوبعة الغضب الدالفة للمكان والتي تجاهلت كل الأحاديث.. واتجهت إليه ثم سحبته لخارج إحدى الشرف وهي تقول: "اعذرونا لثانية!"
****
تناست للحظة ما كانت تريد قوله.. ووقفت تطالع كفه الذي تمسكه.. لقد لمسته وهو هنا حقا..
:"ريم!"
رفعت عينيها له وتلفتت حولها لتجد نفسها بشرفة المقهى المطلة على البحر.. وعندها تذكرت ما حدث واقتربت منه تقول: "ألم ترى أختيك"
:"رأيتهما.."
رد بها ببساطة فأكملت بعصبية: "ولماذا لم تحادثهما أو تلحق بهما عندما غادرتا؟"
حرك كتفيه ورد ببرود: "لم آتي لأراهما أتيت لرؤيتك أنتِ"
اتسعت عيناها وهتفت: "هل تمزح معي أنت....؟!"
انقطع حديثها ما أن نظرت لعينيه الداكنتان الباردتان وملامحه الجامدة.. وعندها تراجعت وهي تكمل: "لا أنت لا تمزح.. إنه أنت وحسب!"
ثم التفتت تنظر للبحر وهي تغمض عينيها وتضع يدها على عنقها لتحاول التنفس لتهدأ بينما تهمس: "إنه حقاً أنت"
حل الصمت بعدها لثوانٍ قبل أن تسمعه يقول: "هلا ركزنا على الأشياء المهمة؟.."
تنهدت والتفتت له بينما تسأل: "وما هي؟"
-:"الحديث معاً"
ثم نظر لها كلها بطريقة غريبة قبل أن يكمل: "والأفضل أن نتحدث ببيتكم لأن تلك الثياب لا تعجبني"
ارتفع حاجباها باستغراب بينما أردف هو: "لا أعلم كيف سمحت لك خالتك بالنزول بهذا الشكل"
بقيت تطالعه محاولة إخفاء غيظها ثم اقتربت منه وتنفست بعمق ثم ردت: "وأنا لن أتحدث معك"
:"لماذا؟.."
ردت ببساطة: "لأنك لا تريد التحدث مع أختيك.. وأنا بالتالي لا أريد الحديث معك"
ثم التفتت تغادر الشرفة بغضب..
:"مرحبا ريم"
توقفت والتفتت تنظر لأمجد ثم تنهدت وهي تحاول اخفاء غضبها وردت: "مرحباً أمجد كيف حالك؟"
-:"بخير.. آسف لأني تأخرت"
ابتسمت له بينما يمد يده بعلبة مكملاً: "كل عام وأنتِ بخير"
وقبل أن تأخذها منه وجدتها تُسحَب من يده.. والتفتت تنظر لجبل الجليد الذي ابتسم بهدوء قائلاً: "ولم أتعبت نفسك؟!"
ثم أعادها له وهو يكمل: "هديتك غير مقبولة!"
نظرت لأمجد الذي دقق النظر له ثم ابتسم بسخرية وهو يرد: "أجل لقد تذكرتك.. أنت هو الهارب!"
اتسعت عيناها بينما وجدت فجأة مؤمن أمامها ليواجهه.. قبل أن يقول بخفوت قاتل: "وأنت قصير القامة الذي أخبروني عنه"
شهقت وهي تهتف: "مؤمن توقف!"
:"لا لن أفعل!"
رد بها فتحركت تقف أمامه وهي تكمل: "لقد قلت توقف مؤمن.. أنت تفسد حفلتي"
:"إنها فاسدة بالفعل"
:"لا تتشاجرا الآن رجاءاً"
قالتها إسلام بخفوت وهي تتدخل لتوقفهم.. لكنها لم تكترث وهي تهتف: "لقد فسدت منذ دخلتها!"
ثم تحركت لتغادر المكان بعصبية بعد أن سحبت سترتها وحقيبتها دون أن تلتفت لأي أحد.. سارت نحو الشارع ثم تحركت بمحاذاة سور البحر وهي تحاول أن تهدئ من نفسها.. لكنها توقفت ما أن سحبتها كف لتلتفت وتجدهم خلفها جميعهم ماعدا مؤمن..
:"أود أن أفهم من أين لك بكل هذه السرعة؟!"
قالتها إسلام ثم تنفست بعمق والتقطت أنفاسها.. التفتت تنظر لساندي التي اقتربت تقول: "اسمعي دعينا نعود..."
:"لن أعود!"
قالتها بغضب فتدخل فادي ورد: "جيد إذاً.. انتظروا هنا سأحضر ايلام وأعتذر لهم وأترك الباقي لحازم ثم نغادر ونجلس بأي مكان"
رأت الموافقة بعيونهم وكادت تستسلم للفكرة لكن لم يتحرك أياً منهم بسبب السيارة التي وقفت بجوارهم.. ثم انفتح بابها للأعلى وخرج مؤمن يتكئ عليها قائلاً: "اركبي"
:"أركب؟!"
تساءلت بصدمة وهي تطالع السيارة اللامعة بلونها الرمادي الداكن.. كانت تبدو فخمة وعصرية بنفس الوقت..
-:"ألم تطلبي أن أحادث أختاي وبعدها نتحدث.. اركبي إذاً لأنفذ طلبك ونتحدث"
كانت لا تزال على ذهولها قبل أن تسأله: "هل هذه سيارتك؟!"
بقي يطالعها بصمت ثم قال بأمر: "اركبي ريم.. لا وقت عندي لأسئلتك التافهة!"
كادت تعترض لكنه نظر لها ببرود وأكمل: "سآتي وأدخلك بنفسي.. فرفضك ليس خياراً متاحاً"
لم تستسلم وكادت تتحدث.. لكنه اقترب وسحبها ثم أدخلها للسيارة وقبل أن تفتح فمها قال: "اخرسي!"
ثم أغلق الباب والتفت للوجوه التي تطالعه بصدمة.. ثم أدخل يده بجيب سرواله وأخرج بطاقته الشخصية ثم سلمها لساندي قائلاً: "لقد منحت رقمي لفادي.. لكن تحسباً هذا هو"
أخذته ساندي وطالعته فبدا كأنه يبحث عما يجب قوله قبل أن يكمل: "لنتحدث ونلتقي.."
ثم تركهم والتف حول السيارة..
:"لحظة مؤمن"
التفت لهيثم الذي نظر له ثم للسيارة وهو يسأله: "هل هذه لامبورجيني أفينتادور رودستار الإصدار الأحدث؟"
ابتسم ورد: "أجل إنها هي"
ثم تحرك ليركب وهو يكمل: "سأجعلك تقودها إن أردت"
ثم تحرك بها مسرعاً ليغادر المكان وما أن فعل حرك هيثم كتفيه قائلاً: "أنا سأقودها بالتأكيد"
:"إنها سيارة رائعة"
رد بها أكمل فالتفتت ساندي تقول: "هل هذا ما يهمكما؟"
-:"لابد أنها باهظة.. رغم أنها بمكانين فقط"
التفتت لفادي تحدجه بنظرة صاعقة فأكمل: "ماذا؟.. أنا أقول الحقيقة وحسب!"
:"لقد أصبح فاحش الثراء دون أن يتسلم تلك الثروة التي أخبرتنا عليا عنها"
قالتها إسلام وهي تطالع أثره بابتسامة شاردة ثم رد أكمل: "ربما جده الآخر من اشتراها له لقد سمعت أنه كان مقاولاً وتاجراً كبيراً في العاصمة"
التفتوا ينظرون له جميعاً ففكر قبل أن يبتسم بسخرية هامساً: "ماذا أقول.. يستحيل أن يفعلها"
جلس فادي على سور البحر قائلاً: "أجل.. هل تذكرون عندما كان يرفض تناول شيء دون دفع ثمنه؟"
ضحكت إسلام وجلست وتبعها الجميع ثم التفتت للورقة الصغيرة بيد ساندي وهي تقول: "حتى أنه لازال متعجرفاً.. أرأيت كيف تحدث عندما منحك الكارت"
:"إنها طريقته بالتعبير عن اشتياقه لنا"
قالها هيثم فضحكوا جميعاً بخفوت.. ثم نظروا لبعضهم البعض وسألت ساندي: "إذاً.. ماذا الآن؟!"
*****
كانت تطالع السيارة بانبهار لم تتمكن من انكاره قبل أن تلتفت له وتقول: "تبدو باهظة الثمن رغم أنها بمقعدين وحسب"
:"إنها مريحة ولهذا اشتريتها"
مطت شفتيها بانزعاج قبل أن تتملكها الحيرة وهي تتسائل أعليها الحزن لأنه لم يتغير أم أن تفرح كونه لازال كما هو..
توقفت عن التفكير ما أن توقفت السيارة والتفتت لتجد نفسها أمام منزل خالتها فعادت تنظر له باستغراب وهي تسأله: "كيف عرفت مكان البيت؟"
ابتسم بسخرية ثم أغلق المحرك وهو يقول: "انزلي.. حتى ننهي الأمر ونلتفت لشئوننا.."
ثم هبط بعدها ببساطة وعندها طفح كيلها وهبطت هي الأخرى ناوية الشجار معه لكنها سمعت صوت صراخ وضرب صادر من المنزل فتنفست بتعب وهي تهمس: "ليس مجدداً!.."
التفتت تنظر له لتجده بجوارها ينظر لها باستفهام وفتحت فمها لتخبره لكن صوت العراك والصراخ تعالى فأسرعت تدخل المنزل واتجهت للشقة.. طرقت الباب بعنف لكن لا أحد أجابها.. استمرت بطرق الباب حتى فُتِحَ وظهرت دارين بوجهها الباكي وشعرها المشعث ووجهها المزين بالصفعات كانت غاضبة لكن مظهر دارين أربكها وجعلها على وشك البكاء لأجلها وقبل أن تقترب منها وجدت كفاً غليظة تمسك بوجه الفتاة وتسحبه فالتفتت تنظر لمؤمن الذي كان يتأمل وجهها بصمت ثم ربت على رأسها وقال: "اذهبي واغسلي وجهك دارين.."
وتحرك للداخل باحثاً عن مصدر الصوت إلى أن وصل لغرفة فطيمة وعليا وهي تبعته لتجد المشهد المعتاد.. عليا ملقاة أرضاً تصرخ وتبكي بينما فطيمة مجهزة عليها وتضربها.. لكن هذه المرة كان بغلٍ أكثر بينما تسبها بأفظع الألفاظ.. وهذه المرة كان مؤمن هناك والذي لم يفكر حتى وصدمها رؤيته يسحب فطيمة من شعرها ويجبرها على الوقوف ثم دفعها بعيداً..
وقف يطالعها ببرود بينما هي كانت تنظر له بصدمة ثم ضحك بسخرية وهو يقول: "لست متفاجئاً صراحة؟.. لطالما كنتِ حقودة وتكرهينها لأنها أفضل منك.."
مط شفتاه ثم أكمل ببساطة: "من شابه والداه ما ظلم!.."
ابتسمت فطيمة وهي ترد بسخرية: "انظروا من عاد!.."
:"أجل انظري من عاد!.."
قالها مؤمن بطريقة أرعبتها هي شخصياً وتمنت أن تستوعب الحمقاء ضرورة أن تختفي من أمامه الآن لكنها فعلت ما ستندم عليه تالياً وتحدته بردها: "ما يحدث بيننا ليس من شأنك أيها..."
وعندها ودون سابق انذار اقترب مؤمن وأمسك بوجهها بعنف ثم قربها منه.. كانت ترى احمرار الذي يصف كم كانت قبضته قوية عليها.. وقد رأت كذلك نظرة الرعب بعيون فطيمة.. نظرة لم تكن بعينيها حتى أمام جدها..
:"لستِ أنتِ من ستحددي شؤوني يا ابنة نادية.."
ابتلعت لعابها مع سماعه جملته المحذرة واقتربت لتبعده عنها لكن ما كادت تسير خطوة إلا ووجدته يلتفت لها ويأمرها بتحذير: "تراجعي ولا تتدخلي.."
تجمدت بمكانها وهي ترتجف بينما هو عاود النظر لفطيمة وعلمت من بكائها وهمسها المكتوم من يده أن قبضته اشتدت على وجهها بينما ابتسم هو ببرود قبل أن يكمل: "ارفعي يدك أو صوتك.. اطلقي العنان لبذاءة لسانك.."
اقترب منها أكثر وهو يردف بنبرة مرعبة: "افعلي أي شيء قد يضايقني وسأعرف.. وعندما أعرف سأجعلك تتمنين لو أن أمك قتلتك ما أن ولدتِ لترحمك مما ستلاقيه.."
ثم تركها وجهها بحدة لتسقط أرضاً تنتحب بذعر بينما وقف هو يطالعها من علو ثم قال بأمر: "اغربي عن وجهي!.."
وما كاد ينهي جملته إلا وكانت تنهض وتغادر الغرفة ركضاً.. وعندما فعلت وضعت كفها على صدرها وهي تتنهد براحة فقد ظنت لثانية أنه سيقتلها.. بعدها التفت لعليا التي كانت تراقب الموقف بصدمة وخوف مثلها..
رباه!.. أي قلبٍ يحمل؟!..
كان هذا ما تردده مع انقطاع أنفاسها ما أن رأت تلك النظرة الباردة التي طالع عليا به.. لم تتخيل أن لقائه بها ستملؤه الأحضان والقبلات.. لكن تخيلت أن ترى بعض الاشتياق بعينيه وبموقفٍ كهذا تصورت أنه سيلتفت ويربت عليها ويخبرها أن تتوقف عن البكاء لكن أياً من هذا لم يحدث.. ازداد بكاء عليا عندها فقد فهمت أنه لن يحتضنها أو يواسيها وهو لم يكترث لبكائها وقال ببرود: "انهضي وامسحي وجهك واتبعيني!.."
ثم تحرك وغادر الغرفة وعندها قررت أن تتحرك نحوها لتساعدها..
:"ريم تعالي!.."
التفتت له لتجده يقف بالصالة وردت: "أنا فقط..."
:"يمكنها مساعدة نفسها.. وقد قلت تعالي ريم!.."
التفتت تنظر لعليا وشعرت أن عليها ألا تتدخل حتى لا يشتعل الموقف أكثر لهذا تحركت وغادرت الغرفة وما أن وصلت للصالة وجدت دارين تخرج من الحمام وما أن نظرت له تحركت تقف أمامه بانتباه دون أن ينطق حتى..
انحنى يواجهها ثم تفحص وجهها وهو يسألها: "كم مرة صفعتكِ؟.."
:"ثلاث مرات.."
أومأ بتفهم ثم نظر لعيناها وهو يهمس ببرود: "يدها ثقيلة كوالدها إذاً.."
ضحكت دارين ثم شهقت ببكاء فاستقام وهو يقول بأمر: "لا تبكي.."
مسحت وجهها سريعاً وردت: "حاضر.."
:"هل أصابتك بأي مكان عدا وجهك؟.."
:"لا.."
:"هل تشعرين بأي ألم بأي جزء من جسدك؟.."
:"لا.."
:"هل ترين بوضوح أم أن هناك مشكلة بالرؤية؟.."
:"أرى بوضوح.."
:"جيد.."
كانت تراقب هذا الحوار بذهول وقد توقف عقلها عن تفسير أي شيء.. التفت هو بعدها ينظر لنهاية الرواق حيث توجد غرفة ببابها المفتوح.. طالعها لثانيتين ثم التفت لدارين قائلاً: "اذهبي وأغلقي ذلك الباب.."
وما أن تحركت الفتاة مبتعدة اقتربت هي منه وفتحت فمها لتخبره ألا يقسو عليهما بهذا الشكل وأن يبدي بعض العاطفة لكن ما أن نظرت له تجمدت من تلك النظرة الباردة بينما هو رفع سبابته أمام فمه علامة أن تصمت.. تحرك بعدها ليجلس على الأريكة الكبيرة وعندها سمعت صوت جرس الباب..
:"دارين تعالي وافتحي.."
ركضت تنفذ أمره وقد كانت هي تقف أمام الباب الذي وما أن فُتِحَ رأت خالتها شكرية التي شهقت بعنف ما أن رأت وجه دارين وتبعتها خالتها نادية التي سألت: "دارين ماذا بك؟.."
دخلتا المنزل وقبل أن تفتح خالتها نادية فمها رأت مؤمن الجالس واضعاً ساقاً فوق الأخرى متكئاً برأسه على ذراعه بينما يحرك أحد أنامله على شفتاه.. لقد تخيلت أنها رأت رسمة لأحد الأشرار في مكانٍ ما بذات تلك الجلسة.. أو ربما كان الشيطان بذاته..
رأت الرعب يرتسم على وجه خالتها لكن شقيقتها ما كانت لترتعب منه..
:"ماذا حدث يا ريم؟!.."
سألتها فلم تجد بنفسها أي قدرة على الكلام.. بينما تحركت هي لتجلس على أقرب مقعد ساحبة دارين معها.. أوقفتها أمامها تطالع وجهها بقلق وهي تهمس: "يا إلهي ماذا فعلت بوجهك؟!.."
ثم احتلها الغضب وهتفت: "أين تلك المعتوهة أقسم أن أضربها ضعف ما ضربتكِ.."
:"اهدئي خالتي.."
قالها مؤمن ثم ابتسم ابتسامة جانبية وأكمل: "لقد نالت جزائها ووعدتني أنها لن تكررها.."
تحركت لتجلس بجوار خالتها بينما وقفت دارين بجوار مؤمن عندما رأت عليا تتجه نحوهم.. سمعت خالتها تهمس متوعدة فطيمة ما أن رأت وجه عليا التي وقفت أمام أخيها مطرقة الوجه..
:"أنا أحاول البحث عن مبرر لتتركيها تضربك بهذا الشكل.. ولم أجد تفسيراً فهلا أنرتني بمبرراتك التي لن أقتنع بها على أي حال؟.."
قالها مؤمن بطريقته الباردة بينما تحركت خالتها نادية خطوتين قائلة: "من تخال نفسك أ...."
وقبل أن تكمل وقفت بمكانها ما أن التفت لها وهو يرد بهدوء: "أنا من يتحدث هنا.. وأنت ستصمتي إلى أن أقرر غير ذلك.."
نظرت لخالتها ولم تجد أي ملامح تنبئها أنها ستعترض أو تفتح فمها حتى فالتفتت هي تنظر له وهو يطالع عليا قبل أن يكمل: "أنا لا أهتم حقاً إن تركتها تعاملك ككيس ملاكمة أو حتى ممسحة لساقيها مادمت ترضين بهذا..."
:"مؤمن..."
كان ردها حاداً لتوقفه فهي لم تتحمل لكن خالتها شكرية التفتت وردت بتحذير: "ريم لا تتدخلي.."
كانت ستعترض لكن خالتها ربتت على ساقها وهمست: "اتركيه يتعامل مع الأمر.."
ضغطت كفيها معاً وشفتيها كذلك لتخرسهما وتتمكن من تمالك أعصابها بينما هو يكمل: "كما كنت أقول أنا لا أكترث لما ترضينه لنفسك.. لكنك كنت المسئولة عن شقيقتك الصغيرة وما تفعلينه يجعلك مثلاً سيئاً لها.."
:"أنت لم تكن هنا لتعلم إن كنت مثلاً سيئاً أو لا؟.."
ردت بها عليا بينما ترفع عيناها له وقبل أن تكمل ابتسم هو ونهض من مكانه ووقف أمامها ثم رد: "وأنتِ كنتِ هنا يا عليا أخبريني ماذا قدمتِ لها؟.."
اقترب منها أكثر وهو يكمل: "أخبريني ماذا قدمتِ لنفسك حتى؟.."
أطرقت عليا وعادت للبكاء فتدخلت دارين وهي تقول: "أخي لقد كانت تحاول حمايتي.."
:"ويمكنني رؤية فشلها يزين وجهك يا حبيبة أخيك.."
رد بها بينما ينظر لها فحاولت أن تعترض وهي تقول: "أجل ولكن..."
:"لا يوجد لكن.."
رد بها بهدوء ثم اقترب منها وهو يكمل بعمليته المتعبة للأعصاب: "يوجد مشهد رأيته يصف الوضع لأي شخص يستخدم بعضاً من عقله.. ألا وهو أنه توجد بهذا البيت فتاة تتنمر على شقيقتيها.. هل كلامي صحيحاً؟.."
أومأت له بصمت فأكمل: "وعليا هي الكبيرة بينكما لذا كان عليها أخذ رد فعل.. سأفترض أنها لا طاقة لها بحمايتكما من ضربها المربح.."
ثم التفت لعليا وهو يردف: "رغم أني لا أصدق أنها لا تقوى على مواجهتها.. فكلتاهما بذات الحجم ولا يفرق بينهما سوى عام.. وعليا أذكى من فطيمة وهذا يمنحها أفضلية يا دارين.. مع هذا هي كانت مستسلمة لضربها لكما.. لم تحاول أن تجد حلاً.. كأن تشتكي لشخصٍ كجدها وتخبره عن تخاذل والدتك ليتمكن من إلجام تلك الفتاة مرة وللأبد أو أن ترسلك للبقاء مع خالتك التي تبعد عنكم شارع.. الحلول كانت كثيرة لكنها اختارت أن تستسلم.. اختارت أن تتخلى عن مسئوليتها كشقيقة كبرى لك.."
تنهد بعدها بينما كانت عليا على وشك السقوط من شدة البكاء ثم التفت هو لدارين التي توقفت عن البكاء وسألها: "والآن بما أنكِ العاقلة والذكية من بينهن.. هلا أخبرتني لم لم تتخذ شقيقتك قراراً صائباً لهذا الموقف؟.."
نظرت لعليا ثم نشجت قبل أن ترد: "لأننا أسرة واحدة وعلينا تحمل بعضنا البعض.."
:"أجل هذا ما رددوه على مسامعك.. أليس كذلك؟.."
قالها مؤمن ثم ربت على رأسها فنظرت له وهو يكمل: "باقي الجملة يا دارين هي.. إن كنت تلك الأسرة تؤذيكِ فسحقاً لها ولأفرادها دون استثناء.."
اهتزت شفتيها قبل أن يتنفس هو بعمق ويلتفت لعليا قائلاً ببرود: "اقبلي أن تتعاملي بالصورة التي ترين عليها نفسك عليا.. لكن إن آذاك هذا أو آذيتِ أنتِ أي شخص فلن تعجبك ردة فعلي.."
ثم ابتسم وهو يكمل بسخرية: "وأتمنى في المرة القادمة التي نتحدث بها أن أجدك تردين علي وتتكلمين عوضاً عن البكاء كالأطفال.."
تعالى صوت بكائها فاختفت ابتسامته بينما يردف: "اذهبي لغرفتك الآن!.."
تحركت بالفعل وغادرت من أمامه تتجه لغرفتها ولكنها لم تتجرأ على غلق الباب وهي لم تلمها على هذا.. تمنت فقط أن تنتهي تلك الجلسة الخانقة والمتعبة للأعصاب..
نظرت لمؤمن لتجده ينظر لخالتها نادية بابتسامة باردة بينما لم تقوى هي على فتح فمها.. ثم التفت لخالتها شكرية قائلاً: "خالتي سأستأذنك وآخذ ريم معي وسأعيدها بنفسي.."
أومأت له وتنهدت بينما ترد: "لا بأس لكن لا تأخرها فلديها حفلٌ هام في الغد وأريدها أن ترتاح وتكون بكامل تركيزها.."
:"حاضر"
رد بها ثم أشار لها لتنهض فلم تجد بداً من اتباعه بصمت ودون اعتراض..
:"سآتي بها إلى هنا وأعيدكم للمنزل.."
قالها بينما يغادران فردت خالتها: "لا داعي سآخذ دارين وأعود للبيت بعد قليل.."
أومأ لها والتفت لدارين يقول: "لا تعترضي.."
كانت تعلم أنها لن تفعل كما يعلم الجميع.. فكل واحدة منهن ستفكر ألف مرة قبل استفزاز مؤمن بعدم تنفيذ أوامره..
******


رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن