أنت أذكى من أن تخال حزنك سيوقف العالم من حولك..
لذا خفف الفكر عن عقلك والبؤس عن قلبك..
وانسى ظلم الناس بالنظر للجانب المشرق..
****
:"احمل أختك فقد تعبت"
قالتها سريعاً ثم ناولته الطفلة التي لم تتوقف عن البكاء لسببٍ لا يعلمه إلا الله.. وقبل أن تتم جملتها كان هو قد ألقى الكتاب من يده وبدأ صراعه معها ليتمكن من حملها بطريقة صحيحة.. ثم بدأ بالتربيت على ظهرها والحركة بكل الجهات بمحاولة لجعلها تتوقف عن البكاء.. وبعد فترة كان يتنهد بينما ينظر للساعة المعلقة على الحائط التي تشير للعاشرة.. أضاعت المحتالة وقته في تهدئتها بدلا من المذاكرة.
نظر لها بطرف عينه ليجدها على وشك النوم.. ولم يكن سيخاطر بإيقاظها بتلك المرحلة.. لذا تحرك ينظر للكتاب ولم يعلم أعليه الاستسلام للإنهاك والتعب اللذان أصاباه بعد يومٍ طويل.. أم أن يغامر بوضع الصغيرة بمهدها على أمل ألا تستيقظ لينال قسطاً من الراحة.. لكن في النهاية استسلم...
لكن للدراسة بينما يحملها طبعاً.. فما كان ليتوقف الآن فقد تبقى القليل وحسب.. لذا لن يجعل بعض الإنهاك يعرقله.. ومن هنا حمل الكتاب وبدأ يتحرك ويهدهد الصغيرة بذات الوقت حتى لا تستيقظ بينما يستذكر دروسه.. وخلال كل هذا كانت تصل لمسامعه أصوات ضحكات زوجة والده مع أختيه في غرفتها.. كان يعلم أنها لا تتقصد هذا.. وحتى إن كانت تتقصده هو لا يهتم فعلاً بتفسير تصرفاتها.. هو يعلم أنها تكرهه بذات الوقت لا تتعمد استفزازه.. تتعمد إظهار كرهها وحسب.. لكن بعد سنوات من العيش وسط تلك العائلة تأكد أنه حتى وإن لم يعنيه الأمر.. فكل تصرف وكل كلمة جارحة ستُحفَر بذاكرته للأبد.
بعد أكثر من ساعة تأكد من أن الصغيرة نامت أخيراً كما نامت زوجة والده وأختيه.. لذا لن يزعجوها بأصواتهم أثناء نومها.. لكنه تراجع باللحظة الأخيرة وقرر وضعها بغرفته عوضاً عن هذا.. وبالفعل وضعها على فراشه الصغير وجلس على مكتبه بالركن البعيد تماماً وأضاء المصباح الصغير.
بقي على هذا الحال يستذكر دروسه إلى أن سمع صوت باب المنزل يُفتَح.. فنهض بسرعة وأغلق باب غرفته بحرص.. ووقف خلفه يستمع لصوت الخطوات الغير منتظمة المزعجة تعبر الممر.. وما أن تأكد من وصوله لغرفة نومه تنهد براحة وعاد لمذاكرته.
في الصباح الباكر كان هو قد استيقظ وتناول الإفطار ويقف حاملاً كوب الشاي قرب النافذة بينما يمسك كتابه.
-:"مؤمن تعال وتناول الإفطار؟"
سألت أخته فاطيمة فرد بملل مشابه لمللها بسؤاله: "تناولته.."
شعر أنها تتميز غضباً رغم كونها أجبرت على سؤاله من والدتها.. التي بالتأكيد مجبرة بدورها حتى لا تسمع توبيخا من والده.. سمع خطواتها تقترب منه وتقف بجواره.. لكن قبل أن تصل يدها لنظارته الطبية أمسكها والتفت لها بحدة يسألها: "ماذا تظنين نفسك فاعلة يا هذه هل فقدت عقلك؟!"
حاولت انتزاع يدها من قبضته.. وعندما يأست بدأت بالصراخ كعادتها: "أمي اجعليه يترك يدي!"
نفض يدها بعنف فخرجت تكمل صراخها وشكواها لوالدتها في الصالة لكنه لم يكترث.. أنهى شرب كوب الشاي ثم توجه للمطبخ وغسله بعناية.. ثم عاد لغرفته ووضعه على الرف الصغير بقرب كتبه.. ثم حمل حقيبته وقرر المغادرة.. وما أن وصل للصالة سمع زوجة والده تقول بحدة: "مؤمن لم ضربتها؟!"
التفت ينظر نحوها وللخبيثة التي تقف خلفها وهي على وشك إخراج لسانها له.. لكن قبل أن يرد أتى الصوت المزعج هاتفا: "ويكسر رقبتها أيضاً.. اهتمي بتربية تلك المزعجة أولاً قبل أن تعاتبيه"
التفت ينظر لوالده الذي كان قد خرج من غرفته توا وآثار النعاس بادية بوضوح على وجهه.. بينما اقتربت فاطيمة تحتمي بوالدتها التي ردت: "وما الذي أخطأت به ابنتي.. لقد ضربها لأنها تمزح معه وتحاول نزع نظاراته ما الخطأ بهذا؟"
كان هذا تعدياً صارخاً على مساحته الشخصية الشبه منعدمة بذاك المنزل وحسب.. هذا كان رداً بمخيلته سيفحم امرأةً جاهلة مثلها لا تفقه شيئاً عن حقوقها الشخصية.. فبالتالي لا تعي مساحة الآخرين الشخصية.. لكنه فضل الصمت و التراجع بخطوات محسوبة بينما يراقب المشهد المتكرر مع كل شجار.. وها هي الخبيثة الصغيرة تجعل وجهها يبدو حزيناً مع لمحة من دموع تغزو عينيها.. محاولة أن تبدو مراعية وبريئة بجملة سخيفة مثلها وهي ترد: "كنت سأخبره أن يخفف من نظره بالكتب حتى لا يؤذي عينيه وحسب"
-:"وما شأنك أنتِ؟"
وكان هذا هو الرد المتوقع من والدهم الذي اقترب منها ناوياً صفعها.. لكنها تراجعت تختبئ خلف والدتها التي صرخت بعنف: "ما مشكلتك يا زكريا.. هل تريد الشجار وحسب؟!"
ثم بدأ الشجار الحقيقي والبكاء.. فالتفت ناحية دارين الجالسة على مقعد الأطفال تنظر للمشهد الغير مفهوم لكنها كانت على وشك البكاء.. لذا اقترب سريعاً ووضع لعبة أمامها مع طبق طعام الأطفال.. ثم ربت على رأسها وغادر فوراً تاركاً المكان بمن فيه.
ما أن خرج مسد جبهته بألم.. لقد أصابه الصداع بسبب قلة النوم وبسبب قراءته في الإضاءة الخافتة.. كما تيبست عضلاته بسبب حمل الشقية الصغيرة.. لكن لا بأس كل هذا لا يهم.. أعاد وضع نظارته وهو يهمس: "تبقى القليل وحسب"
كانت تلك الجملة التي ترافقه وعليه فقط أن يستمر بذات المستوى.. كما ينبغي عليه التزام الصمت فهم لا يعنوه.. والجدال معهم لن يكسبه أي شيء.. ففي النهاية هو لا يمثل لهم شيئاً كما لا يمثلون له أي شيء.. هو ليس جزءاً من هذه العائلة ولن يكون يوماً.. هو فقط ضيف ثقيل واجب عليه البقاء بينهم وقريباً سيتخلص من هذا الواجب.
لكن...
همسها بداخله مع سماعه الخطوات المتسرعة المتهورة الشبيهة بصاحبتها.. تقطع الدرج سريعاً ثم تظهر.. بالزي المدرسي الملائم لها والحقيبة التي تحملها على كتفٍ واحد.. مع السترة السوداء والوشاح المماثل لها الذي تحيط به خصلاتها السوداء اللامعة.
:"صباح الخير مستر شفيق"
قالتها بتنهيدة عالية بينما تحاول التقاط أنفاسها وابتسامة خفيفة.. قبل أن تمسك يده وتنظر للساعة وهي تكمل: "أرأيت لم أتأخر اليوم"
لو كان يحمل لها مشاعر أخرى ربما كان ابتسم من عفويتها لكنه مط شفتيه وتحرك يسبقها قائلا: "تأخرتِ ثلاث دقائق وإن لم نتحرك سنتأخر أكثر لذا تحركي"
سمع تنهيدتها وهمسها: "ما من فائدة تُرجى منك"
وكالعادة ورغم صده المستمر لها والاختلاف بشخصياتهما.. إلا أنها وبمنتهى البساطة اقتربت منه سريعا وبدأت تتحدث بلا توقف عن كل شيءٍ فعلته بعيداً عن عينيه.
*****
:"ألا تنوي الخروج معنا؟"
لم يحاول الالتفات له فقط تنهد بملل.. فهذا الأحمق لا يتوقف عن ملاحقته لسبب لازال مبهماً.. كل ما يفعله ذاك الفتى يثير غضبه ذاك الوغد الحقير المترف.. تنهد بملل بينما يرد: "لقد أخبرتكم أني لا ألائم أجوائكم.. كما أني لا أملك وقتاً والأهم أني غير مهتم"
توقع مغادرته بعد تلك الجملة فهذا ما يحدث دائماً.. أكمل المترف يدعوه للخروج مع مجموعته المترفة الفاسدة وهو يرفض بصلف فينظر له باستعلاء ويغادر.. وبينما يسمع خطواته المبتعدة يقضي الوقت بالعد بسره وائداً الرغبة بالنهوض واقتلاع عينيه حتى لا يتمكن من النظر له بتلك الطريقة مجدداً.. كان الأمر يتطلب صبراً بالذات مع عدم علمه لسبب إصراره على محاولة التقرب له.. لكن تلك المرة أكمل لم يغادر بل اقترب وسحب الكتاب من يده وهو يقول بمزاح: "لماذا يا رجل.. أم أن هذه هي المشكلة أنك لست رجلا؟"
وقبل أن يتم جملته كان مؤمن يسحب الكتاب من يده وينهض وهو يمسك تلابيبه قائلاً: "أتريد رؤية الرجولة يا مدلل والدتك؟"
-:"مؤمن!"
التفت لريم التي اقتربت منهما ونظرت نحوه بتوتر وهي تسأل: "ما الأمر هل تتشاجران؟"
لم يعلم بم عليه أن يرد.. لكن معسول اللسان ذاك أنقذهما بقوله: "أنا من ضايقته بكلمتي"
التفت مؤمن ينظر له فأكمل باعتذارٍ خبيث: "لم أكن أقصد مضايقتك يا رجل"
نفض يده وسحب حقيبته وخرج من الفصل ناوياً ألا يعود للمتبقي من اليوم.. فقد أثار ذاك الأحمق أعصابه واستفزه كما استرجع شجار الصباح لمخيلته فساهم بمفاقمة غضبه.. أغمض عيناه يحاول تمالك أعصابه فهو يكره أن يفقد أعصابه أو يراه أي شخص وهو غاضب لكن ما أن فتح عيناه وقبل أن يصل للدرج وجدها تسبقه بالنزول..
-:"إلى أين أنتِ ذاهبة يا سبونج بوب؟"
التفتت تنظر له وهي ترد: "سأغادر معك"
مط شفتاه وقلت باعتراض: "لا أريدك أن تغادري معي"
ارتفع حاجباها وردت بلا مبالاة: "بالتأكيد سأغادر معك فتلك فرصة لا تعوض"
:"عن أي فرصة تتحدثين"
سألها باستغراب فابتسمت بخبث وهي تكمل: "فرصة رؤيتك تفوت الحصص.. إنها المرة الأولى التي تغادر بها الصف أثناء الدوام"
ثم تحركت تسبقه دون التفات لمعارضته فلم يجد بداً من اللحاق بها.. توجها للحديقة الخلفية وجلسا ثم أخرجت علبة طعامها وهي تقول: "لقد أعددت البارحة قبل نومي فطائر بالبسطرمة والجبن ولففتها بعناية لنتناولها معاً وجلبت شاي"
-:"تشعريني أننا ذاهبين لرحلة لا للمدرسة"
التفتت له تبتسم وترد: "أنت محتال.. الحصتين القادمتين إحداهما للألعاب والأخرى لأستاذ الكيمياء المعتذر اليوم ولا يوجد له بديل.. وأنت بالتأكيد كنت ستذهب للمكتبة لتستذكر"
كان هذا ما يدور بباله بالفعل.. وبعد أن منحته الفطائر مع الشاي أكملت: "وأنا لن أفوت هذه الفرصة بجعلك فتاً سيئاً يزوغ من الحصص"
لم يضحك لكنه كان على وشك الابتسام.. بدأ بتناول الشطيرة وفوراً شعر بهدوء وسعادة.. كانت تلك المحتالة بارعة تماماً كوالدتها.. صمت لفترة وهو يشغل نفسه بتناول الطعام قبل أن يسمعها تسأله: "إذاً لم أنت منزعج؟"
-:"كما سمعتِ ذاك الأحمق هو من ضايقني و..."
-:"أنا لم أسألك لم تشاجرتما"
اعترضت كلامه فأجبرته على الالتفات لها وهي تكمل بهدوء: "سألتك لم أنت منزعج مستر شفيق؟"
ظهر شبح ابتسامة على وجهه قبل أن يلتفت ناظراً للسماء.. وهو لا يملك ما يقوله كالعادة ثم تنهد ورد: "أنا فقط مشغول الفكر هذه الأيام لا أكثر"
-:"أنت دائماً مشغول الفكر يا شفيق"
التفت لها ورد: "أفضل من التحدث ببلاهة مثلك يا سبونج بوب"
كان يتقصد استفزازها متوقعاً أن يشرعا بالجدال كالعادة لكنها بدت هادئة فعلم أنه لن يتمكن من الهرب ومع هذا كان لا يعلم ما عليه قوله فتنهدت وقالت: "أنت تفكر كثيراً.. تفكر بكل شيء.. وهذا يستنزفك مؤمن.. أنت تحمل الكثير بعمرك الصغير لذا لا تقسو على نفسك"
ترك يده تسقط بجواره بينما يحاول التنفس بانتظام ورغماً عنه همس: "أنا لا أستطيع..."
عاد ينظر للحديقة أمامه ثم التفت لها مكملاً: "لا يمكنني التوقف عن التفكير بكل شيء.."
اتكأت بمرفقها على ظهر المقعد وابتسمت ترد: "عليك فقط البحث عن شيء آخر تفكر به غير ما يضايقك.."
افترت شفتاه عن ابتسامة خفيفة قبل أن يقول بسخرية: "سأشغل فكري بالبحث عن طريقة ملائمة لشرح الكيمياء لكِ يا سبونج بوب"
تنهدت بملل وفتحت فمها لترد لكن صوت أتى من خلفهما
-:"ريم"
التفتت ترد على صديقتها قائلة: "نعم سوزان"
-:"ألن نحضر حصة الألعاب معاً"
عندها انتهز مؤمن الفرصة ونهض قائلاً: "أنا سأذهب للمكتبة فأنا استأذنت الأستاذة سحر على أي حال.. أنت اذهبي ونلتقي أثناء الاستراحة"
أومأت له وهي ترد: "سأنتظرك لنكمل طعامنا"
****
تحرك نحو المكتبة وجلس لفترة طويلة يستذكر.
-:"كيف الحال يا مؤمن؟"
لم يلتفت لها ورد: "ماذا تريدين؟!"
كان يعلم أنها منزعجة من حديثه معها بهذا البرود.. فبنظر ريهام هي أجمل فتاة بالمدرسة.. ولا يجب أبداً أن يحدثها شخص بهذا الصلف.. ومنذ نهاية الفصل الماضي تحاول بكل الطرق الحديث معه.. لكنه يتجاهلها بطريقة لابد أن تجرح مشاعرها.. لكنها في النهاية تنهدت وجلست بجواره وهي تهمس: "لا أعلم لم تعاملني بهذا الشكل رغم أني أعاملك بكل لطف"
-:"هناك فرق بين السخافة واللطف لو تعلمين عظيم"
قالها دون انتباه لذهولها من قلة ذوقه.. إلا أنها تنهدت مجدداً وادعت أنها لم تسمعه من الأساس بينما تقول: "أنا أريد التحدث معك على انفراد"
تلفت حوله بملل ثم نظر لها أخيرا وقال: "أنا لا أرى مكاناً سيكون أشد انفرادًا من المكتبة.. التي لا يزورها غيري تقريباً"
كانت المكتبة بالفعل شبه خالية وقد علم أنه أذهلها بصلفه وكلماته الغريبة على مسامعها من نظرتها البلهاء.. قبل أن يعاود هو النظر لكتابه وهو يكمل ببرود: "كما أني لا أرى أنه قد يوجد موضوعاً بيننا يستدعي الحديث على انفراد.. لذا اختصري وأخبريني بما تريدينه"
كان يتوقع أن تغادر بعد تلك الكلمات الجافة لكنها وضعت يدها على يده.. فارتفع أحد حاجبيه قبل أن يلتفت لها وقبل أن يبعدها ابتسمت برقة وقالت: "هناك أساتذة يجلسون بجوار الباب لذا اتبعني لنتحدث"
ثم تحركت تغادر متجهة لآخر بقعة من المكتبة وهو يتبعها بنظراته الباردة.. قبل أن ينهض ويتجه للجهة المعاكسة ليضع الكتاب على الرف الذي أخذه منه.. عازماً على الرحيل لملاقاة ريم والعودة للصف.. لكن ما أن التفت وجد ريهام تقف أمامه عاقدة حاجبيها وذراعيها.. ويبدو على جسدها التحفز كأنها على وشك الدخول بمعركة.. لكنه لم يكترث وتحرك ليغادر فوقفت بوجهه تسأله: "لماذا لم تتبعني؟"
-:"ولم قد أفعل؟!"
سألها ببرود قبل أن يتحرك وهو يكمل بملل: "أياً كان السبب الذي دعاكِ للتفكير أني سأتبعك فهو غير حقيقي.. لأني لست مهتماً لسماع أي شيء منك"
ثم نظر لساعة يده قبل أن يكمل ببرود: "ورغم عدم اهتمامي فقد سألتك بالفعل عما تريدينه لكنك لم تجيبي.. لذا لن أضيع المزيد من وقتي معك"
تأكد أنها تقف بذهول ومن المفترض أن تمنعها كرامتها من الاقتراب منه مجددًا.. كانت ريم لتخلع نعلها وتضربه به.. ولتطلب الأمر عدة ألواح من الشيكولاتة مع وجبتها المفضلة ليصالحها إن حادثها بتلك الطريقة.. لكن فجأة وجدها تتحرك لتواجهه.. ودون أن تمنحه فرصة للرمش حتى دفعته للخلف ليستند على إحدى الأرفف.. واقتربت منه بابتسامة غريبة ثم بللت شفتيها وتوقفت على بعد بوصة منه وهي تهمس: "سأجعلك تهتم بما أريده"
ثم وضعت شفتيها على شفتيه.. ولم تكد تمر ثانية قبل أن يدفعها بقوة مضاعفة لتسقط على مؤخرتها.. وما أن أفاقت من تأوهها وقبل أن تصرخ بوجهه مسح فمه بعنف وتقزز ثم هتف بها: "يا لك من منحطة عديمة تربية.. كيف تتجرأين على التعدي علي بهذا الشكل؟!"
كانت مصدومة بالبداية لكن سرعان ما تملكها الحقد وبدا الغضب جليًا على وجهها.. وبذكاء علم أن ما ستفعله تاليا هو إثارة فضيحة عنه.. لذا تحرك بسرعة وأسقط مجموعة من الكتب فوق رأسها فتعالى تأوهها.. وقبل أن يصل الأستاذ أسرع ووضع كتابا داخل حقيبتها المفتوحة وانحنى نحوها وهمس: "إن حاولتِ اتهامي بالتحرش سأتهمك بمحاولة سرقة كتاب من المكتبة وأني كنت أحاول منعك.. كما أنه بأسوأ الظروف سيصدقونك وسيفصلوني لأسبوع.. لكن لن يلومني أحد على العكس فأنا شاب في النهاية.. لكن أنتِ ستسوء سمعتكِ السيئة بالفعل وصديقاتك الحاقدات لن يمنعهن شيء عن معايرتك بكونك سارقة كتب وتم رفضك بواسطتي"
-:"ماذا يحدث هنا؟"
استقام واضعاً كفيه بجيبي بنطاله وهو يرد: "لا أعلم.. لقد كنت على وشك المغادرة لكني سمعت صوت سقوط ووجدتها بهذا الشكل"
بدت مرتبكة وخائفة خاصة عندما اقترب الأستاذ وردت تدعي التعب: "لقد شعرت بالدوار وسقطت فجأة"
تحرك الأستاذ ينادي على واحدة من المشرفات ثم صرف مؤمن الذي غادر وهو يشيعها بنظرة وابتسامة ساخرة.
***
اتسعت عينا ريم وهي تستمع لحديثه.. ثم عقدت ساقيها على الحاجز الحجري المواجه للبحر بينما تواجهه بكليتها
-:"هل تمازحني؟!"
قالتها بذهول بينما توقف هو عن تجرع المياه المشبعة بالصودا والليمون.. ثم مسح فمه بقرف وهو يحاول السيطرة على قشعريرة جسده بينما يرد: "ولم سأمزح معك بأمر كهذا يا سبونج بوب؟"
لم تتمالك نفسها وانفجرت ضاحكة لكنه لكزها بذراعه قائلًا: "احترمي نفسك!"
حاولت كتم ضحكها لثانية لكنها لم تقدر وعادت للضحك مجددًا وهي ترد: "لا أصدق.. وأنت رفضتها بهذه البساطة؟"
-:"وما الغريب بالأمر؟"
سألها باستغراب فقالت: "أنا دائماً ما أرى العكس بالأفلام و..."
لم تكد تتم جملتها فأمسك مؤخرة رأسها بعنف وحركها للأمام وهو يقول بحدة: "عن أي أفلام تتحدثين يا فتاة.. هل فقدت عقلك.. كم مرة أخبرتك ألا تشاهدي إلا ما أختاره لك؟!"
تأوهت بخفوت وهي تتوسل: "مؤمن توقف هذا مؤلم"
أبعدها عنه بحدة وشيعها بنظرات كالسهام السامة.. لكنها لم تكترث وعادت للضحك وهي تكمل: "أنت كائن غريب.. هل أنت حقا متضايق وضربتها أيضاَ"
-:"بالتأكيد متضايق وأشعر بالقرف أيضاً.. فلا أحد يحق له لمسي أو الاقتراب مني دون إذني.. كما أني لا أرى سبباً لأسعد بما فعلته.. إنها فتاة قليلة حياء!"
كان غاضب بالفعل لذا فضلت الصمت وألا تخوض بالأمر أكثر.. وقالت تبدل الموضوع: "ما رأيك أن نذهب ل..."
قاطع حديثها ونهض يرد بحدة: "انهضي سنعود للبيت!"
وبالفعل تحرك وهي تتبعه محاولة مجاراة خطواته دون أن تتحدث.. وصلا للمنزل وودعها سريعا ثم اتجه فورا لغرفته.. بعد تبديل ثيابه بقي لساعتين يذاكر دروسه دون توقف.. حتى سمع صوت الهاتف الأرضي يرن.. وبعد لحظات سمع قرعاً على الباب وصوت أخته تقول: "ريم على الهاتف"
نهض وهو يتمطى ناظراً لساعة يده.. ثم تحرك للخارج لم يحاول النظر لأي شخص من الجالسين بالصالة الرئيسية.. ثم ما أن وصل للهاتف رفعه قائلا: "ماذا تريدين؟"
-:"يا لك من بارد عديم للذوق"
مط شفتيه بملل وهو يتوقع بدأ محاضرتها المعتادة.. وبداخله يستبق حديثها المعتاد: "من المفترض أن تقول مرحباً.. أو على أقل تقدير ترد بنعم أو كيف الحال.. وبدلاً من هذا تسألني بمنتهى الصلف عما أريده"
توقفت عن الحديث فرد: "إن كنتِ انتهيتِ فأخبريني ماذا تريدين"
-:"لا لم أنتهي.. فقد نسيت إخبارك أنك لا تجيد التعامل مع الآنسات.. وأنك بحاجة لدروس تأديبية في التعامل معنا"
صمت حل لثوانٍ قبل أن يسألها: "هل انتهيتِ الآن؟"
-:"أجل"
تنهد وقال بهدوء: "أخبريني ماذا تريدين"
-:"أنا لا أريد.. بل أمي تطلب منك القدوم لتناول الغداء معنا.. وتخبرك أيضاً ألا تحاول الرفض فهي ستنزل وتسحبك من أذنك إن فعلت"
رفع يده تلقائيا يتلمس ويتحسس أذنه وهو لا يستبعد أن تفعلها الخالة سامية.. فريم لم تكتسب اندفاعها من شخص غريب لذا تنحنح ورد: "سأصعد حالاً"
أغلق الخط بعدها وتحرك دون التفات يرتدي حذائه قائلاً: "سأصعد لخالتي سامية"
-:"لا تتأخر حتى تهتم بدارين"
تنهد بملل ولم يحاول الالتفات.. بينما تقول بهمس مسموع: "هذا ما أناله منك.. دائماً تحاول الهروب من مهامك"
خرج بعدها بينما يغلق سحاب سترته ثم تحرك للطابق الثالث.. وقبل أن يطرق الباب وجده يفتح وتظهر أمامه ببيجامتها القطنية ذات اللون الرمادي.. وشعرها المرفوع بكعكة فوضوية.. وقبل أن يقول أي كلمة سحبته وأغلقت الباب وهي تقول: "هيا الآن عليك مساعدتنا"
ثم سحبته فوراً للمطبخ حيث وقفت خالته سامية بعباءتها المنزلية الواسعة.. وشعرها الذي لم يغزوه الشيب بعد والمجموع أسفل منديل مصنوع بيديها.. وابتسامتها التي زينت ثغرها وهي تقول: "لِم تأخرت يا فتى؟"
وقبل أن يفتح فمه أمسكت أذنه وهي تكمل: "يبدو أنك اشتقت لتوبيخي يا فتى"
ضحكت ريم بشدة لكن سرعان ما أمسكت والدتها أذنها هي الأخرى قائلة: "أنتِ أيضاً اشتقتِ لتوبيخي"
بدأت بالتأوه وهي ترد: "أمي.. أمي هذا مؤلم أمي!"
تركتهما وقالت بطريقة حاولت أن تكون صارمة: "تحركي لتوضيب الطاولة.. وأنت يا فتى أخرج صينية الدجاج من الفرن"
تحرك بالفعل وفتح الفرن وشعر بالسعادة مع رؤيته الدجاج المشوي.. بذات اللحظة التي فتحت بها خالته إناء المحشي الذي فاحت رائحته بالمكان فالتفت لها قائلاً: "سلمت يداكِ خالتي"
-:"سلمت يا فتى"
رفع الصينية على الرخام بذات اللحظة التي قالت بها: "إذاً من تلك الفتاة التي أرغمتك على الخروج عن شعورك؟"
شعر بالإحراج يغزوه فجأة.. رغم أنه لم يشعر به ولو للحظة عندما حاولت تلك الفتاة تقبيله.. بدأ بتعديل وضع نظارته دون الالتفات لها وهو يحاول تحديد ما عليه قوله.. لكن بعد لحظات قامت بالتربيت على رأسه بحنو: "أعلم ما أنت عليه"
التفت لها فابتسمت باعثة دفئاً غريباً بداخله.. فاتكأ على الرخام البارد وهو يرد بتوتر لم يستطع تهدئته: "أنا أكره قول هذا لكني شعرت بأمور غريبة ضايقتني"
-:"هذا طبيعي أنت ولد في النهاية"
ثم انحنت تتكئ على كتفه وهي تكمل: "أنا أكره قول هذا أيضاً.. لكن بالتأكيد جزء صغير منك أعجبه الأمر"
ثم حركت حاجبيها فأطرق وقد عاود الخجل يغزوه.. فضحكت بشدة قبل أن تربت على رأسه وترفع إناء الشوربة على النار بينما تلوذ للصمت.. وقد علم أنها تمنحه فرصة للرد فتنهد قبل أن ينظر للفراغ ويرى أمامه صورة والده.. ورغما عنه قال باندفاع: "أنا لم أردها أن تفعل ذلك.. وقد منعت نفسي عن الاستمتاع بالأمر"
-:"أعلم"
أكمل بحدة: "كما أني أبعدتها فوراً دون تفكير حتى"
-:"أعلم هذا أيضاً"
كانت ترد بهدوء وهي تحافظ على ابتسامتها بينما تقلب بالمغرفة.. فالتفت ينظر وهو يتنفس بعمق دون أن يجد كلماتٍ أخرى فعاد يطرق مجدداً.. وعندها ربتت على رأسه مجدداً وهي ترد: "أنت فتىً جيد.. وما شعرت به لا يتعلق بكونك شاب جيد أو سيئ.. يتعلق بكونك رجل.. وقد أثبت أنك رجل مهذب وهي صفة جيدة"
رفع عينيه لها فوجدها قد التفتت له وهي تكمل: "لذا أنا لا ألومك.. فقد قمت بالتصرف الصحيح الذي تستحق عليه الإشادة"
ابتسم بخجل قبل أن تسحب هي أذنه بينما تقول بتحذير: "أريدك أن تحافظ على ردة الفعل تلك دائماً وإلا"
-:"أي أي.. هذا مؤلم خالتي!"
التفت لها عندما أرخت يدها قليلاً فوجدها تنظر له بجدية وهي تقول: "تذكر أن لك ثلاث أخوات.. أعلم أن علاقتك بهن ليست جيدة.. لكن لن يعجبك الأمر إن لمسهن أي شخص غريب"
بدا غير مهتم ورد: "سأكون مشفقاً عليه ذاك ال..."
كان يحرك رأسه لينظر للخارج مع قرع الجرس.. وعندها تحركت ريم أمامه بحركاتها المندفعة ووجد نفسه فجأة يصمت.. ورغماً عنه شعر بغضب لا يفهم مصدره.. لم يشعر بيدها تترك أذنه ولم يلتفت لتنهدها وضحكتها الخافتة.. فقط التفت مع قولها: "ها قد وجدت واحدةً ستتضايق إن لمسها غريب"
شعر بصدمة قبل أن يسمع صوت ريم تقول بتوتر: "أنرتِ بيتنا أستاذة شكرية"
-:"إنه بيتي يا مقصوفة الرقبة.. والدتك كانت أختي الكبرى قبل أن تكون والدتك"
كان يتخيل وجهها المرتعب المصدوم أمام جسد أستاذة شكرية المنحنية بجذعها تنظر لها ببرود قاتل.. بينما ترد بتلك الكلمات قبل أن تبتلع ريم لعابها وترد بخوف: "بالتأكيد.. هو بيتك بالتأكيد أستاذة"
-:"بالطبع هو كذلك.. والآن أين أختي؟"
:"أنا هنا.."
قالتها خالته سامية ولم تكد تمر ثانية ووجد الأستاذة تندفع للمطبخ فوقف باحترام يحييها.. لكنها تجاهلته واندفعت نحو أختها الكبرى وهي ترفع غطاء شعرها قائلة: "أتمنى أن أزورك بأحد الأيام ولا أجدك واقفة أمام الموقد"
-:"وهل أنا فاشلة بالطهو مثلك لأفعلها يا فتاة؟"
عقدت ذراعيها وهي ترد بغيظ: "عمري يقارب الخمسين وقد تزوجت وأصبحت أرملة ولا زلت تناديني بفتاة!"
شعر أن الحوار سيتطور فالخالة سامية ليست الأخت الكبرى لنادية وشكرية وحسب.. بل هي من أشرفت على تربيتهما بسبب مرض والدتهن.. لهذا فهي تتعامل على أنهن بناتها لا أخواتها.. لهذا وحتى لا يسبب أي حرج لأستاذته تحرك قبل أن تلاحظه للخارج.. واقترب من ريم التي كانت ترتب الطاولة بعصبية بينما تهمس بغيظ: "تلك المرأة.. أين من المفترض أن أهرب منها.. لم عليها أن تكون بحياتي من الأساس؟!"
كتم ضحكه واقترب منها وهو يضع الملاعق ويرد: "تستحقين هذا لوشايتك بي"
التفتت له وقد أفزعها فعلم أنها لم تلحظ وجوده إلا الآن.. وكما المتوقع مطت شفتيها وقالت ببساطة: "لقد طلبت لك النصيحة التي لن تتنازل وتطلبها"
فتح فمه ليرد لكنها عاجلته: "لا تحاول ادعاء العكس.. أنت لن تحاول البوح بانزعاجك لأحد غيري"
سحب كرسياً وجلس فوقه وهو ينظر نحوها.. قبل أن يتنهد ويطرق فضحكت وهي تقول: "إنها فتاة حمقاء"
:"من؟"
سألها وهو يعاود النظر لها فأجابت: "ريهام.. حمقاء للغاية.. لم أتخيلها بهذا الحمق"
-:"إنها صفيقة وحسب"
نظرت له وردت: "بل هي حمقاء ولا تعلم عواقب ما تفعله"
قالتها ثم تنهدت وأكملت بوضع الأطباق وهي تكمل بأسى: "أمي تخبرني باستمرار أن بعض الأفعال المشينة حتى وإن حدثت دون وعيٍ منا عن عواقبها تبقى مشينة.. وتصيبنا بالألم كلما تذكرناها"
-:"إنها ردة فعل العقل"
التفتت له فأكمل: "يجعلك تشعرين بالألم حتى لا تكرري تصرفاً خاطئاً"
ضحكت بخفوت وقالت: "كالعادة تجعل كل شيء علمياً حتى المشاعر المجردة"
ابتسم نصف ابتسامة وهو يرد: "لهذا أنا من يحقق العلامات العالية يا سبونج بوب"
:"يمكنني التصديق على هذا"
أتى الصوت البارد من خلفهم فتجمدت ريم.. بينما وضعت الأستاذة إناء المحشي على الطاولة ثم استقامت والتفتت لها وهي تكمل: "من الغد سنبدأ دروسنا المكثفة"
انعقد حاجبي ريم وشهقت بعنف قبل أن ترد: "ولكن لم يمر أسبوع حتى و..."
توقفت عن الحديث مع نظرة صاعقة من خالتها.. وابتلعت لعابها وهي تومئ بخوف وتردد: "من الغد نبدأ.. نبدأ من الغد"
ابتسمت خالتها قبل أن تلتفت له وترد: "لا أظنك ستمانع أيها النابغة"
هز رأسه بطاعة قبل أن يأتي الصوت الآمر من المطبخ: "تعالوا وساعدوني بحمل الطعام وتوقفوا عن التلكؤ"
فأسرعوا جميعاً وهم يردون بنفس الصوت: "حاضر!"
****
عاد لمنزل والده حاملاً طبقاً من الحلويات التي أعدتها ريم لخالتها نادية وبناتها.. بعد أن تناول هو معها القليل وشاهدا أحد أفلام الرعب بعد تناول طعام خالته الشهي.. وبعد أن أخذت زوجة والده الطبق ناولته دارين فوراً.. واتجهت للهاتف لتقضي وقتاً طويلاً بالحديث مع أختها الكبرى وريم وتشكرهما على الحلوى.. وهو لم ينتظر توجه لغرفته وبدأ بهدهدة دارين حتى نامت.. وبعد ساعات من وضعها بالفراش كان هو يجلس على مكتبه يذاكر حتى شعر بألم بفقراته.. فتمطى وهو يتثاءب ثم قرر الخلود للنوم.. ومع نهوضه سمع صوت قفل الباب فأسرع يغلق باب غرفته.. ثم اتجه للفراش وهو يخلع نظارته ثم استلقى وتتدثر بالغطاء.. حاول تجاهل صوت الخطوات بإشغال عقله بحديثه مع خالته سامية.. وهو يستغرب كيف قرأت مشاعره دون أن يخبرها هو أو ريم بأي شيء.. فهو متأكد أن ريم طلبت منها فقط أن تنصحه كيف يتعامل بمواقف كتلك بعد أن رأت انزعاجه.. لكنها أبداً ما كانت لتشعر بغضبه من نفسه لأنه وبنسبة ضئيلة أعجبه الأمر.
:"سأعامله مثل ابني"
اتسعت عيناه بهلع وتسارعت أنفاسه بتلقائية بينما يتذكر صوت والدته الباكي من خلف الباب وهي تتحدث مع خالته سامية: "اهتمي به رجاءً وطمئنيني عليه"
ثم صوت خالته سامية ترد: "لا توصيني عليه سأعامله مثل ابني.. لذا اذهبي وأنتِ مطمئنة"
نام على ظهره عندها وهو ينظر للسقف ثم همس: "لقد نفذت وعدها لك أمي"
******
كان يقلب بهاتفه بملل كما هي نظراته نحو الحفل الذي نظمه والده بمناسبة ارتباط شقيقته بابن شريكه.. كان يكره هذا المدعو أمجد لكن شقيقته معجبة به وبصلفه.. ووالده يريد إتمام الزواج لأسباب اقتصادية ولأنه يراه مناسب لشقيقته.. كما أنه شقيق صديقه المفضل هيثم لذا لم لا.. هو ليس من سيتزوج ذاك المتعجرف على أي حال.
تنهد بملل وتوقف عن التقليب قبل أن يفكر لثانية ثم كتب اسمها على قائمة البحث.. كان من السهل العثور عليها رغم أنها لا تضع صورتها.. فهي بنفس مدرسته وصفه ولا توجد فتاة أخرى تحمل اسمها.
:"لم أعرفك متردداً يوماً"
التفت لهيثم الذي نفث دخان سيجارته وابتسم بسخرية.. فرد مغيراً الموضوع: "إن رآك والدك بتلك السيجارة ستندم"
:"هو أيضا يدخن وأنا لم أحاول إيقافه"
قالها بينما يتكئ بظهره على السور بجواره ثم أردف: "وأنت الآن تتهرب وهو ليس من عادتك أيضاً"
التفت منحنيا على السور مثله بينما رد أكمل: "أنا لست مترددا.. أنا فقط لا أعلم ما علي فعله"
التفت ينظر له فوجده ينظر له بجدية ويفكر قبل أن يقول: "إنه المعنى الحرفي للتردد"
مرت ثواني قبل أن ينفجرا بالضحك ثم التفت هيثم وهو يرد: "كنت لأصدقك لو لم أكن أعرفك.. ستتصيدها.. تستمتع قليلاً.. ثم تلقيها.. هذا ما نفعله دوما"
توقف عن الضحك بالتدريج ثم التفت ينظر لصفحتها الشخصية.. وضغط على زر إرسال طلب الصداقة وهو يهمس: "أجل.. ما نفعله دوما"
******
:"أنت مطرود.. لا أريد رؤية وجهك مجددا"
كانت تلك هي الجملة التي يسمعها طيلة عمره.. سمعها من والدته عدة مرات لكنها كانت تتراجع بها.. وسمعها من والده مرة لتتدمر حياته.. ثم سمعها من كل صاحب عمل لسنين عمره الخمسين.. لم تعد تلك الجملة تؤثر به لكنها أصبحت هاجساً.. هو أيضا يتمنى قولها لشخصٍ ما.. فالمرة الوحيدة التي كانت سيتسنى بها قولها ضاعت عليه.. قبض كفيه وأطرق بينما تضع زوجته الطعام على الطاولة.. بذات اللحظة التي سمع بها صوت فتح باب فرصته.
فرصته التي مرت عبر الصالة واتجه للباب دون قول أي كلمة غير: "أنا مغادر"
دون أي التفات أو حتى نظرة.. خرج ببساطة وهدوء كما يدخل بهدوء مع عودته.. كان هذا هو ابنه البكر الذي كان عكسه بكل شيء.. لكن ابنه ذاك هو فرصته.. فرصته الذي من خلالها سيتمكن من ترديد جملته التي تمناها لمراتٍ ومراتٍ عدة.. بواسطة ابنه البكر سيتمكن من الوصول للأحلام التي لم يتمكن من تحقيقها أبدا.
******
-:"مؤمن.."
كان صوتها يزعجه.. ووجودها قربه يصيبه بشعورٍ مشابه لما يشعر به نحو أكمل.. تلك الفتاة مزعجة وهو يكرهها لكن مع هذا ولأنها صديقة ريم المفضلة هو ملزم بالتعامل معها ببعض اللين لذا رد: "نعم سوزان.."
لم ترد فالتفت لها وجدها تبتسم ببعض التوتر قبل أن تقدم له الكتاب قائلة: "هل.. هل يمكنك أن تساعدني بحل مسائل الدرس الأول للفيزياء؟"
ترك كتابه جانباً وأفسح لها لتجلس على مسافة ملائمة منه وبينما تجلس تلفت هو حوله يبحث عن ريم قبل أن يسألها: "أين ذهبت سبونج بوب؟"
تذكر عندها أنها بدت مستاءة وصامتة طيلة النهار وهو كان ينتوي سؤالها عن السبب بحزنها..
-:"إنها بالصف.."
التفت ينظر لسوزان التي كانت تفتح الكتاب بينما تكمل: "لقد فضلت البقاء بالصف اليوم.."
رغم استغرابه من كونها فوتت الفسحة إلا أنه لم يعلق حتى لا يفتح لها مجالاً للحديث معه طويلاً وقرر مساعدتها لإنهاء الأمر ثم بدأ يشرح لها طريقة حل المسألة بسلاسة حتى يتخلص منها سريعاً ويبحث عن المكتئبة..
بعد أن تخلص منها أخيراً توجه للصف ليجدها جالسة على مقعدها بجوار النافذة بينما تدفن رأسها بذراعها الملقى على المكتب.. سار نحوها وجلس على منضدة المقعد المقابل لها فرفعت رأسها بصدمة قبل أن تصمت بينما تنظر له فحاول فتح الحديث معها قائلاً: "لا تخبري الأستاذة أني جلست على الطاولة أيضاً"
التفتت تنظر للخارج وهي ترد: "لا أظنها ستلومك فكالعادة سيكون الرد أنك ولد وأنا فتاة"
مط شفتيه وأومأ بتفهم قبل أن يقترب قليلاً ويسألها: "هل أنتِ مريضة؟.. يمكنني اصطحابك للمنزل"
هزت رأسها بنفي دون التفات فاستغرب وشعر أن الأمر سيء لذا اقترب ووقف بجوارها يسألها: "هل المشكلة متعلقة بعائلة والدكِ"
هزت رأسها بنفي ودفنت وجهها بذراعها أكثر قبل أن تنهض وتضرب المنضدة بعنف هاتفة: "لا يمكنني التحمل أكثر"
ثم اقتربت تقف أمامه وهي تضم كفاها وعيونها مليئة بالدموع ففهم أنها قد ارتكبت خطئاً وتشعر بالذنب.. عقد ذراعيه وتنهد بملل قائلاً: "ماذا فعلتِ يا سبونج بوب؟"
-:"لقد فعلت شيئاً سيئاً"
قالتها وهي تبدأ بالبكاء فوراً فبدأ الشعور بالقلق يتسرب لنفسه بالذات مع إكمالها باختناق: "أنا لا يمكنني تحمل عدم إخبارك.."
*****
أنت تقرأ
رسالة من فتاة مجنونة
Romantizmالعالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا.. ولا تنتظريني فالأمل ضئيل للقائنا.. رواية رسالة من فتاة مجنونة هينزل منها كل يوم فصل بعد صلاة التر...