~الرسالة الثانية والثلاثون~
عزيزي الشيطان.. أبشر..
نلنا ما تمنيناه..
فرقنا الأحبة والأصدقاء..
نشرنا الخوف وملأنا النفوس بالبغضاء..
عزيزي الشيطان.. كنت محق..
لا فخ للبشر أسوأ من الغيرة والانتقام..
****
~الرسالة الثالثة والثلاثون~
لو عاد بك الزمن لتعيش لحظة تحبها ستكون سعيداً لأنك عندها ستعيشها للمرة الأولى..
لكن لو تكررت اللحظة ألف مرة لن تكون بجمال لحظتك الأولى..
****
~الرسالة الرابعة والثلاثون~
لطالما تسائلت عن الألم متى ينتهي..
حتى علمت أنه أبداً لا يرحلِ..
الألم يتعاظم ويكبر حتى يبتلع صاحب النفس المعذبِ..
الألم أبداً لا ينتهي..
****
سارا معاً قرب الفندق.. لم يرد أن يبتعدوا فقد كان يأمل بتهدئتها والعودة ليصلح بينها وريم لكن الآن هو يشك بقدرته على فعل هذا.. فهي منذ خرجوا تسير دون هدى مطالعة الفراغ كأنها تبحث عن شيءٍ ما ولا تجده وهو كان يشعر بالحنق والحرج.. الحرج من ريم لأنها الآن بالتأكيد ستراه مجرد عابث وشخصٌ منحل فتلك لم تكن المرة الأولى التي تراهم بها بوضعٍ كهذا.. منذ فترة عندما كان والد ساندي في المشفى أتت لتبحث عنهما ورأتهما يتبادلان القبل..
عاد يطالع إسلام بحنق وهو يفكر أنها السبب لو توافق على إعلان ارتباطهما والزواج منه ما كان كل هذا قد حدث..
:"لم يكن عليكِ قول هذا لها.."
التفتت تطالعه بينما حاول ألا يظهر لها حنقه وأكمل: "إنها صديقتك وحتى لو غضبت منك فهذا لأنها..."
:"لا حق لها بالغضب من الأساس أو الحجر على تصرفاتي!"
ارتفع حاجباه بدهشة لردها قبل أن يهز رأسه قائلا: "إذاً أنتِ لا تعتبرينها صديقتك وبالتالي لا يحق لك أنتِ الأخرى الحجر على تصرفاتها.. لا يحق لكِ إخبارها بأنها فاشلة وبأنها لم تودع والدتها بشكلٍ لائق"
عقدت ذراعيها وهي تطالعه بعصبية بينما تسأله: "بصف من أنت؟!"
:"بصفها هي بالتأكيد.."
رد ببساطة فتأففت وتحركت تسبقه لتعود للفندق لكنه لحق بها وسحبها لتواجهه ثم قال بصرامة: "عليكِ أن تعتذري لها وتشرحي الموقف بهدوء"
:"ما الذي يجب أن أشرحه بالضبط لقد رأتنا نقبل بعضنا"
سألت بعصبية فانحنى ليواجهها بعينيه وهو يرد: "تخبريها أننا مرتبطان وسنتزوج"
ارتفع حاجباها ثم هزت رأسها قائلة: "لن أخبرها بشيءٍ لن يحدث"
ثم تحركت تسير أمامه فوقف قليلاً يحاول السيطرة على غضبه قبل أن يتبعها بصمت مقرراً أن يعتذر هو لريم حتى لا يخسرها وفيما بعد عندما تهدأ إسلام سيحاول اقناعها بالحديث معها..
ما أن وصلوا للفندق وجدا ساندي تقترب منهما وتسأل: "أين كنتما؟!"
اقترب ورد متداركاً الموقف: "لقد حصل سوء فهم بين إسلام وريم فأخذتها وغادرنا لبعض الوقت حتى تهدأ وتتصالحا لاحقاً"
:"ريم غادرت.."
قالها مؤمن وهو يقترب ثم رفع الهاتف أمامهم ليكمل: "ولا ترد على الهاتف هي أو فادي"
:"ماذا حدث بالضبط؟"
سألت ساندي موجهة كلامها لإسلام التي تحركت بعصبية قاصدة الدرج فتبعتها ساندي بينما طالعه مؤمن بشك قبل أن يتنهد ويرد: "سأغادر أنا أيضاً.. هل ستعود معي؟"
:"لماذا سنغادر؟!"
سألت قريبته وبدأت جدالاً معه فلم يلتفت وهو الآخر تحرك نحو غرفته ليجمع أغراضه للمغادرة فلم يعد قادراً على البقاء أكثر..
**
اشترى بعض المقرمشات من أحد الباعة الجائلين داخل القطار ثم عاد لمقعده ليجدها لا تزال على جلستها تنظر للخارج بشرود..
جلس بجوارها وعندما التفتت منحها البسكويت الذي اشتراه لها فابتسمت وأخذته منه وهي تقول: "شكراً فادي.."
أطرقت وهي تضعه بين يديها مكملة: "أنا دوماً أورطك.. ليتني لم أطلب منك تركهم والقدوم معي"
:"لم أكن أرغب بالبقاء على أي حال.."
رد بها ثم أكمل مازحاً: "أجواء رجال الأعمال تلك أنا أكرهها"
ابتسمت بحزن وهي تقول: "أنا أيضاً أكرهها.."
ومرت بضع لحظات قبل أن تنفجر باكية فشعر بالأسى لأجلها منذ اللحظة التي خرج بها من غرفته ليجدها تقف بانتظاره بجوار الباب فهم أنها لا تريد البقاء أكثر لذا ألغى فكرة محاولة ثنيها عن المغادرة فوراً وانتظار مؤمن ليخرج من اجتماعه ليرحلوا معاً.. لم يكن يضمن وقت خروجه وخاف أن تعود إسلام وتُسمِعُها شيئاً آخر يحزنها.. قرر أن يغادرا واكتفى بترك رسالة لمؤمن في الاستقبال فقد فرغ شحن هاتفه.. أخرج منديلاً من جيبه ومنحه لها فالتفتت له بينما تردف: "أنا فقط أردت نصيحتها لمصلحتها لا أكثر!"
أومأ لها قبل أن يرد: "أنا أعلم هذا"
كان متأكداً أنها تحدثت بتلك الطريقة لمصلحتها وقد حاولت بالفعل تجنب الحديث معها وهي غاضبة لكن إسلام بغبائها أصرت..
:"هي الأخرى تراني فاشلة.."
همست بها ثم مسحت وجهها قبل أن تكمل: "ليست المرة الأولى التي تعترف بها بهذا كلما تحدثنا أسمع منها ما يشرح نظرتها بأني فاشلة وضعيفة.."
التفتت تطالع النافذة وعضت شفتها السفلى بمحاولة لكتم بكائها بينما تردف باختناق: "لطالما نظرت لي بتلك الطريقة لأنها حققت درجاتٍ عالية ودخلت كلية الهندسة وأنا فشلت بتحقيق أي شيء.. لكنها أبداً لم تذكرني بشجاري مع والدتي.. إنه ذنبي لأني ائتمنتها على حقيقة ما حدث ليلتها"
:"ستندم على حديثها معك بتلك الطريقة وتأتي وتعتذر فكلتاكما صديقتان.."
التفتت تنظر له فأكمل: "وأنتِ لستِ فاشلة أو ضعيفة لا تسمحي لأي أحد أن يقنعكِ بهذا.. وما حدث بينكِ وبين والدتك شجارٌ عادي يحدث بين كل الأبناء والآباء يا ريم.."
ابتسم بوجهها وربت على كفها ليحاول تهدئتها بينما يردف: "أنتِ فتاة طيبة وصالحة.. ما كانت والدتك لتبقى غاضبة منكِ وبالتأكيد توفاها الله وهي راضية عنكِ"
حاولت أن تبتسم لكنها لم تقدر فمسحت وجهها من الدموع التي أغرقته بينما ترد: "لن أنساها لإسلام أبداً"
ضحك بخفة قائلاً: "بل ستنسين وتتجاوزي فأنتِ أطيب فتاة قابلتها بحياتي.. كما أنكِ ستشفقين عليها ما أن تأتي لكِ باكية تطلب السماح ومعها كرتونتين من العصير الذي تحبينه.."
ابتسمت أخيراً فأكمل مغيراً الموضوع: "مؤمن سيغضب لأنكِ غادرتِ دون إخباره"
:"آخر همي غضبه.."
ردت بها بينما تفتح كيس البسكويت وتكمل بحنق: "هو وقريبته الغبية يغضبوني منذ أيام"
عاد للضحك لكن هذه المرة بصوتٍ عالٍ بينما هي بدأت بتناول البسكويت وأشارت لأحد الباعة الجائلين ليحضر لهم كوبين من الشاي.. بتلك الأثناء أراح رأسه للخلف ليتركها تلتهي عن حزنها بحديثها مع الفتى الصغير بينما هو شرد ذهنه بالتفكير بما سيفعله تالياً..
**
~بعد مرور ساعات~
عادت شكرية للمنزل واتجهت فوراً لغرفة ريم لتجدها جالسة تطالع إحدى النوتات وما أن رأتها ابتسمت تقول: "مرحباً خالتي.."
اقتربت تجلس بجوارها فسألتها: "أين كنتِ؟"
:"زكريا مريض للغاية فذهبت لأزوره"
انعقد حاجبيها باستغراب وسألتها: "ما الذي أصابه؟!"
شعرت بالأسى وهي تتذكر مظهره الشاحب ومظهر بناته عليا ودارين بينما تجلسان بجواره وتحاولان الحديث معه وإلهائه عن الألم قبل أن تتنهد وترد: "حالته سيئة وتسوء أكثر بمرور الوقت.."
ظهر الحزن على محياها فتنهدت قبل أن تربت على ساقها وتكمل: "دعكِ من هذا أخبريني لم عدتِ فجأة ولم لم تنتظري مؤمن؟.."
كانت مستغربة فأردفت تفسر: "لقد اتصل بنا وأخبرنا أنكِ لا تردين عليه.. كان يأمل أن تكوني اتصلتِ بنا وأخبرتنا أين أنتِ وقد أعلمته بشأن رسالتكِ التي أرسلتها لتخبريني أنكِ عائدة"
أومأت بتفهم ثم قالت: "لقد شعرت بالملل وقررت العودة أنا وفادي كما أن نغم وبختني وأخبرتني أن أعود فلدي عرضٌ آخر قريباً"
اقتربت منها وسألتها: "هذا فقط؟"
عادت توميء لها ثم اقتربت ووضعت رأسها على ساقها وتنفست بعمق فقررت ألا تضغط عليها أكثر وتتركها على راحتها..
:"هل سيموت؟"
سألت بصوتٍ مضطرب فتحركت شكرية تستند بظهرها على الفراش وربتت على رأسها الموجود بحجرها قبل أن ترد: "جميعنا سنموت يا عزيزتي!"
*****
:"هل سيموت إذاً؟!"
سألها سلامة عبر الهاتف فتهدت وهي ترد: "لا أعلم لكن الطبيب يخبرنا أن حالته حرجة"
:"لم أنتِ حزينة.. موته سيكون في مصلحتنا"
قالها بسعادة واضحة فردت سريعاً: "إنه والد بناتي ولا أرغب بأن يموت بالتأكيد.."
التفتت تطالع والده الجالس أمام باب غرفته مستنداً على عكازه وعيونه ساهمة في البعيد قبل أن تتنهد وتكمل: "كما أن موته ليس بمصلحتي.. إن مات زكريا لن يرث من صلاح الهلالي إلا حفيده ابن آمال وهو ما أقسمت على ألا يحدث أبداً"
:"هذا هو السبب إذاً.."
قالها بإدراك ثم أكمل: "صدقيني هذه مشكلة يسهل حلها لو مات يمكننا إرعاب ذلك الفتى وإرغامه على الهرب وترك كل شيء"
ابتسمت بسخرية وهي ترد: "حاول يا عزيزي وستفشل.. لا شيء يخيف ذلك البارد ولا أحد يمكنه منعه عن أي شيء"
:"انتظري ليموت زوجك وبعدها سأريكِ ما بإمكاني فعله!"
تنهدت مع سماعها رده الأبله.. كانت تعرف مؤمن وتعرف أنه يستحيل أن يتخلى عن ذلك الإرث ويستحيل أن يخاف من أي شيء ويهرب.. كانت تعلم أنه يرغب بالانتقام لوالدته من جميع من أساءوا لها وتسببوا أن تكتئب حد الموت.. وبنظره هي وبناتها وشقيقات والده ساهمن بهذا لذا هو لن يمنحهم فرصة ليرعبوه أو يخيفوه.. كما أنها لن تخاطر بخسارة جده فمؤمن حفيده الغالي الذي يحمل اسمه وسينجب أبناءاً تحمل اسمه.. وعدا عن كل هذا فهو يراه مصدر فخره واعتزازه.. حفيده المهندس الشاب الذي اجتهد وأسس عمله الخاص دون مساعدة من أحد وهو من رباه وحتى جده ووالد والدته الغالي الذي يدلله ويطلب منه التمني فقط وسيحقق له ما يتمنى لم يقدر على نزع حب صلاح من قلب حفيده الذي وللغرابة مرتبط به أكثر من طاهر والد والدته الغالية..
كل هذا أخبرها بوضوح أن لا شيء فعلته أو ستفعله سيجعل صلاح الهلالي يتخلى عن فكرة منح كل الإرث لحفيده.. فهو مقتنع أنه منح جميع أبنائه ما يستحقونه وأكثر ومؤمن الأحق بأخذ الباقي.. لقد أملت على مر السنوات أن تجعل حالة زكريا الحرجة قلبه يرق بالذات وهناك دارين لا تزال صغيرة وبحاجة لكثيرٍ من النقود لتأمين مستقبلها.. الآن وبوفاة زكريا ستفقد أملها الوحيد خاصة وأن حفيده البارد لا يقصر بحق أخواته منذ عاد ودارين على الأخص.. يزورهن ويشتري لهن ما يطلبنه وأكثر..
:"هل لا زلتِ معي؟"
جعلها صوت سلامة تفيق وتتذكر كارثتها الأخرى.. لقد رأتها عليا معه وإن تهورت وأخبرت جدها سينتهي أمرها كلياً.. والأسوأ لو أخبرت شكرية ستقاطعها للمتبقي من عمرها وتمتنع عن مساعدتها..
تنهدت بتعب وهي تفرك رأسها محاولة أن تهدأ ثم ردت: "سأغلق الخط الآن حتى لا يلاحظوا وسأتصل بك لاحقاً"
:"حسناً.. ولا تقلقي على العمل كل شيء يسير على خير ما يرام"
أومأت بصمت وودعته قبل أن تلتفت وتعود للغرفة.. مرت بجوار حماها الذي لم يشعر بوجودها حتى وهي لم تحاول الحديث معه اتجهت لداخل الغرفة لتجد دارين تجلس أمام والدها وتطالعه بحزن.. كانت الدموع عالقة بأهدابها وهي تأبى أن تهطل على عكسها كانت عليا التي لم تتوقف عن البكاء منذ انتكس والدها بالمنزل..
تلفتت تبحث عنها بالغرفة ولم تجدها فاقتربت من دارين وسألتها بخفوت: "أين عليا؟"
لم تلتفت لها فقط ارتجفت شفتيها وهي ترد: "ذهبت لمؤمن"
اتسعت عيناها بهلع ورعب من أن تخبره بما حدث والتفتت تتحرك لمغادرة الغرفة..
:"لا تخافي.."
توقفت ما أن سمعت تلك الجملة قبل أن تسمعها تكمل: "لقد ذهبت تحاول إقناعه بالقدوم لرؤية أبي.. لن تخبره شيئاً عنكِ"
التفتت تطالعها بصدمة لكنها وجدتها على جلستها الهادئة وهي تطالع والدها ثم تحركت ونامت بجواره وهي تهمس: "أبي استيقظ وأعدك سأحاول إقناعه أن يأتي.. أنت فقط استيقظ!"
وعندها لم تتحمل الوقوف أكثر وخرجت من الغرفة..
******
كانت تقف أمام المنزل بارتباك وخوف كفيلان بإعادتها حيث أتت.. لكن كل ما لاح ببالها كانت صورة والدها وهو مستلقٍ على الفراش بإنهاك وتعب يهمس باسمه لهذا أخذت عنوان المنزل من دارين وأصرت أن تأتي له رغم تحذيراتها التي لم تكترث لسماعها حتى..
اقتربت من الباب وطرقته بضع مرات وقد مر الوقت ببطءٍ شديد قبل أن تجده يفتحه ويقف أمامها..
:"عليا؟!.."
قالها باستغراب ثم أفسح لها لتدخل وهو يسأل: "ماذا تفعلين هنا؟!"
دخلت بالفعل وهي ترد: "أخبرتني دارين أنك عدت من السفر قبل ساعاتٍ قصيرة فأتيت لرؤيتك"
أشار لها نحو مكان للجلوس قائلاً: "اجلسي سأحضر لكِ شيئاً تشربيه"
ثم تحرك للمطبخ وهي سارت نحو الواجهة الزجاجية تنظر عبرها للخارج.. الطريق للبحر كان مضائاً بممر من عمدان النور لكن هذا لم يقلل من وحشة المكان.. كان بعيداً ومنعزلاً ولم تتخيل أنها ستجد بيتاً بين أكوام الرمال تلك.. لكنها وجدته في النهاية.. كقصرٍ للأشباح وسط الخلاء..
أخبرتها دارين أن المنزل بناه مؤمن لريم التي أخبرتها أنه وعدها ببنائه يوماً ما لكنها لم تصدق.. مؤمن بنى هذا المكان لنفسه قبل ريم والأمر لا يتعلق بإبهارها وحسب الأمر متعلق بعشقه للعزلة والبعد عن البشر.. لطالما كان يحب البقاء وحيداً.. أغراضه لا يجب أن يلمسها أحد ولا يحب أن يفصح لأحد غير ريم بما يدور بخلده وفي الغالب هي تعرفه لوحدها دون أن يتحدث..
كانا مترابطين لتلك الدرجة ومع ذلك فهناك الكثير مما لا يحكيه لها وتضطر هي لاستنباطه لوحدها.. ريم عانت مع حالته تلك ولا زالت تعاني وستعاني للأبد على الأرجح.. وهي تتسائل عن السبب بجعله ذلك الشخص المنطوي المنعزل الكاره لوصف مشاعره..
وقد كانت للأسف تعرف الإجابة..
:"كنتِ اتصلي لأرسل لكِ سيارة.."
التفتت تنظر له بينما يقدم لها كوباً من العصير وما أن أخذته وضع كفيه بجيبي بنطاله وهو يكمل: "المكان بعيدٌ عليكِ والأفضل ألا تأتي وحدك"
:"لقد طلب لي شهاب سيارة أجرة.. كان سيأتي معي لكني رفضت"
أومأ لها بتفهم ودون أن يسألها عن السبب بتواجد شهاب معها فعلمت أنه عرف بما حدث وقالت: "أبي بالمشفى.."
لم يظهر على ملامحه أي تأثر فشعرت بالغضب وتركت الكوب جانباً واقتربت منه وهي تكمل: "وعليك أن تزوره"
ارتفع حاجباه وسأل بسخرية: "من قال أن علي زيارته؟.."
ثم تحرك يبتعد عنها وهو يكمل بعنجهية: "لا أحد بإمكانه إرغامي على فعل أي شيء"
:"إنه والدك.."
هتفت بها فتوقف مكانه والتفت لها فأكملت باختناق: "وهو يحتضر"
:"وأنا غير مهتم"
رد ببساطة وهدوء فاقتربت منه وهي تسأل: "لم تقول هذا؟!"
هز رأسه وعاد يجيب ببساطة: "لأني بالفعل غير مهتم يا عليا"
:"لقد كان يهذي باسمك طيلة اليوم.."
همست بها ثم وقفت أمامه وهي تكمل: "ألا يعني لك ذلك أي شيء؟!"
طالعها لثوانٍ قبل أن يهز رأسه بنفي وهو يرد: "لا.. لا يعنيني"
الطريقة الباردة التي رد بها أنبئتها بأنه لن يغير رأيه لذا تحركت لتغادر لكنها وقفت خلف الباب للحظة قبل أن تقول: "يوماً ما ستنجب أبناءاً وسيعاملوك بنفس الطريقة القاسية يا مؤمن"
ثم غادرت بعدها واتجهت لسيارة الأجرة التي كانت قد طلبت أن تنتظرها..
****
~في اليوم التالي~
وصلت للعمل واتجهت فوراً إلى مكتبها.. كانت تشعر بالضيق والحنق من نفسها لهذا قررت نزول العمل باليوم التالي بعد عودتها من رحلتها الكارثية.. فلماذا ستبقى بالمنزل على أي حال؟!.. زوجة والدها وبناتها كانوا مستائين من عودتها كأنهم كانوا يتمنون ألا تعود أبداً.. بينما أسلم كان مستغرباً لعودتها الباكرة وبالتأكيد لو بقيت أمامه لن يرحمها من الأسئلة التي يطرحها.. أمسكت بالهاتف وطالعت رقم ريم.. للمرة التي لم تعد تحسبها منذ البارحة وهي تطالعه مفكرة بالاتصال والاعتذار وحسب لكنها لم تقدر.. ليس لكونها غير مخطئة.. بل هي لو كانت بمكان ريم ما كانت لتسامح أي شخص ضغط على جراحها بتلك الطريقة.. الأمر أنها تشعر بالخزي والعار.. ريم فعلت كل هذا لأنها تحبها وهي قابلت ذلك الحب والاهتمام بطريقة سيئة.. قابلته كفتاة بلا أصل تستغل نقاط ضعف أصدقائها المقربين التي تعرفها لتحرجهم وتجرحهم..
ارتجفت شفتيها وهي تسمع ذلك الصوت بداخلها يخبرها أنها بالفعل بلا أصل أو اسم.. وأنها تصرفت بالطريقة الملائمة لفتاة لقيطة لا تعرف من والدها.. وبسبب هذا الصوت كانت خائفة من الاتصال بريم فقد علمت أنها ستنفجر باكية وتقسم لها أنها لم تقصد وتخبرها بكل الحقيقة علّ هذا يريحها..
:"هااي يا أنتِ.."
التفتت تطالع نور باستغراب وسألتها: "منذ متى وأنتِ هنا؟!"
انعقد حاجبي نور قبل أن ترد: "ما الذي أصابك لقد دخلت منذ لحظات وناديتكِ عدة مرات.."
هزت رأسها وأرجعت ظهرها للخلف لتستند به على المقعد ثم نظرت لنور التي بدت منزعجة بينما تكمل: "ألم تسمعي ما حدث لياسر؟"
كان دورها بعقد حاجبيها وهي تسألها: "ماذا حدث؟!"
:"لقد ترك العمل.."
شهقت ما أن سمعت الرد فأسرعت نور تكمل: "انتظري لتعرفي من السبب"
كادت تكمل حديثها لكن دخلت جوان بذات اللحظة وقد بدا عليها الانزعاج الشديد فشعرت بحيرة لأنها كانت بقمة السعادة البارحة واليوم صباحاً قبل أن تنزل..
تحركت نور لتخرج فتبعتها وقررت ألا تعير مزاجها اهتماماً وما أن خرجت سارت بجوار نور تسألها: "ماذا حدث؟.. أخبريني"
:"لقد اتهمته جوان بالتحرش بها"
قالتها نور وهي تتحرك لتجلس خلف المكتب فوقفت إسلام تطالعها بذهول بينما تسأل: "بالتأكيد تمزحين!"
هزت نور رأسها بنفي وردت: "ذهبت لمكتبه لتطلب بعض الأوراق ثم خرجت تصرخ وتبكي وهي تخبر الجميع بأنه حاول ملامسة جسدها وتقبيلها وعندما تحرك ياسر ليرد عليها طلب منه السيد ياسين أن يسكت وأخبره أنه سيحقق في الأمر بنفسه وعندها لم يتحمل ياسر أن يتم وضعه محل اتهام وترك العمل"
أطرقت إسلام وهي تشعر بالغضب يجتاحها.. كانت متأكدة أن هذا افتراء من جوان فقد جلست مع ياسر لأوقاتٍ طويلة وأبداً لم يطالعها بطريقة سيئة أو يضايقها بالكلمات..
:"أين هيثم؟"
سألت نور فردت: "لم يحضر بعد"
تحركت لتغادر لكن هاتفها رن وما أن أخرجته وجدت رقم والدها فردت فوراً..
:"إسلام عودي للبيت حالاً"
انعقد حاجبيها باستغراب وردت: "لكن لدي عمل و..."
:"خذي اليوم إجازة أو عودي الآن وأنا سأتصل بالسيد ياسين وأعتذر له فهو قادم لزيارتنا على أي حال"
استغربت حديثه وقبل أن تسأل أغلق الخط بوجهها فلم تفهم ما حدث لكنها فضلت العودة للمنزل حتى تتجنب أي شجار..
وصلت للغرفة وتأكدت من جمع كل أغراضها داخل مكتبها ثم أغلقته بإحكام وحملت حقيبتها لتغادر..
:"إلى أين؟!"
التفتت تنظر للغبية بكره كانت متأكدة أنها تفتري على ياسر وفعلت هذا لأنه يعاملها بإهمال وتهميش منذ خلافهم الأخير لكنها فضلت ألا ترد عليها وتكتفي بالاهتمام بنفسها فمكالمة والدها لا تنبئ بخير ثم تحركت لتغادر دون أي كلمة..
*****
:"لم بحق الله وضعته بموضع اتهامٍ أبي؟!"
سأل بعصبية ما أن أخبره بما حدث فرد والده بهدوء: "ولم لا أضعه؟!"
طالعه بصدمة قبل أن يقول بسخرية: "لا أعلم.. ربما لأن تلك الفتاة مدللة ومدعية وتهوى افتعال المشاكل"
ظهر الانزعاج على محيى والده بينما شهقت والدته وهي تقول: "جوان تهوى افتعال المشاكل؟!.. حرام عليك يا هيثم الفتاة يتيمة وطيبة للغاية"
طالع والدته بملل قبل أن يلتفت ليغادر قائلاً: "سأتحدث لياسر وأحاول إعادته فهذا ليس عدلاً نحن لا نملك دليلاً على ادعائها"
:"انتظر هيثم.."
نادته والدته فالتفت يطالعها بينما هي أكملت: "أريدك أن تعود باكراً الليلة سنذهب لزيارة عائلة السيد عادل"
انعقد حاجباه باستغراب وهو يسأل: "لماذا؟!"
وعندها أتى الرد الذي ألجمه: "سنجلس معهم قليلاً ونطلب يد ابنتهم.. ألا تريد الزواج بها؟!"
وقف ثابتاً لثوانٍ لا يستطيع الاستيعاب ثم اقترب منها وهو يسأل: "هل تمزحين معي؟!"
هزت رأسها بنفي وعندها لم يتحمل وهتف بها بغضب: "من طلب منكِ فعل هذا يا أمي؟!"
:"لا ترفع صوتك يا ولد"
قالها والده وقبل أن يرد نهضت والدته وواجهته وهي ترد: "أنا من فعلت هذا يا هيثم ولا أفهم سبب غضبك.. لم نؤجل الحديث معهم إن كنت مصراً على الارتباط بها؟"
ضرب الطاولة بساقه فسقطت الأطباق عن سطحها ثم تحرك بعصبية ليغادر دون التفات لنداء والدته لكن ما أن فتح الباب اصطدم بتامر الذي طالعه بسخرية وهو يقول: "اهدأ يا أخي ماذا بك؟"
دفعه بعيداً ليغادر لكنه أمسكه من مقدمة ثيابه وقال: "ماذا بك هل فقدت عقلك يا هذا.."
ولم يكد يتم جملته إلا وكانت قبضته تعانق أنفه فتراجع على إثرها وهو يتأوه بينما تحرك هو ليغادر المكان متجاهلاً سبابه وصراخه عليه..
******
الاستماع لها بينما تعزف شيءٌ مثيرٌ وجميل.. يدغدغ قلبه بالذات مع تلك الألحان الحزينة التي يشعر بها تلامس شيئاً عميقاً داخل قلبه..
اقترب منها واستند على البيانو ليستمع لها عن كثب وهي استمرت بعزف اللحن حتى نهايته ثم توقفت والتفتت تنظر له بلوم فحاول استرجاع ما حدث أو ما فعله ليضايقها من المفترض أن يقوم هو بلومها لأنها غادرت من الفندق بدونه ولم ترد على جميع اتصالاته سوى قبل قليل عندما أخبرته بأنها ذاهبة لتتمرن بشقة نغم..
:"أنا أحب الأنمي الذي عُزِفَت به تلك المقطوعة"
قالها ليحاول ألا يوتر الأجواء أكثر فردت بهدوء: "لم أعلم أنها عُزِفَت بأنمي أنا أتدرب عليها بناءاً على رغبة نغم.."
تنهدت بعدها وهي تنهض وتقف مقابله بينما تكمل: "مؤمن عليك الذهاب لرؤية والدك"
تأفف بضيق قبل أن يهمس: "تلك الغبية لا أعلم سر إصرارها على تلك الزيارة السخيفة"
:"لأنها أختك ربما وهو والدها.."
عاد ينظر لها فأكملت: "لا يمكنك أن تكون بهذه القسوة إنه يحتضر اذهب وتحدث معه لمرة أخيرة"
:"لا.."
رد بها بشكلٍ قاطع فتأففت والتفتت لتتركه وتغادر لكنه أمسك بيدها وأعادها لمكانها واقترب منها وهو يكمل: "لا يمكنكِ طلب شيءٍ كهذا وأنت تعلمين أني سأرفض ثم تتفاجئين وتغضبين لأني رفضت.."
فتحت فمها لتعارضه لكنه استبقها بقوله: "أنتِ تعلمين أني سأرفض فلا تدعي العكس"
بقيت تطالعه بصمت قبل أن يظهر الاحباط جلياً على محياها وهي ترد: "أنا أريدك أن تفعل هذا لأجلك أنت.."
ارتفع حاجباه وهو يطالع اضطراب أنفاسها بينما تكمل: "والدك كان قاسياً معك وأنا أعلم هذا.. لكن رغم كل ما فعله يوماً ما ستندم لأنك لم تستمع لعليا ولم تزره قبل أن يموت"
:"هذا لن يحدث ريم"
قالها بشكلٍ قاطع ففركت أنفها وهي ترد: "بل سيحدث.. صدقني سيحدث"
ثم انفجرت باكية فجأة دون سبب فاقترب منها وسألها: "لم تبكين؟!.."
هزت رأسها دون رد واستمرت بالبكاء فعاد يسألها: "ماذا حدث بالضبط البارحة؟.. لم غادرتِ هكذا فجأة؟"
التفتت تلتقط منديلاً من حقيبتها وهي ترد: "كان علي الرحيل وحسب.."
مسحت وجهها ثم التفتت تنظر له وفجأة ابتسمت بينما تقول: "أنت تخبرني أني أعنيك كثيراً أليس كذلك؟.."
لم يفهم سبب السؤال لكنه أومأ بإيجاب وعندها أمسكت بكفه وهي تكمل: "إذاً عدني أنك ستعيد التفكير بزيارته.."
أراد الاعتراض لكنها شدت أكثر على يده بينما تردف: "فقط عدني أنك ستفكر مؤمن"
تنهد ثم أومأ لها وهو يرد: "حسناً.. أنا أعدك سأفكر بالأمر"
تنهدت براحة ثم حملت حقيبتها وتحركت وهو معها ليغادرا المكان..
**
ما أن دخلت المنزل قابلتها الوجوه الواجمة والحانقة.. والدها وأسلم وزوجة والدها وابنتها الكبيرة كانوا يجلسون أمام باب الشقة ويبدو أنهم كانوا بانتظارها..
:"إسلام هل تعلمين بأن هيثم ابن السيد ياسين يرغب بالتقدم لطلب يدك؟"
اتسعت عيناها بهلع وتجمدت لثانية من الصدمة بينما نهض أسلم واقترب منها بغضب لكنها تجاوزته واتجهت لوالدها وهي تسأل: "ما الذي تقوله؟!"
:"يخبركِ بما حدث.."
رد بها أسلم وهو يسحبها لتواجهه ثم التفت لوالدها يكمل: "لم تسألها يا أبي بالتأكيد هي تعرف وكانت تخدعنا طيلة هذا الوقت"
سحبت ذراعها من قبضته وردت: "لا تتدخل يا هذا أنا لم أوجه حديثي لك من الأساس"
رفع يده ليضربها لكن والدها أوقفه وهو يقول: "توقف أسلم إنها تحادثني أنا"
التفت لها بعدها وطالعها بطريقة غريبة قبل أن يتنهد ثم أكمل: "استعدي فهم قادمون بعد صلاة المغرب"
لم تكن تصدق ما يحدث لكن ما كانت لتناقشه هو بالأمر.. تحركت نحو غرفتها وأخرجت هاتفها لتراسل هيثم..
( هيثم ماذا حدث؟.. ألم أخبرك أني لا أريد الزواج؟ )
وصلته الرسالة وظهرت علامة كتابة الرد الذي وصلها بعدها بثوانٍ
( لم يكن هذا من عملي كانت أمي )
تملكها الغضب وكتبت له
( ولم أخبرتها من الأساس هل تحاول توريطي؟ )
****
نظر للرسالة للحظات ثم قرر ألا يرد.. لم يكد يمر مما حدث البارحة والشجار بينها وبين ريم وفيما بعد شجارها مع ساندي التي حاولت تهدئتها وثنيها عن العودة وحاولت أن تفهم ما حدث فما كان من الآنسة إلا الشجار معها والإصرار على العودة..
ألقى الهاتف على المقعد بجواره وقرر أنه لن يرد.. التفت يطالع البحر وهو لا يعلم كيف سيتصرف.. فعطفاً على حديثها والدته أخذت موعداً بالفعل مع عائلتها ولا يمكنه أن يتراجع الآن..
لكن يقسم بألا يمررها لهم فلا يكفي خسارة ياسر بسبب تلك البلهاء.. هو متأكد أنه لم يلمسها فصحيح أنه لا يطيقه لكنه لن يصدق أنه تحرش بتلك الغبية.. الآن عليه تحمل عقبات ما سيحدث الليلة فإسلام لن تمررها له فمن بين كل الأشياء التي يعرفها عنها يعلم أنها لا تحب أن يفرض عليها أي شخص رأياً أو طريقاً..
*****
كانت تجلس أمامه بهدوء وهو يراجع الأوراق تفكر بالطريقة التي ستخبره بها.. لا يمكنها ببساطة الاندفاع وإخباره أن ريهام قرأت مذكرات صديقك المقرب وهو معجب بحبيبتك.. عليها أن توصل له المعلومة بطريقة غير مباشرة.. وعليها أن تفعل ذلك الآن فهي لن تتحمل بقائه مع تلك الغبية أكثر.. كما أنها متحمسة لترى الطريقة التي ستبدو عليها صديقتها الساذجة بعد أن يتخلى عنها ويتركها.. في الحقيقة هي تراها ملائمة تماماً لذلك الفاشل فادي.. كلاهما ساذجان وفاشلان ويليقان ببعضهما..
:"أظن أن هذا هو كل شيء"
قالها بينما يراجع الأوراق ثم طالعها ببرود فردت: "أظن هذا"
ابتسمت له بعدها وهي تسأل: "هل تقابل ريم أنا لم أرها منذ فترة؟"
أومأ وهو يرد: "أراها بالتأكيد كنا معاً منذ أيام وهي بخير الحمدلله"
:"هذا جيد أوصل لها سلامي.."
قالتها بهدوء ثم أكملت ببساطة: "تخيلت أنه بمجرد ظهورك.. ذلك الأحمق سيتشجع ويطلب يدها منك لكن يبدو أنه جبان كالعادة"
انعقد حاجباه وسألها: "عمن تتحدثين؟"
:"فادي بالطبع.."
ردت بها بطريقة رسمتها بعناية لتبدو تلقائية ولم تحاول الالتفات للصدمة التي احتلت عيناه قبل أن تكمل: "ظننته ينتظر عودتك ليطلب يجها منك بما أنك صديقه وبمثابة أخ لها"
كانت تحسده حقاً على ثباته الانفعالي فلا شيء حرفياً ظهر على محياه فقط عيناه اضطربتا لبضع لحظات قبل أن يهز رأسه بنفي وهو يرد: "ريم ليست أختي وفادي لا يعاملها بتلك الطريقة إنهما صديقان وحسب"
ادعت الاستغراب وهي تقول: "لا أظن هذا فإعجابه بها واضح للعيان حتى أن أحد أصدقائنا المشتركين أخبرني أنه اعترف له برغبته لطلب يدها.. لقد تخيلت أنهما مرتبطان كذلك وينتظران فقط تحسن الظروف.."
لم يرد ففهمت أن كلامها وصل لعقله وهو يفكر الآن لذا فقد انتهت مهمتها ويجب أن تغادر الآن وهي آسفة حقاً لنفسها اضطرارها لتركه.. لكن عليها أن تظهر الأمر كمصادفة لا أكثر لذا حركت رأسها وهي تكمل: "لكن ربما أنت محق.. في النهاية أنت الأقرب لهما.."
ثم نهضت وهي تحمل نسختها من الأوراق وابتسمت له مردفة: "حمداً لله على عودتك سالماً.. سأمر عليك غداً لنذهب لموقع الإنشاء"
أومأ لها بصمت ونهض ليودعها وما أن غادرت الغرفة أرادت الابتسام بانتصار وشماتة لكنها قابلت سيرين التي طالعتها بغضبٍ واضح قبل أن تبتسم بتوعد وتتحرك نحو مكتب مؤمن..
وقد أفسدت بابتسامتها وحركتها المدروسة نحو مكتبه كل سعادتها..
كانت تنوي التخلص منها هي الأخرى لكن ليس الآن.. عليها التركيز على الساذجة وإقصائها تماماً من حياته.. وهي تتخيل أنها حققت هذا بما فعلته الآن وبعد تلك النظرة على وجه مؤمن كانت متأكدة أن الأمور قد انتهت.. ومع تأكدها من تلك الفكرة تنهدت براحة وعادت الابتسامة تملؤ وجهها قبل أن تتحرك لتغادر المكان..
****
راقبته باستغراب بينما يقف أمام الواجهة ثم اقتربت منه وهي تقول: "هل استمعت لي؟"
التفت ينظر لها باستغراب وسألها: "عفواً هل قلتِ شيئاً؟"
ارتفع حاجباها بدهشة ثم ردت: "أخبرك أن جدي وأبي وأمي سيحضرون في الغد.. لقد قرروا قضاء الإجازة الشتوية معنا"
أومأ لها بينما يقول: "راسلني جدي قبل قليل وأخبرني شيئاً كهذا"
كانت مستغربة لحالته فاقتربت منه وسألته: "ماذا بك؟.. هل حدث شيءٌ ما؟.."
عاد يطالعها فأكملت: "إن كنت لا تزال غاضباً من حديثي البارحة معك بسبب عودتنا المفاجئة فـ..."
هز رأسه بنفي ثم التفت يسحب هاتفه ومفاتيحه وهو يقول: "لست غاضباً.. هلا اهتممتِ بالمتبقي من العمل فلدي شيءٌ هام علي القيام به"
قالها ثم غادر فوراً أمام نظراتها الذاهلة.. جلست على مقعده تطالع أثره باستغراب هو بالتأكيد لم يكن غاضباً من اعتراضها ليس فقط لكونها اعترضت لشعورها بالانزعاج لأنهم سيعودون بسبب الغبية التي كان يرغب باتباعها بعد مغادرتها..
هو ليس غاضباً لأنه غير مهتم من الأساس..
البارحة عندما أصرت عليه وأخبرته أنها ستبقى حتى لو عاد رد بأن تفعل ما يحلو لها وطلب من شقيقها البقاء معها وحسب..
هكذا ببساطة!..
وقد كان هذا الرد كفيلاً ليحطم كل معنوياتها وأخبرت والدتها صراحة البارحة أنها ستتوقف عن محاولات إجتذابه نحوها فلديها كرامة تحافظ عليها وهي أهم منه ومن أي شخصٍ بالعالم..
لكن ما الذي أصابه فجأة؟.. كان يبدو عادياً قبل ساعة من الآن فقط.. تحديداً قبل دخول الغبية الشمطاء وجلوسها معه..
فما الذي قالته له يا ترى؟..
ارتاحت بالمقعد وعقدت كفاها معاً على بطنها.. كانت ستسامح نفسها لو خسرت أمام الساذجة.. ليس لكون فادي محقاً بشأنها وهي فتاةٌ لطيفة ولا تحب المتاعب رغم سذاجتها وغبائها.. ليس لكل هذا وحسب بل هي كذلك لا تشكل أي متاعب.. لن تحاول منع مؤمن عن زيارة جدها حتى مع المعاملة القاسية التي سيعاملها بها ولن تحاول التفرقة بينه وبين عائلة والدته..
ستخسر أمام تلك الفتاة لأنها بدأت بالفعل تستلطفها ولأن الأحمق رائف أقنعها أنه ليس من العدل أن تفرق بينهما بكل هذا الحب الذي يكنانه لبعضهما.. وأيضاً لأجل كرامتها التي ستُهان بالتأكيد من إهمال مؤمن وعدم اكتراثه لأمرها.. وأهم شيءٌ عندها هو كرامتها..
هي ستخسر أمام ريم لكن يستحيل أن تخسر أمام الشمطاء الوقحة ذات الأنف المزيف.. إن لم تحصل ريم على الجائزة فهي أولى من تلك الشمطاء وقد بدأت بالفعل تضايقها.. ولا أحد يضايقها وينجو..
ابتسمت بشر مع ذلك الهاجس الأخير ثم راسلت الرجل الذي طلبت منه مراقبتها والتفتيش بأعمالها تطلب منه أن يسرع بالحصول على المعلومات التي طلبتها..
***
وصلت للبيت بعد أن مرت بالمشفى.. لقد أخبرت عليا أن مؤمن سيقتنع بالنهاية ويزور والده لكنها بدت حزينة وغير مهتمة وقد كان هذا ما يخيفها.. عليا لم تعد تهتم بأمره هي تريده أن يزور والدها لأجل والدها وحسب..
تحركت نحو الفراش وألقت بجسدها فوقه.. كانت متعبة ولم تتمكن من النوم.. زارت نغم صباحاً بمنزلها لتأخذ مفتاح الشقة وقد أصرت عليها أن تلقي بكل يأسها وإحباطها بالتمارين.. هي حتى لم تخبرها بما حدث.. لم تخبر أي أحد حتى مؤمن وساندي.. مع هذا فالجميع استشف حدوث شيءٍ جلل من ملامحها..
نظرت للصورة الموضوعة بجوار الفراش لها مع والدتها ووالدها وشعرت بالدموع تحرق عينيها دون أن تعلم متى ستكتفي من البكاء.. لقد بكت طيلة الليل حتى سقطت نائمة بتعب وبكت اليوم صباحاً عندما قابلت مؤمن..
أغمضت عيناها وفكرت أنها كان عليها زيارة والديها وحسب اليوم كان هذا سيساعدها قليلاً ربما كما يحدث دوماً عندما تذهب وتجلس بقربهم لبعض الوقت تتحسن حالتها..
لكنها لم تجرؤ على الاقتراب من قبر والديها ومراقبة اسم والدتها على الشاهد واستعادة الأحداث التي سبقت وفاتها وكيف رحلت في النهاية دون أن تكون بجوارها..
بدأت الدموع تهطل على وجنتيها بالفعل فدفنت رأسها بالفراش وهي تتنفس محاولة تجاوز الألم.. لقد تخيلت أن تلك الرحلة ستعيد لها الذكريات التي تحبها لكنها كانت مخطئة.. بداية من حديث قريبة مؤمن ثم حديث صديقتها المقربة.. كل شيء وكل شخص حولها يتكاتف مع الذكريات المؤلمة ليتركها بتلك الحالة..
متألمة ومنبوذة وتشعر بخيبة الأمل..
لم لا يمكنها تخطي الماضي كما فعل الجميع؟!..
شعرت بكفٍ يربت على رأسها وتذكرت أن خالتها سبقتها في العودة للبيت لكنها ظنتها ستنام من التعب لذا لم تحاول البحث عنها ما أن وصلت..
:"الجميع يمرون بأيامٍ سيئة"
قالتها خالتها وهي تمسح على شعرها ففتحت عيناها تطالع الصورة بينما تهمس باختناق: "أنا أعيش أياماً سيئة فقط منذ سنواتٍ طويلة"
:"هذا ليس صحيحاً.."
التفتت تنظر لها فأكملت بعقلانية: "كان هناك الكثير من اللحظات الجميلة خلال تلك السنوات وما أن تفيقي ستتذكرينها فوراً"
استمرت بالبكاء وهي تسألها بيأس: "من أين لكِ بتلك الثقة؟.. قد لا أفيق أبداً"
ضحكت خالتها بخفة ثم ربتت على وجنتها وردت بثقة: "لأن هذا ما كنتِ تفعلينه منذ وُلِدتِ يا فتاة"
مسحت وجهها وابتسمت لها ثم استقامت واحتضنتها بقوة فأحاطت خالتها ظهرها وبدأت بهدهدتها والتربيت على رأسها حتى استكانت ونامت بهدوء..
****
كانت تجلس بغرفتها بصمت وهي لا تعلم كيف من المفترض أن تتصرف..
قدوم هيثم مع عائلته ورطها بكل الطرق ولا يمكنها التملص الآن..
هل عليها أن توافق؟..
التفتت تطالع صورة جدتها ثم نهضت وحملتها بين يديها والسؤال يتردد ببالها وتسمع صوت جدتها ترد بـ
"نعم وافقي.. نعم اهربي.. نعم نالي فرصتك وغادري.. نعم أثبتي أنكِ لستِ فتاة سيئة كما يظن الجميع.."
الكثير من الكلمات والأماني تتبع نعم بصوتها الحاني الرقيق..
لو كانت جدتها هنا لوبختها على ما فعلته بريم فقد كانت تحبها وتخبرها دوماً أن عليها الحفاظ على صداقتها بساندي وريم وأنهما ستكونان صديقتا عمرها فقد مروا بالكثير معاً..
لو كانت جدتها هنا كانت ستطلب منها أن تهدأ وتسترخي وتسامح نفسها وتمنحها الفرصة أن تعيش كما تمنت دوماً..
لو كانت جدتها هنا لأخبرتها أن تنسى والدتها التي هربت وتخلت عنها وذلك الأب الذي لا تعرفه والرجل الذي رباها وأخوها وزوجة والدها وجوان.. كانت ستطلب منها نسيان نظراتهم وهمساتهم عنها.. تنسى الخذلان والضعف وقلة الحيلة والخوف..
ستطلب منها جدتها نسيان كل هذا واتخاذ الخطوة الصحيحة..
وبقي الأمر هكذا لفترة.. صوت جدتها الحاني والأماني التي تتبع كلمة نعم..
ثم سمعت صوت الباب يُفتَح.. التفتت لتجد جوان تقف أمامها وتطالعها بحقد فهمت مصدره الآن.. فمما فهمته من والدها -الذي دخل قبل قليل يؤكد عليها أن تستعد- لقد اتصلت والدة هيثم بحفصة وطلبت منها زيارتهم وأعلمتها السبب وبالتأكيد حفصة لم تتوانى عن توبيخ جوان كونها أرادتها أن تتزوج من هيثم..
:"لا يمكنكِ أن توافقي"
قالتها جوان فابتسمت بسخرية وسألتها: "حقاً؟!.. وما الذي يمنعني؟"
:"أنا.."
ردت بها واقتربت تبتسم بوجهها بطريقة شريرة أعلمتها أن حديثها لن يعجبها..
:"إن وافقتِ سأخبرهم أنكِ ابنة زنا"
اتسعت عيناها مع سماعها الكلمة.. لم تتحمل سماعها وبدأ جسدها بالارتجاف بهلع ثم هزت رأسها قائلة: "ما كنتِ لتتجرأي على..."
:"جربيني.."
قاطعتها واقتربت منها ثم وقفت أمام وجهها مباشرة بينما تكمل: "جربيني وستري بنفسك الجرأة التي أملك!"
ثم التفتت بعدها وغادرت وهي بصعوبة تمالكت نفسها والتقطت أنفاسها قبل أن تطالع صورة جدتها.. كانت يدها الحاملة لها ترتجف وقد غابت الأماني والكلمات المليئة بالتفاؤل التي تتبع موافقتها.. فقط صوت جوان وهي تهددها بفضح سرها هو ما احتل عقلها..
****
كانت تجلس بشقتها بهدوء عندما رن جرس البيت.. كانت تعلم من الطارق لذا تحركت وفتحت فوراً لتدخل ريهام وهي تقول: "مساء الخير يا سوزي.."
تنهدت بملل وأغلقت الباب ثم تحركت خلفها.. بقيت واقفة تطالع المكان حولها دون اكتراث حقيقي وبابتسامة شيطانية سألتها: "إذاً هل استغللتِ معلومتي الثمينة أم تقاعستي؟"
:"بالطبع استغللتها.."
ردت بها بسخرية لكنها تجمدت ما أن اقتربت منها وقد غابت عن وجهها الابتسامة بينما تسألها بعيون متسعة مليئة بالحذر: "وهل أتيتِ على ذكري خلال كلامك؟.."
هزت رأسها سريعاً بنفي فعادت تبتسم وهي تكمل: "أحسنتِ يا سوزي"
ثم تحركت لتغادر المكان لكنها أوقفتها بقولها: "لم تساعدينني؟.."
التفتت تنظر لها فأكملت: "أعني ماذا ستستفيدين من إخباركِ لي بتلك المعلومة الخطيرة؟"
مطت شفتيها تدعي التفكير قبل أن تعود ابتسامتها الشريرة وهي ترد: "من يدري؟.. ربما أخبركِ يوماً ما لم ساعدتكِ سوزي"
ابتسمت بسخرية وقالت: "أنا أعلم لم تطلبين مني المساعدة أنتِ تريديني أن أتدخل لأصلح بينكِ وبين فريد"
اتسعت ابتسامتها المربكة وهي تتسائل: "حقاً؟!.."
ثم اقتربت منها وطبعت قبلة عميقة على وجنتها ثم طالعتها عن قرب بعيون يملؤها الشر ثم أكملت بخفوت: "حظاً موفقاً إذاً يا سوزي"
ثم التفتت وغادرت وما أن فعلت سمحت لجسدها أن يرتجف بينما تمسح وجنتها مكان قبلتها وهي تهمس: "ما مشكلة تلك الغبية؟!"
عاد جسدها يرتجف وهي تتذكر تلك النظرة الشيطانية بعينيها.. لقد تغيرت تلك الفتاة كثيراً تذكر أنها لم تكن كذلك أثناء المدرسة.. كانت ترتعب بمجرد تهديدها بوالدتها وأخيها.. هزت رأسها وقررت تجاهلها وتحركت تعود لمقعدها لتجلس وتتخيل ما حدث الآن بعد أن علم مؤمن بالحقيقة..
ضحكت بسخرية وقررت أن تصبر ففي النهاية ستعرف كل شيء..
****
كان يسير نحو المنزل بيأس.. بحث طويلاً عن عمل اليوم بعد أن استيقظ يملؤه الحماس لكن خاب أمله كما المتوقع.. لا يوجد أي عمل سوى بائع بإحدى محلات الأحذية بمقابلٍ بخس قد لا يناله إن لم يبع خلال اليوم..
تنهد بتعب وهو يلوم نفسه لأنه أنفق مدخراته على تلك الرحلة.. صحيح أنه استمتع لكن كان الأفضل لو احتفظ بها لنفسه فهو لا يعلم متى سيعثر على عمل..
أخرج هاتفه ناوياً الاتصال بريم فقد كانت تحاول الاتصال به منذ الصباح وهو تجاهل كل اتصالاتها حتى لا يتحدث معها وهو بتلك الحالة فتحزن أكثر.. فهو متأكد أنها لا تزال مستاءة مما حدث البارحة..
وصل للبيت ليتفاجأ بسيارة مؤمن تقف قرب المنزل وما أن رآه نزل من السيارة واتجه له فسأله باستغراب: "ماذا تفعل هنا؟"
:"أتيت لأراك"
ارتفع حاجباه بينما يطالعه بدهشة بدا غامضاً وغريباً لكنه لم يهتم فهذا معتاد منه.. حرك رأسه وسبقه بصعود الدرج وهو يرد: "تعال نتحدث في الأعلى"
وصل لباب شقته وفتحه وما أن دخل التفت له وافترض أنه تشاجر مع ريم فهي كانت منزعجة منه وأخبرته بما قالته لها سيرين وكيف آلمها حديثها.. وربما هو تشاجر معها بسبب سفرها بدونه.. ولابد أنه قادم ليشتكي منها ويؤنبه لأنه غادر معها دون أن يخبره..
:"هل أعد لك الشاي؟"
سأله وهو يتجه للمطبخ لكنه تجمد ما أن رد: "هل حقاً تحب ريم وتنوي الارتباط بها؟"
التفت ينظر له بصدمة تمنى ألا يشحب وجهه وألا يظهر أي توتر لكن كان هذا مستحيلاً لقد كان مفزوعاً.. لقد قرر بالفعل أنه لن يخبرها ولم يفصح لأي شخص بما يدور برأسه.. فكر قليلاً ليرتب كلماته وهو يحاول أن يبدو هادئاً.. لم يحاول حتى ابتلاع لعابه لكي لا يبدو متوتراً أكثر وهيأ نفسه لينفي حديثه وحسب ويحول الأمر لمزاح.. لكن فجأة وجده يبتسم ثم قال: "يا للسخافة.."
فرك رأسه بعدها ثم تسائل باستغراب: "لا أعلم لم سألتك؟!.."
التفت بعدها ليوليه ظهره وهو يكمل بسخرية: "من الغباء أن تفكر بها فهي أفضل منك ولا..."
لكنه تجمد بمكانه ما أن سأله دون تفكير: "لم تظنه غباءاً مني أن أحبها؟!.. هل تستكثرها علي؟!"
التفت يطالعه والصدمة كانت تملؤ ملامحه ومع تذكره لما قاله قبل لحظات أكمل دون تفكير: "أجل أنا أحبها وكنت أنوي التقدم لطلب يدها.."
*****
كانت تجلس بغرفتها بعد أن أجبرت نفسها على ارتداء الثياب والبقاء بمكانها إلى أن يحضر والدها ويطلب منها الخروج وقد حدث بعد فترة من سماعها للباب الخارجي يُفتَح وكلمات الترحيب تصدر عنهم..
لم تكن تعلم ما ستفعله أو كيف ستتصرف.. لقد فات أوان التفكير بتروي وفات أوان التفكير بأن هيثم ربما لن يهتم بالحقيقة كانت لتفكر بالأمر قبل لحظات من دخولها صباح اليوم لتعلم بأنهم قادمون لطلب يدها وكانت لتتمسك بالأمل قبل لحظات من دخولها لغرفة الجلوس ورؤيتها لجوان التي كانت تطالعها وبعينيها كل العزم على تنفيذ ما هددتها به..
تحركت لتجلس بجوار والدها الذي كان يتحدث مع والد هيثم قبل أن تلتفت لها والدته وهي تقول: "إذاً سولي منذ متى وأنتما مقرران للزواج؟"
كادت تلتفت لتكمل حديثها المازح مع حفصة لكنها ردت: "من أخبرك أننا قررنا الزواج.."
توقفت كل الأحاديث فجأة وهي لم تحاول الالتفات لهيثم بينما تكمل: "أنا لم ولن أفكر أبداً بالزواج بابنك"
سمعت شهقة تصدر عن حفصة وابنتها الكبيرة بينما ارتفع أحد حاجبي أليسار وهي تشير لها بتعالي قائلة: "أنتِ ترفضين ابني أنا؟!"
:"أمي هذا يكفي"
لم تلتفت لهيثم وأبقت نظراتها الغاضبة مسلطة عليها وهي ترد : "لا تطلب مني الصمت يجب أن أعرف تلك الغبية أنها ستتزوج من ابن إحدى أكبر العائلات بالبلد وعليها أن تحمد الله أنه فكر بها حتى"
كانت الكلمات تصيبها كالسهام.. كان يمكنها تجنب كل هذا لو تشجعت وأخبرته بالحقيقة لكن ماذا كان سيحدث؟..
هي الآن تأكدت أنها فعلت الصواب بعدم إخباره.. والدته بالتأكيد كانت ستعرف الحقيقة وبالتأكيد كانت سترفض وكانت ستتسبب بمشاكل بينهما لذا عليها الآن أن تنهي الأمر مرة وللأبد لذا نهضت وابتسمت بسخافة وهي ترد: "طلبكم مرفوض أنا أفضل بكثير من الزواج من ابنكم المدلل"
ثم تحركت لتغادر الغرفة وقد صمت أذنها عن سماع ما حدث بعدها..
***
أنت تقرأ
رسالة من فتاة مجنونة
عاطفيةالعالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا.. ولا تنتظريني فالأمل ضئيل للقائنا.. رواية رسالة من فتاة مجنونة هينزل منها كل يوم فصل بعد صلاة التر...