28

996 34 0
                                    


نهض متباطئًا وتعبير وجهها يردعه، نظراتها متقدة خلف عويناتها الزجاجية تسأله عما يفعله هنا ولم أتى، تدينه على زيارته لها، هي خطيبته التي لم تعبأ بضيقه منها منذ زفاف شقيقة حياه، يكلمها على قدر الحاجة وهي تفعل المثل بأريحية كأنها وجدت راحتها في هذا التصرف، أضاف لسلتها لديه هذا الرفض الضاري لزيارته.

وضع أصابعه على حزامه الجلدي يضبط موضعه رافعًا رأسه بأنفة، يكفيه ما وجده منها حتى الآن، لن يحارب مع جبهة ترفض التعاون، تلفظ يده الممدودة بالسلام، على البرود وجهه مستعدًا للإنصراف: يظهر إني جيت فـ وقت غير مناسب، عن إذنك.

وضع المفاتيح بجيبه بينما يدير ظهره منصرفًا، سِبابًا شنيعًا وجهه لنفسه بالسر، هو كما تقول أمه تمامًا «حظه قليل ونحسه غزير، وليس له من اسمه سوى أقل القليل».

-ما تمشيش.

تسمر محله، صوت باكٍ أوقفه، شك في قوة سمعه لكن عاد بنظره إلى آية، كانت منهارة فوق الأريكة تبكي بعنف، كأن الدموع المحبوسة تكتم منافذ تنفسها وخلاصها في إطلاق سراحها، أسرع ناحيتها، مرتبكًا مشوشًا، لم يسبق له أن رأها بذلك الحال.

همهم محاولًا إخراج كلمة سليمة تعبر عن شيء ما لا يعرفه، أوقف هتافها المغتاظ محاولاته: لو نطقت جملة فيها «معلش» أو «مالك»؛ هأوريك النجوم فـ عز الضهر!

صارع لمدارة ابتسامته، جلس جوارها وضمها بحنو، يملس فوق شعرها ويهدهدها كطفلة لوث ألوان الحياة بعينيها سواد لأول مرة، قبلة صغيرة طبعها على قمة رأسها، يجزم أنها لم تدرك فعلته، تشبثت بذراعيه أكثر تنتحب بصوت يدمي القلوب.

أشار لعنبر التي قدمت على صوت البكاء العنيف بالذهاب دون أن يتحدث، يدرك قلقها على آية، لكن اقترابها الآن لن يفيد أيًا منهم في شيء. دفعة صغيرة فوق قلبه وانسحاب متخاذل من جانبها، أبعدت نفسها مسافة بسيطة، تنحنحت محرجة: آسفة ما كانش قصدي اللي حصل.

أرجع خصلة فرت من ترتيب شعرها ثم رفع ذقنها بخفة؛ يتأكد من إلتقاء نظراتهما حتى بعد نزعها للنظارات الملطخة بدموع الإنهيار العاصف: دا من حظي أنا.

غمزها مشيرًا إلى احتضانه لها لأول مرة، بقرب غير معتاد بينهما، ليس على الصعيد الجسدي فقط ولكن النفسي كذلك، كلمتها المطالبة بمكوثه معها مدركة إنهيارها كان أكبر دليل على أن وجوده هو رغبة متبادلة بينهما وليس إرسال إشارة من أحدهما فيما الأخرى يغلق طرق استقباله.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن