26

816 37 0
                                    


وقفت شاحنة ضخمة أمام الكوخ الأسمنتي غير مكتمل التشطيب ينتظر صاحبه منشغلًا بإمرار البودرة البيضاء من إحدى فتحتي أنفه سادًا الأخرى، سمٌ يعينه على طول طريق السفر إلى القاهرة حيث مقر التسليم، ساعات طوال من السفر منفردًا مع شريطه المفضل من أغان السيدة أم كلثوم المتراوحة بين «فكروني» و«بين الأطلال»، ينتقل بعدها إلى أغان شعبان عبدالرحيم المتنوعة، مزيجًا عجيبًا يساعده مزاجه المخدر على الاستمتاع به وهضمه بيسر. انتظر سعدان على عتبة الغرفة الصغيرة يتابع نزول ذراعه الأيمن إلى القبو السفلي، يصعد بعد دقيقة حاملًا شوالًا ممتلئ بخيرات الذهب الأثري القديم يسنده معه عندما يقترب من المخرج؛ خوفًا عليه من أقل خدش قد يلحق به، مهمة سرية وخطيرة حتى أنه لا يستطيع إطلاع السائق على حقيقة ما ينقله أو حتى يحضر من يعين خلف في مشواره بين طبقات الأرض.

انتهوا من عملية النقل والعتمة تحط فوق رؤوسهم، لا يعكر صفو السماء المخملية السوداء إلا نقاط من النجوم المتفرقة تبدو كنثر للماس عبر امتدادها اللانهائي. وقفا يشيعا السيارة الضخمة المندس بين أغراضها الأساسية السبب الحقيقي وراء سفرها كل تلك المسافة.

***

ثنت ساقيها أسفل وركيها فوق الأريكة تحمل كوب المشروب الساخن بين يديها تتدفئ به من

برودة تطغى على دواخلها وتستشعر أثرها على بشرتها، تجلس جانبها صديقة طفولتها واضعة ساقًا فوق الآخر وكوبًا مشابهًا يملأ كفيها.

شاردتان ساهمتان، همست ذات الجلسة المنكمشة بشدة ونبرتها تنضح سخرية من الحال التي وصلتا إليها: عدى سنتين ولا أكتر؟.. وأدينا رجعنا تاني لبيت أهلينا.

رفعت نظرها إلى سلمى ضاحكة مضيفة: ما فرقش جواز الحب فـ حاجه عن القبول برتبة الزوجة التانية.

قابلت نظراتها مناشدة إياها بقول الحقيقة: العيب فينا ولا فـ إختياراتنا ولا الحياة نفسها.. ولا فـ إيه بالظبط؟

-عايزه تفهميني إنك ما اكتشفتيش مربط الفرس فـ تأزم علاقتك بياسين وحياتكم سوا؟

رمقتها بجانب عيونها: فروض، يمكن لمجرد إني قبلت أكون زوجة تانية، ضريت واحدة فـ علاقتها بجوزها وفرقت بينهم، دخيلة المفروض مالهاش مكان.

هزت حياه كتفيها تعبيرًا عن عدم اقتناعها وقد برز ذلك في نبرتها وكلماتها: لا أنتِ أول ولا آخر واحدة تقبل بوضع زي دا، بعيدًا إنه ما زال وضع مستهجن بس ما اعتقدش دا السبب، أنتِ شوفتيها وكلمتيها وبنيتِ قرارك على أساس موافقتها اللي وضحتهالك.. الذنب مش ذنبك لوحدك.

زادت حيرة سلمى، فبعدما ظنت أنها اكتشفت السبب هزت حياه ثقتها بذلك، سألتها عن

توقعها لكن حياه عادت تهز كتفيها جهلًا ثم قالت جازمة دون يقين: تراكمات، اختبارات، إن دي الحياة ولازم نفضل فـ معاناة وعمرنا ما نرتاح؛ لإنها ما اتخلقتش للراحة.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن