27

800 37 0
                                    


استرخاء بادٍ للعيان، جعل الضابط في كل مرة يدلف إلى المكتب أو يخرج منه يحدجها بنظرات متأملة يحاول قراءة ما خفي عن الظهور، تجلس تتصفح إحدى المجلات المكومة فوق طاولة جانبية، أو تنتصب قرب أحد النوافذ تطالع جزء خلفي من مبنى الإدارة العليا لا يحوي شيئًا سوى بضعة خردوات لا تحتاج كل هذا التأمل والذي يطول لساعات متواصلة كما تفعل الآن.

سألته دون أن توجه له إهتمامًا: هأفضل هنا لحد إمتى؟

أجابها بجديته المتماشية مع وظيفته: هنا أمان ليكِ.

نظرت صوبه بسخرية: وأنا مش خايفة، ممكن تسيبني أمشي بقى؟

إن فعلها فقد يفقد عنقه على يدي بسام، هذا الأخير يثير عجبه، يبدي إهتمامًا مبالغًا به تجاهها، يتصل ليطمئن على وجودها، كأنه متيقن من رغبتها في الذهاب ومحاولاتها تنفيذ ما في رأسها.

-وقت ما نطمن إن كل شيء تمام، هنوصلك بنفسنا لحد البيت.

تركها مغادرًا وقد حمل ما أراده من أوراق. زهدت النافذة وذهبت صوب الأريكة التي صارت سريرها كذلك مؤخرًا، غيظها يتفاقم، ليست من هواة الأسر، انصاعت فيما سبق لأسر بسام لها بمنزل على البحر.. فقط من أجل حياة طفل لا ذنب له، أما الآن وقد أُخِذَ منها الرضيع إلى جهة ستوليه العناية المناسبة؛ صبرها يتعجل النفاذ، وقلقها على بسام يزيد عصبيتها، ترغب في السؤال عنه لكن هناك ما يلجمها عن ذلك.

منذ وصلت إلى أقرب نقطة شرطة باعتلاء الدراجة النارية وقد صار كل شيء بسرعة أذهبت أنفاسها وملت ملاحقتها، أملها الوحيد أن بسام ما زال على قيد الحياة بعد ما وصلها من أخبار عن القبض على سائق شاحنة بها مهربات يتعلق بذكر اسمه صدفة على لسان الضابط.. وهذا كل ما نالته، حتى نقلها عودة إلى القاهرة والاحتفاظ بها داخل مبنى الإدارة العليا حيث يعمل بسام -كما استشفت- يحيط بها رؤساءه وزملائه لم يعد عليها بما يثلج قلقها.

***

عُقِدَ القران قبل ساعة أو يزيد، الحديقة مضاءة ومقتظة بالضيوف، يتنقل بينهم في سعادة وطاقة تظهر للعيان من خلال بسمته المشعة، يشكر الجميع فردًا فردًا مشاركتهم إياه في أسعد لحظاته، تخونه نظراته منصرفة إلى باب المنزل الداخلي يتلمس طرف ثوبها حين يظهر، يجب أن تكون عيونه هي الأولى في رؤيتها؛ زوجته الآن وحقه وحده بعدم غض النظر عنها.

كأنها كانت تتحين فرصة إدارته لظهره جهة باب خروجها، فخطت إلى الخارج ساحبة البساط من أسفل قدميه بشرف أول من يرى طلتها، نسى حنقه الذي لم يدم سوى ثانية، تأملها بثوبها الأبيض دون نفش يتحكم في خطواتها ويقيضها، يتهدل بدلال وأنوثة رقيقة من حولها كصاحبته، حجابها المحافظ على طوله الطبيعي لكن سبقه درجات من التل الفضي كبطانة لقماش الحجاب الستاني، ما حافظت عليه من كلاسيكية العروس هي طرحة العرس المترمية خلفها فوق الأرض والزاحفة على الحشائش الخضراء النابتة متماشية مع خطواتها الضيقة، ترددًا منها أو بما يفرضه عليها علو كعبيها الغير معتادين.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن