رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس والأربعون

59 3 2
                                    

~الرسالة السادسة والأربعون~
لا أعلم ماهية تلك الدموع؟!..
أهي حزنٌ وحسرة من قلبي المقهور؟!..
أم سعادة لأجل صاحبة أجمل عيون؟!..
لا أعلم صراحة ماهية تلك الدموع..
ما أعلمه يا ذهبية المقام أني بكِ فخور..
****
~الرسالة السابعة والأربعون~
انتظرت هذا اليوم لأخبركِ..
أن السعادة تسكن قلبي برؤيتكِ..
البهجة تملؤ صدري ببسمتكِ..
وكلما تذكرت أننا أصبحنا معًا للأبدِ..
أبتسم بفرحة رغمًا عني..
****
:"لقد تركت الغبية تعود للبيت لنتمكن من الحديث معًا"
التفتت لإسلام بعد أن تركت ما بيدها وقد قررت أنها لن تشتري أي شيءٍ آخر وستكتفي بما حصلت عليه من ثياب..تنهدت بتعب احتلها من السير بكل مكانٍ بمدينتها خلال الأسبوع الماضي بحثًا عن أغراضها التي ستقتنيها وتستخدمها بزواجها..
لقد أقسمت أنها ستنتقم من مؤمن يومًا ما لأنه ورطها للزواج به بتلك السرعة دون التفات للورطة التي تسبب لها بها..
طالعت إسلام تحاول تذكر السبب الذي جعلها تحدق بها بالمقام الأول وتذكرت أنها كانت تتحدث.
:"اللعنة!"
همست بها وهي تفرك وجهها بضيق ثم قررت أنها لن تنتظر إتمام الزواج,ستتصل به الآن وتوبخه لفعلته الشنيعة بها..
وبالفعل فتحت حقيبتها تنوي إخراج هاتفها والشجار معه دون اهتمام للصوت الذي يخبرها أنهما تشاجرا بما فيه الكفاية خلال الفترة الماضية وأن زفافهما باليوم التالي لكن يد إسلام أمسكت بها في اللحظة الأخيرة فرفعت عينيها لها بينما الأخيرة سألتها باستغراب: "ماذا تفعلين؟!"
:"سأتصل بالسيد شفيق وأتشاجر معه وأزيده كآبة لفعلته بي!"
ردت بها بعصبية بينما طالعتها إسلام باستغراب ثم بدأت بالضحك فورًا قبل أن تسحبها لتسيرا معًا وهي تقول: "لهذا السبب أنا جعلت الحمقاء تعود للمنزل وتتركني معكِ لوحدنا"
طالعتها ريم باستغراب فأكملت مفسرة: "تبدين متوترة"
خرجتا معًا من المحل وسارتا بهدوء وهي فكرت بجملة إسلام قليلًا قبل أن تتنهد وترد: "كل شيء أتى سريعًا وهذا يوترني قليلًا وحسب..كما أني أشعر بتغير غريب طرأ علي"
التفتت تنظر لإسلام وهي تكمل بانزعاج: "وذلك الأحمق فادي لازال يتجاهل اتصالاتي"
ربتت على ذراعها تقول: "فادي يمر بأزمة اتركيه على راحته قليلًا"
تنهدت بملل فهي لا تملك حلًا آخر بالذات مع تهديد مؤمن وخالتها لها لكن تقسم بأنها ستدفعه الثمن غاليًا ما أن تراه..
-:"لا يجب أن تتوتري"
نظرت لإسلام التي ابتسمت وأكملت: "لأكون صريحة معكِ أنا لم أتخيل أنكِ ستعاقبيه على تركك بتلك الطريقة وتخيلت أنك ستسامحيه فورًا"
لكزتها بذراعها وهي تهمس: "لكنكِ خيبتِ توقعاتي ودخلتِ هذا الزواج بشروطك..يجب أن تكوني فخورة بنفسك..فقد تغيرتِ لكن للأفضل"
ثم غمزت لها بعينها مردفة: "كما أنكِ ستتزوجين حبيبكِ الذي عاد لكِ معتذرًا لذا عليكِ أن تسعدي"
ابتسمت لها وتنهدت بعمق قبل أن ترد: "سأحاول الاستماع لنصيحتكِ"
ربتت إسلام على كتفها وقالت: "أحسنتِ,والآن لنعيدك للمنزل حتى تحصلي على قسطٍ من الراحة"
-:"لا!"
نظرت لساعتها لتجدها تشير للثانية والنصف قبل أن تكمل: "سألتقي بخالتي شكرية في السوق بعد نصف ساعة لننتقي لها ثوبًا ملائمًا للزفاف"
:"أقنعتها أخيرًا؟"
سألت إسلام بينما تقف أمامها فتنهدت ريم وهي تتذكر كيف بصعوبة أقنعتها أن تنزل معها لشراء ثوب جديد للزفاف فقد ادعت أنها تملك الكثير من الفساتين الملائمة..لكنها لم تخدعها بتلك الحجة كانت تعلم أنها ترفض لتوفر لها وقتًا لشراء المزيد من أغراضها وحتى تنال قسطًا من الراحة,ولكن بمساعدة دارين ومؤمن استطاعت إقناعها أخيرًا.
عادت تركز مع إسلام وهي تقول: "أجل,أنتِ عودي للبيت وأنا سأذهب للقائها"
أومأت لها والتفتت توقف سيارة أجرة قبل أن ترد: "لا تتأخري بالعودة للمنزل فعليكِ نيل قسطٍ من الراحة"
أومأت لها وودعتها وما أن ابتعدت السيارة التي استقلتها تحركت نحو السوق التجاري القريب الذي ستلتقي به خالتها وهي تتسائل إن كانت أنهت مهمتها أم لا..
***
:"إذًا كيف استقبل جدك طاهر خبر زواجك؟"
سأله جده صلاح الجالس أمام التلفاز بسخرية وشماتة فور دخوله منزله,وقبل أن يسأله كيف حالك حتى..تحرك يجلس على المقعد أمامه وهو يتذكر اليوم التالي لعرض ريم عندما كان بمكتبه يوزع مهامه على رائف وسيرين بعد أن أعلمهما بأخذه لإجازة لأجل زواجه..
&&&&
نظر لكلًا من رائف وسيرين قبل أن يسأل: "هل فهمتما مهامكما؟"
أومأ رائف بصمت بينما تنهدت سيرين بحنق وهي ترد: "هل تظننا أغبياء؟!..بالتأكيد فهمنا ما طلبته!"
لم يبدي أي انزعاج أو تعجب من حديثها..كان لا يهتم بتصرفاتها الطفولية ونظر للورقة التي كتبها لتقسيم المهام بينهما يتأكد أنه لم ينسى شيئًا قبل أن ينظر لهما قائلًا: "الأفضل لكما ألا تقصرا بأي شيء"
وقبل أن تتمكن سيرين من إطلاق العنان للسانها فُتِحَ باب المكتب ودخل جدهم.. النظرة التي علت وجهه دفعتهما للاستئذان والخروج من الغرفة..
:"هل تنوي الزواج من تلك الفتاة حقًا؟!"
سأله بعصبية فلم يبدي أي تأثر له قبل أن يرد: "ظننت رسالتي واضحة لك جدي.. سأتزوجها نهاية الأسبوع,وسآخذ بعدها إجازة أسبوعين ثم أعود للعمل"
اتسعت عيون جده قبل أن يقترب منه بعصبية وهو يقول: "لقد فقدت عقلك بالتأكيد!"
لم ينهض من مكانه فقط طالع الفراغ من خلفه مدعيًا التفكير قبل أن يرد: "زواجي من ريم سيحدث بمباركتك أو بدونها جدي..أنا أخبرتك الأمر محسوم منذ سنين"
ضاقت عيناه بينما يسأله: "هل عهدتني شخصًا يعود بكلمتي مثلًا لأغيرها؟"
-: "عهدتك شخصًا عاقلًا يعرف مصلحته!"
عندها نهض ووقف أمامه واضعًا يديه بجيبي سرواله قبل أن يقول: "بالضبط.. ولهذا السبب أنا اخترت ريم"
بقي يطالعه بغضب لثوانٍ ثم رد: "ستندم على عنادك يا مؤمن تمامًا كما ندمت والدتك!"
ثم التفت وتحرك مغادرًا دون أي كلمة إضافية..
&&&&
انفجر جده صلاح ضاحكًا قبل أن يقول: "ذلك الأحمق العصبي لازال كما هو"
ابتسم له بسخرية وهو يرد: "أنت لست أفضل منه حالًا..كلاكما لا يتغير"
:"على الأقل أنا لم أدخل بشجارٍ معك بسبب زواجك"
قالها جده بتفاخر فرد ببرود: "هذا لأن العروس على هواك"
لم يقدر على الإنكار واكتفى بحك ذقنه قبل أن يقول: "دعك من كل هذا"
أشار لشهاب الذي تحرك نحو غرفته ثم عاد ببعض الأوراق التي وضعها أمامه..
كان التوكيل الذي سيمنح جده الحق بإدارة نصيبه بعد أن يقسمه كما طلب منه..
:"سأدير أنا وشهاب نصيبك ونصيب أختيك عليا ودارين مع الجزء الذي احتفظت به لنفسي"
التفت له وقبل أن يسأله أكمل: "فاطيمة اتفقت مع خطيبها أن يحصلا على نصيبهما ويديراه بمعرفتهما"
أخرج قلمًا من جيبه وهو يهمس: "لست مستغربًا من هذا,فهما متشابهان لدرجة أني أشفق على أبنائهم المستقبليين"
بدأ بتوقيع الأوراق مكملًا: "لقد اتفق معي أنهما سيتزوجان خلال شهرين على أقصى تقدير"
:"أخبرني"
قالها جده فانتظر إلى أن انتهى من توقيع كل الأوراق ثم التفت يقدمها له وهو يرد: "لقد حذرتها من الجلوس معه دون عمتها,وحذرتها أيضًا من التهور فتأكد أن توصل لها بأني سأنتظر خطأ واحدًا منها لأضعها هذه المرة بسرداب منزلك حتى نهاية حياتها"
:"إنها مرتعبة بالفعل.. وتتعامل مع هذا الزواج على أنه خلاصها"
رد بها شهاب فتنهد ونهض قائلًا: "هو كذلك بالفعل,والأفضل لها ألا تسبب المتاعب حتى لا أسحب منها بطاقة الإنقاذ تلك"
تحرك بعدها ليغادر وقبل أن يصل للباب التفت لشهاب قائلًا: "أنا والشباب سنذهب للسهر بيخت أكمل بعد العشاء..تعال معنا إن أردت"
ارتفع حاجبيه بصدمة قبل أن يهز رأسه ويرد: "لا يمكنني ترك جدي و..."
: "بل يمكنك.."
التفتا لجدهما الذي أكمل: "إنه موعد نومي على أي حال..بل الليلة سأنام أبكر فعلي الذهاب للقاعة من لمتابعة كل شيء..أنت اذهب مع ابن خالك"
ربت مؤمن عندها على كتفه ثم رد: "سأرسل الموقع لك وأنتظرك مساءً"
ثم غادر وهو يفتح هاتفه ليتصل بدارين ويطلب منها أن تتجهز ليمر ويأخذها معه من منزل ريم..
*****
كانت تجلس بمكتبها في المحل وهي تحاول إيجاد حل للورطة التي سقطت بها دون فائدة..
&&&&
:"اسمعي نادية"
التفتت لحماها تطالعه بينما يجلس على رأس الطاولة قبل أن يكمل ببرود: "أنا قررت بأني سأمنح كل واحد نصيبه من الإرث وبما أن زكريا بالفعل مات فلا حق لكِ بأي قرش من أموالي حتى ذلك المبلغ الذي أضعه بحسابٍ بالبنك لتنفقي أنتِ والفتيات من أرباحه لم يعد لكِ أي حقٍ به"
قبضت كفيها معًا أسفل الطاولة الكبيرة التي يجلسون عليها وهي لا تصدق أنها بعد كل تلك السنوات ستخرج هكذا دون نيل أي شيء..
:"سأبقي المبلغ بل وسأنقله باسمك بشرطٍ واحدٍ فقط"
قالها ثم أشار لمؤمن الجالس أمامها بنظرته العنجهية كالعادة قبل أن يردف جده: "عليكِ التخلي عن حضانة دارين لمؤمن..إن نفذتِ طلبي دون شجار أو نقاش طويل سأترك لكِ المال"
&&&&
فركت جبهتها بينما تريح رأسها للخلف محاولة تجنب تذكر المتبقي من الحوار الكارثي الذي انتهى طبعًا بموافقتها على كل طلباتهم..لكنها لم تقدر..
لقد فقدت كل ما طمحت إليه وخططت من أجله طيلة السنوات الماضية وعليها اقتناص ما يمكنها نيله..
طرق الباب عندها فقررت أن تلقي تلك الذكرى بعيدًا وهي تقول: "ادخل"
فُتِحَ الباب ودخل سلامة بعدها فمطت شفتيها بانزعاج واستقامت بجلستها وهي تطالعه..
:"صباح الخير يا سيدتي"
قالها بابتسامته الواسعة التي لا تفارق وجهه منذ اليوم الذي علمت به أنه كان جزءًا من خطة ابنتها فاطيمة..هو بالطبع نفى أولًا ثم اعترف ثانيًا وأخبرها عن تراجعه في النهاية لأنه أحبها لكن هي كانت قد قررت أن تلغي موافقتها على الزواج به..إلا أنها لم تستطع طرده من العمل فهو يعرف كل شيءٍ عنه وبداخلها هي اقتنعت أنه بالفعل صادق وقد تراجع حقًا عن مساعدة ابنتها
ومنذ ذلك اليوم وهو يبتسم بوجهها ولا يظهر أي تأثر من رفضها له وهي مستمرة على معاملته ببرود..لكنها تتسائل الآن إن كان عليها التعامل معه بتلك الطريقة ورفضه حقًا؟!..
لقد خسرت كل ما أضاعت لأجله سنين حياتها الماضية..فهل من العدل أن تضيع المتبقي من عمرها لأجل لا شيء؟!..
****
: "إذاً أين والدتك؟"
سألتها خالتها ما أن تقدمت منها حاملة فنجان القهوة قبل وضعه على الطاولة الصغيرة أمامها وهي ترد: "إنها مشغولة بالعمل هذه الأيام"
:"هي مشغولة بالعمل على الدوام!"
قالتها خالتها بسخرية تمتليء بالحزن قبل أن تتنهد ثم تفتح حقيبتها..أخرجت منها مجموعة أوراق وقدمتها لها وهي تفسر: "هذه الأوراق منحها لي جدك لتتركي عليها إمضائك حتى يتمكن من تسيير وإدارة نصيبك من الإرث"
حتى هذه اللحظة لم تكن تصدق أنه فعلها وتخلى عن أخذ الإرث بالكامل..
لم يكن جزءًا بسيطًا وقد فهمت من شهاب أنه أخذ فقط نصيبه والأموال التي ساعدت بها والدته عائلته قبل سنوات ونصيب دارين لأنه أصبح الوصي عليها بعد أن أجبر الجد والدتها على التخلي عن حضانتها لمؤمن..
والدتها فكرت بالمكابرة والضغط بورقة دارين لتستفيد هي الأخرى بعد أن علمت أنها لن تحصل على أي شيء لكن جدها أقسم بإحراق كل ما تملك دون رحمة إن لم تنفذ أمره,وهي فهمت أنها ليست ندًا له,وحتى إن استطاعت الوقوف بوجه جدها فلا قِبَلَ لها بمؤمن.
:"موافقتك أو عدم موافقتك أمر لا يعنيني ولا يهمني فأنا سآخذها معي ولن تمنعيني..ثم من أنتِ أساسًا لأنتظر رأيك أو أطلب منكِ شيئًا يا هذه؟!"
كانت تلك الكلمات التي صدرت عنه بنبرته الباردة المتغطرسة ترن بأذنيها كلما تذكرت الجلسة التي جمع بها جدها أفراد عائلتها بمنزله قبل أسبوعين ليعلمهم بقرار مؤمن أن يأخذ نصيبه ونصيب والدته وحسب.
لقد هلل الجميع بسعادة..لكن هي كانت مصدومة وغير قادرة على الكلام أو الابتسام..لم تعلم كيف من المفترض أن تشعر..
هذا التصرف كان طيبًا منه..ورغم عنجهيته التي لم يتخلى عنها حتى بعد أن حاولت عماته التودد له وشكره لأنه لم يخيب ظنهم..إلا أنه تخلى عن كل ذلك المال بطيب خاطر,وقد كان مستعدًا لفتح صفحة جديدة مع جميع من مدوا له يدهم من عائلتهم الذين كان يجهر بكرههم في وجوههم دون خجل..لكن الأسى الذي حملته كان أكبر من أن تغفر له بسبب ذلك الموقف,فإن كان يحمل كل تلك الطيبة إذًا لم تكن هناك أزمة بزيارته لوالده قبل وفاته..
كانت مقهورة وحزينة,وقد تركت الجلسة خاصة بعد إهانته لوالدتها رغم أنها تستحق..لقد حاولت الادعاء أنها تريد تربية دارين والاهتمام بها لكن كلامها لم يقنع أي أحد حتى هي,وعندما حاولت استعطاف جدها أتى الرد البارد من مؤمن الذي لم يرحمها..
:"أخوكِ ليس بالسوء الذي تتخيلينه"
أفاقت من أفكارها على صوت خالتها التي ابتسمت لها وأكملت: "يومًا ما سترين هذا بنفسك"
ثم نهضت بعدها وتحركت لتغادر فأسرعت تتبعها وهي ترد: "إلى أين خالتي..بالكاد جلستِ"
-:"علي الذهاب..فريم تنتظرني لشراء بعض الأغراض"
تبعتها للباب وهي تقول: "على الأقل اشربي القهوة.. وأنا سأوقع الأوراق سريعًا"
:"وقعيها على راحتك وأحضريها في الغد بالقاعة وامنحيها لجدك"
ردت بها ثم التفتت لها وهي تكمل: "ريم تخبركِ أنها لن تسامحكِ إذا لم تحضري عليا"
نظرت لها بأسى وهي تتذكر كم المرات التي حاولت بها ريم الاتصال بها لكنها تجاهلتها قبل أن تومئ بصمت فربتت خالتها على رأسها ثم التفتت وغادرت لتتركها وحدها بالمنزل الذي أصبح شعورها داخله هو نفس الشعور الذي انتاب والدها عندما حكى لها عن تجربته المريرة داخل السجن..
تشعر أنها تختنق ولا يوجد سبيلٍ تسلكه للتخلص من ذلك الاختناق..
****
كانت تقف أمام خزانتها وهي ترفع فستانين أمام المرآة محاولة تقرير أي ثوبٍ سترتدي لأجل حفل الزفاف..
:"تبدين سعيدة للغاية!"
تنفست بضيق بعد سماع صوت والدتها وتجاهلتها في البداية بعد أن قررت ارتداء ثوبٍ بلونٍ قرمزي تمامًا كلون فساتين إشبينات ريم فقد أرسلت لها اللون وأخبرتها أنها ستسعد لو ارتدت مثل صديقاتها وأخت مؤمن الصغيرة..
قامت بتعليق الفستان خارجًا ثم التفتت لوالدتها كان الضيق لازال يرتسم على ملامحها منذ اللحظة التي علمت بها بزواج مؤمن..
:"وماذا تريديني أن أفعل أمي؟!..هل أجلس بإحدى الزوايا وأبكي لأرضيكي؟!"
حركت والدتها مقلتيها بحنق قبل أن تقترب منها وتقف أمامها قائلة: "لا أعلم ما الذي أصابكِ؟!..قبل فترة قصيرة كنتِ عازمة على نزع تلك الفتاة من حياتنا للأبد والآن أنتِ سعيدة بزواجها"
:"لأني لا أركض خلف أحد لا يريدني أمي"
ردت بها بعصبية ثم رفعت أنفها بعلياء وهي تكمل: "أنا سيرين قاسم لا أركض خلف أحد ولا أدخل معركة خاسرة أهين بها كرامتي وكبريائي أيًا كانت دوافعها"
التفتت بعدها تنظر لأرفف أحذيتها بينما تردف: "هو سيتزوجها شئتم أم أبيتم والفتاة لم تؤذيني بشيء ولا أظنها ستفعل أبدًا..لذا فبالنسبة لي هنيئًا للعروسين ولهما كامل أمنياتي بالسعادة الأبدية"
سمعت صوت قدمي والدتها تضرب الأرض بعصبية بينما تخرج من الغرفة قبل أن تصفع الباب خلفها بعنف..
:"في الحقيقة أنا أشعر بالشفقة على ريم لما ستواجهه على يدكِ أنتِ وجدي"
همست بها وهي تمر بيدها على الأحذية حتى استقرت على حذاء مفتوح بلونٍ ذهبي لامع وحقيبة بنفس اللون..
سمعت صوت هاتفها فتحركت نحوه والتقطته تفتح الرسالة التي وصلتها وعندها ابتسمت بسعادة وهي تهمس بشر: "أما أنتِ لا أشعر بأي شفقة عليكِ يا مدعية الذكاء!"
****
تحركتا تخرجان من أحد محلات الثياب وهي تسأل بتأفف: "لا أفهم لماذا لم نشتري ذلك الفستان وحسب يا فتاة؟!"
:"لأنه لا يعجبني!"
ردت بها ريم دون التفات فابتسمت لأنها تعلم السبب..
لون الفستان لم يعجبها من الأساس لكنها أرادت انتقاء أي شيء سريعًا لتعود ريم للبيت وتنال قسطًا من الراحة فهي تشعر بالأسى كلما طالعتها..زفافها غدًا والإنهاك يحتل ملامحها وعليها أن تنام طويلًا لتترك علاماته وجهها.
:"خالتي اجلسي هنا!"
قالتها وهي تشير لأحد المقاعد الخشبية الموجودة في السوق التجاري وهي امتثلت بينما تلفتت ريم حولها وأكملت: "ابقي هنا وأنا سأعود في الحال!"
:"إلى أين يا فتاة؟!"
سألتها لكنها أسرعت بالحركة وهي ترد: "سأخبركِ ما أن أعود"
قررت أن تستمع لها فقد تعبت بعد أن سارت معها بين المحلات..مر بعض الوقت قبل أن تجد يدًا توضع على كتفها..التفتت لتجد امرأة بنفس عمرها تقريبًا تنظر لها وتبتسم..
:"شكرية؟!"
ضاقت عيناها تحدق بالملامح المألوفة وما أن تبينتها نهضت بابتسامة واسعة بادلتها إياها صاحبة الوجه البشوش والعيون العسلية اللامعة بمظهرها الذي أعادها خمسًا وعشرين عامًا للخلف..على درج منزلها البسيط مع والديها عندما كانتا تجلسان لساعاتٍ دون أن تشعرا بمرور الوقت ولا تنهضان إلا مع خروج جارتهم الخمسينية لتصرخ بهم بعد أن أزعجوها بأصوات ضحكاتهم العالية..
عيناها اللامعتان ذكرتاها بعينين أخرتين كانت تعشقهما وتخجل أن تنظر لهما ومع ذلك كانت نظراتها تتعلق بها رغمًا عنها..
:"كيف الحال هدى؟"
سألتها وقد تشبث كفها بيدها بتلقائية فأسرعت هدى تحتضها وهي ترد: "لا أصدق أني التقيتك!"
ربتت على ظهرها ثم ابتعدتا تتأملان بعضهما قبل أن تقول شكرية بسخرية: "لا تزالين مليئة بالحماس بعد كل هذا العمر!"
ضحكت هدى بطريقتها العفوية المعتادة ثم قالت: "وأنتِ لا تزالين هادئة كعادتكِ"
ظهر الألم على محياها واغرورقت عيناها بالدموع بينما تكمل بخفوت: "جلال بحث عنكِ طويلًا بأيامه الأخيرة..تمنى أن يلقاكِ ولو مرة واحدة لكنه لم يفلح"
اتسعت عيناها بصدمة قبل أن تتمالك نفسها وتتنهد هامسة: "إنا لله وإنا إليه راجعون"
ربتت هدى على كتفها فعادت تطالعها لتجدها تبتسم وهي تسأل: "هل كانت الأيام قاسية عليك كما كانت معي؟"
ضحكت شكرية بخفوت وتنهدت ترد بقناعة: "كانت دنيا..ولم أنتظر منها أن تكون دار عدل فهي ليست كذلك"
مطت شفتيها وقالت بطريقتها الساخرة: "إذاً فقد كانت قاسية!"
:"كانت مرعبة"
همست بها بتنهيدة ثقيلة وعيونها تمتلئ بالدموع رغماً عنها..ثم أطرقت بينما تتذكر صورة جلال.. ورغماً عنها تملك قلبها الحزن..خصوصًا مع تجمع صورته مع صور جميع من فقدتهم.
:"خالتي"
رفعت رأسها بتلقائية..تنظر بانتباه لصاحبة النداء بشعرها المعقوص ووجهها المرهق الذي لم تفارقه ابتسامتها العفوية والتي قالت بحماس: "سأدخل هذا المحل اتبعيني"
ثم ركضت بعشوائيتها المعتادة نحو المحل وبتلك اللحظات البسيطة توقفت هي وتناست محيطها..
توقف الزمن معها وسار ببطء..لكن بطء مليء باللذة والسعادة مع إحياء ذكريات هونت عليها الكثير.. أمام عينيها رأت ريم الصغيرة تولد على يديها وتكبر وتتحرك للمرة الأولى أمامها,ثم تدخل المدرسة للمرة الأولى وهي تمسك بيدها..
تذكرت وهي تضمها لصدرها عندما تحطم قلبها وفقدت والدتها وأرعبها عمها..ولاح ببالها عندما احتضنتها وقت لم تحصل الدرجات الكافية لتكون طبيبة كما تمنت..
صورتها وهي تنظر لها بحرج عندما احتاجت المال لأول مرة بعد انتقالهم للعيش معًا لازالت مرسومة ببالها..
قدومها لغرفتها بوقت متأخر لتنام بجوارها ثم احتضانها لليالٍ طويلة لتعود الطمأنينة لقلبها وتستعيد الأمان الذي غاب برحيل والدتها وتركها لمنزلها الذي تحبه..
وبلحظة غاب الإحباط والحزن الذي أصابها عندما رأت هدى صديقة طفولتها ومراهقتها لتستعيد ذكريات ظنت أنها نسيتها منذ زمنٍ بعيد..ذكريات مؤلمة ومليئة بالخيبة..
وأتت تلك اللحظات الثمينة لتخفف عليها..
شعورها بالخوف..بالألم..بالسعادة!
كل تلك اللحظات التي مرت بها كانت ريم بجوارها دائمًا..هي من منحتها سببًا لتعيش بعد فقدانها كل شيء..
ريم أمانة أختها الكبرى سامية..هي كنزها الذي حافظت عليه وحافظ عليها..ريم هي حياتها!..
عندها ابتسمت والتفتت لصديقتها..وقد شعرت أن ساعات مرت لا ثوان معدودة قبل أن تكمل: "كانت قاسية لكنها كانت ممتعة"
ابتسمت لها هدى فعادت تردف: "أجل..لقد نلت الكثير من السعادة"
:"خالتي"
عادت تنظر لريم التي عادت من أجلها ثم أشارت لها أن تقترب وما أن فعلت أحاطت بكتفها وهي تقول: "عزيزتي..هذه السيدة هدى..كانت جارتنا لسنواتٍ طويلة أنا ووالدتك وخالتكِ نادية قبل أن تتزوج ثلاثتنا"
:"تشرفنا سيدتي"
قالت ريم بأدب فالتفتت هي للواقفة أمامهما بحيرة وأكملت: "هدى..هذه ريم ابنة سامية رحمها الله"
ظهر الألم على محياها للحظة ما أن سمعت بخبر وفاة أختها الكبرى قبل أن تبتسم لريم وتسلم عليها بينما ترد بحفاوة: "ما شاء الله لقد كبرت بالفعل يا عزيزتي"
-:"أجل.. وزفافها في الغد"
اتسعت عينا هدى وردت بسعادة: "حقًا؟!"
فأسرعت ريم بفتح حقيبتها وأخرجت دعوة للزفاف وقدمتها لها وهي تقول: "مكان الزفاف مكتوبٌ بالدعوة..سيشرفنا أن تحضري"
:"سآتي بالتأكيد!"
ردت بها هدى.. وقبل أن تفتح فمها لتكمل أتى النداء من خلفهم..
:"ريم"
التفتت وتحركت نحو مؤمن بينما اقتربت هي من هدى التي تأملته عن كثب فقالت: "إنه مؤمن ابن آمال طاهر زوجة زكريا الأولى..تذكرينها بالتأكيد؟"
أومأت هدى بتفهم وردت: "لهذا أشبه عليه..إنه نسخة من والده عندما كان بعمره"
نظرت لها بعدها وابتسمت وهي تكمل: "ما شاء الله لقد كبرا وتحققت نبوءة والدتهما بأن يتزوجا يومًا ما"
مطت شفتيها وهي تنظر لهما وتردف بهمس: "العمر يمر سريعًا"
:"أجل"
قالتها ثم أشارت للدعوة بينما تكمل بتحذير: "الدعوة وصلتكِ إياكِ ألا تأتي"
لكزتها هدى بذراعها وهي ترد بابتسامة شقية: "سآتي وسأحضر ابنتي الصغيرة معي..من يدري ربما أجد لها عريسًا بين أصدقائه!"
شهقت شكرية قبل أن تضربها على كتفها وهي تقول: "انظري لعمركِ يا امرأة..تعديتِ الخمسين ولا تزالين كما أنتِ!"
رفعت هدى رأسها بغرور بينما ترد: "وإن تعديت المائة والخمسين.. سأبقى كما أنا يا شوشو"
ضحكت بخفة بذات اللحظة التي رن بها هاتفها فأخرجته وما أن رأت الاسم أسرعت تقول: "سأذهب الآن فابني ينتظرني في الخارج"
:"سأنتظركِ في الغد"
قالتها وهي تسلم عليها ثم ودعتها ووقفت قليلًا تطالع أثرها بابتسامة..
التفتت بعدها وتحركت تتجه إلى الواقفين يتشاحنان كالعادة وما أن وصلت لهما تنهدت وقالت: "على ماذا تتشاجران هذه المرة؟!"
-:"لقد ترك دارين بالسيارة لوحدها خالتي!"
كتمت ضحكتها بصعوبة وهي تنظر لانزعاجها المرتسم على وجهها قبل أن ترد: "في هذه الحالة يجب أن تخافي على السيارة"
:"هذا ما قلته بالضبط!"
قالها مؤمن وهو يطالعها بتحدي وقبل أن يبدئا شجارًا جديدًا أسرعت تقول: "توقفا الآن وأخرجاني من هنا..أنتما تعرفان أني لا أحب التسوق..سأرتدي أي فستان بخزانتي وانتهينا"
قالتها وهي تتحرك لتغادر لكن مؤمن اعتقل ذراعها وهو يرد: "ما هذا الذي تقولينه؟..يجب أن تقتني فستانًا جديدًا ويجب أن يكون أنيقًا..كم مرة سأتزوج أنا وهذه الغبية؟!"
:"هاااي أنت!"
صرخت ريم بوجهه فرفع إصبعه يحذرها وهو يرد: "انتبهي لكلامك..فأنا أصبحت زوجكِ الآن ويمكنني إسكاتك بعدة طرق"
تنفست بضيق ثم تجاهلته ونظرت لها تقول: "خالتي لقد انتقيت فستانًا لكِ بالفعل..تعالي وشاهديه"
وقبل أن تعترض سحبها مؤمن من يدها برفق نحو المحل الذي أشارت له ريم دون أن يمنحها أي فرصة لمجادلته..
****
كانت تطالع الصور التي أُرسِلَت لجميع الموظفين بالشركة والتي فقدت على إثرها وظيفتها..لا تذكر كم مرة طالعت بها تلك الصور وألقت الهاتف بعنف على الفراش كما فعلت الآن..
فركت وجهها بعصبية وهي تحاول تصفية ذهنها لتفكر بهدوء..
لقد سُرِقَ هاتفها والشخص الذي قام بسرقته هو بالتأكيد من أرسل كل تلك الصور..
هذا يعني أن الهاتف تمت سرقته فقط للعثور على ما يدينها وليس سارقًا كالعادة..
:"يا لي من غبية..ليتني قمت بالإبلاغ في يومها!"
همست بها وهي تتحرك في الغرفة ذهابًا وإيابًا..بيومها فضلت ألا تفتعل مشاكل ولم تشغل بالها بالهاتف فمن السهل أن تحصل على غيره..والآن هي خارج الشركة والكاميرات التي يمكن أن تكون التقطت السارقين تابعة للشركة لكن هيثم لن يسمح لها بالاطلاع عليها..
أيُعقَل أن إسلام من فعلتها؟!..
لقد رفضت الاستماع للصوت الخافت الذي ينفي عن عديمة الأصل تلك التهمة فلا أحد غيرها مستفيد من سرقة الهاتف وللأسف هي الآن لا يمكنها إثبات التهمة عليها..
لقد امتنعت عن الاتصال بوالدة هيثم حتى تظهر أمامها نادمة بعد أن اضطرت للاعتراف بحقيقة المحادثات لكنها فهمت من حديث والدتها معها أن شجارًا نشب بين هيثم والسيد ياسين بسببها وعلى إثر ذلك الشجار هيثم ترك الشركة وقرر ألا يعود أبدًا إن بقيت هي..
خلال الأسبوعين الماضيين كانت بقمة غضبها وتوترها..لا أحد يتكلم معها داخل المنزل وقد كان هذا يريحها حقًا لكن المشكلة كانت أنها محبوسة ولا يمكنها الخروج..
عليها أن تخرج قليلًا لتتمكن من التفكير بهدوء لرد الصاع صاعين للغبية التي تسببت لها بكل هذه الخسارة..
تقسم بأنها ستفسد حياة إسلام كما فعلت هي وأفسدت حياتها..
****
&&&&
:"أبي"
لم ينظر له كالعادة ما أن يناديه لكنه لم يلتفت وأكمل يعرض طلبه: "لم لا تعيدني لإدارة شركة المقاولات بم أن هيثم تركها؟!..أنا أجدر وأفضل منه لإدارتها"
التفت له والده عندها بحاجبين مرفوعين قبل أن يبتسم بسخرية وهو يرد: "أنت لا تمزح معي؟!..حقًا؟!"
التفت بعدها يعاود النظر للجريدة بينما يكمل: "المنصب لهيثم يا تامر ليس فقط لأنك لم تقدم أي دليل على التطور أو التغيير ولازلت ترتكب نفس الحماقات..بل لأن هيثم الأحق به لقد عمل جاهدًا ليصل له ولم يقصر يومًا"
ثم رفع إصبعه والتفت له وهو يردف: "حتى شركة الاستيراد لن تديرها يا تامر..فخلال بضعة أشهر أكمل أثبت جدارته واستحقاقه بإدارتها وأتم صفقاتٍ كنت فقدت الأمل باستعادتها بسبب إهمالك ورعونتك"
التفت لوالدته التي بدا عليها الحزن لأجله لكن لم يبدو عليها أي بادرة للدفاع عنه..
:"حتى لو تدخلت أليسار"
عاد ينظر لوالده الذي أكمل: "لن أعيدك لمنصبك القديم ولن أرقيك من منصبك الحالي"
ثم نظر لوالدته مردفًا: "وأنتِ حلي مشاكلكِ مع ابنك أليسار فأنا لا أنوي خسارته بسبب ألاعيب النساء تلك"
شهقت والدته وردت بعصبية: "هل يرضيك أن تنتصر تلك ال..."
:"أليسار"
هتف بها والده ليقطع كلامها بضربة قوية على الطاولة فصمتت بينما عاد هو لهدوئه يكمل: "ابنك ليس طفلًا وقد تزوج وأظهر للجميع تحمله الكامل لاختياره وعواقبه أيًا كانت لذا تعقلي وتراجعي عن تصرفاتك تلك"
&&&&
ابتسم بسخرية وهو يخبر نفسه بالسبب وراء شجار والده مع والدته بهذا الموضوع تحديدًا أمامه..
الأمر ببساطة أنه أراد التأكيد على رفضه لأي محاولة منه لنيل أي منصب بشركة المقاولات التي أعلن أمامه صراحة أنها ملك لهيثم وبعدها أمر والدته أن تتصالح معه دون جدال بل وطلب منها أن تقطع أي صلة بالفتاة التي تسببت بالخلاف بينهم وأخبرها أنه لن يعيدها بعد اقتناعه بوجهة نظر هيثم..
:"تامر"
سمع النداء الخافت فلم يكلف نفسه عناء الالتفات حتى وبقي غارقًا بأفكاره لكن مع تكرار ندائها التقط المحبرة الموضوعة على المكتب وألقاها باتجاهها بعنف وهو يصرخ: "اغربي عن وجهي أيتها الغبية"
تفادت المحبرة ونظرت له ببرود..لم يبدو عليها أي تأثر قبل أن تلتفت وتغادر بصمت وهو لم يشغل باله بها..عاد يرتاح بمقعده وهو يحاول السيطرة على غضبه وما أن نجح عاد لرسم الخطة التي عزم على تنفيذها بمجرد خروجه من منزل والديه..
فإن كان والده يرفض أن يمنحه ما يريد هو سيحصل عليه بنفسه..
****
عاد للمنزل بعد السهرة اللطيفة على يخت أكمل التي أقامها احتفالًا بزواج مؤمن ليجد المنزل غارقًا بالظلمة فتصور أنها خلدت للنوم وما كان ليلومها فقد كانت الأيام الماضية متعبة عليها..
تحرك ببطء للطابق الثاني وما أن دخل الغرفة وجدها مستلقية على بطنها في الفراش ترتدي ثوب نومٍ قصير باللون الزهري وأطرافه المحيطة بصدرها مغطاة بقماش الدانتيل الأسود الشفاف..
كانت تتحدث عبر الهاتف مع نور وما أن رأته ابتسمت وأنهت المكالمة قبل أن تستند برأسها على كفها وهي تهمس: "مرحبًا"
تحرك ليجلس بجوارها وهو يرد: "أهلا بحلوى الكراميل"
رفع قدميه ليخلع الحذاء بينما تسأله: "كيف كان حفل توديع العزوبية لمؤمن؟"
اقترب وسحبها لحضنه ثم انحنى يقبلها بجوار شفتيها وهو يهمس: "كل شيء ممل بعيدًا عنك"
ابتسمت بسعادة وتوهجت وجنتيها لتغريه بتقبيلهما وهو ما فعله بينما يسألها: "كيف كانت حفلة الفتيات؟!"
:"لقد ألغيناها"
ردت وهي تستقيم لتجلس أمامه مباشرة وتفسر: "أنا وساندي ارتئينا أن الأفضل ترك ريم تعود للمنزل وتنام لذا ألغينا الحفلة صباحًا"
أومأ لها بتفهم ثم ابتسم بخبث وهو يعاود الاقتراب منها بينما يسأل: "ظننتكِ نمتِ من التعب!"
مال عنقها وهي ترد بدلال: "كيف أنام وأنت لم تعد؟!"
اقترب يطبع قبلة عميقة على عنقها ثم همس: "فتاة جيدة"
ضحكت بشدة فدفعها لتستلقي لكنها وضعت كفيها على صدره لتمنعه برفق قائلة: "انتظر هيثم"
لم يتركها لكنه توقف عن دفعها فلفت هي خصلة على إصبعها وهي تكمل: "أنا أريد منك شيئًا"
ضاقت عيناه بينما يبتسم لها ثم سحبها وهو يرد: "كنت أعلم أنكِ تريدين استغلالي"
ضحكت بخفة فطبع قبلات رقيقة على شفتيها بينما يكمل: "لكن يمكنك طلب ما تشتهين يا حلوى الكراميل"
:"أريدك أن تكف عن مقاطعة والديك وأن تعود للعمل"
تراجع عنها وهو متأكد أن الانزعاج ظهر بوضوح على ملامحه بالذات مع رؤيته النظرة المصرة على وجهها فتنهد بضيق وكاد ينهض ويبتغد لكنها تحركت تحتضنه وتجلسعلى ساقيه وهي تكمل برفق: "على الأقل استمع لي"
فرك ذقنه بغيظ ورد: "لقد فضلا تلك الغبية عليّ إسلام وأنا تعبت من محاولة إرضائهم على حسابي"
استمعت له للنهاية قبل أن تبتسم وتضع كفيها على كتفيه وهي ترد: "إنهما يحبانك..ولأول مرة بحياتك منذ سنواتٍ طويلة أنت لا تستمع لهما لذا يمكنك اعتبار عنادهما هو تأثير الصدمة عليهما"
فتح فمه ليعترضها ويخبرها أن سئم من معاملتهم له كأنه أحد مقتنيات قصرهم التي يحركونها كما يرغبون لكنها داعبت أطراف شعره بأناملها واستمرت بالابتسام لترغمه على تخطي غضبه بينما تكمل: "هيثم إنهما والديك وقد كبرا كثيرًا لتتركهما وحدهما..كما أن شقيقك سيحاول استغلالهما وربما يسبب لهما المتاعب بغيابك"
كان هذا ما يؤرقه فعلًا..لقد امتنع عن الاتصال أو الحديث معهما منذ أسبوعين وهما فعل المثل وقد كان يعرف تامر جيدًا سيحاول استغلالهما غيابه بأسوأ طريقة فهو كان الوحيد الذي يوقفه عند حده ووالده ابتعد عن العمل منذ سنوات ومن الصعب أن يدير كل شيء بغيابه..
طالعها عندها وتنهد باستسلام وهو يسأل: "ماذا تقترحين؟..أنا بالتأكيد لن أتصل أو أعود بنفسي فهما من أخطئا بحقي وأصرا على عودة تلك الفتاة"
:"لقد ألغيا الفكرة.."
قالتها سريعًا ثم ابتسمت له وهي تكمل: "نور أخبرتني أن عمي ياسين اتصل بها وطلب منها أن تتواصل معك وتخبرك أن تعود للعمل لأن جوان لن تعود أبدًا"
ضحك بسخرية وهو يهمس: "ذلك الرجل قد يتنازل عن ثروته وحياته كلها ولا يتنازل عن غروره وعنجهيته"
ربتت إسلام على ياقة قميصه وهي تقول: "لقد أخبرتها أني سأحاول..فقط سأحاول قدر المستطاع أن أقنعك بالعودة مع بداية الأسبوع القادم"
تنهد بضيق ومسح شعره بعصبية قبل أن يرد باستسلام: "حسنًا..."
ابتهجت أساريره واندفعت تصفق بحماس فأكمل: "لكني سأعود في بداية الشهر القادم بعد أن نأخذ الإجازة التي لم نستطع الحصول عليها بسبب زفاف السيد شفيق والآنسة سبونج بوب"
أومأت له ثم اقتربت تطبع قبلاتٍ سريعة على وجنته فهتف: "هااي لما لا أحصل على تلك القبلات إلا عندما يكون لديكِ طلبٌ مني؟!"
تراجعت وهي تشهق بعنف ثم ضاقت عيناها تطالعه بلوم فتراجع فورًا وأعادها لحضنه وهو يقول: "أسحب كلمتي..أنتِ تمنحيني الأروع دون سؤال"
:"أجل هكذا قل الحقيقة"
ردت بها وهي تلكزه بذراعه ثم احتضنته وهي تكمل: "إذًا أين سنذهب لنقضي الإجازة؟"
حرك كفه على ساقها العارية ببطء ثم رفع إبهامه يداعب به شفتيها وهو يهمس: "إنها مفاجأة!"
ثم اقترب وتلك المرة تركته يدفعها لتستلقي وتستسلم للمساته وقبلاته التي تغيبها عن العالم وتنسيها كل شيء..
****
:"إذًا هل ينقصكِ أي شيء؟!"
كانت تجفف شعرها بينما تسمعه عبر الهاتف..لقد كانت منهكة وبالكاد يمكنها التحرك لذا جلست بالفراش تتنهد بتعب وهي ترد عليه عبر سماعة الهاتف: "حتى لو كان هناك ما ينقصني فأنا لا أهتم"
سمعت ضحكته الخافتة عبر الهاتف فتنهدت بحنق وهي تقول: "لن أسامحك مؤمن على توريطك لي بتلك الطريقة أقسم أن أنتقم منك يومًا ما"
:"ستسامحيني في اليوم التالي للزفاف يا سبونج بوب"
تثائبت وهي تستلقي بينما ترد على جملته العنجهية: "عظامي المحطمة ستخالفني الرأي يا سيد شفيق"
:"أنتِ المخطئة بهذا فقد طلبت منكِ الاهتمام بشراء ثيابكِ وأغراضك الشخصية وترك الباقي عليّ لكنكِ أصررتِ على شراء الأجهزة الكهربية وأدوات المطبخ"
كانت تتمنى الرد بغضب لكن التعب أرغمها على الرد بهدوء: "إنه مطبخي أنا..وأنا من عليها انتقاء وشراء جميع احتياجاته بل إني كنت مستعدة ألا أشتري أغراضي الشخصية مقابل شراء أدوات المطبخ"
:"بهذه الحالة لا تحمليني الذنب"
:"بل سأفعل ولا يمكنك منعي"
همست بها وهي تشعر بعيناها تثقلان فوضعت رأسها على الوسادة وطالعت الخارج من النافذة تتذكر قبل فترة وبصباح أحد الأيام استيقظت بعد أن حلمت به يخرج من منزل على البحر كما وعدها وعندما استيقظت دأبت على إخبار نفسها بأن هذا مستحيل وأنه مجرد حلم..
الآن تتسائل إن كان ما تعيشه حلم جديد وستستيقظ في الصباح لتجد نفسها وحيدة وهو لم يعد أو يبني بيت أحلامها كما وعدها..
*****
:"مؤمن هل زفافنا في الغد حقًا؟!"
ضحك بخفة ما أن سمع سؤالها وترك حاسبه جانبًا وتلفت للمنزل المظلم من حوله قبل أن يرد بسخرية: "كنت أتمنى الرد بأن هذا ما سيحدث لو لم يكن لديكِ رأيٌ آخر لكني لن أسمح لك بتغيير رأيك على كل حال"
:"توقعت ردًا كهذا!"
عاد يضحك مع سماعه همسها الخافت ثم مرت ثوانٍ لم يتحدث أيًا منهما فقط صوت أنفاسها المنتظمة هي ما وصلته ففهم أنها نامت وعندها همس: "أنا آسف لأني ورطتك لكني لم أملك حلًا آخر"
لاح بباله حديثه مع هيثم الذي أعلمه أنه اتصل بفادي وأكد عليه أن يحضر الزفاف وعندما ظهر عليه الحنق من فعلته طلب منه أن يتعامل بهدوء وقد وضع برأسه ثلاث حقائق..
الأولى أن ريم ستحزن لو لم يحضر صديقها المقرب الوغد,والثانية أن بعد حزنها ستبدأ بالتساؤل وطلب تفسير لما يحدث وهذا لن يفيده حاليًا..
أما الثالثة والتي تعد نتيجة للسببين السابقين هي أن عدم حضور فادي ضرره أكبر من نفعه..
ورغم علمه أن هيثم سببه الرئيسي بإجبار فادي على الحضور يرجع لعلاقة الصداقة والأخوة التي تجمعهم جميعًا بالإضافة لأمله بأن يتصالحا هو وفادي بطريقة ما في يومٍ من الأيام..
إلا أنه لم يكترث بسببه الأساسي بل وتجاهله كليًا..هو فقط اعترف آسفًا بصدق الحقائق التي سردها وقرر أن يتحكم بأعصابه قدر الإمكان لو حضر الوغد بالفعل وهو يخبر نفسه أنه بجميع الأحوال لن يسمح له أن ينفرد بها..
:"يا ولد ألا زلت على الهاتف؟!"
أتاه صوت خالته ليذكره أنه لم يغلق الخط..بعيدًا عن غرقه بأفكاره فقد راق له سماع أنفاسها الهادئة وأسكن صدره..
:"نعم خالتي"
رد بها فقالت: "ريم نامت..أنت أيضًا إذهب للنوم فلديك يومٌ حافلٌ غدًا"
:"حاضر..تصبحين على خير"
قالها فردت بتحية المساء قبل أن يغلق الخط ويقرر الاكتفاء بهذا القدر من العمل..أغلق الحاسوب بالفعل ونهض من مكانه يتجه إلى غرفته لينال قسطًا من الراحة..
****
في اليوم التالي
طالع باب القاعة المؤدي للزفاف وهو لا يصدق أنه حضر بالفعل..
لقد استسلم في النهاية وأتى وقد قرر أنه فقط سيبارك لهما ويتحجج بأي شيء ثم سيغادر فورًا..
كان الحفل قد بدأ بالفعل وقد أخبره هيثم عندما اتصل به ليسأله عن مكانه أن ريم ومؤمن أتيا بالفعل..وهو استنفذ كل الأساليب الممكنة ليتلكئ بالحضور وفي النهاية ها هو قد وصل لكنه الآن يقف أمام القاعة ولا يمكنه التقدم خطوة واحدة..قلبه ينبض بعنف وعيناه تحترقان..
الألم الذي يملؤ صدره كان ثقيلًا لدرجة أن ساقيه لم تعد قادرتان على حمله..
فكر بالتراجع لكنه توقف ما أن رآها تقف بالحديقة الجانبية للقاعة..كانت توليه ظهرها وتنظر للبحر كعادتها وقد منحه هذا فرصة لتأملها وهذه المرة فقط سمح لنفسه أن يفعلها فهو متأكد أنه لن يراها مجددًا..
لقد كانت كما تخيلها تمامًا..متألقة دون تكلف..
فستانها لم يكن براقًا بل كان بسيطًا ليظهر جمالها الحقيقي..
جمالها النابع من داخلها قبل أن يكون جمال ملامحها..
وقد زينت شعرها بزينة براقة صغيرة جدًا لتلمع بسمرته تمامًا كالنجوم التي تطالعها الآن..
كان على وشك أن يتراجع وألا يتهور بالحديث معها لوحدهم قبل أن يشاهد آخر فتاة يرغب بوجودها قربها الآن تقترب منها..
****
تركت الزفاف ووقفت خارج القاعة تطالع القمر والبحر..مؤمن أراد أن يمنحها ليلة مميزة..لهذا اختار تلك القاعة المطلة على البحر..
ابتسمت وهي تتذكر نظرته البلهاء التي ارتسمت على وجهه ما أن رآها بفستان الزفاف..لقد تخيلت أنه سيتشاجر معها لأن الفستان ضيق ويظهر كتفيها وهو شيء تقصدته عندما اختارته..صحيح أنها أُعجِبَت به بالذات مع قياسه والنظر لنفسها بينما يلتف الفستان على قدها بقماشه الناعم المحاط بطبقة من الدانتيل المخرم وذيله الطويل إلا أنها تخيلت حنقه منه وقد ساهم هذا بإقناعها بشرائه دون تراجع..
لكن نظرته اليوم ألجمتها وجعلتها تحمر خجلًا لكن سرعان ما تجاهلتها وانسجمت بأجواء الحفل الذي كان لطيفًا بالفعل وقد ساهم حماس ساندي وإسلام بجعلها تتناسى برود جده صلاح وزوجة خاله قاسم معها..باستثناء هؤلاء وغياب خالتها نادية التي أرسلت اعتذارًا واهيًا مع عليا لا أحد أزعجها..
:"أنتِ تحبين الوقوف وحيدة"
:"عدا تلك!"
همست بها بنفسها ما أن سمعت صوت سوزان ثم تنفست بعمق..التفتت تنظر لها تطالع مظهرها المتكلف بثوبها الأحمر الناري وتبرجها المليء بنفس اللون..
عليها أن تضيف على صفات سوزان أنها جريئة لدرجة الوقاحة فهي لم تدعوها وواثقة أن مؤمن لم يفعل ومع ذلك هي أتت برغم المشهد الأخير بينهم الذي لم يكن مشهدًا سترغب فتاة بغرور وتكبر سوزان أن تتذكره..
لكنها وكما ذكرت من قبل وقحة ولا ترى بنفسها أي خطأ لذا بالتأكيد هي لم تمانع القدوم..

رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن