رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث عشر

157 12 2
                                    

~الرسالة الأولى~
أنظر لك الآن وكأني أراك للمرة الأولى..
وسؤال يجتاحني..
أعلم أني لن أجد إجابة له بسهولة..
أيُعقل أني أحبك؟!..
أم أن قلبي يخدعني ليملأ فجوة بنفسي المنبوذة..
****
تحركت تهبط الدرج بتكاسل بينما تتثاءب.. وما أن رأته ابتسمت وقالت: "صباح الخير"
نظر لساعته ثم رفعها بوجهها وهو يرد: "سنتأخر نصف ساعة كاملة بسبب حضرتك"
فتحت فمها لترد.. لكنه عاجلها بسحبها بعنف بينما يهبطان الدرج وهو يكمل: "وها أنت تنوين الجدال رغم كونك المخطئة"
ضاقت عينيها وهي تنتوي الصراخ عليه.. لكن يدها ارتفعت بتلقائية تمسك بالقلادة التي أهداها إياها.. وعندها ابتسمت وهمست: "هذه تغفر لك كل شي"
التفت ينظر لها ثم ابتسم بسخرية وهو يرد: "وتحادثين نفسك أيضاً!.. لقد فقدت عقلك يا سبونج بوب"
مطت شفتيها بينما تهمس بتذمر: "أسحب كلمتي بالتأكيد لا تغفر لك كل شيء.. فأنت وقحٌ للغاية مستر شفيق.."
عاد ذلك الشعور بالسعادة الذي رافقها منذ مساء تلك الليلة ينغز قلبها.. فابتسمت ثم أغمضت عينيها وهي تكمل: "لكن مهما غضبت سأغفر لك بالنهاية للأسف"
أفلتت يدها منه ثم أسرعت تسبقه وهي تهتف: "اسبقني الآن وإلا جعلت العم كساب يدخلني ويتركك خارجاً عقاباً لك على وقاحتك!.."
****
مع انطلاق جرس الفسحة نهضت ريم وهي تمدد عضلاتها استعدادا للنزول...
: "ريم"
التفتت تقف باستقامة وهي ترد: "نعم أستاذة"
نظرت لها خالتها بطريقتها المرعبة التي تجعلها ترغب بالركض والاختباء لكنها تمالكت نفسها.. وبعد مرور ثوان طويلة من التعذيب قالت: "أنتِ ومؤمن ممنوعان من نزول الفسحة اليوم وغداً.. بسبب تأخركما عن طابور الصباح اليوم"
كان هذا أفضل من أن تعاقبها بالوقوف طيلة الحصة أمام الجميع.. ومع هذا حاولت ألا تبدي سعادتها بالأمر وردت: "حاضر أستاذة.. نعتذر ولن تتكرر مجددا"
التفتت لمؤمن الذي ردد ذات الجملة ثم التفتت تسير مبتعدة بهدوء.. وما أن تأكدت من خروجها من الصف وابتعادها تماما تنهدت براحة قبل أن تحيط إسلام بكتفيها وهي تقول بسعادة: "أنظروا لصديقتي المشاغبة.. الآن أخبريني لم تأخرتِ.."
التفتت لها لتجدها تغمز بعينها بشقاوة بينما تهمس: "أين كنتما أخبريني؟.."
استغربت ريم طريقة حديثها لكنها ردت ببساطة: "لقد نمت بوقتٍ متأخر البارحة لذا استيقظت متأخرة"
-:"مما يعني أنه خطأك"
كان هذا صوت مؤمن الذي وصلها ليجعل بدنها يقشعر من فرط بروده أولاً.. وثانياً بسبب إحراجها أمام الجميع.. تلفتت حولها وهي تحمد الله أن فقط زملائها بالمشروع سمعوا هذا قبل أن تمط شفتيها وتتنفس بعمق محاولة وأد حنقها من طريقته حتى لا تفتعل مشكلة معه.. كما أنها ذكرت نفسها بصحة كلامه.. فلولا تأخرها صباحاً كانوا ليصلوا بموعدهم..
-:"سأذهب لشراء بعض العصائر لنا"
قالتها اسلام بينما تتوجه للخارج وتبعها فادي قائلا: "سأشتري أنا أيضا بعض المسليات لنا"
اتسعت عينيها لثانية قبل أن ترد: "لا داعي أن تبقوا"
ثم التفتت لساندي وأكمل وهيثم وهي تكمل: "يمكنكم نزول الساحة"
-:"لا بالطبع"
ردت بها ساندي قبل أن يكمل هيثم عنها: "لا شيء مهم بالأسفل.. أفضل البقاء معكم"
-:"كما أن علينا نقاش ما سندونه بالتقرير عن الرحلة والحديث عن وجهتنا التالية"
قالتها إسلام بينما تغادر.. فابتسمت بذات اللحظة التي تحركت بها ساندي تقول: "تعالي معي ريم"
ثم أشارت لشعرها وهي تكمل: "انفكت عقدة شعري وأريدك أن تساعديني"
أومأت لها وتحركتا بالفعل نحو الحمام.
**
أنهت ربط الوشاح الصغير حول رأسها.. ثم نظرت لها عبر المرآة وهي تسألها: "إذاً ما رأيك؟"
كانت ساندي مبتسمة بينما تراقب التسريحة التي رفعت شعرها.. وتركت خصلاته الملفوفة تتدلى من علو على جبينها.. بينما الوشاح الصغير المزركش يحيط برأسها.. التفتت لها وردت: "تبدو رائعة أنتِ مبدعة"
عقدت ريم ذراعيها وقالت: "أخبرتك ستبدو تلك التسريحة رائعة عليكِ"
كان هذا ما قالته بالفعل عندما دفعتها لشراء ذلك الوشاح.. وقد كانت سعيدة لرؤية تلك الابتسامة على وجهها الآن.. فاقتربت تضرب كتفها وهي تكمل: "اشتري بعض هذه الأوشحة وسأعلمك كيف تعقدينها"
قالتها ثم التفتت لتغادر وهي تردف: "سأسبقك للصف لا تتأخري"
ما أن خرجت وجدت سوزان بوجهها تبتسم.. ولم تفهم سر تلك القشعريرة التي انتابتها بسبب رؤية تلك الابتسامة الغريبة.
-:"مرحبا ريم.. كيف حالك؟"
ابتسمت لها وردت: "بخير سوزان الحمد لله"
صمت حل لثوان قبل أن تقول: "لم لا تتحدثين معي كالسابق؟"
استغربت من السؤال بالبداية.. ثم تردد السؤال لمراتٍ عديدة ببالها.. كانت تسألها مراراً منذ أصبحت تتجنبها عن سبب تغيرها.. لكنها أبداً لم تسألها بتلك الصيغة.. لا يمكنها انكار حقيقة أن علاقتهما تغيرت كثيرا.. قبل بضعة أسابيع فقط كانت تجلس بجوارها.. ولا تتوقف عن الحديث معها وإخبارها بكل ما يمر معها.. إذاً ما الذي حدث؟.. كبف افترقت طرقهما بهذه السرعة؟..
عادت للتركيز معها وقررت أن تتهرب بسبب الحيرة التي أصابتها وردت: "أنا فقط مشغولة هذه الأيام.. تعلمين لدينا اختبارات وأيضاً المشاريع"
نظرت للباب من خلفها وقالت: "لكنك تملكين وقتا للتسكع مع ساندي وإسلام"
-:"وما المشكلة بهذا؟"
قالتها ببساطة ثم أكملت: "نحن أصدقاء من الطبيعي أن نتسكع معا.. كما أننا ندرس معا وشركاء بذات المشروع.. لذا أنا أقضي معظم وقتي معهما"
-: "إذاً بسبب المشروع وحسب؟!"
سألتها وهي لم تدرك المعنى الخبيث لسؤالها.. ومع هذا ردت: "أخبرتك أن أول سبب أنهما صديقتاي يا سوزان"
-:"هل هناك مشكلة ريم؟"
التفتت لساندي التي ابتسمت لها ثم نظرت لسوزان بطريقة غريبة وفجأة شعرت بثقل يحتل الأجواء.. كلتاهما كانت تنظر للأخرى بطريقة صارمة وقاسية وكأن حديثاً صامتاً يدور بينهما.. كان يتملكها الفضول لتعلم السر وراء تلك النظرات ومع هذا لم تتحمل الضيق الذي ملأ الأنحاء بفعل الصمت فردت: "لا.. سوزان فقط كانت تلقي علي التحية"
أومأت وردت: "جيد"
ثم سحبتها من يدها وهي تكمل: "الآن اعذرينا سوزان.. علينا العودة للصف فلدينا ما نفعله"
وما أن ابتعدتا التفتت ساندي تتأكد من عدم وجودها.. ثم التفتت لريم وقالت بصرامة: "ريم اقطعي الطريق على تلك الفتاة.. لا تتحدثي معها كثيراً ولا تشاركيها أي سر"
انعقد حاجبي ريم وسألتها: "لماذا؟!"
-:"لأنها فتاة سيئة ووضيعة.."
تملكتها الصدمة من الرد الذي بدا قاسياً والسبب بقسوته كانت السلاسة التي تحدثت بها ساندي.. سلاسة مليئة بالثقة والصدق.. التفتت عندها تنظر لأثر سوزان وهي تتذكر أن حديث مؤمن عنها كان بذات الطريقة وعندها احتلتها الحيرة.. فما الذي يراه كلاهما بسوزان وهي لا تراه؟!..
أتى صوت إسلام عندها: "هااي يا فتيات"
التفتتا لها فأشارت لهما ليقتربا وهي تكمل: "تعالا فنحن ننتظركما"
عادت ساندي تنظر لها وهي تقول: "تذكري كلامي جيداً.. ابتعدي عنها ريم.."
ثم التفتت تتحرك ناحية إسلام دون أي كلمة زائدة وكالعادة تساؤلاتها بقيت دون إجابة فأجبرتها على التحرك بصمت لتتبعها نحو الصف.. وما أن دخلت سمعت نقاشهم عن وجهتهم التالية..
: "إذاً هكذا نكون اتفقنا على وجهتنا التالية"
عقدت إسلام ذراعيها بانزعاج بينما كادت هي تسأل عن مقصدهم لكن تنهيدة خرجت من ساندي وهي ترد: "اسمعي.. زيارة الأقصر وأسوان في الشتاء هو أفضل خيارٍ لنا.. وأعدك سأضع ببالي أن يكون ساحل البحر الأحمر هو التالي"
مطت شفتيها بملل ثم أومأت باستسلام بينما ارتفع حاجبي ريم وهي لا تصدق أن ذلك المكان البعيد هو وجهتهم وعندها طرحت مخاوفها فوراً: "هل تظنين والدتك ستوافق.. وهل ستتمكن من إقناع عائلاتنا؟"
ارتاحت ساندي بجلستها وهي ترد: "هذا ستحدده علامات هذا الشهر"
: "إنه الشهر الأخير قبل الامتحانات النهائية"
رد بها فادي فأكملت عنه ساندي: "بالضبط.. إن حققنا علامات جيدة أمي لن تمانع تلك الرحلة"
-:"هذا يعني أن علينا الاجتهاد بالدراسة.."
قالها مؤمن ووجهه مدفونٌ بأحد الكتب ثم أكمل: "وعلينا أيضاً كتابة الجزء الأول من التقرير.. لذا سيكون على البعض التوقف عن التكاسل.."
وتبع هذا النظر ناحية فادي وهيثم وأكمل ثم ريم التي صُدِمت ثم هتفت: "أنت لم تنظر لي؟.. أنا لم يُطلب مني شيء ولم أفعله.."
-:"أنا وأنتِ نعلم أن آفتكِ هي سرعة التملل.. وعدتني البارحة أنك ستأتين لنفرغ ما سجلناه.. كما أنكِ لم تدرسي شيئاً من مقرر هذا الشهر للآن.."
قالها ببروده المعتاد الذي وصلها ليزيد من غضبها وقبل أن تفتح فمها لترد رن جرس انتهاء الفسحة وبدأ زملائها بدلوف الصف لذا امتنعت وفضلت الصمت مبتلعة حرجها..
*****
بعد انتهاء اليوم الدراسي.. تحرك أكمل يقترب منهم بينما يخرجون من الصف وهو يقول: "إذاً أين سنذهب الآن؟"
رن هاتفه فأخرجه من جيبه بينما ساندي ترد: "أين سنذهب برأيك؟. قهوة فاروق بالطبع لدينا الكثير لنتحدث بشأنه"
كان يستمع لحديثها بينما ينظر لاسم المتصلة.. ثم تجاهل الاتصال والتفت ينظر لها وهو يقول: "لم لا نذهب لمكانٍ آخر و..."
-:"أخبرتك مرارا.. أننا لسنا فاحشي الثراء مثلك"
رد بها مؤمن وأسرعت إسلام تقول: "لقد أحببت المكان صراحة.. لذا لنجعله المقر الدائم لتجمعنا"
: "ولا تنسوا مالي.. هي الأخرى أحبت المكان"
رد بها هيثم فقالت ساندي: "لن تحضر اليوم"
كاد يرد لكن عاد هاتفه يهتز.. فأخرجه ليجدها رسالة نصها: "قابلني في الحال عند البوابة الخلفية للمدرسة"
مط شفتيه بغضب قبل أن يضع الهاتف بجيبه ويبتسم بشر.. ثم تحرك يسبقهم قائلا: "اسبقوني للبوابة الرئيسية وأنا سأتبعكم"
-:"هااي يا رجل إلى أين؟"
أشار لهيثم وهو يرد: "سأخبرك عندما أعود"
****
بعدها بدقائق
تحركت نحوه بينما يجلس على السلالم الخلفية للمدرسة.. وما أن وصلت نظر لساعته بينما يقول: "لم تكتفي بإغضابي برسالتك.. أنت أيضا تركتيني أنتظرك"
رفع عينيه لها ونهض يشرف عليها بطوله بينما يكمل بخطورة: "امنحيني سبباً واحداً لأستمر بالوقوف هادئاً دون تلقينك درساً"
سألته بهدوء: "وما الذي أغضبك برسالتي؟"
:"تتكلمين بصفة الأمر"
قالها ثم أمسك ذراعها وضغط عليه بقسوة قبل أن يكمل: "وأنا لا أحد يأمرني.. خاصة إن كان شخصاً مثلك أفهمتِ!"
حاولت سحب ذراعها من بين يديه.. لكنه لم يتركها سوى بعد أن يئست.. وما أن فعل تراجعت تبتعد عنه خطوتين وتنفست بعمق قبل أن ترد: "أنا لم أقصد.. أنا فقط..."
-:"لا أهتم بم تقصدين"
قالها مقاطعاً حديثها ثم أردف: "ماذا تريدين سوزان؟"
-:"أنت تتجاهلني هذه الفترة.. لذا أحببت أن أفهم السبب"
ابتسم بسخرية ثم رد: "أتجاهلك لأنك لم تعودي ذات نفع لي"
تجمدت بمكانها تحاول استيعاب رده الوقح.. لكنه عاجلها باستكمال حديثه: "أعتقد أن هذا كل ما لديك لذا سأغادر"
ثم تحرك متجاوزاً إياها فأسرعت تقول: "أنت مخطئ!"
التفتت تنظر لظهره المنصرف وهي تكمل: "لن تصل لها بدون مساعدتي"
-:"هذا ما تظنينه.. وقد أوضحت لكِ مراراً أني لست مهتما بما تظنيه"
رد بها دون التفات ثم أكمل: "سأرسل لك نماذج الإجابة كما وعدتك.. لذا توقفي عن إزعاجي"
ثم تركها وغادر دون التفات.. عبر الباحة الرئيسية وتوجه للبوابة الأمامية حيث وجدهم ينتظرونه وما أن وصل قال: "عذراً تركتكم تنتظرون.."
لم تعجبه النظرة التي حدجه بها مؤمن فأكمل: "لكني مصر أن نقصد  مكاناً آخر اليوم.."
بدا على الجميع التفكير وقبل أن يلجمه المتعجرف أسرع بالقول: "لنذهب للنادي هناك مكانٌ مخصص للجلوس بشرفة تطل على البحر مباشرةً.."
-:"هذا رائع.."
التفت لريم التي ابتسمت بينما تكمل: "لقد رأيت صورتها بإحدى الإعلانات و..."
-:"لن نفعل.."
قاطعها.. المتعجرف الوقح قاطع حديث دميته اللطيف.. التفت له وكاد يرد لكن صعقه الرد الحاد من ريم: "لا تفرض علينا رأيك.."
نظر لها فوجدها غاضبة وعندها واتته فكرة شيطانية أسرع بتنفيذها: "أجل لم علينا الاستماع لك بينما تحادثها وتحادثنا بتلك الطريقة الوقحة؟!.."
****
-:"تحادثها بتلك الطريقة الوقحة؟!.."
ترددت الجملة ببالها عدة مرات لتجعل أسنانها تصطك ببعضها من فرط الغضب وهي تنظر له.. ذلك المتعجرف الغبي.. من يخال نفسه ليحادثها بتلك الطريقة؟!..
-:"لن أذهب معكم لذلك المكان.."
قالتها بإصرار وقبل أن يتدخل هيثم لتهدئة غضبهما رد مؤمن: "ونحن لن نذهب لأماكن ذلك المدلل الفارهة.."
-:"كف عن مناداتي بذلك اللقب إن كنت لا تريد افتعال شجارٍ معي.."
هتف بها أكمل بينما يواجهه لكن البارد رد بطريقته المستفزة المعتادة: "أنا غير مهتم بك وبالتالي لا يعنيني أن أتشاجر معك.. كما أن حديثي ليس موجهاً لك من الأساس.."
-:"يا لك من..."
تجاوزه مؤمن دون انتظارٍ لإكمال رده وقبل أن يصل لها تراجعت وهي تهتف: "إياك أن تتحدث معي بتلك الطريقة مجدداً.."
ثم التفتت بينما تكمل: "لن أذهب لأي مكانٍ اليوم وسأعود للبيت"
ثم غادرت بالفعل مبتعدة ومع مرور الثواني وتأكد الجميع أنها لن تتراجع أسرعت كلاً من ساندي وإسلام تلحقان بها دون أي كلمة.. بينما هو حدق بأثرها ثم تنهد وتحرك مغادراً من طريقٍ آخر يتبعه فادي وعندها ابتسم أكمل بتشفي وما كاد يلتفت إلا وجد هيثم يواجهه بنظرة غاضبة فأخفى ابتسامته وهو يسأل ببساطة: "ماذا؟!.."
****
-:"يا فتاة انتظري.."
تلفتت تنظر لساندي وإسلام اللتان وقفتا أمامها بينما قالت إسلام: "أنتِ سريعة للغاية!.."
-:"هي ليست سريعة أنت فقط لا تملكين أي لياقة.."
ردت بها ساندي فالتفتت لها إسلام بحدة وهي تهتف: "هااي أنتِ..."
لكنها لم تسمح لها بالإكمال وتحركت ناحية ريم تقول: "لم لا نجلس بأي مقهى قليلاً.."
كانت على وشك الرفض لكن إسلام أسرعت بسحبهما وهي ترد: "لدي مكانٌ أفضل وهو قريبٌ جداً.."
****
كان فادي يحاول مواكبة سرعته حتى شعر أنه يركض خلفه ويبدو أن لهاثه المرتفع لفت نظره أخيراً فالتفت ينظر له باستغراب وعندها فهم أنه لم يشعر بوجوده قبل تلك اللحظة..
-:"أنت حقاً شخص قاسي يا مؤمن.."
قالها وهو يحاول التقاط أنفاسه وما أن استقام وجده يقف مواجهاً له بينما يرد: "الجميع يخبرني بهذا.."
مط شفتيه قبل أن يسأله: "ألم تسأل نفسك عن السبب على الأقل؟"
وضع يديه بجيبي بنطاله وهو يرد: "في الحقيقة أنا لا أهتم بأسباب معظم من يصفوني بالقسوة.."
ثم ابتسم بتلك الطريقة الشريرة التي نادراً ما تظهر على محياه بينما يكمل: "لكني أعرف أسبابهم بالفعل فلم قد أسأل عنها؟.."
-:"أنت تثق بنفسك كثيراً.."
قالها فادي بينما يبتسم ثم تنهد وهو يكمل بخفوت: "أنا أحسدك على هذا.."
هز رأسه يطرد ذلك الحزن الذي سيطر عليه ثم عاد يبتسم وهو يقترب منه بينما يردف: "أنا أيضاً واثق أن الاستثناء الوحيد من عدم اهتمامك هي ذاتها الآنسة اللطيفة التي أغضبتها قبل قليل.."
فجأة احتدت نظراته وتقدم منه بخطوات ثابتة تحمل حقداً دفيناً فأسرع يرفع كفيه بمهادنة وهو يقول: "اهدأ يا رجل!.. أنا أعامل ريم كأختٍ لي.."
ابتسم وهو يتذكر ضحكاتها المرحة ومزاحها معه بينما يكمل: "إنها من الأشخاص القليلين جداً الذين يلاحظون وجودي.. ووصفي لها باللطيفة في محله تماماً فهي الوحيدة التي تعاملني بلطف من بين هؤلاء الأشخاص القليلين.."
لم تلن ملامحه لكن نظرة القاتل اختفت فمنحه هذا بعض الطمأنينة والقليل جداً من الشجاعة ليتقدم منه وهو يقول بتردد: "اسمع لم لا نتناول المثلجات.. فطريقنا واحد على أي حال.."
نظر له قليلاً ثم رد: "طريقنا ليس واحد فادي.. ثم أني واثق أنك لا تملك أي مال.."
شعر بالحرج لثانية فهو بالفعل أنفق مصروفه على المسليات ثم حاول باستمامتة إيجاد كلمة ليقولها لكنه فشل كما يفشل بكل شيء وعندها تنهد مؤمن والتفت ليغادر بينما يقول: "لكن إن أردت السير معي لن أمنعك.."
ابتسم عندها وأسرع باتباعه.. فتح فمه ليتحدث لكنه عاجله: "لا تفكر بالحديث بالأمر.. فأنا لا أحب أن يتدخل أحد بشئوني.."
صمت قليلاً وقد انتابه الرعب من أن يخرجه عن شعوره.. عندها لن يجد ريم لتحميه منه كما كانت تفعل دائماً.. وعندها واتته فكرة وقرر تنفيذها داعياً الله ألا يقتله: "أنا أستغرب أنك لم تلاحظني قبل هذا العام.."
لم يلتفت له فاعتبر هذه إشارة ليتابع حديثه وأكمل: "عندما كنا بالمرحلة الابتدائية تسببت بعقابك لمرة نادرة بتاريخك المدرسي المشرف بعد أن ضربتني وتسببت بكسر نظاراتي.."
لا إشارة لكونه يستمع حتى.. فكر فادي ملياً قبل أن يكمل حديثه فربما هو يحاول كظم غيظه وإن استطرد أكثر من هذا سيخرج المارد ولن يجد من يدافع عنه.. توقف فجأة فتوقف هو الآخر ليجده يلتفت له وعندها ملأه الرعب وسأله: "ما الأمر؟.. أنا لم أتجاوز أي حدودٍ معك حتى الآن!.. إن ضربتني أقسم بأني سأخبر ريم وأجعلها تغضب منك أكثر.."
ابتسم مؤمن ثم تحولت ابتسامة لضحكة نادرة عفوية أقسم بداخله أنه أبداً لم يسمعها منه رغم كونهم زملاء منذ الروضة ومع انتهاء ضحكه وجد نفسه يبتسم بينما يسمعه يقول: "أنت جبانٌ كالعادة.."
تحرك بعدها لداخل محل البقالة وفتح حافظة المثلجات وهو يكمل: "وبالتأكيد أنا كنت ألحظك.."
أقرض البائع المال ثم خرج ومنحه واحداً من مغلفات الآيس كريم التي ابتاعها مردفاً بسخرية: "لم أقابل فتاً بحياتي كلها يحتمي بفتاة كما فعلت أنت وقتها.."
ضحك فادي وأخذ المغلف من يده بينما يرد: "الكثيرين كانوا ليفعلوا مع رؤيتهم لغضبك.."
مط شفتيه وهو يكمل بخفوت: "وليت السبب كان يستحق كل هذا الغضب.."
-:"كان يستحق.."
نظر له فوجد التعبير الجدي المعتاد يحتل وجهه فرد بذهول: "لقد كنت أربط لها شعرها بناءاً على طلبها.."
-:"ما كان عليك الاستماع لها.."
قالها وهو يلتفت مغادراً فتنهد فادي بملل وهو يقول: "لقد كنا مجرد أطفال.."
تبعه بينما يرد: "وإن يكن.. ما كان عليك الاقتراب منها.."
أومأ باستسلام بعد أن سلم بفكرة أن الجدال بهذا الأمر لن ينصفه أبداً ثم بدأ بتناول المثلجات وهو يحاول اللحاق به قائلاً: "لكنك أخطأت اليوم.."
نظر له بطرف عينه بتحذير فحاول استجماع المقدار القليل من شجاعته بينما يكمل: "لا تحاول إخافتي.. أنت تعلم أنك أخطأت.."
صمت حلّ لثوانٍ قبل أن يتوقف وينظر للسماء ثم قال: "أجل لقد أخطأت مرتين.."
-:"أجل فقد أغضبتها مرتين اليوم.."
رد بها وهو يتناول المثلجات لكنه تجمد ما أن سمع قوله: "أخطأت أني أغضبتها مرة.. وأخطأت بعدم كسر أنف ذلك المدلل حتى يتوقف عن إقحامه بما لا يعنيه.."
ابتلع ما بفمه وفكر قليلاً قبل أن يرد بتوجس: "هذا تحول قاتم للأفكار من الاعتذار لأحدهم لمحاولة أكيدة بقتل أحدهم.."
ضحك مؤمن بخفوت فابتسم بينما يلتفت له بنظرة خاطفة فهم منها أنه ممتن لوجوده لكن ما كان مؤمن سيتنازل ويشكره دون داعي حقيقي -يستحيل أن يوجد-.. هو فقط اكتفى بتلك الابتسامة ثم تحرك وهو يهمس: "يا لك من جبانٍ أحمق.."
ثم تحرك أمامه فعاد لتناول المثلجات بينما يرد: "لكني صديقك.."
-:"غير صحيح"
رد بها بقسوة فأسرع يتبعه هاتفاً: "هيا يا رجل لا تخفي مشاعرك عني.."
وكما توقع نظر له باشمئزاز ثم تنهد وهو يرد: "أحمق.. يستحيل أن تكون صديقي.."
****
-:"لا أعلم ما الذي أصابه ذلك البارد اليائس!"
قالتها بحدة وهي تقلب العصير بعصبية في محاولة لتفريغ شحنات غضبها.. كانوا قد دخلوا إحدى الحدائق القريبة من مكان المدرسة واشترت لها إسلام العصير لتحاول تهدئتها.. لكن تلك المحاولة بائت بالفشل الذريع وقد كان هذا واضحاً.. ازدادت حدة تحريكها للماصة بينما تتذكر ما حدث قبل أن تكمل: "منذ الصباح وهو يتذرع بأي موقف ليجعلني أبدو بلهاء أمامكم و..."
سقطت علبة العصير من يدها فوقفت تطالعها بصمت وهي تشعر بالدموع تغزو عينيها والغضب يحتلها لدرجة تمنيها أن يكون واقفاً أمامها الآن لتغرقه بهذا العصير بدلاً من الأرض ثم تدفعه أرضاً وتضربه كما رأت بأحد الأفلام..
-:"لا تحزني سنشتري لك علبة أخرى"
التفتت لإسلام التي كانت تنظر لها بلطفها المعتاد وكادت أن تبتسم وتشكرهما على مرافقتها والاستماع لصيحات غضبها دون شكوى أو تعليق لكنها لم تستطع لأن ساندي اقتربت منها فجأة بشكلٍ خطير حتى أصبحت عينيها مقابلة لها تماماً.. لحظات مرت وهي ثابتة تحاول فهم سبب تلك النظرة الثاقبة.. قبل أن تبتسم الأخيرة وهي تتراجع وتقف باستقامة بينما تقول: "كنت أعلم"
لم تفكر قبل أن تسألها بتلقائية: "تعلمين ماذا؟!"
رفعت سبابتها لتشير نحوها بينما ترد: "أنتِ تحبينه بالتأكيد"
اتسعت عينيها وهي تحاول استيعاب ما قالته بينما ردت إسلام وهي تلكزها: "لا يجب أن تخبريها هذا"
التفتت ساندي لها وردت: "لماذا؟. إنها الحقيقة"
-: "لم أعترض على كونها الحقيقة"
ازداد اتساع عينيها وهي ترى البساطة التي تتحدث بها إسلام: "لكن لا يجب أن تحرجيها.. ربما هي لا تريد التحدث بالأمر"
-: "لم لا.. ألم نصبح أصدقاء؟.. لا يجب أن نخفي شيئاً عن بعضنا.."
-:"أنت بالتأكيد تمزحين!"
قالتها بحدة لتوقف جدالهما.. وما أن التفتتا لها أسرعت تقترب من ساندي وهي تكمل: "ما هذا الذي تقولينه؟.. يستحيل أن أحبه... مؤمن... إنه... مستحيل أن... ذلك ال..."
-:"ما به"
ألجمها سؤال ساندي المفاجئ مرغماً إياها على الصمت بينما تنظر لها وهي تكمل: "إنه صديق  طفولتك المفضل.. وهو أيضاً جارك وأمين أسرارك.. أراهنك أنه يعلم أشياء عنك أنت نفسك لا تعرفينها"
كانت تطالعها وهي تشعر بألم يحتل رأسها وغضب لا تفهم مصدره.. وعندها أسرعت بدفعها ثم تحركت وهي تهتف: "لقد فقدتِ عقلك كليا يا هذه"
ثم أسرعت بالركض مبتعدة حتى خرجت من الحديقة.. وقررت أن تتجه للبحر وتجلس أمامه قليلاً.. وبالفعل تحركت تقطع الطريق لتتجه نحوه..
تحبه؟!.. هي تحب مؤمن؟!..
يستحيل أن يحدث هذا..
كان هذا ما تكرره داخل رأسها وهي عازمة على توبيخ ساندي ما أن تراها حتى لا تنطق بتلك التراهات.. فهي يستحيل أن تحب مؤمن.. هو.. هو فقط...
حاولت البحث عن وصف ملائم لم يمثله لها.. لكنها لم تستطع وعندها توقفت وهي تتسائل: "ماذا يمثل لي بالضبط يا ترى؟ّ.."
سمعت عندها نداء إسلام من خلفها فالتفتت لتجدها تركض نحوها.. وما أن وصلت لها انحنت بجذعها لتلتقط أنفاسها.. ثم نظرت لها وقالت: "وأخيراً توقفتِ"
نظرت ريم خلفها وهي تهمس: "هل سرت كل هذه المسافة؟"
استقامت إسلام وتنهدت بينما تنظر لها ففهمت أن عليها الاعتذار فقد بالغت بردة فعلها لكن قبل أن تفتح فمها حتى عادت تلك الابتسامة اللطيفة تحتل ثغر سولي قبل أن تقول: "لم لا تأتين معي لدرس الموسيقى؟"
نظرت خلفها تتفقد الطريق لتتأكد من أن ساندي غير موجودة ولم تكد تمر ثانية إلا وكانت إسلام تسحبها وهي تكمل: "هيا الآن ستحبين أستاذة نغم كثيرا"
تحركت بها نحو الطريق العمومي دون أن تمنحها فرصة للاعتراض وأوقفت سيارة أجرة واستقلتاها معا.. طيلة الطريق لاذت بالصمت بينما تطالع جانب نافذتها المطل على البحر.. كانت تناجيه أن يرد ويخبرها أن هذا كذب.. أن ساندي كانت تمزح..
كانت تناجيه أن يمنحها رداً..
ما الذي يمثله ذلك المتعجرف لها بالضبط؟!..
بقيت على هذا الحال إلى أن توقفت السيارة فهبطت مع إسلام أمام بناية قديمة الطراز لكنها كانت لا تزال تحتفظ بمظهرها الراقي على الطراز اليوناني بشرفاتها المستديرة.. التفتت تنظر لإسلام التي أعطت السائق المال ثم استدارت نحوها وسحبتها تقول: "هيا سيكون الأمر ممتعاً"
صعدتا معاً الدرج للطابق الثاني.. وما أن وصلتا قرعت إسلام الجرس.. لتفتح الباب بعدها بثواني سيدة في أواخر الأربعينيات.. ما أن رأتها ابتسمت وقالت بأدب: "مرحبا آنسة إسلام"
ردت إسلام بينما تسحبها لتدخلا: "مرحبا سيدة فادية"
ما أن دخلن بقيت ريم تنظر للمكان من حولها كانت الشقة فارغة من الأثاث.. عدا عن بعض المقاعد الموزعة بأركانٍ متباعدة عن منتصف القاعة الرئيسية الواسعة التي تنتهي بمرآة ضخمة.. ففهمت أنها لتدريب راقصات الباليه.. وقبل أن تلتفت لتسأل قالت إسلام: "شقيقة الأستاذة تعمل مدربة للرقص.. وهما شريكتان بالمكان"
أومأت بتفهم فأكملت إسلام: "لم لا تتبعين السيدة فادية لمكان الدرس.. أنا سأغسل وجهي وآتي ورائكما"
تبعت السيدة بالفعل عبر القاعة الكبيرة إلى باب صغير ما أن مرت خلاله وجدت نفسها بقاعة أخرى بنفس التصميم.. قاعة واسعة تنتهي بمرآة ضخمة لكنها كانت مغطاة بأوراق حائط بدرجات الأزرق على عكس الأخرى.. وأيضا كان هناك بيانو ضخم على مقربة من المرآة.. وعلى عكس الغرفة الأخرى كان هناك شرفة تطل على البحر.. نظرت ريم عبر بوابة الشرفة الأنيقة المصنوعة من الخشب اليدوي.. كانت الشرفة واسعة وهواء البحر العليل يضربها ليحرك الستائر الخفيفة البيضاء ويملأ المكان برائحته المنعشة.. وعندها فقط ابتسمت وأغمضت عينيها وهي تترك هواء البحر يضربها ويمنحها السكينة كما لم يفشل بفعلها أبداً..
-: "سأحضر لك بعض الماء"
التفتت للسيدة التي أكملت: "تبدين مرهقة"
رفعت كفها تمسح جبهتها وهي ترد: "الجو حار بالشوارع اليوم بعض الشيء"
عادت تنظر عبر الشرفة بينما تبتسم وتكمل: "لكن هذا المنظر أنساني عناء اليوم.."
ابتسمت لها السيدة وهي تقول: "إذاً سأجعله عصيراً لينعشكِ أكثر.."
ثم تحركت وغادرت وما أن فعلت عادت تنظر للبحر لكن شيئاً فشيئاً ذلك الشعور الساحر بدأ يخبو وأدركت فجأة الفراغ بداخلها الذي لم تشعر به بسبب تقكيرها المضني.. فكرت قليلاً بسر ذلك الفراغ ورد صوتٌ خافت بداخلها أن السبب واضح.. لكنها لم تسمح لنفسها بالاستماع للإجابة التي تعرفها جيداً.. التفتت تنظر للبيانو ووجدت نفسها تتحرك نحوه بتلقائية.. وما أن وقفت أمامه خلعت حقيبتها وتركتها تسقط على الأرض.. ثم جلست على المقعد ورفعت غطاء لوحة المفاتيح.. أغمضت عينيها وتنفست بعمق ثم بدأت بالعزف.. كانت معزوفة سمعتها بآخر فيلم شاهدته مع مؤمن.. تتذكر أحداثه وتتذكر كم بكت بنهاية الفيلم مع وفاة البطلة غير عابئة بسخريته منها.. وبعدها بحثت عن نوتة تلك المعزوفة الساحرة على الشبكة.. ووجدتها بعد بحثٍ طويل وتدربت عليها على جهازها الصغير بالمنزل الذي يرافقها منذ الصغر.. لقد عشقت تلك المعزوفة كما عشقت البطلة الصغيرة والفيلم بشكلٍ عام.. كانت تمثل لها الكثير من الأشياء التي تعشقها.. البراءة والطيبة والشجاعة والخيال الخصب.. كل هذه الصفات اجتمعت بفتاة في الحادية عشر من عمرها.. لكن كل هذه الصفات الساحرة لم تشفع لها لدى مؤلف العمل الذي تركها تموت بقسوة.. تلك القسوة تذكرها بشخصٍ تحاول تجاهل ذكره الآن بلا فائدة..
ازدادت حدة ضرب أصابعها على المفاتيح بنهاية المقطوعة علامة على استيائها لكن مع نهايتها سمعت تصفيقاً من خلفها.. فالتفتت لتجد إسلام تنظر نحوها بانبهار بينما تصفق بشدة.. ومن خلفها كانت تقف سيدة باستقامة بشعر عسلي مرفوع بتسريحة صارمة وعيون ملونة تلتمع بذكاء واضح تخترقها بنظرة عميقة تحمل بعض القسوة بينما تعقد ذراعيها بتفكير.. ورغم الصدمة التي احتلتها إلا أنها استنتجت سريعاً أن هذه هي معلمة إسلام..
تحركت إسلام واقتربت منها وهي تقول: "هذا رائع.. رائع ومبهر للغاية ريم"
ابتسمت بخجل ونهضت ترد: "هذا لا شيء"
نظرت للسيدة التي كانت لا تزال تطالعها وأكملت ببعض الإحراج: "أنا حقاً آسفة.. لم أقصد التطفل"
-:"الموسيقى تنادي صاحبها عزيزتي"
قالتها وهي تتحرك ضاربة بكعبها العالي الأرضية.. ثم اقتربت من النافذة ولملمت الستائر بالشرائط الملاصقة للنافذة حتى تتوقف عن الهفهفة بفعل الهواء بينما تكمل: "ما كنت لألومك على ذلك العزف..."
التفتت لها تفكر قليلا ثم أردفت: "الجيد بالنسبة لمبتدئة"
وقفت إسلام بينهما وردت: "آنسة نغم دعيني أعرفك بريم صديقتي.. ريم هذه أستاذتي نغم"
-:"تشرفنا يا أستاذة"
قالتها بأدب بينما تقدمت السيدة منها وردت: "وأنا سعيدة بمقابلتك ريم"
ثم رفعت إصبعاً بوجههما وهي تكمل: "الآن.. هل تعرفان قصة هذه المقطوعة؟"
لاذت بالصمت بينما هزت إسلام رأسها بنفي فأردفت: "قبل زمن بعيد جداً.. كان هناك أميرة تدعى موانا.. كانت ابنة حاكم العالم السفلي تعيش بسعادة وأمان مع والديها.. تلك الأميرة أرادت أن تخرج لعالم البشر وبالفعل خرجت رغم كل تحذيرات والدها.."
جلست بعدها على المقعد وتحسست أزرار البيانو بينما تغمض عينيها.. وفجأة ابتسمت بهدوء وبينما ريم تطالعها انبهرت فقد وصلها بوضوح أن تلك المرأة انفصلت عن العالم بأكمله لمجرد ملامستها للوحة مفاتيح البيانو..
-:"وما الذي حدث بعدها؟"
سألت إسلام بشوق فالتفتت نغم لريم وهي ترد: "لِم لا تكملي أنت القصة.. بينما أعزف المقطوعة لأصحح هفواتك ريم؟"
أومأت بطاعة ثم التفتت لإسلام وهي تكمل: "تلك الأميرة ما أن خرجت.. أصيبت بالعمى من أشعة الشمس وسقطت مريضة.. فقدت ذاكرتها وعانت الكثير من الألم ثم ماتت.. لكن موتها لم يحزن الملك.. فقد كان واثقاً أن روح ابنته ستعود يوماً ما وتقودها إليه.. وبعد سنوات عديدة لا تحصى.. عادت الأميرة بعد أن عانت الأمرين على يد البشر.. فقد فقدت بهيئتها البشرية والدها ووالدتها.. وقُتِلت على يد زوج والدتها.. لكن روحها النقية كانت المفتاح لعودتها لعائلتها.. فقد اختارت أن تموت على أن تجرح أخيها الصغير لفتح البوابة للعالم السفلي"
نظرت لها إسلام بحزن قبل أن تبتسم وترد: "على الأقل عادت لعائلتها"
ثم التفتت لأستاذتها وهي تسأل: "ما اسم المقطوعة يا أستاذة؟"
-:"متاهة بان"
ردت بها بينما تختم المقطوعة.. ثم التفتت لهما وأكملت: "هل تعلمان ما الدرس المستفاد من تلك القصة؟"
هزت إسلام كتفيها علامة عدم الفهم بينما ردت ريم: "الطيبة تُردُ دوماً بالخير"
ضحكت نغم باستخفاف قبل أن تنهض وتستند على البيانو: "هذا درسٌ مستفاد للأطفال ريم"
نظرت لعمق عينيها وهي تكمل: "الدرس المستفاد هو أن البشر لا يؤتمنون.. فإن سألتني في الحقيقة أنا واثقة أن تلك الأميرة لعنت البشر بعد ما أصابها ولعنت نفسها أنها بيومٍ من الأيام تمنت أن تكون جزءاً من عالمهم"
ابتلعت إسلام لعابها بينما ريم تذكرت تعليق مؤمن يومها.
&&&
: "لم كان على هذا الكاتب القاسي قتلها؟"
قالتها وهي تمسح دموعها ثم التفتت له  وهو يرد: "برأيي لقد منحها نهاية جيدة"
انعقد حاجبيها واستقامت بجلستها وهي تقول: "لقد ماتت مؤمن.. وقد ماتت مقتولة بعد أن فقدت كل شيء.. كيف تكون هذه نهاية جيدة بحق الله؟!"
مط شفتيه ورد ببساطة: "لقد تركت عالم البشر الذي عانت فيه كل ما ذكرته وأكثر.. رأتهم وهم يقتلون بعضهم البعض ويخدعون بعضهم البعض.. وعادت أيضاً لعائلتها هذا كافٍ تماماً.. بل هي نهاية وردية حالمة.. في الحقيقة ربما قد ماتت بشناعة دون أن تتمكن من مقابلة عائلتها.. لا يوجد شيء مؤكد"
بقيت تطالعه ورغماً عنها وكالعادة تفكر أنه محق.. ومع هذا لم تستطع نكران الحقيقة التي صرحت بها: "أنت حقاً كئيب"
-: "وأنتِ حقاً طفولية وحالمة"
&&&
ابتسمت عندها وهي تهمس: "كانت هذه كلماته أيضاً"
-:"ماذا؟!"
التفتت لهما ثم هزت رأسها بعنف وهي تشعر بألم لم تستطع تحديد إن كان مصدره إنهاكها من الحر أم إنهاكها من محاولة عدم التفكير به دون فائدة.. أجبرت نفسها على التوقف عن تأنيبها لثانية وانحنت تحمل حقيبتها وهي تقول: "لقد أزعجتكما بحضوري.. سأغادر الآن لتباشرا الدرس"
-:"لِم لا تبقين؟"
قالتها نغم بينما تشير لإسلام: "سنتدرب على هذه المقطوعة اليوم.. وستشجعين إسلام بحضورك"
التفتت لإسلام التي ابتسمت لها بتشجيع وعندها تذكرت أنها تناست كل أحداث هذا اليوم الكئيب قليلاً مع عزفها وعندها أومأت وجلست بجوارها أمام البيانو تستمعان لتوجيهات نغم الصارمة..
*****
بعد مرور بضع ساعات
-:"كيف تجيدين العزف؟"
التفتت لإسلام التي سألتها بعد هبوطهم من قاعة الدرس فردت: "والدتي هي من علمتني.. كما أني كنت أعزف بفرقة المدرسة حتى نهاية الإعدادية"
سرحت عينا إسلام قليلاً قبل أن تبتسم وتقول: "أجل أتذكر هذا.. كنت تعزفين بالإذاعة المدرسية أحياناً"
ابتسمت وأومأت بينما تطرق فعادت إسلام تسألها: "ولم توقفتِ؟.. أنتِ حقاً بارعة"
التفتت لها فأكملت إسلام بانبهار: "فقط عزف الأستاذة يمنحني ذلك الشعور بالسحر الذي انتابني مع سماعي لتلك المقطوعة..."
ردت بحرج: "لا تبالغي حتى أستاذتك قالت أني مبتدئة.."
-:"قالت عزف رائع بالنسبة لمبتدئة.."
قاطعتها بحدة قبل أن تكمل: "والآن لا تغيري الموضوع وأخبريني لم توقفتِ عن العزف.."
ازداد حرجها بينما ترد: "أصبحت أخجل بصراحة.. خاصة بعد أن سخر مني حازم بإحدى المرات وأيضاً ريهام كانت تتفنن بإطلاق النكات علي.."
مطت إسلام شفتيها وهي تقول: "طوال عمره أحمق وعديم ذوق.. هذا يفسر إعجابهما ببعضهما فكلاهما أحمق!"
ضحكت ريم بخفة قبل أن تلتفت لها لتجدها تنظر نحوها بتردد ثم أكملت: "لا تغضبي من سان.. هي لم تقصد إزعاجك"
أومأت لها قبل أن تردف إسلام بخبث: "رغم أني أتفق معها بما قالته"
تأففت بحدة وهي تقول: "حتى أنتِ سولي!"
سحبتها لتتوقف وهي تضحك ثم ردت: "أنا أتمنى لك السعادة أيا كان مكانها.. ومع أي شخص تحبينه"
ابتسمت لها ثم ربتت على كفها الممسك بها وقالت: "شكرا سولي.. أنا حقاً ممتنة لوجودك معي.."
أومأت لها ثم سحبتها لتغادرا وهي ترد: "والآن لنذهب لشراء عصيرٍ بدل الذي سُكِب.."
****
عادت للبيت بعد أن قضت ساعتين إضافيتين بالتسكع مع إسلام.. وما أن وصلت للطابق الأول وجدته جالساً على الدرج.. انتابها القلق في البداية أن يكون تشاجر مع والده وضربه مجدداً.. لكنها لم تجد أي علاماتٍ على وجهه فتنهدت براحة.. ثم تذكرت غضبها منه وشجارها معه.. وتذكرت أيضاً حديث ساندي الذي استفزها فتجاوزته بعصبية دون أي كلمة.
-:"هااي أنتِ توقفي في الحال!"
لم تتوقف أو تلتفت له حتى فوجدته فجأة يقف أمامها قائلا بحدة: "لا تتجاهليني بينما أحادثك ريم.. أين كنت؟"
لم تهتم بغضبه فقد كانت هي الأخرى غاضبة لذا صرخت بوجهه: "لا تحادثني بتلك الطريقة.. ولا تعاملني كطفلة.. أنا حرة أفعل ما يحلو لي أسمعت؟!"
تحركت لتتجاوزه لكنه أمسك ذراعها وأعادها لمكانها وفجأة تملكها الرعب وهي تنظر لتلك الابتسامة على ثغره بينما يهمس مشدداً على كلماته: "سمعت.. ولم يعجبني ما سمعته"
كزت على أسنانها لتحاول منع ظهور ذلك الخوف: "أخبرتك مهما حاولتِ.. ستظهر مشاعركِ على وجهك.. أنا أعلم أنكِ خائفة لذا اختصري وأخبريني أين كنتِ؟"
عاد الغيظ يتملكها فسحبت ذراعها بحدة من قبضته وهي تقول: "لا أهتم بم لا يعجبك.. ومجدداً لا تحادثني بتلك الطريقة!"
وضع يده بخصره وظهرت حدة ملامحه بغياب نظاراته لكنه تنفس بعمق ثم أعاد سؤاله متجاهلاً اعتراضها: "أين كنتِ؟"
ابتلعت لعابها وقد قررت بداخلها أنها لن ترد عليه.. ستغادر وحسب تاركة إياه يتميز غيظاً..
-:"كنت مع إسلام"
شعرت بالصدمة بالبداية لكونها ردت بالحقيقة بتلك البساطة لكنها أكملت دون أن تعي: "كنت معها بدرس الموسيقى"
عض شفته السفلى ثم أومأ لها بصمت.. بعدها تركها وهبط الدرج قائلا: "اصعدي الآن والدتك قلقة عليكِ"
تحركت بتلقائية تصعد الدرج.. وما أن وصلت لشقتها فتحت الحقيبة لتخرج المفتاح.. لكن الباب فُتِح فجأة وظهر وجه والدتها الغاضب فتنهدت بينما تمر وتقول: "لقد كنت مع إسلام.. ويمكنك الاتصال بها للتأكد أننا قضينا اليوم معا"
أغلقت والدتها الباب بينما تقول: "قفي في الحال ريم!"
توقفت بالفعل والتفتت لها وهي تتنهد بينما تنظر لعينيها الحانيتين اللتان طالعتاها بصمت قليلاً ثم ابتسمت بينما تقترب منها وتكمل: "أنا بالتأكيد أعلم صدقك.. أنت ابنتي ولا أحتاج لكلام أي شخص ليؤكد لي صحة حديثك"
شعرت بالحزن يتملكها بينما وصلت والدتها لها مردفة: "أنا لن ألومك على خروجك مع صديقتك.. فليس لدي مانع بخروجك مع إسلام وساندي.. لكن ألومك على أنك لم تخبريني.. ولم تكلفي نفسك عناء الاتصال بي.. وهذا تسبب بإصابتي بالقلق"
تنفست بعمق ثم ردت: "أنا آسفة أمي"
-:"وأنا أقبل أسفك"
قالتها والدتها ثم وضعت كفيها على كتفيها وهي تكمل: "الآن أخبريني لم أنت غاضبة من ذاك الولد؟"
زمت شفتيها وعقدت كفيها معًا بينما تحاول عدم البكاء لكنها لم تقدر.. وبدأت بالفعل دموعها بالهطول قبل أن ترد: "إنه يتقصد إحراجي أمام الجميع.. وقد تشاجرنا معًا الآن على الدرج.."
-: "لن ألومه على الثانية"
همست بها والدتها ولكنها لم تكترث بالبداية فقد وجدت نفسها تهمس هي الأخرى بأول ما شعرت به: "لقد أصبح يخيفني.."
رفعت وجهها وكادت تهتف بصراخ أنها لا يجب أن تخاف منه لكن والدتها ردت بهدوء: "مؤمن كان قلقاً عليك.. في الغالب أنا أعلم مكانك.. لكن حتى ولو لم أعلم هو يعرف دوماً مكانك.. لذا شعر بالقلق والخوف خاصة بعد أن حادث ساندي وأخبرته أنها لا تعرف مكانك.. وإسلام لم تكن في البيت أساساً"
عقدت ذراعيها وردت بحنق: "هذا لا يمنحه الحق ليحادثني بتلك الطريقة!"
ربتت على رأسها وهي تضحك بخفة ثم دفعتها لتتحرك وهي تقول: "حسناً.. بدلي ثيابك واستحمي وبعدها نتحدث.. اتفقنا؟.."
تحركت معها وقد بدأ تعب اليوم يظهر بوضوح على جسدها المنهك ووجهها الذي أحنته بتعب لتستند على والدتها بينما ترد: "اتفقنا.."
*****
بعد مرور ساعة كانت مستلقية بالفراش بتعب وهي تحاول تجاهل الألم.
-:"كان علي أن أعلم"
التفتت لوالدتها التي دخلت الغرفة وناولتها كوباً من الينسون بينما تكمل: "هذه الحالة من البكاء والحزن تنتابك تزامناً مع دورتك الشهرية"
ابتسمت بإرهاق فضحكت والدتها وهي تردف: "حسناً.. اشربي الينسون ونامي وغداً نتحدث"
أومأت لها وهمست: "تصبحين على خير أمي"
-:"تصبحين على خير عزيزتي"
ردت بها والدتها بينما تطفئ النور.. وما أن خرجت التفتت هي تنظر عبر نافذة غرفتها للسماء التي يزينها القمر المكتمل.. وعندها لاحت ببالها إحدى الذكريات التي لا يمكن أن تنساها.
&&&
لم تعلم ما الذي أصابها يومها.. كان هناك ألمٌ فظيع ببطنها.. كانت متعبة وتشعر بآلام متفرقة بجسدها كأنها صُدِمَت بسيارة.. كما كانت تشعر بغثيان لا تفهم مصدره.. حاولت تجاهل الأمر طيلة اليوم.. لكن الإعياء كان واضحاً عليها وبالتأكيد لاحظه مؤمن.. وبوقت الاستراحة سألها باستغراب: "ماذا بك؟"
تحركت نحو إحدى الأماكن المخصصة للجلوس بالمدرسة.. ثم أحنت رأسها وهي تهمس: "ألم فظيع ببطني مؤمن"
نظر لها قليلا ثم جلس بجوارها وسألها: "لنذهب لطبيبة المدرسة"
هزت رأسها وردت: "ذهبت إليها ولم أجدها"
-:"لنغادر المدرسة ونذهب لأي صيدلية.. هناك صاحب صيدلية قريب من بيتنا يعرفه زكريا"
كانت تتساءل وقتها لِم ينادي والده باسمه المجرد بدلاً من أبي.. كانت تعلم أن علاقته بوالده ليست جيدة.. لكن مع هذا لم تفهم لِم لا يناديه بأبي وحسب.. كما لم تفهم وقتها لِم يدور كل هذا ببالها.. ومع عودة الألم أشد ضمت ساقيها إليها وهي تأن في محاولة لتخفيفه لكن مرت ثانية ثم شعرت فجأة أنها ستتقيأ.. ووقتها نهضت تركض سريعًا نحو الحمام.. أفرغت كل ما بمعدتها وجلست على الأرض بإنهاك وهي لا تعلم ماذا أصابها.. لقد كانت تشعر بالإعياء منذ الصباح دون سبب.. أيعقل أنها أصيبت بالحمى.. نهضت بتعب بعد فترة ثم تحركت نحو الخارج.. لتجده يقف خارجا وينظر لها بطريقته الباردة التي لا تظهر شيئا قبل أن تقترب منه وتقول: "سأذهب لخالتي وأستأذنها بالمغادرة"
نظر لها قليلا ثم اقترب وهمس قرب أذنيها.. ومع سماعها لما قاله انتفضت للخلف وهي تنظر له بصدمة وخجل.. قبل أن تلتفت وتتجه للحمام لتتأكد من صحة كلامه.. وعندها كانت على وشك الصراخ..
بعدها بفترة قصيرة..
كانت تشعر بالخجل بينما تعود معه للمنزل.. كانا يركبان سيارة أجرة وما أن هبطا منها أمام البيت قال: "اصعدي لشقتكم.. أنا سأذهب لشراء بعض الأشياء"
لم تهتم بحديثه فقد كانت ساقيها تؤلمانها للغاية.. وبصعوبة تمكنت من الوصول لشقتها.. كانت تشعر أنها تقوم بكل حركة بساعات.. رفعت المفتاح من حقيبتها ببطء وفتحت الباب بإنهاك وتعب.. ثم دفعته بتعب أكبر.. كل حركة تقوم بها كانت تضاعف دوارها وتعبها.. لكن كان عليها الاستحمام وتبديل ثيابها.. ووالدتها لم تكن وقتها بالمنزل فقد كان هذا يوم استلام المعاش.. لذا كانت ستبقى طيلة نهار اليوم تقريبا خارج المنزل بسبب الطابور الطويل الممل للدوائر الحكومية.
تنهدت بتعب ما أن بدلت ثيابها.. ووضعت فوق كتفيها شال والدتها السميك.. ثم تحركت نحو الأريكة الخارجية.. وقررت الجلوس وتأمل السماء الملبدة بالغيوم حتى تعود والدتها لتخبرها بما عليها فعله.. لقد استعملت بالفعل إحدى الفوط الصحية الخاصة بها.. لكنها شعرت بالضياع والإحباط لسببٍ غريب.. وعندها رن الهاتف المنزلي.. وما أن ردت وجدته مؤمن يطمئن عليها بجمل مقتضبة ويطلب منها الراحة وقبل أن ينهي المكالمة قال: "افتحي باب الشقة وخذي الأشياء التي وضعتها أمامه"
ورغم تعبها لم تتمكن من مقاومة الفضول ونهضت بإنهاك متجهة للباب.. وما أن فتحته وجدت علبة من أحد المطاعم التي تحبها للبيتزا وبجوارها كيس مغلف به بعض الأدوية.. فتحته لتجد وصفة الطبيب لما عليها تناوله الآن وفيما بعد.. كانت متعبة لكنها ابتسمت بامتنان.. قبل أن ترفع الكيس والعلبة عن الأرض.. بالكاد وقتها تمكنت من تناول قطعة صغيرة من البيتزا وبعدها تناولت الدواء قبل أن تلقي نفسها على الأريكة وتتدثر بالغطاء وتسقط بنوم عميق.. لكن لاحقاً بتلك الأمسية ومع استيقاظها بشعورٍ كبير بالشراهة والرغبة بتناول الطعام.. وبعد أن قامت بتدفئة البيتزا في الفرن.. وتناولتها بتلذذ كأنها أشهى ما أكلته يوماً.. بعد كل هذا اتصلت به على الهاتف وأول ما قالته: "شكراً يا مستر شفيق"
وهو رد بسخريته المعتادة: "العفو يا سبونج بوب"
&&&
ابتسمت بينما تغلق عينيها وتضع يدها بتلقائية على قلادته.. ثم عادت تنظر للقمر متذكرة أنها كانت محرجة للغاية لأنها تعرضت لهذا الموقف وهو معها.. لكنه أبداً لم يذكرها أو يمزح بشأنه بل تجاهله كلياً.. وهذا ساعدها لتقبل إحراج الموقف وتخطيه.. بل كانت دوماً تحمد الله أن مؤمن وحده من كان يرافقها يومها..
ومع ذلك الهاجس تذكرت حديث ساندي معها صباحًا.. الذي لازالت للآن تشعر أن غضبها منه ليس فقط تلك الظروف الشهرية التي تجعلها حساسة لأي شيء.. ومع مرور فترة قصيرة وهي تحدق بالفراغ وعقلها يشغله الفكر.. وجدت نفسها تهمس: "ربما ما أغضبني أنها محقة"
قبضت يدها على القلادة قبل أن تكمل: "ربما أنا أحبه بالفعل!.."
*****
-:"إذاً كنتما معا"
قالتها ساندي بينما تتحدث مع إسلام على الهاتف والتي ردت: "أجل.. أتت معي لدرس الموسيقى.. إنها عازفة بيانو بارعة"
تنهدت ساندي وهي تقول: "نجحتِ إذاً بتفريغ غضبها.. هذا جيد"
: "عليك الاعتذار منها بالغد"
قالتها إسلام فتأففت ساندي وهي ترد: "أنا لم أقصد إغضابها.. كنت أمزح معها لكنها غضبت فجأة.. كما أنه لا يمكن لأحد حتى أنت إنكار حديثي"
-:"إنه أمر يخصها سان!"
قالتها إسلام ببعض الصرامة التي تناقض شخصيتها قبل أن تكمل: "وإن كان الأمر يزعجها.. عليك احترام هذا والاعتذار لها"
فكرت قليلا بكلامها قبل أن ترد: "معكِ حق.. سأحادثها على الهاتف غداً"
-: "لماذا ألن تأتي للمدرسة؟"
نظرت للطبيب الذي خرج من غرفة مالي.. وتلبدت ملامحها واحتل صمتٌ رهيب المكان حتى شعرت به يصل لروحها.. ويرغمها على الانفصال بهذا الصمت عن الواقع.. قبل أن يصلها صوت إسلام عبر الهاتف: "سان أتسمعينني؟"
-:"غدا إجازة رسمية يا فتاة"
ردت بها فقالت إسلام: "أجل لقد أخبرونا اليوم لكن لا أذكر السبب صراحة.. على أي حال يمكنك التحدث معها على الهاتف.. ريم طيبة ولن يطول غضبها منك"
ابتسمت وردت: "نعم أعلم أنها طيبة"
تنهدت بعدها ونهضت بينما تكمل: "الآن اذهبي فقد أخذت الكثير من وقتي يا هذه"
-:"يا لك من عديمة ذوق!"
همست بها إسلام ثم أكملت: "لا تنسي ما اتفقنا عليه"
وقبل أن تمنحها فرصة للاستمرار بتوبيخها على تضييع وقتها أغلقت الخط أولا فهمست: "يا لك من مزعجة!"
ثم وضعت سماعة الهاتف وتحركت نحو باب غرفة مالي.. صمت أذنيها عن أحاديثهم داخل مكتب والدها وفتحت الباب ودخلت.. وما أن فعلت وجدت وسادة تضرب وجهها فهتفت بها: "ماذا بك يا مزعجة؟!"
-:"غادري في الحال يا ناقضة العهود!"
هتفت بها مالي بغضب ففهمت السبب وهو ظنها أنهم ذهابوا للقهوة بدونها.. لذا تنهدت وردت: "لقد تشاجرنا معاً ولم نذهب"
عندها هدأت مالي فعلمت أن فضولها قد غلبها.. اقتربت منها وجلست بجوارها وهي تكمل: "ريم تشاجرت مع مؤمن فغادرت أنا وهي وإسلام.. ثم تشاجرت أنا وريم.. فغادرت مع إسلام وأنا عدت للبيت"
-:"لم تشاجرتما؟"
سألتها باستغراب فردت سان بينما تريح ظهرها: "أخبرتها أنها تحب مؤمن.. لهذا هي منزعجة منه"
مطت مالي شفتيها بينما تنظر للفراغ.. ثم عادت تنظر لها وهي ترد: "ما كان عليك إخبارها بتلك الطريقة.. تعلمين هذا محرج لأي شخص يحمل بعض الدماء.. على عكسك فأنت لا تحملين سوى مياه باردة بعروقك"
تنهدت بملل وقالت بانزعاج: "حسناً علمت أنني أخطأت.. وأعدك أنتِ الأخرى سأعتذر منها غدا"
أومأت لها ثم ارتاحت بالفراش وهي تنظر للسقف وابتسمت وهي ترد: "لها حق بأن تحبه.. لا أحد يمكنه مقاومته.. إنه جذاب"
نظرت ساندي لها قليلاً ثم ردت: "أنا أراه مجتهد وناجح لا أكثر"
-:"أنت لست فتاة من الأساس لنأخذ رأيك بالاعتبار يا حمقاء!"
قالتها بحدة ثم عادت للابتسام بحالمية وهي تنظر للفراغ بينما تكمل: "من يدري.. ربما أنا سأتزوج به يوماً ما"
ضحكت سان بينما تقول: "ربما"
تجمدت ابتسامتهما معا لثانية.. قبل أن تلتفت لها مالي وترد: "لكن إن لم أفعل.. عليك الحرص بأن توافق ريم على الزواج منه"
ارتفع أحد حاجبي ساندي بينما تسألها: "ولم أنت متأكدة أنه سيطلب يدها للزواج؟"
أشارت لعنقها وهي تسأل: "هل لاحظتِ قلادة جديدة ترتديها ريم اليوم.. بحجر أزرق لامع وعلامة أبدية؟"
ضاقت عينيها وهي تتذكر بالحمام.. بينما كانت تعدل وضع قميصها رأت قلادة غريبة أسفل ثيابها بذات وصف مال فأومأت لها فأكملت: "لقد اشتراها لها كهدية.. وسألني إن كانت ستعجبها"
ابتسمت مالي بينما تكمل: "كان الجميع نائمون أثناء عودتنا.. ولم يجد غيري ليسأله..."
-:"لم يكن ليسأل أحدا غيرك"
قاطعتها سان فالتفتت لها ورفعت إصبعها بتحذير: "إياك وإخبار أي أحد أفهمتني"
أومأت لها باستسلام بينما تتنهد.. ثم ارتاحت بجوارها وهي تسألها: "لم لا تساعديني غدا بمنحي رأيك بما كتبناه أنا ومؤمن عن الجزء الأول من المشروع؟"
-:"لا مانع عندي"
ثم احتل صمتٌ رهيب لثواني كان يقطعه صوت بكاء.. وكلتاهما بذات اللحظة أغمضتا عيناهما وأمسكتا بكفي بعضهما البعض.. كلتاهما لم تحاول أن تميز إن كان ذلك البكاء نابعاً من داخلهما أم هو صوت بكاء شخصٍ خارج الغرفة!..
****
❤🌹

رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن