وقفت أمام أرفف الكتب تحدق بأسماء المجلدات الضخمة تتخير ما يساعدها في رسالتها، نفخت متأففة، منذ عادت لإكمال رسالتها للحصول على منصب علمي أقوى ووظيفي أعلى
تنتابها فترات من الملل والضيق، الفترة التي نالتها من الراحة الذهنية دون شغله بتوسع أكبر في مجال دراسته لم تحقق الرجاء المنشود.
رفعت ثقلها كله على أطراف أصابعها في محاولة للوصول إلى الأعلى حيث الكتاب الذي ترغب، عادت تستقر فوق الأرض بقدمها حين فشلت تلتقط أنفاسها ثم تعاود المحاولة، نظرت حولها في يأس وأمناء المكتبة غائبين عن الأنظار رغم كثرة تجوالهم في العادة، كزت على أسنانها في غيظ، لقد سأمت هذه الدراسة ولا ينقصها ما يزيد مقطها.
غادرت محملة بعدة كتب استعاضت بها عن ذاك المرجع المرتفع عن مستوى طولها، تكاد تنقلب على وجهها من فرط خطواتها العصبية، سمعت رنة هاتفها المميزة بإحد سيمفونيات بيتهوفن «ضربة القدر»، الموسيقى الإنفعالية المليئة بالحماس أدت دورها في إشعال فتيل عصبيتها.. انشغال الكتف بتثبيت حركة ذراع الحقيبة الطويل، وذراع بالتشبث بكومة الكتب والأخرى تبحث باستماتة عن الهاتف اللعين.
دعست على حجر لم تنتبه لوجوده فحاولت الحفاظ على إتزانها بلا جدوى، وقعت فوق ركبتيها وقد انتهزت ذراعيها الفرصة متخلية عن أحمالهما، اقترب أحدهم يعاونها في لملمة ما تبعثر، تركت له مهمة الكتب وتفرغت للحقيبة المسكوبة متشتتة من حولها. جمعت الأغراض بعصبية مفرطة –غير معتادة عليها- تحشرهم في الحقيبة وتغلق عليهم بمقط، وقفت تثبت الحقيبة بشكل معاكس كعلامة الممنوع.
سلمها المراجع بيمينه بينما حكت يساره جبينه، رفعت نظرها إليه بعدما تسلمت الكتب، كزت على نواجذها غيظًا من نظراته المتحمصة: في حاجه يا أستاذ؟
مال رأسه يمينًا مركزًا: هو أنا ما قابلتكيش قبل كدا؟
لمحت جزء من تنوراتها تشبثت به ذرات التراب، نفضتهم بعيدًا ثم استدارت تدمدم لنفسها بنزق: تقريبًا آدم الوحيد اللي ما سألش حوا «هو أنا ما قابلتكيش قبل كدا؟!».. يا بختك يا ماما حوا والله.. ربنا رحمك من بلاوي آخر زمن.
خلفته وراءها دون كلمة شكر واحدة على مساعدته، لقد ضرب يومها بعصا هوكي من العيار الثقيل، قررت على إثرها قضاء بقية اليوم مع موسيقاها المفضلة تقرأ رواية ما تفصل عقلها عن الأجواء المحيطة من التوتر والعصبية التي تنتابها لأول مرة.
***
فتحت الخادمة التي تأتي كل أسبوع مرتين للإهتمام بنظافة منزل الفنان الأعزب، سمحت لها بالدخول لمعرفتها بالضيفة وعلى أمل عودة ماجد في أقرب فرصة ثم انصرفت معتذرة لإكمال عملها.
وضعت حقيبتها فوق أحد المقاعد ودارت في المكان تطالع اللوحات متيقنة من عدم تغير ذوقه رغم مرور السنين، عادت الخادمة بعد دقائق تحمل صينية بها كوبًا من القهوة السوداء الأمريكية ثم اختفت من جديد بلا حجة أخرى للعودة، بينما كادي ترشف من كوبها لمحت سلمًا يؤدي إلى الأسفل فقررت النزول واستطلاع الأمر ثم قد تصعد للأعلى أيضًا قتلًا لوقت الإنتظار الذي قد يطول، وهي لن ترحل قبل رؤيته.
أنت تقرأ
رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)
Romanceالجزء الثاني من رواية رزقت الحلال شخصيات جديدة ظهرت وأحداث مختلفة... لكن هيظهر أبطال الجزء الأول (حمزه وحياه) من تاني لكن قدام شوية... الأحداث بدايته من بداية القصة قبل ما حياه تهرب أصلًا... والأحداث هتتعرض من زاوية تانية ونظرة تانية.. بالتالي حاجا...