-ممكن أفهم حضرتك مالك؟
-وإنت ايه دخلك بالموضوع؟ سوق وإنت ساكت.
نزل عيونه من عليا في المراية وبص قدامه في الطريق، مسحت دموعي وحاولت أنسى اللي حصل، لكن مر في بالي شريط طويل من الذكريات.
***
-يا بابا افهمني، أنا مش عايزة فلوس.
-أمال عايزة ايه؟
قربت منه صوتي اتهز وأنا بتكلم:
-أنا عايزاك إنت يا بابا.
-وأنا موجود.
-لأ، لأ يا بابا عمرك ما كنت موجود.
صوته عِلي فجأة:
-مش موجود؟! بعد كل دا مش موجود! بعد التعب والسهر طول الليالي بشتغل عشان الهانم تلبس أحسن هدوم من أغلى الماركات، عشان تشيل موبايل أحسن من زمايلها، عشان تدخل أحسن جامعة، عشان تصرف فلوس كل اللي في سنها يحلموا يصرفوها، وبعد كل دا مش موجود؟
دموعي خانتني وبدأت تنزل:
-مش عايزة كل دا يا بابا، مش عايزاه، إنت عمرك ما كنت جمبي، عمرك ما حسستني بحبك ناحيتي، عمرك ما أخدتني في حضنك وطبطبت عليا، حتى لما ماما ماتت محاولتش حتى تبقى معايا، أنا مستاهلش كل دا.
***
-بابا ينفع نخرج؟
-مش فاضي.
-ساعتين بس.
-مش فاضي يا كيان.
-طب ساعة واحدة حتى!
-كيان!
اتحركت وتقل الدنيا كله في قلبي:
-خلاص يا بابا همشي.
***
-ايه رأيك بما إن حضرتك في أجازة من الشغل دلوقتي نسافر سوا؟
-سفر ايه يا كيان! ودا وقته! مش شايفاني مراكم عليا شغل بردو وبشتغله في البيت.
-يعني الشغل أهم مني يا بابا؟!
-الشغل دا لولاه مكنتيش هتبقي عايشة في المستوى دا.
***
دايمًا بيتشاف إن الناس الأغنياء بيكونوا حياتهم وردية، حياتهم كلها حلوة وجميلة ولذيذة، الفلوس تقدر تشتري كل حاجة، حاجات بتسعدنا، بنفرح غيرنا بيها، لكن عمرنا ما هنقدر نشتري سعادة لقلوبنا، لأن كل شيء بيسعدنا وبنقدر نشتريه بالفلوس ماهو إلا سعادة مؤقتة، لحظية، بين لحظة والتانية هيختفي، مش هيكون موجود مرة تانية، لكن الناس الأغنياء ولاد البشوات قلوبهم مكسورة، مخدوشة، بيتداس عليهم، قلوبهم وحيدة، الفلوس مش كل حاجة، مش هنقدر نشتري سعادتنا وراحة قلوينا بالفلوس.
-وقف العربية.
-في حاجة؟
-قولتلك وقف العربية.
وقف بالعربية ونزلت، مكنتش طايقة نفسي، كنت مجرد ثانية كمان ومش ضامنة أعمل ايه في نفسي.
غمضت عيني، افتكرت ماما، افتكرت قد ايه كنت مرتاحة وهي موجودة معايا، افتكرت قد ايه بتحبني، وكانت هي مصدر سعادتي وراحتي.
بعدين راحت مني، مبقتش معايا، من يومها وحياتي اتدمرت، انتهت، بابا مبقاش هو أبويا اللي أعرفه، يمكن وفاتها كسرته، بس كسرتني زيي زيه، ايه ذنبي أتكسر بسببهم هما الاتنين؟ ايه ذنبي؟
