رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والثلاثون

181 13 3
                                    

مساء الخير عليكم أتمنى كلكم تكونوا بخير 
بناءًا على طلب بنوتة من المتابعات هكتبلكم اسم المقاطع الموسيقية اللي ريم عزفتها خلال الفصول اللي فاتت
merry go round of life من فيلم howl's moving castle  ديه المقطوعة اللي كانت بتدرب عليها للعزف ومعرفتش تعزفها بسبب موت مالي
pan's labyrinth lullaby من فيلم pan's labyrinth ديه أول مقطوعةعزفتها لما قابلت نغم لأول مرة
the girl who fell from the sky من فيلم castle in the sky ديه المقطوعة اللي كانت بتعزفها لتلاميذها
أغنية writing's on the wall للمغني sam smith ديه اللي عزفتها في عيد ميلادها 
أغنية my heart is broken لفرقة evanescence ديه اللي عزفتها مع الفرقة في حفلة لم الشمل 
sonata moon light لبيتهوفن وديه المقطوعة اللي عزفتها في المعهد قصاد هاندا وانطوان واختاروها على أساسها تسافر دبي 
كل المقاطع ديه هتلاقوها متوفرة على اليوتيوب وهي جميلة جدًا 
وبإذن الله خلال الفصول الجاية لو فيه أي مقطوعة هكتبلكم اسمها 
دلوقتي يلا عالفصل وأتمنالكم قراءة ممتعة 
****

~ الرسالة العشرون ~
هل يحق لنا أن ندعو سعادتنا لرؤيتنا سعادة أحبائنا وحزننا لرؤية همومهم
عشقاً؟!..
****
~ الرسالة الحادية والعشرون ~
لا حق لكِ بنيل ما أتمناه..
ليس حقداً مني لكني الأحق بالاهتمام..
العيب بكِ يا صديقتي..
فكلُ من اقتربَ منكِ مات!..
***
تحركت تخرج من بيتها في الصباح الباكر قاصدة عملها وهي تفكر بالحجة التي ستلتقيه لأجلها اليوم.. فقد أنهى كل معاملات المركز الجديد بالعاصمة لذا لم يعد هناك سبباً لتلتفيه لأجل المركز.. فكرت أنها ستحتسي بعض القهوة مع صديقتها شيماء وهذا قد يدفع الأفكار لبالها.. ابتسمت عندها بينما تقف بانتظار المصعد وما أن وصل لطابقها وفُتِحَ الباب تفاجأت بخروج هناء منه فشهقت بعنف وهي ترى الكدمات التي تزين وجهها.. اقتربت منها وهي تسأل: "ماذا أصاب وجهك هنا؟"
لم ترد ارتجفت شفتيها وهي تطرق بانهزام قبل أن تنفجر باكية.. لم تكن تصدق ما تراه هنا لم تبكي حتى بوفاة والدهما.. ورؤيتها تبكي الآن تعني أن مصيبة حدثت.. وفجأة ودون مقدمات وجدتها تلقي بنفسها في حضنها وهي تبكي بقهر دون أن تنطق أي كلمة.. بقيت على صدمتها لثوانٍ قبل أن تحتضنها وتربت على ظهرها لتحاول تهدئتها ثم تنهدت وهي تهمس: "لا بأس عليكِ.. لا تبكي.."
استمرت بالبكاء وازداد نحيبها فسحبتها قاصدة شقتها..
*****
انتفضت مفزوعة من نومها وهي تحاول التقاط أنفاسها..
:"خالتي"
التفتت تنظر لدارين التي جلست بجوارها وهي تسألها: "هل أنتِ بخير؟"
تنفست بعمق لعدة مرات قبل أن تطالع وجهها البشوش رغم القلق المرتسم عليه وعندها ابتسمت بتلقائية بينما ترد: "نعم يا عزيزتي أنا بخير"
بقيت تطالعها بقلق فأسرعت تكمل: "اذهبي وحضري الفطور.. وأنا سأنهض وأتبعك اتفقنا؟"
-:"لقد حضرته بالفعل"
قالتها فربتت على رأسها وردت: "جيد اذهبي وأنا سأتبعك"
أومأت لها ونهضت تنفذ كلامها فالتقطت عدة أنفاس عميقة ثم تحركت بثقل سببه تقدمها بالعمر وهي تهمس: "بعد أن كنت أمشي كيلومترات بعد السباحة لساعات.. أصبحت لا أقوى على الحركة لجانب الفراش حتى"
تنهدت بينما ترتدي نظاراتها وفتحت هاتفها لتصلها أول رسالة من ريم.. ابتسمت بتلقائية ما أن رأت صورة التقطتها لنفسها.. من أمام الواجهة الزجاجية التي حكت لها عنها.. ردت عليها بتحية الصباح ثم قلبت بالهاتف تبحث عن رقم هند.. وما أن وصلت له توقفت قليلاً قبل أن تقرر إرسال رسالة لها.
-:"خالتي الفطور جاهز"
:"سأصلي الضحى وألحق بك"
قالتها قبل أن تشعر بالقطة التي بدأت التمسح بقدمها.. فخفضت ناظريها نحوها وابتسمت ما أن طالعتها وأصدرت مواءً ناعماً..
:"لا تقلقي عليها"
همست بها بينما تعود لمطالعة الصورة التي أرسلتها ريم وتذكرت فوراً سامية.. كانت ريم شبيهة لها بكل شيء طباعاً وشكلاً ومجرد أن تنظر لها كانت تستحضر صورة والدتها وكلامها وبقدر اشتياقها لها كانت تسعد أنها خلفّت نسخة منها لتعينها على تحمل فراقها.. تنهدت قبل أن تكمل: "يبدو أنها تستمتع بوقتها"
أغلقت الهاتف بعدها ثم نهضت و مع تذكرها للكابوس الذي أفزعها بدأت بالاستغفار بلا توقف على أمل أن يجلي هذا انقباض قلبها..
****
: "صباح الخير يا فتاة.. أنا لم أشتق لك على الاطلاق طبعاً.. انتبهي لنفسك ولا تسيري وحدك في ذاك البلد الغريب.. وأرسلي تحياتي للفتى الذي يرافقكِ"
ابتسمت ما أن رأت الرسالة ثم ردت عليها ببضع كلمات.. قبل أن تلتفت لمنار التي كانت قد وصلت مساء اليوم السابق.. بدت شاردة وبعيدة بذهنها ففرقعت أصابعها بجوارها.. وما أن التفتت سألتها: "أين ذهبتِ؟"
ابتسمت لها منار وردت: "معكِ.."
طالعتها بشك فأكملت: "أنا فقط متعبة من السفر"
أومأت عندها مفضلة ألا تضغط عليها.. ثم عادت لشرب الشاي وهي تقول: "أنهي فطورك لا نريد التأخر على أنطوان"
:"لقد أنهيته"
قالتها منار وهي تضع الملعقة الصغيرة جانباً.. فشربت آخر ما بكوبها ونهضت تحمل حقيبتها وهي تقول: "لنذهب الآن إذاً"
تحركتا لتسيرا للخارج عبر الطاولات البيضاء.. كان المكان كله مزين بألوان مريحة للأعصاب تدفع الاسترخاء لأي شخص جالس بينها بالذات مع إضاءة الشمس المشرقة للمكان وموسيقى فيروز الهادئة بأغاني الصباحيات وصوتها القيثاري الجميل.. وقد دفع هذا النشاط لكل خلية من جسدها متجاهلة السبب الآخر المتعلق بالسيد شفيق الذي فضلت أن تغادر سريعاً قبل أن تلتقيه ويفسد مفاجئته الساحرة التي لازالت خلايا السعادة المدفوعة من وقعها تسير بجسدها..
:"هل اطلعتِ على المقاطع التي ستؤديها؟"
سألتها ريم بينما تسيران فتنهدت منار وهي ترد: "أنا حزينة أننا لن نؤدي سوى مقطعاً واحداً معاً"
كان هذا أكثر ما يسعدها فدوماً منار لا تنال حقها من التشجيع والثناء عندما تعزفان معاً رغم كونها من أفضل عازفي الكمان ببلدها إن لم تكن الأفضل بالفعل.. ورغم هذا أبداً لم تشتكي أو تطالعها بغيرة.. على العكس كانت تفرح لأنهما ستعزفان معاً..
ابتسمت وعزمت على تشجيعها فقالت: "لكنه مقطع جميل"
التفتت منار وابتسمت وهي ترد: "أجل يكفي أنه من مسلسلي المفضل.. رغم أن ذكراه سيئة في نظري"
ضحكت ريم وهي تتذكر رد فعلها عندما شاهدت ذلك المقطع كانت واثقة أن هذا ما ستقوله ما أن تراه وقالت: "أجل لازلت أذكر كم بكيت بسبب تلك النهاية"
:"لا تذكريني لقد بكيت بالفعل البارحة ما أن تذكرت دانيريس وجون وما أصابهما.. لولا حبي لرامين كنت توسلت أنطوان وهاندا أن يبدلا المقطع"
عادت للضحك على مظهرها بينما تتحدث فطالعتها منار بغضب وقد اشتعلت عيونها العسلية بالغضب وهي تكمل بانزعاج: "لا تضحكي علي يا ريم.. لقد حطموا قلبي ومشاعري بتلك النهاية المأساوية.. وأنا بدلاً من إلقاء اللوم عليهم أعزف مقطوعة الشر خاصتهم و...."
:"صباح الخير"
تنهدت بيأس وهي تحادث نفسها بأنها كانت على وشك الخروج دون لقائه بالفعل.. لكنها استسلمت والتفتت تطالع السيد شفيق بمظهره المرتب الساحر.. بنطال من الجينز فوقه كنزة من الصوف الخفيف باللون البني الفاتح وسترة باللون الأسود يحملها على ذراعه الذي يزين معصمه بساعة باذخة شعره كان مصففاً كالعادة للخلف دون أن تشرد منه خصلة واحدة..
لولا لسانه السام وبرود أعصابه كانت لتشعر بالظلم أنها تلقبه بالسيد شفيق..
:"صباح النور مؤمن.. سعدت برؤياك كثيرا"
ردت منار بابتسامة وهي لم تستغرب رده عليها بابتسامة لأنهما كانا يعرفان بعضهما منذ بدأت التدرب معها عند نغم.. فقد كان مؤمن كثيراً ما يقلها أو يحضر حتى معها الدرس..
:"إلى أين؟"
سأل بهدوء فردت منار: "سنذهب للتمرين بالمسرح"
نظر نحوها بطرف عينه بلوم.. وقد فهمت أن السبب بتلك النظرة أنها كانت ستغادر دون إخباره لكنها لم تهتم.. صحيح أنها لازالت سعيدة بما فعله البارحة لكنها لم تبدل رأيها بشأنه ولن تخبره بخط سيرها.. ثم أن خروجه دون رؤيته أو الحديث معه لمصلحته هو بسبب لسانه الذي لا يتوقف عن إغضابها..
:"دعاني أقلكما"
:"لا لا داعي.."
ردت عليه وما أن نظر لها أسرعت تكمل: "هناك سيارة تابعة للحفل ستقلنا.. كما أنك لم تتناول طعاماً البارحة.. لذا الأفضل أن تدخل لتناول طعام الفطور"
ابتسمت منار عندها وهي تقول: "سأغادر وانتظرك عند السيارة"
ثم التفتت لمؤمن تكمل: "أراك لاحقاً"
ومع مغادرتها للمكان التفتت تنظر له وما أن فتح فمه أسرعت تسبقه: "لن أسمح لك أن توصلني.. أدخل وتناول فطورك"
هز كتفيه ورد: "حسنا لن أناقشك.. لكن سآتي لأقلك بعد العرض"
:"لا"
قالتها ثم أكملت تفسر: "أنا ذاهبة لصالون التجميل مع منار"
:"لماذا؟!"
سألها باستغراب فردت بحنق: "لِم برأيك تذهب الفتيات لصالون التجميل يا أذكى أخواتك؟"
مط شفتيه بتفكير ثم بدأ مسلسل الردود المستفزة بقوله: "أنا بالفعل أذكى منهن"
تملكها الغضب الذي تفاقم ليصل لحنجرتها ما أن أكمل: "أهم شيء لا تقصي شعرك.. فأنا أحبه طويل"
عقدت ذراعيها وهي تسأله بابتسامة: "وهل تريد شيئا آخر لأحققه لك يا روحي؟!"
-:"سلامتك مع اقتناء ثياب محتشمة للعروض"
أبقت على ابتسامتها بينما تومئ له ثم غادرت وهي تقسم على الانتقام منه..
*****
جلست على أحد المقاعد بتعب.. مدت كفها تدلك قدمها لاعنة اللحظة التي قررت بها ارتداء حذاء بكعب لهذا اليوم.. لكن سرعان ما تراجعت.. فهي لم تكن تعلم أنها ستعاين باقي الموقع اليوم وتمنح لياسر تصورها عن توزيع التصاميم داخل المبنى لذا فالخطأ ليس منها..
الخطأ من نور التي نسيت إخبارها وبسببها تكبدت مجهود ونفقات الذهاب للشركة أولاً ثم الخروج منها للموقع الذي بالجانب الآخر من المدينة.. لذا من تستحق اللعن هي نور نفسها..
مطت شفتيها متراجعة عن النطق بالكلمة حتى بسرها مع تذكرها لعيون نور المنتفخة من البكاء بسبب شجارها مع خطيبها..
:"لا ينقصها لعناتي يكفيها المختل الموجود بحياتها.. هو بالفعل لعنة متحركة"
وجدت كوباً من القهوة يوضع أمامها فنظرت لياسر وقالت: "قرأت أفكاري"
جلس أمامها ليحتسي هو الآخر القهوة بينما يرد: "هذا أقل ما تستحقيه بعد كل المجهود الذي بذلته"
أومأت له بصمت وهي تتنهد قائلة: "شكراً لك"
بدأت باحتساء القهوة ثم طالعته بهدوء وهي تتذكر تساؤلاتها البارحة وعندها تنحنحت بينما تقول: "اخبرني إذاً يا ياسر.. لِم لست متزوجا؟"
رفع عينيه لها وهو يرد: "لماذا.. هل لديك عروس لي؟"
مطت شفتيها وقالت: "ربما"
صمتت قليلا قبل أن تكمل بابتسامة: "نحن أصدقاء وأنت لديك الكثير من المعجبات.. مع هذا لست مرتبطاً وأستغرب الأمر.. لذا فكرت بسؤالك"
ترك كوب القهوة جانباً فأردفت سريعاً: "إن كنت لا تريد الإجابة.. فلا داعي لخسارة صداقتنا بسبب فضولي"
:"لو كان شخصاً آخر من سألني ما كنت سمحت له بإتمام الجملة.."
قالها ثم تنهد يكمل: "لكني أعلم طيب نيتك وأحب الحديث معك.. صراحة لم أتخيل بحياتي كلها أني سأصادق أي فتاة"
:"لماذا؟!"
سألته باستغراب فحرك كتفيه وفمه قبل أن يرد: "يجلبن لي المتاعب ويفهمنني بشكلٍ خاطئ.. لهذا السبب لا أحب أن تكون بيننا أي علاقات ما دمن لسن من قريباتي القليلات"
ابتسم بوجهها وهو يكمل: "لكنك مختلفة"
اتكأت بوجنتها على كفها بينما تقول: "مدرستي كانت مختلطة لهذا كبرت وأنا أتعامل مع الشبان..بعضهم حتى من أقرب أصدقائي.. في الحقيقة غير هيثم أملك ثلاث شبان.. لذا أجيد التعامل مع الرجال بسهولة فقد تعلمت منهم الكثير"
اتسعت ابتسامته وهو يسألها بتوق لسماع المزيد: "هل كانت فترة دراستك جيدة؟"
ابتسمت بينما ترد: "كانت رائعة.. بل كانت أروع فترات حياتي للآن"
استعادت العديد من اللحظات الرائعة وهي تحادثه ثم تنهدت وهي تكمل: "دوماً أتمنى لو أن تلك الفترة لم تنتهي أبداً"
:"أحسدك عليها"
التفتت تطالعه باستغراب وهي تسأل: "لماذا.. ألم تكن تملك أي أصدقاء؟"
مط شفتيه بينما يرد: "كنت أملك رفاقاً وزملاء.. لكن لم أكتسب أي صداقات"
شعرت بالأسى عليه وقد فهمت أنه لا يجيد تكوين الصداقات على الأغلب لذا ابتسمت وقالت: "أنت تملك الآن"
طالعها قبل أن يتنهد وهو يرد: "أنا لم أرتبط لأني لم أجد الفتاة التي تدفعني للارتباط بها"
ها هي ضالتها إذاً فالسيد أعزب ولا يحمل مشاعر لأي فتاة.. عليها الآن فقط العثور على الفتاة المناسبة من صديقاتها.. رأت ريبته ترتسم على وجهه مع طول صمتها فقالت سريعاً: "ستكون محظوظة أياً كانت.. فأنت من ألطف الرجال الذين تعاملت معهم"
انعقد حاجبيه ثم فرك ذقنه قبل أن يرد: "عندما قلتِ ألطف لم أتذكر سوى الدمى المحشوة"
ارتفع حاجبيها من تشبيهه ثم انفجرت ضاحكة ما أن تخيلته على شكل دمية محشوة..
**
وصلت لشركة أكمل وبينما تستقل المصعد تأكدت من هندامها ببذلتها العملية وهي تحمد الله أنها استمعت لوالدتها التي نصحتها بعدم ربط شعرها كعادة كل يوم.. لكنها مع ذلك لم تطلقه تماماً هي فقط استخدمت إحدى الأوشحة الصغيرة لتلف به شعرها وتركت جزءاً بسيطاً من شعرها يتهدل بنهاية رأسها.. وصلت للطابق وتحركت قاصدة مكتبه وما أن اقتربت من الباب وجدت تامر يقف أمامها وهو يقول: "كيف الحال عزيزتي؟"
:"عزتك قلة الهناء وتعب السنوات يا تامر"
قالتها بابتسامة قبل أن تخفيها وتكمل بنبرة مخيفة: "الآن ابتعد عن طريقي قبل أن تتلقى الكثير من دعواتي.. وربما لكماتي إن اضطررت"
:"سأصدق هذا عنك"
قالها ثم طالعها من أعلى لأسفل وهو يكمل: "لكن لا تقلقي لست هنا لأتحرش بك.. فلا شيء مغري فيك على أي حال"
:"هذا شيء يُحسب لأنوثتي يا شقيق الغالي هيثم الذي تمنعني صداقته من وضع وجهك أسفل قدمي الآن لوقاحتك فكن شاكراً له"
قالتها بهدوء فقال: "من الغريب أن تعتبري إهانتي لأنوثتك كما تدعين شيئاً يدعو للسعادة"
كان منزعجاً وقد بدا هذا واضحاً لذا ابتسمت بسعادة وهي ترد ببساطة: "هو كذلك بالطبع يا شقيق الغالي.. فهذا يعني أن أنوثتي ترفعت عن إغواء الحمقى الأوغاد من أمثالك"
كانت تعلم أن ما يزعجه أكثر هو إصرارها على ذكر شقيقه.. وليسامحها هيثم لكن رؤية انزعاج ذلك الحقير الممتزج بعدم قدرته على الرد سيجعل يومها أفضل.. لذا ستعتذر لهيثم فيما بعد على تدمير نهار شقيقه الوقح
:"هذه ليست بداية جيدة للتعاون بيننا"
الآن حان وقت ذكر الشخص الثاني على لائحة إزعاج تامر فاقتربت منه بهدوء وهي ترد: "لا يوجد أي تعاون بيننا.."
ثم رفعت رأسها وهي تكمل بابتسامة: "أنا أعمل مع رئيس الشركة.. ولا أذكر أنك رئيس الشركة"
ثم تحركت تتجاوزه متجهة لمكتب أكمل.. وما أن وصلت دخلت دون استئذان وحمدت الله ألا أحد معه بالمكتب فلم تكن قادرة أن تسيطر على غضبها أكثر.. ألقت الحقيبة على أقرب مقعد ووقفت أمام المكتب تقول بغضب: "لا أصدق أنك مضطر للعمل مع هذا الوغد.. لا أتحمله لبضع ثواني فكيف تتحمل رؤيته كل يوم!"
طالعها بغرابة قبل أن يرد: "هل ضايقك؟!"
فكرت أنها ربما بالغت برد فعلها خاصة أمام أكمل.. التمعت فضة عيناه الساحرتان بخطورة لتجبرها على تذكر مغبة اغضابه بالذات من تامر.. سيتخذها ذريعة لقتله ولن يندم على فعلته وبصعوبة ألقت سعادتها باهتمامه بعيداً عن بالها وقالت بهدوء: "لا.. مجرد رؤيته فقط تستفزني"
لم يبدو عليه التصديق لكن في النهاية أومأ ونهض يسألها: "أين باقي الفريق؟"
:"سيتبعونني بعد لحظات"
قالتها ثم تأملت مظهره ببذلته الرمادية ومجدداً ألقت سعادتها وخجلها بعيداً وهي تهمس برضا: "جيد أنك لم ترتدي ملابسك الغريبة اليوم"
:"ملابسي أنا غريبة؟!"
سألها وحاجباه يرتفعان بدهشة فردت بعملية: "أجل.. لا تلائم عملك كمدير للشركة"
طرق الباب عندها فسألت بهمس: "أين موظفة الاستقبال خاصتك؟"
:"ذهبت لإحضار بعض الملفات من الأرشيف"
همس بها ثم اتكأ على المكتب واضعاً إحدى يديه بجيبي بنطاله ولثانية شعرت أنها امتدت لساعات وقفت تتأمله وهي مفتونة كلياً من مظهره قبل أن يوقظها بقوله برزانة: "تفضل"
هزت رأسها تمنع ذهنها بصعوبة من التركيز على مظهره الجذاب خاصة مع تلك الوقفة.. قررت أن تصب تركيزها على العمل والتفتت تنظر للباب ليدخل فريقها المكون من أربعة رجال وفتاة والتي بمجرد رؤيتها أكمل ابتسمت واقتربت منه تقول بحفاوة: "أكمل.. كيف حالك؟"
ابتسم لها ورد: "كيف حالك ماريان؟"
شعرت بوعاء مياه باردة يُصَب على رأسها مع رؤيتها الطريقة التي تتحدث بها الفتاة.. لم تكن تستوعب ما يحدث وبصعوبة تمكنت من إخفاء صدمتها لتراقب الحوار..
:"أنا بخير"
ردت بها وهي تطالعه ثم نزعت عيناها عنه بصعوبة والتفتت لها وقد كانت مستعدة بتلك اللحظة أن تفقع عينيها بدبوس شعرها وهي تقول: "لم أكن أعلم أن أكمل هو رئيس الشركة"
( أكمل )
ارتفع حاجبا ساندي وصوتها يتردد برأسها قبل أن ترد بعملية: "السيد أكمل يا ماريان هو من سنتعامل معه.. وبالتأكيد لن أخبرك لأني لم أكن أعلم أنك تعرفينه"
وقبل أن تمنحها فرصة للرد التفتت تنظر لهم جميعاً وهي تكمل بأدب: "تفضلوا بالجلوس على طاولة الاجتماعات من فضلكم.. فلا نريد تضييع الوقت"
تحركوا بالفعل جميعاً للطاولة بمن فيهم ماريان.. فنظرت هي بطرف عينها لأكمل الذي ادعى البراءة وهو يهمس: "مجرد صديقة"
تنهدت وهي تستشعر القلق مما هو قادم قبل أن تتحرك نحو الطاولة وهو يتبعها.
****
:"إذاً صديقتك ستعزف بذاك الحفل المهم؟"
تنهد وهو يشعر بالندم على الحديث معه من الأساس.. لكن كان اليوم طويلاً ولديه الكثير من العمل.. لذا فضل الحديث مع أي شخص حتى لو كان السيد خشبة.
-:"أجل ستعزف.. وهناك معزوفة سيكون البيانو هو الأداة الرئيسية بها"
:"هذا رائع"
رد بها قبل أن يكمل بسخرية: "جميع أصدقائك ناجحين.. إذاً لِم أنت فاشل؟"
:"لأني فاشل"
قالها ليقطع عليه الحديث لاعناً نفسه لحماقته التي دفعته للتصديق بأن الحديث مع ذلك الغبي سيكون أفضل من البقاء صامتاً.. التفت ينظر له بعدها وهو يكمل: "أنت قلتها بنفسك أنا فاشل.. لهذا لست ناجحاً مثلهم وإلا لن أكون فاشلاً عندها.. فيستحيل أن تكون الشيء وعكسه بذات الوقت"
عاد يكمل عمله وهو يضع السماعات بأذنه بصمت ناوياً أن يتجاهله كلياً ويركز على العمل.. وعندما فشل تذكر السبب الذي جعله في الأساس يقرر أن يتحدث معه.. فمنذ معرفته أن مؤمن لحق بها وهو معها بدبي كان يشعر بالضيق والحنق.. ثم لازمه الغضب منذ أخبرته بما حدث البارحة.
وصل إشعار لهاتفه فتمنى أن تكون هي وتخبره أنها عائدة لسبب ما.. ثم هز رأسه بعنف طارداً هذا التفكير مخبراً نفسه أنه سيمنعها لو فكرت بالأمر.
فتح هاتفه وابتسم وهو يرى الرسالة القصيرة التي تصف تردد صاحبتها
( هل سنذهب بجولة اليوم أيضاً؟ )
تلفت حوله ليجد عملاً ينتظر أن ينهيه بكل ركن ولم يكن ليلومه أحد لو رفض.. لكنه تذكر اللهفة بعينيها وأسألتها المليئة بالشغف أثناء جولتهما باليوم السابق.. لهذا تنهد والتفت للهاتف وهو يرد على رسالتها.
****
: (سآتي وأصطحبك في الرابعة آنسة سيرين )
ابتسمت بسعادة ما أن وصلتها الرسالة وقررت أن تجعله ينزع اللقب وربما تثني على مؤمن كونه اختار هذا الرجل المهذب المثقف البشوش لرفقتها خلال غيابه.
:"أين ذهبتِ يا فتاة؟!"
بعد سماعها نداء والدتها الغاضب غيرت رأيها.. ستكتفي بنزع الألقاب وستفسد أيام ذلك المتعالي المغرور الذي غادر خلف فتاته الفاشلة..
:"أنا معكِ أمي"
ردت بها سريعاً فهي ليست بحاجة لسببٍ آخر لجعلها غاضبة.
-:"أخبريني مجدداً بما عرفته"
تنهدت وهي تنظر سريعاً للعمال تتأكد من أنهم ينجزون مهامهم.. ثم جلست على الطاولة التي تعمل فوقها وهي ترد بالألمانية: "لقد ذهب مع تلك الفتاة إلى الحفل الذي ستحييه في دبي"
-:"ولِم سمحتِ له بالسفر معها.. على الأقل كنتِ اذهبي معه"
مطت شفتيها مع حديث والدتها المليء باللوم قبل أن تكمل: "ألم أخبرك أن تبقي معه دائماً وألا تتركيه"
-:"لكن أمي..."
:"لا يوجد لكن!"
هتفت بها والدتها قبل أن تكمل: "إن تركت تلك الفتاة تنتصر عليكِ.. سيضيع كل تعبك خلال السنوات الماضية.. والأسوأ أن تلك الغبية قريبة خاطفة الرجال.. ستصبح جزءاً من عائلتنا!"
مطت شفتيها بحنق ثم سألتها: "ماذا علي أن أفعل؟!"
:"تحدثي معه كثيراً"
قالتها والدتها تزامناً مع صوت خطوات حركتها بينما تكمل: "لكن لا تتحدثي وحسب.. تحدثي بذكاء.. بمعنى أن تبدئي حديثك بالعمل الذي سيكون متلهفاً لمعرفة أخباره.. ثم اسأليه عن أحواله.. ومن هنا افتحي معه حوار ولا تنسي أن تذكريه بوالدته"
-:"حسناً"
ردت بها باستسلام وهي تصدق على حديثها.. يستحيل أن تجعل تلك الفتاة الفاشلة تنتصر عليها وتنال منها..
*****
خرجت من إحدى عمليات زراعة السيليكون واتجهت لمكتبها لترتاح قبل موعد العملية التالية لكن ما أن دخلتها وجدن هويدا تجلس به..
:"ما الأخبار؟"
سألتها بلهفة وهي تقترب منها فنهضت هويدا وهي تبتسم بانتصار قبل أن ترد: "لقد عرفت مكانها.."
وقبل أن تسألها أكملت: "وقد جلبت لك الخبر الذي سيشتتها ويرغمها على العودة دون أن تشارك بالحفل"
ابتسمت سوزان عندها بانتصار وجلست أمام هويدا وهي تقول: "اجلسي وأخبريني كل شيء"
****
:"أبي.."
أفاق قاسم من شروده الممتليء بالقلق والخوف على ابنته.. كان قد قرر ألا يتدخل ويتركها حتى تتعلم من عاقبة أفعالها لكن مع سماعه حديث عائشة معها عندما عاد للبيت بسبب نسيانه بعض الأوراق الهامة بدأ بالتفكير في التدخل بطريقة ما..
:"أبي هل أنت بخير؟"
التفت ينظر لابنه الذي اقترب منه وهو يسأل بقلق فهز رأسه وهو يرد: "أنا بخير يا رائف"
طالعه قليلاً قبل أن تلتمع عيناه بإدراك وتراجع عندها ثم وضع ملفاً أمامه قائلاً: "حسناً راجع هذه الأوراق فأنا أريد إرسالها لمؤمن"
استند على المكتب وهو يسأله: "هل تتحدث معه؟"
أومأ له بإيجاب فعاود سؤاله: "ألم يخبرك عن سبب سفره لدبي؟"
تنهد رائف واضعاً كفيه بجيبي بنطاله ثم رد: "لم يخبرني طبعاً.. لكني استنتجت الأمر وحدي"
ضحك بينما يتراجع بمقعده وهو يطالع الفراغ ثم همس: "لهذا السبب جدك كان غاضباً منذ البارحة"
:"جدي يعيش بالماضي.."
التفت ينظر لرائف الذي أكمل بخبث: "مهما حاول لا شيء سيمنع حفيده عن فعل ما يريد"
:"لا شيء سيمنعه فعلاً.."
قالها بخفوت ثم ابتسم بحزن وهو يكمل: "إنه يشبه والدته رحمها الله بتلك النقطة"
تنهد بعدها وعاد تفكيره ينصب على ابنته ووقتها التفت ينظر بلؤم لرائف وهو يقول: "ما رأيك بعقد صفقة؟!"
انعقد حاجبيه باستغراب قبل أن تلتمع عيناه مجدداً بالإدراك لكن هذه المرة رافقها الحنق وهو يتأفف قائلاً: "لا رجاءاً لا تورطني بتلك السخافات"
توقع هذا الرد منه فأسرع يقول: "سأشتري لك تلك الدراجة النارية التي تريدها وسأتكفل بسفرياتك المجنونة لعامين قادمين"
اختفت علامات الحنق عن وجهه واستبدلتها علامات التفكير قبل أن يطالعه وهو يرد بمساومة: "إجعلها ثمانية أعوام"
:"ثلاثة أعوام.."
:"سبعة.."
:"خمسة أعوام أو إلغاء الصفقة كلياً يا ولد"
ابتسم عندها وقدم يده ليصافحا بعضهما ويقولان بنفس الصوت: "اتفقنا"
ثم أكمل رائف: "لكن اعلم أني لن آخذ صف ابنتك ولن تأخذني بها أي شفقة"
:"ولم تظنني اخترتك عوضاً عني.."
قالها وهو يترك يده ثم التفت ينظر لصورة سيرين الموضوعة على المكتب وتنهد مكملاً: "أريدها أن تتعلم درساً ولكن قلبي لن يطاوعني لأقسو عليها"
:"أنا لن أقسو عليها.."
عاد ينظر لرائف الذي ابتسم بشر وهو يكمل: "لكني سآخذ صف الطرف الآخر لأعزز جبهته"
ضحك وهو يرتاح بمقعده ويطالعه بفخر بينما يقول: "هنيئاً لصاحبة الجبهة الأخرى فقد نالت انتصارها للتو!"
*****
والدته رحمها الله أخبرته بمرة أن شائعة انتشرت عن جدة ساندي لوالدها بأنها ساحرة وكان هذا السبب بموافقة والدة ساندي على الزواج من والدها.. فلا أحد صدق أن ميلينا سليلة إحدى أعرق العائلات توافق على الزواج من ابن مربيتها القادمة من إحدى البلاد الإفريقية التي لا يعرف أحد موقعها على الخريطة دون سبب.. والجميع أجمع على حسن خلقها وتهذيبها لذا اتجه الجميع لتصديق أن تلك المربية الشريرة قد سحرت لمدللة العائلة التي تخدمها لتتزوج من ابنها..
والدته أخبرته أنها لم تصدق كل هذا فقد كانت تعلم أنها تزوجت والد ساندي لأنها أحبته وأعلمته كم كانت تلك المربية -التي لا يذكر أي أحد اسمها حتى- امرأة طيبة وصالحة وقد ورثت ساندي عنها ملامحها المبهجة..
لكنه واثق أن تلك السيدة كانت ساحرة بالفعل.. ساحرة طيبة وجميلة تمتلك لساناً بارعاً في انتقاء الكلمات التي ما أن تلقيها ينجذب الجميع لها ويطالعها بانبهار تماماً كحفيدتها التي راقبها طيلة الاجتماع تتحدث بهدوء ورزانة وابتسامة لطيفة تزين ثغرها لتجعل الجميع يطالعها بانتباه وتركيز..
كانت ساحرة!.. وهو تمكن بصعوبة من صرف أنظاره وتفكيره عنها ليركز على الهدف من الاجتماع الذي انتهى بعد ساعات من الترتيب لبرنامج الرحلة والاتفاق على أماكن الإقامة وطريقة الوصول.. وقد تكفلت ساندي بمتابعة كل شيء وإبلاغ مساعدته بكل التفاصيل..
انتهى الأمر بنهوضهم جميعاً وقد صافحهم حتى وصل لغزل التي قالت: "أنا سعيدة أننا سنعمل معاً"
كانت تلك هي المشكلة الوحيدة التي ستعكر صفو الرحلة.. حاول جاهداً تجاهلها لكنه علم منذ رؤيتها أنها ستسبب متاعب كالعادة فقد كانا زميلين بكلية التجارة مع هذا لم يستغرب وجودها كمترجمة فقد كانت تتقن الألمانية وتتحدثها بطلاقة بعد صقلها بالكثير من الدورات التعليمية..
اكتفى بابتسامة وإيماءة بسيطة ثم تراجع نحو مكتبه بينما يغادرون وما أن فعلوا اقتربت منه ساندي ووضعت ملفاً أمامه وهي تقول: "سلمه لمساعدتك واجعلها تطالعه حتى لا أشعر أني أحادث الحائط عندما أتصل لأعلمها بالمستجدات"
أومأ لها ثم ضاقت عيناه وهو يرد: "لم أنتِ متضايقة؟.."
هي لا تجيد الكذب أو الإخفاء لذا صمتت فتنهد وهو يكمل: "لقد كانت زميلتي بالكلية لا أكثر ولا أقل"
مطت شفتيها وهي تتنفس بضيق قبل أن تقول: "لا تنسى أن تلك السفرية متعلقة بعمل هام لك لذا لا تفسده بتصرفاتك.."
كان يفهم ما يعنيه ولكنه قرر أن يدعي العكس وقبل أن يفكر بفتح فمه وجدها تقترب منه وتهمس بخطورة: "ولا تتجرأ على ادعاء الجهل أمامي يا أكمل"
ثم تحركت تسحب حقيبتها لتغادر بانزعاج فقرر استفزازها بقوله: "فقط لأنك هزمتني مرة في الملاكمة لا يجعلك...."
:"مرة؟!"
ردت بضحكة ساخرة قبل أن تلتفت وهي تكمل: "أنت تكون محظوظاً إن غلبتك في يوم مرة واحدة"
ثم رفعت رأسها بخيلاء وغادرت المكان وعندها ابتسم وهو يلتفت ويحرك المقعد بينما يهمس: "الآنسة الشرسة تغار!"
****
انتهى عملها الميداني بعد عناء فبعد موقع عمل ياسر مرت على عدد من المواقع الأخرى التي تتابعها.. وبسبب تحذير الأرصاد من طقس اليوم لم تفكر مرتين وقررت العودة للبيت فوراً.. لم تكن تتمنى قضاء الوقت معهم بالطبع.. لكنها قررت قضاء اليوم داخل غرفتها لإنهاء عملها المكتبي على حاسبها وإرساله لنور مع تقرير معاينة المواقع ثم مشاهدة أي فيلم بهدوء قبل الخلود للنوم بعد تبادل الرسائل مع هيثم لبعض الوقت.. ابتسمت وهي تتخيل فعل كل هذا وفكرت أن تتخلى عن حرصها على المال وتطلب طعاماً جاهزاً اليوم لكن قبل أن تصل لباب غرفتها شعرت بيد أسلم تسحبها للخلف.. التفتت تطالعه وهي تتنهد بملل متسائلة عن سبب غضبه عليها اليوم لكن قبل أن تستفسر صفعها بعنف.. رفعت عينيها له وهتفت: "أيها المخبول المزعج.. توقف عن ضربي كلما أردت إفراغ غضبك!"
-:"أنت السبب لذا عليك تحمل عقبات إغضابي!"
اقترب يمسك بعنقها وهو يهزها بعنف هاتفاً: "ألم أخبرك أن تتوقفي عن ملاقاة ذلك الأحمق خارج العمل.. ألم أفعل؟!"
نظرت بطرف عينها تطالع جوان بنظرتها الشامتة التي جعلت أسنانها تصطك معاً من فرط الغضب لكنها ابتسمت وهي تقول: "صدقاً ما مشكلتك معه جوان.. ظننتك تريدين الايقاع بهيثم لا ياسر.."
شهقت بعنف فلم تكترث والتفتت تنظر لأسلم وبكل قوتها دفعته بعيداً وهي تكمل بكره: "بالطبع هي لن تجد سوى أبله مثلك تسوقه النساء ليجلب لها حقها مني"
عادت تطالعها وهي تردف: "لا يمكنها مجابهتي لأني أفضل منها وتخاف عاقبة غضبي"
كادت تتحرك لغرفتها دون التفات لهم لكنها توقفت ما أن سحبها أسلم ليكيل لها المزيد من الصفعات.. وهي تقبلتها بالبداية فهي تعلم أنه في النهاية سيتعب ويتركها وما كانت لتدفعه عنها وتهرب منه لغرفتها فيقوم بكسر الباب الذي لا تجد خلف غيره ملجئاً.. جملة واحدة فقط جعلتها تتراجع عن هدوئها
-: "ماذا ننتظر من ابنة عاهرة مثلك لابد أن تكون..."
لم تشعر بنفسها بعدها إلا وهي ترفع ذراعها وتثني به ذراعه بحركة كانت قد تعلمتها من ساندي.. شدت ذراعها ليزداد في الألم والتأوه صارخاً: "اتركيني أيتها الغبية!"
ابتسمت بوجهه عندها ثم ردت: "تلك العاهرة كانت أمك أنت أيضاً.. لا تنسى ذلك"
ثم بكل طاقتها دفعت قدمها ببطنه ليسقط أرضاً.. بعدها تحركت نحو الباب ناوية الخروج من البيت.
-:"على الأقل أنا أملك أباً!"
تجمدت بمكانها ثم التفتت ببطء تطالعه بينما يكمل بحقد: "على الأقل أبي أنا لم يتخلى عني ويهرب.. على الأقل أنا لست مجهول النسب!"
سمعت الشهقات تصدر من الرواق الواقف به السيدات الثلاث لكنها لم تلتفت وردت: "معك حق.. لكن أنظر لك وأنت تملك أباً.. لازلت قليلاً للأدب عديماً للحياء والتربية.."
اقتربت منه ثم أكملت ببطء قاتل: "تملك أباً ونسباً معروفاً.. لكنك بلا شرف ولا أمانة.. تملك أباً لكنك جبان وعلكة بفم مجموعة من النساء.. يلكنك وقتما يشئن ثم يبصقنك عندما ينتهين منك!"
ضحكت بعدها بسخرية ثم التفتت لتغادر وهي تكمل: "هنيئاً لك بأبيك يا أسلم.. لكن لا أظنه سعيداً بابنٍ مثلك!"
وبعدها غادرت البيت متجهة للشارع لتسير دون هدى..
******
طالعت تسريحة شعرها الجديدة بسعادة وتشفي.. وهي تتخيل ما سيكون عليه ما أن يراها.. سيفقد عقله وهي سعيدة بهذا.
التفتت تنظر لمنار التي كانت لا تزال شاردة.. استغربت حالتها خاصة مع أخطائها المتكررة أثناء التمرين.. لم يكن هذا من طبعها.. فكرت بسؤالها مجدداً لكنها خافت أن تتطفل عليها.
وصل لهاتفها إشعار رسالة فأسرعت بإخراجه.. وابتسمت فور رؤيتها أن مؤمن يعلمها بوصوله.. التفتت لمنار وقالت: "هل انتهيتِ؟"
التفتت تنظر لها ثم نظرت للساعة وهي ترد: "أظن أني سأعود للمسرح"
انعقد حاجبيها وهي تسألها: "لماذا؟"
:"لم أكن جيدة اليوم"
قالتها ثم تنهدت قبل أن تكمل: "أريد أن أتمرن أكثر حتى لا يتكرر هذا الموقف"
فكرت ريم بسؤالها مجددًا عم أصابها.. لكنها فكرت أن منار بالفعل لا تملك غيرها.. لتخبره بكل أسرارها فهي صديقتها الوحيدة.. لذا إن كان هناك فرصة لأخبرتها بما يضايقها بالفعل.. ولهذا فضلت أن تتجاهل حزنها وقالت: "إذاً تعالي.. سأجعل مؤمن يوصلك"
:"لا..."
قاطعت اعتراضها بقولها: "لقد أخبرني أننا سنذهب لتناول الغداء معاً لذا لا مانع من إيصالك أولاً فلن نعود للفندق على أي حال"
ابتسمت منار بخبث وهي ترد: "قفزٌ بالمظلات ودعوة للغداء من يدري ماذا يخفي السيد شفيق لك أيضاً"
ارتبكت من حديثها لكنها قالت بمكابرة: "وماذا سيخفي ذلك البارد؟"
:"من يدري.. ربما مثلاً خاتم من الذهب الأبيض مرصع بألماسة ومكتوب عليه اسمه"
لفت إحدى خصلاتها على إصبعها دون التفات لحديثها المليء بالسخرية قبل أن ترد: "وإن أحضره لن أوافق"
:"سنرى"
التفتت تنظر لها فوجدتها تطالع إحدى المجلات وعندها قالت بانزعاج: "أنهي تصفيف شعرك لنغادر فالسيد صاحب الخاتم لا يحب أن ينتظر"
ثم التفتت تنظر لنفسها بالمرآة وهي تحاول منع ابتسامتها..
*****
."لقد أتيتِ بأفضل وقتٍ بالسنة.."
قالها فادي وهو يسير بجوارها بعد أن تناولا الغداء بأحد المطاعم المطلة على البحر.. التفتت تنظر له فأكمل: "بوقت الصيف تكون المدينة مزدحمة ويصعب الاستمتاع بمعالمها بسبب هذا "
:"هذا أمرٌ طبيعي فهي مدينة مصيف في النهاية"
قالتها وهي تشرب قليلاً من العصير الذي اشترياه فابتسم وهو يقول: "يبدو أن الحديث التحليلي البارد سمة متوارثة بعائلتكم"
:"أنا لست باردة.."
ردت بها ثم توقفت وابتسمت بثقة بينما تطالعه وتكمل: "أنا عملية وواقعية والواقع غالباً يكون قاسياً"
انعقد حاجبيه وهو يدعي التفكير متسائلاً: "تُرى أين سمعت هذا الحديث من قبل؟!"
:"بالطبع سمعته من ملك الواقعية بنفسه!.."
قالتها وهي تسير بعصبية ثم تنفست بعمق وهي تكمل: "لكن هو بارد بالفعل لا يمكنني الإنكار"
:"على الأقل اتفقنا بهذا الشأن"
همسها بينما يتبعها بالسير قبل أن تسأله: "أين سنذهب الآن؟"
رد بهدوء: "سنسير لمكان الفندق الذي تقيمين به"
التفتت له وقد بدا عليها الاستياء بينما تقول: "ألن نذهب لأي مكان سياحي اليوم؟"
هز رأسه بنفي وهو يرد: "للأسف الليلة هناك نوة شديدة ستبدأ من بعد صلاة المغرب لذا الأفضل أن أعيدك للفندق باكراً"
:"نوة؟!"
سألت باستغراب فسار بجوارها مفسراً: "النوة هي عاصفة من الرياح القوية تتسبب بارتفاع أمواج البحر مع برودة الطقس وأمطار غزيرة غالباً"
أومأت بفهم ثم ردت: "مؤمن حكى لي أنا ورائف شيئاً كهذا.. حتى أنه أخبرنا أنكم تحفظون مواعيدها"
:"هذه حقيقة"
قالها فابتسمت وهي ترد: "هذا رائع.. تماماً كأنكم خبراء طقس"
ضحك بخفة ثم قال: "الأمر ليس خبرة.. معظم النوات يكون لها مواعيد محددة بالعام ونحن نحفظ تلك المواعيد حتى لا نتفاجأ بسوء الجو"
:"خسارة كنت أريد التنزه الليلة"
ردت بها باستياء بينما تطالع البحر ففكر قليلاً قبل أن يقول: "لو كان الطقس ملائماً في الصباح الباكر سآتي لاصطحابك ونتناول الفطور بمكانٍ مميز سيعجبك"
التفتت له وهي تسأل بدهشة: "حقاً؟!"
أومأ لها بإيجاب فصفقت كفيها ترد: "هذا رائع!"
ثم طالعته قليلاً قبل أن تكمل: "لا أصدق أنك صديق عديم الذوق ذاك.."
مط شفتيه وهو يحرك رأسه بموافقة وهي أكملت بينما تحرك ماصة العصير بعصبية: "ولا أصدق أنك صديق تلك الغبية ال...."
:"لا إياكِ وإهانتها.."
قاطعها فالتفتت له وهو ابتسم بينما يكمل: "إنها صديقتي المقربة ولن أسمح لكِ بذكرها بسوء"
تأففت بضيق وهي تقول: "لا أعلم لم تحبونها وتدافعون عنها"
:"لأنها تستحق أن يحبها الجميع.."
نظرت له فأكمل بلطف: "لو تعرفتِ عليها لأحببتها!"
ضحكت بسخرية قبل أن ترد: "هذا مستحيل!.. ثم أن هذا لا ينطبق على الجميع تلك الفتاة التي أتت للسؤال عن مؤمن تكرهها أكثر من أي شيء"
انعقد حاجبيه وسألها باستغراب: "عمن تتحدثين؟"
التفتت تطالعه وهي ترد: "فتاة أشبه بالدمى البلاستيكية أتت للسؤال عن مؤمن وعندما سألتها من تكون أخبرتني أنها صديقته.."
تذكرت وجهها وضحكت باستهزاء وهي تكمل: "ليتك رأيت مظهرها ما أن أخبرتها بسفره مع صديقتك المقربة بدت وكأنها ستنفجر"
:"سأصدق هذا!"
التفتت تنظر له لتجده يطرق مطالعاً الأرض بتفكير فسألته: "هل هي صديقتكم حقاً؟"
:"لا كانت صديقة ريم المقربة وحسب.."
رد بها ثم التفت يكمل بلوم: "ولدي شعور أنكِ ورطتها بإخبار الدمية البلاستيكية أن مؤمن معها"
صدمت من حديثه قبل أن تدعي الشعور بالأسف وهي ترد: "حقاً فعلت؟!.. يا للأسف!"
ضحك باستهزاء وهو يقول: "أنتِ لستِ آسفة أبداً"
التفتت بعينيها تنظر للجهة الأخرى وقد كان متأكداً أنها الآن تبتسم بانتصار بينما هو عاد يتطلع أمامه يفكر بما عليه فعله فسوزان بالتأكيد لن تترك الأمر يمر بسهولة.
****
سارت دون هدى على الشاطئ وهي تتذكر كل ما حدث.. لم يكن يؤلمها أن تعرف سرها الحرباء وبناتها.. بكل الأحوال كانت تتوقع أن يكون والدها قد أخبرها أو أسلم أخبر زوجته.. ولم تكن لتخاف من افتضاح سرها عن طريقهن.. في النهاية كن يخفن على مظهرهن الاجتماعي أكثر من أي شيء.
تعبت في النهاية وجلست على الرمال تتطلع للأفق وهي تبحث عن شيء تقوله لنفسها.. لتخفف عنها ربما.. لتنسيها إن كان ممكناً..
لا شيء!
لا شيء لتقوله ولا شيء لتتحدث به.. نظرت للهاتف بيدها الذي رن برقم هيثم.. كان يتصل بها ليطمئن على عودتها للبيت بعد قضائها معظم الوقت خارجاً.. وما أن علم أنها لا تزال في الخارج طلب أن يلتقيها واتفقا أن يريا بعضهما بهذا المكان.
طالعت الهاتف محاولة تجميع الكلمات من رأسها.. لكن ضجيج عالي لا تعلم مصدره كان يشوش أفكارها.. تلفتت حولها لتجد أنها وحيدة ولا أحد بقربها وعندها أدركت أن ذاك الضجيج من داخل رأسها..هبت ريح عاتية جعلتها تنحني وهي تشبك كفيها معاً.
(لماذا لم تأخذني معها؟!)
صدح هذا السؤال بعقلها مجبراً إياها على ضرب رأسها بعنف وهي تهمس: "توقفي.. توقفي!"
حاولت جاهدة إسكات الضجيج وذلك الهمس بالسؤال إلا أنها لم تقدر.. لاح ببالها عدد الليالي التي قضتها بسؤال نفسها ذاك السؤال دون امتلاك إجابة.. والذي انتهى بقسمها على نفسها ألا تفعل.. ألا تسأل مجدداً عنها.. أن تنسى أنها تمتلك أماً.. كانت مجهولة نسب الأب بالفعل فلا مانع من أن تكون مجهولة نسب الأبوين.. لذا مزقت كل الصور التي كانت تحتفظ بها لها.. وتخلصت من كل الثياب التي كانت ترتديها تشبهاً بها..
:"إسلام هذه ليست أنتِ!"
امتلأت عيناها بالدموع وهي تتذكر جملة جدتها بذلك اليوم الذي حاولت مراراً نسيانه.
&&فـــــــــلاش بـــــــــاك&&
أنهت تحويل آخر حقيبة من الثياب أمام المنزل بذات اللحظة التي وصل بها عامل البناية.. ووقف يطالع الثياب بصدمة ثم نظر لها وهو يسأل: "آنستي هذا كثير جداً!"
ابتسمت وهزت رأسها بنفي وهي ترد: "اجعل بناتك يأخذن ما يحتجنه.. والبقية وزعه بمعرفتك يا عم"
أومأ لها بصمت فتحركت تعود إلى شقتها.. وهي تنوي الذهاب لغرفتها دون انتظار استفسارات زوجة والدها وبناتها.. وصلت لغرفتها وأغلقت الباب ثم نظرت للخزانة التي كانت ممتلئة حتى الصباح.
لقد جلست لساعات المساء تطالعها وتنظر للثياب التي اقتنتها لتتشبه بوالدتها.. تتذكر ألبومات الصور التي تحتفظ بصورها داخلها.. كانت الكوابيس لا تفارقها.. لا شيء كان مريحاً.. صوت ذلك الهمس وتلك الأسئلة التي لا تعثر لها على أي إجابة جعلها عازمة على محو كل ذكرى لها بحياتها.. فقضت الليل بطوله تهمس بجملة واحدة
( أنا أكرهكِ! )
وباليوم التالي جمعت كل شيء وأرسلته بعيداً عنها.. وقد أسكت هذا الأصوات..
للغرابة كل شيء صمت.. وهي توقفت عن البكاء.
التفتت تتحرك نحو الحمام تطالع صورتها.. شعرها طال مجدداً وعليها قصه.. أخرجت المقص وأدوات الاستحمام ثم التفتت تعود لغرفتها.. نظرت للخزانة الخاوية إلا من بضع قطع ملابس.. ثم شرعت بالبحث بداخلها عن أي منامة لترتديها.
فُتِح الباب عندها فلم تلتفت.. كانت جدتها فقط من تسمح لنفسها بالدخول دون إذن.. البقية كانوا يخشون غضب جدتها إن فعلوا.. اقتربت منها وقد شعرت هي بهذا.. رفعت عينيها تنظر لمرآة الخزانة لترى عيني جدتها تقابلانها بحزن وهي تهمس: "إسلام.. هذه ليست أنتِ!"
&&&&
أغمضت عينيها بألم وبدأت البكاء ثم ألقت الهاتف بعيداً.. هي كاذبة.. لقد آلمها الوغد وفتح جرحها الذي حاولت تطبيبه لسنوات.. وعندما فشلت تجاهلته وادعت التعايش مع حمل تلك الحقيقة.
نظرت لكفيها وهي تهمس: "إن لم تكن هذه أنا إذاً من أكون؟"
فكرت أن جملة (أنا أكرهك) التي كررتها بليلتها بلا توقف لا تخص تلك المرأة وحسب.. هي تكره نفسها.. وتكره الساعة التي ولدت بها.. لكن أكثر ما تكرهه هي تلك المرأة..
رفعت عينيها تنظر للبحر كانت الأمواج عالية.. إن ألقت بنفسها لن يشعر بها أي أحد.. نهضت من مكانها وخطت خطوة وقبل أن تخطو الثانية شعرت بكف يمسكها.. وما أن التفتت وجدت هيثم يطالعها بخوف وهو يقول: "لماذا لم تردي علي؟!"
اقترب منها أكثر وهو يتحسس وجنتها بينما يهمس: "ماذا أصابك؟!"
بدأت بالبكاء فوراً وهي تلقي رأسها على صدرها فخلع معطفه ووضعه حولها ثم سحبها ليغادران الشاطيء بعد أن التقط هاتفها بطريقه.
****
نظرت لقبضته المشدودة على المقود فابتسمت بانتصار.. تماما كما فعلت عندما خرجت من الصالون ورآها لأول مرة بعد قص شعرها.. كان غاضباً وهي سعيدة لأنها أغضبته..
:"أنتِ حمقاء!"
التفتت تنظر له فأكمل ببرود حاول جاهداً ألا يجعله يظهر حنقه: "لأجل إغضابي تتخلين عن شعرك.. لا أصدق ما فعلته!"
فكرت بأن إظهار غضبها لن يكسبها شيئاً.. لذا أبقت على ابتسامتها وهي ترد: "لا يمكنني وصف مدى سعادتي برؤيتك متأثراً بهذا الشكل"
سمعت تأففه الممتليء بالحنق وشعرت بالانتصار.. فقررت تجاهله وعدم الحديث بالأمر.. فتحت هاتفها تتفقد رد خالتها على الصور التي التقطتها لنفسها وأرسلتها لها.. لكنها شعرت بالقلق عندما لم تجبها ولم تفتح الرسائل حتى.. اتصلت بهاتفها ولم ترد.. فأسرعت بالاتصال على هاتف دارين التي ردت فوراً وهي تقول: "مرحبا ريم"
توقفت السيارة عندها لكنها لم تلتفت وسألتها: "دارين أين خالتي؟"
-:"لقد خرجت وأخبرتني أنها ستعود بعد العصر بقليل"
مطت شفتيها والقلق بدأ يساورها قبل أن تقول: "حسناً لا تخرجي من البيت.. ولا تفتحي الباب لأحد"
-:"لقد قالت كل هذا الكلام قبل أن تغادر!"
ردت دارين بحنق فأنبتها بقولها: "توقفي عن التبرم يا فتاة ونفذي ما أقوله"
-:"حاضر"
فكرت قليلاً قبل أن تقول: "وأريدك كذلك أن تطلبي منها الاتصال بي ما أن تعود"
-: "حاضر.. كيف حال أخي؟"
التفتت تنظر له كان قد أوقف السيارة وهبط منها بينما تتحدث وما أن التفتت وجدته يقف مع رجل بدا وكأنه أحد سكان البلد بثيابه المميزة قبل أن ترد: "هو بخير لا تقلقي عليه"
-:"اعملي بجد لأجل العرض في الغد"
تنهدت وعاد التوتر يملؤها مجدداً قبل أن تهز رأسها وترد: "لا تشغلي بالك.. المهم لا تنسي أن تجعلي خالتي تكلمني"
-:"حاضر.."
أغلقت الخط بعدها وهي تشعر بعدم ارتياح.. فأياً كان ما حدث خالتها لم تكن لتتجاهل اتصالها.. لابد أن السبب قوي.. التفتت تنظر له وتمنت أن يكون يعرف شيئاً عنها.. نظر لها عندها ودعاها للنزول.. وقبل أن ترفض وجدت الرجل ينظر ناحيتها بابتسامة.. فلم تجد بدًا من الامتثال وهبطت فعلاً.. اقتربت منه ووقفت بجواره وهو يقول: "ريم أود أن أعرفك"
نظرت للرجل الذي حياها باحترام.. بينما مؤمن يكمل: "الشيخ عبدالعزيز.. أحد أهم رجال الأعمال هنا"
أومأت باحترام وهي ترد: "تشرفنا"
-:"الآنسة ريم خطيبتي"
حاولت جاهدة ألا تبدي صدمتها من كلمته والتي تبعها امتلاء صدرها بالحنق بينما الرجل ابتسم قائلاً: "تشرفنا آنستي"
التفت له وهو يكمل: "إذاً هل أنتما هنا لقضاء إجازة؟"
-:"لا.. ريم عازفة بيانو وستشارك بالمهرجان الذي ستبدأ فعالياته غداً"
ارتفع حاجباه بدهشة قبل أن يرد: "كلاكما مبدعان إذاً.. أتطلع لسماع عزفك آنستي.. فأنا ضيف شرف في جميع الحفلات"
:"سيسعدني سماعك لعزفي سيدي"
ردت بها بأدب بذات اللحظة التي رن هاتف الرجل بها فأغلقه ثم نظر لمؤمن وهو يقول: "أنا أود قضاء مزيداً من الوقت معك مؤمن.. هناك بعض الأشياء التي أريد رأيك بها"
-:"لا مانع عندي.. يمكننا ترتيب موعد غداً"
-:"هذا جيد.. سأتركك الآن لتكملا جولتكما"
أومأ له فالتفت لها الرجل بلطف وهو يقول: "تشرفت بلقائك آنستي"
ابتسمت له وما أن غادر وتأكدت من ابتعاده ضربت مؤمن بساقه وعندما التفت لها قالت: "خطيبتك.. حقا؟!"
:"أنتِ كذلك بالفعل"
رد بها فتأففت بضيق وقبل أن تفتح فمها سحبها ليسيرا فأوقفته وهي تسأل: "إلى أين تأخذني؟"
التفت لها ورد بهدوء: "سنتناول الغداء"
عقدت ذراعيها وسألته: "أين؟"
:"هنا"
قالها وهو يشير للأعلى فرفعت ناظريها تطالع ناطحة السحاب.. تعلقت أنظارها بشكلها الفريد حيث بين كل عددٍ من الطوابق تمتد منها نتوءات حول كامل الهيكل لتبدو كوردة وافترضت أنها مطاعم ومحلات.. ثم هناك جسر من الزجاج الكامل يمتد منها للناطحة المجاورة لها والمشابهة في التصميم الفارق أن هذه تبدو فضية بينما الأخرى ذهبية ولم تكن تعلم السبب بهذا..
التفتت تنظر له فوجدته يبتسم بسعادة وهو يطالعها قبل أن يقول: "يسعدني أنها أعجبتكِ"
كانت مصدومة مع إدراكها لكنها سألته: "لا تقل لي أنك من صممت هذا؟!"
:"ونفذته.."
قالها وتنهد براحة قبل أن يلتفت ويطالع الأبراج بسعادة بينما يكمل: "شركتي من نفذت هذا"
لم تستطع إخفاء سعادتها به وردت: "إنه جميل!"
عاد ينظر لها ثم سحبها وهو يقول: "انتظري لتري التصميم الداخلي"
:"لا أطيق صبراً لكن لدي سؤال كيف جعلت واجهة تلك الناطحة ذهبية بهذا الشكل.."
سألته بينما تسير بجواره ثم تلفتت حولها تتأكد أن لا أحد سيسمعها وهي تهمس: "أنا أعلم أن سكان البلد أثرياء لكن ليس لدرجة طلاء ناطحة سحاب بالذهب!"
ولمرة نادرة لا تتكرر كثيراً انفجر السيد شفيق الكئيب يضحك بانطلاق فابتسمت برضا وهي تشعر بالزهو بينما تسير بجواره وتسمع شرحه المفصل لكيفية جعل ناطحة سحاب ذهبية اللون..
****
كانت والدتها تطالعها وتحاول كتم ضحكتها ورغم هذا لم تهتم.. قررت غسل الأطباق التي تناولوا بها الغداء على أمل أن يقلل هذا من غضبها..
:"بدليها!.."
التفتت تنظر لوالدتها التي كانت تجلس على مقعد بقربها وهي تكمل: "المترجمين كُثُر اختاري غيرها"
:"كم مرة سأقول لك أنه لا يجب خلط المشاعر بالعمل؟!"
ردت بها على والدتها التي ابتسمت وهي تقول: "على الأقل اعترفتِ بأنكِ تحملين مشاعر له"
حركت مقلتاها بكل مكانٍ بالمطبخ لتحاول التهرب منها لكن في النهاية عادت لغسل الصحون بينما ترد: "أنا لا أرى مشكلة بتصريحك.."
ثم رفعت الملعقة الخشبية ووجهتها نحوها وهي تكمل: "لكني لازلت مصرة على رأيي.. لا يجب أن تؤثر المشاعر على العمل"
ارتفع حاجبي والدتها وهزت رأسها بينما تقول: "أتفق معكِ كلياً بهذا"
عادت لغسل الصحون مجدداً وقد قررت أنها ستصمت ولن تتكلم أكثر لكن قرارها لم يدم سوى بضع ثوانٍ وبعدها ردت: "رغم هذا أنا غاضبة!.."
فركت الطبق بالصابون بعنف وهي تكمل: "لا أصدق أني سأضطر لتحمل نظراتها له أسبوعاً كاملاً"
:"هل هي جميلة لهذه الدرجة؟!"
سألتها والدتها فتذكرت صورتها بشعرها القصير الملون ولون عينيها المزيف قبل أن تكز على أسنانها وهي ترد: "المشكلة ليست بجمالها أمي المشكلة بما ترتديه.."
التفتت تنظر لها وهي تشير للنافذة وتكمل: "انظري لمدى برودة الجو خارجاً.. وتلك الباردة ترتدي تنورة فوق ركبتيها"
شهقت والدتها وهي تقول: "هل فعلت؟!"
:"أجل.."
ردت بها ثم أكملت بغضب: "وليتك ترين طريقة سيرها.. كأنها ترقص"
طقطقت بلسانها بينما تقول: "تلك الوقحة!"
لم تهتم بسخرية والدتها فقد كان الغضب يحتلها بينما تهمس: "العيب ليس عليها وحدها.. العيب على فضي العينين.. أفعاله المشينة هي ما جعلت الفتيات يلاحقنه كالنحل"
سمعت صوت تحطم شيءٍ ما فأفاقت وأخفضت عينيها لتجد أن الملعقة الخشبية قد تحطمت بفعل قبضتيها الملتفتان حولها.. نظرت لوالدتها وهي تقول: "أعتذر أمي"
هزت رأسها بينما ترد: "كانت قديمة على أي حال ورغبت بالتخلص منها"
نظرت للملعقة مرة أخيرة قبل أن تلقيها في القمامة ثم تنفست بعمق وهي تقول: "أنا أبالغ أليس كذلك؟!"
:"لا أبداً.."
قالتها ثم أشارت للطاولة الرخامية بجوارها فتحركت لتجلس فوقها وتنظر لوالدتها التي قالت: "أنا أعلم أن بعض الرجال ينجذبون لأمثال تلك الفتيات لكن أكمل ليس منهم.. أكمل عندما ينجذب لفتاة سينجذب للسانها و....."
اتسعت عيناها بصدمة ما أن سمعت كلمة والدتها وقاطعت حديثها بردها: "هذا أسوأ أمي.. فلساني لا يكف عن توبيخه ما أن أراه"
ضربتها على ساقها بخفة وهي تقول: "دعيني أتم حديثي يا بنت.."
صمتت عندها فابتسمت والدتها وهي تكمل: "سينجذب لاهتمامك وذكائك وطيبة قلبك.."
ابتسمت ما أن سمعت حديث والدتها الت ربتت على ساقها بينما تردف: "كما أني واثقة أنك أجمل من هذه الفتاة.."
حركت ساقيها بسعادة واتسعت ابتسامتها لكنها تجمدت ما أن قالت والدتها بصرامة: "مع هذا علينا إيجاد حل للسانك الطويل ذاك!"
****
:"لم ضربك ذلك المختل؟"
سألها وهو يمسح وجهها بمنديلٍ مبلل ثم وضعه جانباً.. ارتاحت بجلستها وهو يطالعها بقلق وبعد لحظات من الصمت ردت: "مجرد سوء فهم"
تأفف بضيق قبل أن يسألها بحدة: "هل تمزحين معي؟!"
أشار لوجهها بينما يكمل: "أي سوء فهم سيفعل هذا بوجهك؟!"
كان يعلم أنها تحاول ألا تبكي لكن دون جدوى فأطرقت بصمت شعر بالأسى وقد هدأه هذا من جهتها لكنه لم يهديء غضبه بل زاده.. كان يتمنى ملاقاة ذلك الوغد شقيقها وتلقينه درساً وكسر ذراعه التي رفعها عليها.. لكن هذا لن يساعد بل سيزيد الأمر سوءاً لذا اقترب منها وأمسك وجهها بكفيه وهو يقول: "سولي اسمعيني.. أخبريني فقط لِم ترفضين الزواج مني؟!.. سأريحك من كل هذا وأبعد أذاهم عنك"
تشبثت بكفه الممسك بوجنتها وطالعته وهي ترد: "لا يمكنني!"
:"لماذا؟. أعني ما الذي يمنعنا من الزواج؟"
سألها وهو لا يجد سبباً واحداً لرفضها.. كان يتمنى أن تمنحه سبباً علّه يحله وتنتهي تلك المعضلة التي تؤرقها لكنها لم تكن ترد..
كان على وشك الضغط عليها عندما رن هاتفها الموضوغ بجواره فالتفت ليطالع الاسم الظاهر ثم تنهد بحنق وهو يقول: "إنه والدكِ"
ضحكت بسخرية وهي تهمس: "والدي!"
ازدادت دهشته وشكّ للحظة أن يكون السبب بتلك الكدمات هو والدها.. لكنه لن يصدق هذا عنه ببساطة فهو رجلٌ هاديء ومتزن يستحيل أن يضربها لهذه الدرجة.. ومع تأمله للإصابات على وجهها وعنقها أكثر كان غضبه يزداد أكثر وأكثر.. لن يحطم ذراعه بل سيقطعه كلياً دون شفقة..
مدت يدها تأخذ منه الهاتف فقال: "لا تردي إن لم تريدي.."
:"لا يمكنني!"
قالتها بنفس الطريقة فتنهد بحنق بينما يرتاح بظهره على المقعد يراقبها وهي ترد: "نعم.. في الشارع.. لا.. حسناً سأعود.."
أغلقت الهاتف بعدها ثم مسحت وجهها وأخذت عدة أنفاسٍ عميقة.. التفتت بعدها له وهي تقول: "أعدني للبيت.."
:"لا!"
رد بصورة قاطعة وكاد أن ينهض من جوارها لكنها أمسكت بذراعه وقالت: "هيثم رجاءاً.. أنا متعبة وأبي قلق علي و...."
:"لو كان قلقاً عليكِ ما ترك ذلك الغبي يضربك!"
صرخ بوجهها فتراجعت وانفجرت بالبكاء بشكلٍ أسوأ وعندها أدرك مبلغ خطأه فاحتضنها وهو يقول: "اللعنة!.. لم صرخت عليكِ؟!"
استمرت بالبكاء فربت على رأسها وهو يكمل: "أنا آسف سولي"
:"أعدني للبيت رجاءاً!"
سمع توسلها المكتوم فتنهد بتعب ومسح على شعرها بينما يكمل: "حسناً سأعيدك أنتِ فقط اهدئي حبيبتي"
****
في صباح اليوم التالي
كانت تقف أمام الخزانة وتحضر حقيبة ثيابها للحفل.. صوت القرآن كان يصدح بالمكان بعد توصية خالتها أن تشغله طيلة الليل وفي الصباح قبل ذهابها للمسرح.. أنهت تحضير الحقيبة وقبل أن تغلقها استقامت ووقفت تتشبث بالقلادة التي أهداها لها مؤمن والتي تضع بها خاتم والدتها الذي لم يفارقها منذ أخذته من خالتها تنفيذاً لوصيتها..
تنفست بعمق لعدة مرات ثم أغمضت عيناها وهي تهمس: "يمكنني فع...."
قاطع الطرق على الباب حديثها فالتفتت وسارت نحوه ثم فتحته ظناً منها أنها منار لكنها صُعِقَت وتجمدت ما أن رأت الواقفة أمامها ودون أن تعي همست: "سوزان؟!"
كانت تظن أنها تحلم.. بل هو كابوس يزاولها بسبب توترها لكن ما أن ابتسمت وسألتها بطريقتها المصطنعة: "كيف الحال ريم؟"
دفعت الباب بعدها ودخلت للغرفة تتأمل كل شبرٍ منها بحقد وغضب لم تحاول إخفائهما ومع رؤيتها كل هذا تأكدت أن تلك بالفعل سوزان فتنهدت بملل قبل أن تسألها: "ماذا تفعلين أنتِ هنا؟"
التفتت تطالعها بلوم وهي ترد: "هكذا تقابلين صديقتك التي رغبت أن تلقاك قبل المهرجان لتدعمك.."
لم تتمالك نفسها وضحكت باستهزاء وهي تسألها: "حقاً؟!"
:"حقاً يا قلبي.."
ردت بها وطالعتها بنفس الطريقة المزدرية قبل أن تتقدم منها وهي تكمل: "أنا أحييكي صراحة يا ريم لقد نضجتِ أخيراً ولم تعودي الجبانة التي كنتِ عليها بطفولتنا.."
تقبض كفيها معاً وتنفست بعمق لتهدأ بينما تسمعها تكمل: "الأمر يتطلب كثيراً من الشجاعة لتكملي العرض رغم غياب معلمتك بالذات مع حالتها الحرجة"
انعقد حاجبيها باستغراب وهي تسألها: "ماذا تعنين؟"
شهقت بعنف ورفعت كفها على فمها بينما ترد: "يا إلهي.. ألم تكوني تعلمين؟!"
لم تكن تهتم بابتسامتها الشامتة وعيناها المليئتان بالحقد.. كانت مرتعبة.. كانت تعلم أن ما ستسمعه لن يعجبها.. وببالها تذكرت جسد والدتها الهامد فجأة بينما سوزان تركتها لفترة تتعذب قبل أن تكمل أخيراً: "نغم مريضة للغاية ومحجوزة بالمشفى"
تراجعت تتكيء على الجدار وهي تضع يدها على صدرها بالكاد كانت تستطيع التنفس بينما مطت سوزان شفتيها وهي تردف: "يقولون أنها لن تعيش طويلاً.. يبدو أن العيب بكِ يا صديقتي.. كل من يقترب منكِ يموت!"

*****

رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن