23

990 37 1
                                    

مستكينًا فوق المقعد الوثير، نظراته الحادة المركزة لا تحيد عن نقطة ما أمامه. فور إنغلاق الباب بهدوء استعجبه رامز، اقترب من رئيسه يجلس فوق المقعد المقابل له، يتابع اختلاجات ملامحه.

همس بتوتر: مش قلقان يعمل حاجه؟. أنت عارف شوقي لما بيزرجن.

لا يهمه أي إعصار قد يسببه شوقي، لن يقبل أن توضع أيديهما سويًا وإن بالشر، التعامل بينهما ممنوع، مستحيل، غير مقبول بالمرة ولو على رقبته أو في الأمر حياته. ببال يبدو رائقًا لا يعكر صفوه قلق: سيبك منه، دا أقل من إنه يخليني أقلق منه.. المهم، ظبطت كل حاجه؟.. عايز أشوف أحمد الصغير قبل ما أرجع السويس.

-ما تقلقش، بكره عندهم معاد عند الدكتور، فحص عام، تقدر تشوفه وقتها بسهولة.

-سمية رجعت البيت تاني؟

أومأ مؤكدًا: ما استحملتش فـ بيت نجلاء غير يومين، بعدها راحت أسبوع مع حياه عشان تساعدها مع أحمد الصغير، ورجعت إنهارده الصبح بيتها من تاني.

اكتفى أحمد بهز رأسه، طلب رامز القهوة من أجلهما، في إنتظار قدوم عاصم؛ لبدأ التجهيز

الحقيقي للمهمة القادمة، استأذن رامز دقائق من رئيسه، يطمأن خلالها على الامور في الصالة وزبائن الملهى الليلي.

شرد بذهنه، سبقته يده إلى الهاتف الأرضي الخاص بالمكتب، رفعه ودقّ الأرقام المحفوظة في قلبه قبل عقله، انتظر الإجابة كمراهق يعاكس ابنة الجيران ويخشى إجابة والدها عوضًا عنها، رنة.. ثانية.. ثالثة.. رابعة.. ثم ردت: آلو.

صمت، سكون، راحة ملأت صدره، استرخى بعد تشنج، أغلق عينيه مستمعًا لإعادة ترديدها الكلمة ذات الأحرف الثلاث، كلمة خاوية، تكاد تكون بلا معنى، لكن معها، بصوتها.. حملت كل معاني الدنيا. تلمس فيها الحنين، كسر البعد، ووجع القلوب المشتاقة.

***

قضمت من شطيرة الجبن الرومي خاصتها ثم أتبعتها برشفة من عصير الجرجير، إعداد أمها خصيصًا لها وحدها، لا تتقبل طعمه لكن لا مفر، كثرة الضغط النفسي والسعي في عدة جهات، قلة إرضاع طفلتها طبيعيًا ساهم في قلة إدرار الحليب من صدرها، وكان هذا حلّ أمها العزيزة.

شاركها الشطائر نفسها، ذات العدد الضخم نسبيًا للمعتاد من أجل كليهما، بفارق كوب عصير فاكهة عوضًا عن خضار عصيرها، تجاهلت نظراته المحدقة في تفاصيل وجهها، فعلة لأول مرة تلحظه يفعلها معها، تناست قلة ثقتها بنفسها، واضطراب نفسها داخليًا من هذه المراقبة الخارجية، تشغل نفسها بتتبع النجمات الصغار في السماء منتهزات غياب القمر.

يفكر في الاعتذار، تقديم القربان للمغفرة، لكن أتقبل؟.. أيجدي أيًا مما ينوي في نيل عفوها؟لقد أصاب موضعًا فائق ال ساسية، اكتشف فداحة فعلتها بعدما علم الحقيقة من لسان ماجد، جلسة قضوها بعد إتمام ماجد أقواله أمام الشرطة ثم استفساراته شخصيًا عما حدث وما توصلوا إليه.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن