8

920 39 1
                                    


تحركت جيئة وذهابًا في الغرفة بخطوات يبدو منها شدة ضيقها وغضبها كذلك قلقها: يعني لولا اتصلت بزهرة صدفة عشان أشوف حياه ما سألتش عني الفترة اللي فاتت ليه.. لولا عرفت؟

-يا بنتي أنتِ فـ إيه ولا إيه.. يادوب بتحاولي تستقري وتتأقلمي فـ بيئة جديدة أجي أنا وأقولك صاحبتك هربت من أهلها ومش عارفين طريقها؟

-يا ماما أنتِ عارفه كويس أوي إن أنا وحياه مش أي صحاب.. إحنا أخوات.. هي أختي اللي ما جبتهاش.

-عارفه والله، ويعلم ربنا معزتها فـ قلبي وأنها عندي زيك تمام، وإن كان اللي جرا معاكِ مش معاها كنت هأخبي عليها بردو.. هأقولك بتاع إيه؟.. مافيش فـ إيديك حاجه.

-على الأقل أبقى عارفه.. شقيقة عمري جرا معاها إيه.

أضافت متنهدة: خلاص يا ماما، اللي حصل حصل، مالوش لازمه الجدال.. محمود أو عمو فاروق وصلوا لحاجه؟

سمعت شهقة والدتها المتألمة: يا حسرة، فاروق تعب وراقد فـ السرير ومحمود راسه وألف سيف إنها ماتت ومش عايز يعرفها تاني.

صاحت: إزاي يعني؟!، دي أخته من لحمه.. يرميها كدا لكلاب السكك؟؟

-زين حاول معاه كذا مرة.. بس أنتِ عارفاه دماغه حجر.

-طيب بابا وزين بيدوروا عليها؟

-أيوه طبعًا، حتى كمان بيدوروا على الواد اللي بيقولوا هربت معاه؛ يمكن يدلهم على طريقها، ما تعليش هم أنتِ بس.. هما مش هيسيبوها غير لما يعتروا عليها.

-يا رب يا ماما ترجع بسرعة.

أخفضت فاطمة صوتها بهمهمة لكن سلمى استطاعت سماعها: المهم تكون سليمة وزي ما راحت زي ما تيجي.

استمر الحديث بينهما يمر على كل فرد من أقرب معارفهم وأشدهم سكنًا لقلوبهم، أطمأنت على أخبار الجميع وحادثت شقيقها الأكبر فور عودته توصيه على حياه ووجوب عثوره عليها قبل أن يمسها سوء.

أغلقت الهاتف وأفرجت عن دمعها الحبيس، مدت سجادة صلاتها وهمت بالبدء عندما تراجعت وأسرعت تجدد وضوءها كي يهدأها، أطالت السجود مكثفة الدعاء، ترجو ربها أن يحمي حياه من شر نفسها ومن شرور من حولها.

***

سمحت لدفتي الكتاب بأن يلتقيا عند خط الحياد بالمنتصف، ألقت فوقهما نظاراتها الطبية ثم استندت بكفيها على طرف المكتب تلقي رأسها بإرهاق.

أغمضت عينيها بينما تزفر من شدة التعب، رسالتها تأتي على ما تبقى لها من طاقة يضيع أغلبها خلال القيام بأعمال الكلية بالنهار ومرواغات الطلاب معها.

اعتدلت تفتح حاسوبها المحمول، تتفحص أي جديد يخرجها من الإحصائيات والنظريات والقواعد التي غرقت بها حتى أخمص قدميها، لفت نظرها رسالة أتتها على بريدها الإلكتروني، فتحتها فوجدت مقطعًا صوتيًا، أدارته لتصلها كلمات إحد الأغاني القديمة تتذكر أنها سمعتها قبلًا في الكافيتريا الخاصة بالكلية، أغلقتها دون اهتمام، فهي لم ولن تحب سماع الأغاني طول حياتها، تفحصت حسابها على الفيس بوك حتى غلبها النعاس فتوسدت كفيها وشدت الغطاء فوق جسدها ونامت هانئة.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن