رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والثلاثون

103 11 2
                                    

~الرسالة السابعة والعشرون~
نجمتي أتعلمين؟..
عندما تعزفين ألحانكِ أشعر بأناملك الذهبية تتلاعب بأوتار قلبي..
***
~الرسالة الثامنة والعشرون~
أحبك والبقية لن تأتي..
فما بعد الحب لا يلائم إثمي..
لكن أعدك ستبقى ساكناً بقلبي..
****
~الرسالة التاسعة والعشرون~
أطالعك وأتخيل عالمنا معاً..
أطالعك وأتخيل ما قد نبنيه معاً..
أتمنى يوماً ما أن أخبرك أمنياتي لنا معاً
****
تأكدت من وضع كل حقيبتيها التي تحمل بهما ثيابها وأغراضها الشخصية قبل أن توميء لحارس البناية الذي حملهم للأسفل بينما هي حملت حقيبة يدها وحقيبة الجهاز اللوحي الخاص بها وتحركت لتغادر.. لكنها توقفت للمرة ونظرت لوالدتها للمرة الأخيرة قائلة: "لا تنسيا أن تبقيا الهاتف بجواركما.. والأدوية يجب أن تتناولوها بمواعيدها واجعلا الممرضة ترد و..."
:"سان هذا يكفي!.."
قالتها والدتها ثم اقتربت منها ووضعت يديها على كتفيها كانت تعلم أنها شددت عليهم بكل التعليمات حتى أنها كتبتها وعلقتها على باب غرفتهما وباب الثلاجة لكنها لا تستطيع التصرف بهدوء وهي تتركهما وحدهما.. كانت بضعة أيامِ وحسب لكنها قلقة وستبقى هكذا حتى تعود..
:"اذهبي ولا تقلقي بشأننا.."
ابتسمت والدتها مع تلك الجملة فقد استمرت طيلة الليل تخبرها أن تستمتع بوقتها وأن تتخذ الرحلة كإجازة قصيرة وهي تنوي فعل هذا.. وقد فكرت عندها أن توترها سيقلق والدتها عليها لذا ابتسمت وأومأت لها بصمت فاقتربت وقبلتها مرة أخيرة ثم ابتسمت تقول: "هيا الآن اذهبي.. لا يجوز أن تتأخر مديرة الرحلة بنفسها"
أخذت نفساً عميقاً قبل أن ترد: "نعم أنتِ محقة.."
ثم التفتت لتغادر وهي تكمل: "قبلي والدي لأجلي ما أن يستيقظ"
:"سأفعل"
التفتت تطالع والدتها للمرة الأخيرة فلوحت لها بيدها مودعة قبل أن تغلق الباب وما أن فعلت أخذت نفساً عميقاً قبل أن تتحرك لتهبط الدرج..
وصلت للمدخل لتجد العامل يقف بانتظارها وما أن رآها قال: "آنستي السيد ينتظركِ!"
التفتت تطالع المدخل وابتسمت ما أن رأت أكمل وردت: "لم أتيت؟"
:"فضلت أن نذهب معاً!.."
رد بها وهو يقترب ثم حمل حقائبها وتحرك بجوارها يكمل: "لقد تحدثت مع ماريان لأرى إن كانت وصلت مساء الأمس واستعدت لاستقبال الفوج بمطار أسوان مع الفريق كما اتفقنا.. بدت الفتاة مرتعبة!"
:"بالطبع سترتعب.."
قالت وهي تقف بجواره بينما يضع الحقائب بمؤخرة السيارة ثم أكملت: "لقد أخبرتها بوضوح أني سأدمر سمعتها إن أساءت التصرف عليها أن تكون لطيفة مع الفوج وأن تلتصق بالخطة التي وضعناها"
نظر لها وابتسم يرد: "أفرغتِ شحنات توتركِ بالفتاة إذاً"
اتسعت عيناها ثم فكرت قليلاً وبعدها قررت أن تتجنب الكذب فهي لا تجيده على أي حال ولهذا قالت بصوت طفولي: "أنت ربما تكون محق.. لكني أفرغتها على شيء يستحق فماريان مهملة وقد تكلفنا بتصرفاتها الرعناء كل ما خططنا له"
ضحك بخفة وعندها ابتسمت وتمنت أن تطلق تنهيدة ناعمة وهي تطالع وسامته التي ازدادت مع تلك الضحكة اللطيفة التي صدرت لكنها شعرت بالحرج من سير أفكارها وتحركت لتركب السيارة وهو تبعها ثم طالعها وهو يرد: "لا تقلقي عليهما سيكونان بخير.. كما أنكِ طلبتِ من الممرضة المبيت معهم أليس كذلك؟"
أومأت له ونظرت للساعة التي كانت لم تصل للسادسة صباحاً بعد ثم تنهدت قائلة: "من المفترض أنها ستصل بعد قليل وستتصل بي ما أن تصل"
:"لا تقلقي إذاً واسترخي"
تنفست بعمق وقررت أن تحاول مرة أخرى الهدوء ورفعت يدها لتجمع شعرها بربطة فقد خرجت على عجل وتناست أمره..
:"ماذا تفعلين؟!"
التفتت له وهي ترد: "سأربط شعري"
:"لماذا سان إنه يبدو رائعاً هكذا.."
قالها بحنق ثم رفع يده ينزع يدها عن شعرها وعندها انتفضت تبعد يدها وهي ترد: "كم مرة أخبرتك ألا تلمسني؟!.. هل أنت مستغنٍ عن يداك؟!"
رفع كفاه للأعلى قائلاً: "لا أنا بحاجتهما في الكثير من الأشياء"
ابتسم لها ثم تحرك يفتح درج السيارة لتجد بداخله وشاحاً تعرفه جيداً أمسكت به تتأمله وما أن تأكدت بأنه هو نفسه الذي اشترته مع ريم قبل سنوات في المرة الأولى التي تسوقوا بها معاً التفتت له تسأله: "من أين حصلت عليه؟"
أجابها مفسراً: "لقد كنتِ ترتدينه في رحلتنا الأخيرة وقت المدرسة وقد سقط منكِ وأنا أخذته ونسيت منحه لكِ وعندما عدت أمي رحمها الله على الأغلب قامت بغسله ووضعه بأحد الأدراج التي لا أفتحها كثيراً والبارحة بالصدفة وأنا أجمع أغراضي وجدته"
كانت قد لفته حول رأسها بينما يتحدث وتركت غرتها المموجة فقط تتهدل على جانب رأسها بينما بقية شعرها تركته منسدلاً على ظهرها.. التفتت له وسألته: "ما رأيك؟!"
:"جميلة كالمعتاد"
رد بها دون تفكير وقد ضاعف هذا من وقع الجملة قبل أن تتنحنح وتغير الموضوع قائلة: "لنذهب الآن فأنا أعددت لكم الكثير من المفاجآت!"
أومأ لها وأشعل المحرك لينطلقوا لمكان التجمع..
***
: "هااي يا أنتِ!.."
تنهدت بملل والتفتت تنظر لأسلم.. الذي اقترب منها وقال بعنجهيته المعتادة: "لا تفكري بتكرار مثل تلك السفريات.. إنها مرة واحدة ولن تتكرر"
صمتت وفضلت ألا ترد عليه فهي بصعوبة أقنعت والده بتركها تذهب لتلك الرحلة مع أصدقائها.. كانت خطتها بالهروب من منزلهم لبضعة أيام على وشك أن تفشل بعد أن تدخلت الأفعى الصغيرة جوان تطلب أن تذهب هي الأخرى معها لكن حمداً لله أن والدتها رفضت بحجة أنها لا يمكنها السفر وحيدة..
لكنها كانت تعلم الحقيقة..
حفصة رفضت لأنها لا تريد أياً من بناتها بقرب فتاة مجهولة النسب مثلها.. نظرتها بها تماماً كنظرة أسلم لها.. أنها فتاة منحلة وبلا شرف تماماً كوالدتها..
وهل هذه النظرة تضايقها؟..
لو كان شخصاً آخر هو من يطالعها بتلك الطريقة لتضايقت بل وربما كانت ستكتئب.. لكن حفصة وبناتها وأسلم لا يعنونها بأي شيء وهم نماذج لبشر ممقوتين في كل أرض وتحت كل سماء لذا فأمر نظراتهم لا يعنيها والأفضل أنه نتيجة هذا الرفض جوان لم تُفرَض عليها بتلك الإجازة لذا فهي سعيدة وتتمنى أن تستمر محاولات حفصة لإبعاد بناتها عنها فهذا سيساهم بإراحتها من الحديث أو النظر حتى لوجوههم المكروهة لنفسها.. كانت تفكر بكل هذا ولم تفكر حتى بالرد على حديث الأحمق الواقف أمامها.. هي حتى لم تطلب منه الإذن لقد انتظرت والده بصبر وما أن عاد أخبرته وهو فكر بالأمر قليلاً ويبدو أنه أشفق عليها في النهاية ووافق..
هي لا تهتم برأي أسلم ولن تهتم له لذا هي لن ترد على كلماته كما أنها في الغالب إجابتها لن تعجبه وعندها قد يتحجج ليزين وجهها بكدمات ولكمات هي في غنى عنها الآن..
كما أن صمتها هو عكس ما يريده أسلم فهو بالفعل يتمنى أن تفتح فمها ليضربها ويتسبب بإحراجها أمام زملائها ولم تكن بحاجة لتتأكد من الحنق الذي ازدادت معالمه على وجهه بمرور الوقت فأسلم للأسف أخوها وهي تعرفه أكثر من أي أحد..
فتح فمه ليسمعها المزيد من تذمره الطفولي لكن أتى صوت والده من خلفه قائلا: "أسلم هذا يكفي.."
التفتا له وهي نظرت ناحيته وهو يكمل: "اتركها حتى لا تتأخر عن موعد الرحلة"
زفر باعتراض بينما يتراجع وعندها اقترب منها والده ثم قدم لها إحدى البطاقات الائتمانية وهو يقول: "أبقي هذه معك.."
كانت ستعترض لكنه أمسك كفها ووضع بها البطاقة الائتمانية وهو يكمل: "اسمعي كلامي ولا تجادليني"
للحظة سرحت بخيالها تحاول تذكر آخر مرة أمسك بها كفها.. لكنها لم تعثر على تلك الذكرى.. ولم تتذكر آخر مرة نادته بها أبي.. ولم تذكر كذلك المرة الأخيرة التي طلبت منه أي شيء..
توقفت عن التفكير وسحبت كفها وأومأت وهي ترد: "حسناً.. شكراً لك"
أومأ لها بصمت وهي لم تنتظر منه أي كلمة زائدة فالتفتت لتغادر لكن عيناها سقطتا على جوان الواقفة أمام غرفتها تطالعها بغيظ وغضب وهي أمعنت باستفزازها أن ابتسمت وقالت: "أراكِ لاحقاً يا جوان"
ثم غادرت المكان دون التفات.. حملت حقائبها بمفردها وهبطت للطابق السفلي وما أن خرجت ضربتها النسمات الباردة للبحر فأسرعت بسحب حقائبها واتجهت لأحد الشوارع الجانبية لتجد سيارة هيثم الذي هبط فور رؤيتها وتحرك نحوها وهو يتنهد بملل قائلاً: "متى سترحميني من تلك الإجراءات المشددة؟!"
تبعته بصمت ولم تتجرأ على مناقشته فهي بكل مرة يصطحبها بها تطلب منه أن يقف بسيارته بمكانٍ بعيدٍ على البيت تحديداً هذا الشارع الذي لا تطل عليه أياً من نوافذ أو شرفات بيتها كما أنها تتخذه دائماً بطريقها للعمل لذا لن يشك أحدٌ إن رآها تعبره من شرفة بيتهم..
ركبت السيارة وهو تبعها بعد أن وضع الحقائب في المقاعد الخلفية..
رفعت ذراعيها تفرد جسدها وهي تغمض عينيها وتهمس بسعادة: "وأخيراً إجازة!"
وعندها عاجلها بقبلة على وجنتها وهو يرد: "نسيتِ صباح الخير يا قطعة الكراميل"
ثم تحرك ليغادرا وهي تتمنى لو كانت المرة الأخيرة التي تودع بها هذا الشارع لكن للأسف سيكون عليها الرجوع بعد بضعة أيام.. مع هذا طردت تلك الفكرة من بالها وبدأت بالاستمتاع بوقتها وحسب..

رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن