غادرت الغرفة التي خصصت لها، إلى متى ستظل حبيسة زنزانة ضيقة في سجن هائل، تقدمت خطوة وتراجعت عشرات، اليسرى تواصل السير واليمنى تزأر تنشد الرجوع، ابتعلت ريقها بصعوبة، لقد بقت في حبسها أسبوعين، لا ترى سوى الجدران الرمادية والسقف الأبيض، غرفة أثاثها حديث لكن وقعه سيء على نفسها.
وقفت بعدما هبطت الدرجات المعدودة، تطلعت إلى الجالسين كل في عالمه، واحدة تضع طلاء أظافر فوق أصابع قدميها والأخرى تقلب قنوات التلفاز بسأم بالغ فيما تتلاعب يمناها بخصلات شعرها البني الداكن، أما هو، سبب نكبتها ووجودها ها هنا، يجلس حول طاولة السفرة يخط ما لا تعلمه فوق ورقة أثناء تدخينه لسجائر كريهة الرائحة، لمحتها الفتاة السائمة وابتسمت لها قائلة: وأخيرًا خرجتِ.
التفت لها الزوجان الآخران من العيون، نهض الرجل ببسمة مائلة على جانب شفتيه، اقترب منها ووقف على بعد عدة خطوات عاقدًا ذراعيه: يا مراحب.. كنت متأكد إن مسيرك تخرجي لوحدك.
أشعل صوته فيها النيران، نار تصاعدت حتى لمع حريقها في مقلاتيها، رفعت سبابتها في وجهه متوعدة: دلوقتي حالًا هترجعني المكان اللي أخدتني منه.
زاد التهكم من ملامحه صفاقة، رفع حاجبه: قصدك الميتم ولا.. الغردقة؟
أزدردت ريقها، لما ذكرّها بما تريد أن تنسى، أيام ظنتها أجمل أيام عمرها تقضيها برفقة حبيب فؤادها، ليتها علمت ما ينتظرها لكانت قتلته قبل أن يجرؤ على محادثتها، تماسكت وصلّبت عودها: الميتم.
-مش دا المكان اللي كان نفسك تسيبيه؟.. أديني حققتلك أمنيتك.. زعلانه ليه بقى.
هتفت به: جحيم الملجأ أحسن عندي مليون مرة م النعيم هنا.
لاعب خصلاتها المتناثرة حول رأسها بلا مبالاة، لم يهتم بإنتفاضة جسدها نتيجة قربه، خائفة متوجسة، رد عليها مركزًا نظراته فوق أصابعه اللعوب: مع الأسف، الكلمة الأخيرة مش ليكِ.. الكلمة الأخيرة دلوقتي أنا الوحيد اللي يقولها.. غير كدا اعرفي كويس إن مكانك بقى هنا من دلوقتي لحد ما تروحي على قبرك.. غير المكانين دول مافيش...
أضاف بعد لحظة ترقب وعيونها متسعة مما تسمعه: وهتنفذي اللي بأقولك عليه بالحرف الواحد، وهتنزلي مع البنات من بعد بكره الشغل.. زي ما فهمتك.
صاحت به منفعلة: دا مش شغل، دي وساخه!
صحح بتبلد: هتنزلي من بعد بكره الوساخه.. المسميات مش مهمة، النتيجة هي المفيد.
كزت على أسنانها وقالت: وأنا مش ممكن أخلي واحد غريب يلمسني.
نظر إليها ببراءة: أومال خلتيني أعمل كدا ليه؟
مندهشة من سذاجة سؤاله: أنت جوزي!
رجعت رأسه إلى الخلف من قوة ضحكته، تقطعت أنفاسه، نظرت إلى الفتاتين في تساؤل عما يضحكه، نظرات الدهشة تلمع في عيونهم مثلها لكن اختلطت بتوقع لتفسير بشع من قِبله، اعتدل أخيرًا وتمالك ضحكاته المقرفة، حدثها كطفلة صعبة الفهم: بس أنا مش جوزك.

أنت تقرأ
رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)
Romanceالجزء الثاني من رواية رزقت الحلال شخصيات جديدة ظهرت وأحداث مختلفة... لكن هيظهر أبطال الجزء الأول (حمزه وحياه) من تاني لكن قدام شوية... الأحداث بدايته من بداية القصة قبل ما حياه تهرب أصلًا... والأحداث هتتعرض من زاوية تانية ونظرة تانية.. بالتالي حاجا...