25

980 37 0
                                    


«ليأتين على الناس زمان لا يباليالمرء بما أخذ المال، أمن الحلال أم من حرام.»

رواه الترمذي عن الرسول

أعين فارغة، تحدق في الشاشة المضيئة بإطارها الأزرق الفاتح كناية عن تطبيق «التويتر» الذي تطالعه. لِمَ الآن يظهر هذا الكلام أمامها؟ صورة صغيرة قلبت عليها مواجع الأمس، استرجعت بكاء الليلة الماضية في أحضان أخيها، ثم الكبح الذي مارسته على ذاتها بعنف؛ فحتى الآن لا تدري كيف تخبر زوجها بما عرفته عن أبيها، أو إذا كان من المفترض عدم إخباره، عقلها مشتت لا ترغب في تنظيمه.. فقط الهروب.

جذبتها ذراع إلى أحضان مازالت تحمل دفء النوم وعالمه. انهارت تبكي؛ فكان سبب الضمة المباغتة، تشبثت بأعال ذراعيه، طوق نجاتها وسط مد وجزر الدنيا الشرس، تعبت من محاولات النجاة، التشبث بحياة تقلبها رأسًا على عقب، تحاول تغطيس رأسها في القاع بلا رجعة إلى السطح إلا كجثة لفظت آخر أنفاسها.

أبعدها عنه بكفيه، كاد يخرج استفسارًا عاصفًا، يحمل القليل مما يطوف داخله، لكن مقلتيّ العسل وشهده ترجته بلمعان الماء المملح أن يرحمها، لا يزيد الضغط عليها؛ فهي حقًا ما عادت تحتمل، قلة حيلة ويأس، يده تشتد على مرفقيها يكبت طغيانه، يستوعب كسرتها، أنتهى من صراعه الداخلي برفع ذقنها حتى تأكد من إلتقاء أبصارهم ووعيها بذلك: بحبك، ومهما كان هأفضل جنبك.

لم تدرك أن شيطانًا أحيا برأسه عودة مرضٌ خبيث حاول مرة أن يحرمه منها ويسرق سعادة أيامه عبرها، حبٌ شبّ بينهما مع الأيام، لا ينكر تواجده قبل الزواج لكنه بالتأكيد لا يقارن بما حدث الآن داخل جنبات قلبه، لم يسأل، أو يستفسر، فقط عبر عن حب وشوق بطريقته الأسيرة، داخل غرفتهما في وضح النهار، لم يبال بإسدال الأستار، يرغبها ويعث فيها فوضى نارية، هي أولى بطاقتهما عن البكاء أو السؤال.

***

رمت نظرة عابرة إلى الورود البيضاء والصفراء في المزهرية بزاوية من الغرفة، تستعد للذهاب إلى الشركة وعيونها لا تنصرف عنهم، أخبرها أنه خَبِرَ لغة الزهور من أجلها، وتمنى ألا تشكو قلة الكلمات، كيف تشكو وهو يهديها الجمال عينه، ورود تشعل البرق في مقلاتيها، ورود بيضاء تنقل رسالته أنها هدية من السماء بعثت إليه، والصفراء تكمل ما بدأته البيضاء وتتم جملته الصباحية من أجلها «لن تكوني لغيري»، وردٌ أعجميٌ هد حائطًا مشيدًا من الأوجاع حول قلبها، لم تفعله الكلمات، ولن يطهره سوى الإهتمام، بلى.. اهتم بما تحب، اقتطع من وقته لكي يعرف أي الزهور والورود أنسب فتوصل رسالته بلا حروف أو حركة لسان.

ألقت نظرة أخيرة للزهور المرتبة بعناية بفضل أسماء، التي قررت تركها تحفظ بعضًا من الكبرياء لوقت أطول لكن لن يدوم كثيرًا. هبطت السلالم منصرفة إلى عملها، بسمة ممتلئة بالطاقة شجعتها على رؤية كل ما هو آتٍ بلون مشرب بالأبيض والوردي.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن