24

1K 43 0
                                    


دعاها بانفتاح ذراعيه، هرولت إليه ضاحكة مقابل بسمته، ارتمت بين أحضانه تتنشق عبيره، مسكه المفضل مخلوطًا برائحة الأمان والحنان، مرغت وجهها في ثنايا عباءته التي أعدتها والدتها له منذ البكوره، اشتاقت ولم يشبع شوقها قبلة على الجبين وربتة حنون، احتاجت ضمة قوية، بل غمرة شديدة، تنقلها أسفل أضلاعه قرب قلبه.

شعر بها، وحالما حانت الفرصة استغلها، صغيرته، ذات الركن الأكبر من فؤاده، فرّت قطرات من بين جفنيه، شدد ضمته وسكن جسده كأن احتواءها قمة راحته وأبلغ ما يتمناه من الدنيا، هي قريرة عينه ومهجة قلبه، كلما ضمها تأكد من غباء الرافض لإنجاب الفتيات، الولد يحمل اسم والده أما الفتاة فتحمل والدها فوق رأسها.

-مين اللي مزعل أميرتي؟

تغلب على حشرجة صوته، قلق عليها، على قلبها الصغير الذي أحب، وغار في بحور العشق دون خبرة. يدرك جانبًا طاغيًا من مشاكلها دون أن ترويها، دخلت كثانية على امرأة، جميلة، فاتنة، تعرف زوجها ومداخله، أمامها هي.. التي لم تحظ بفترة خطبة ملائمة، وزوج تعرض لضغط من عدة جوانب، لولا حنكته في إدراك لمعة مخفية قابلة للاشتعال وإنارة حب في قلب ياسين ناحية «سلمته» لم يكن ليسمح لها، لكن تبريراته لن تغادر إلا للعقل الفاهم، أو القلوب المعلّقة ببعضها حق التعلق.

-مش غلطان لوحده يا بابا، أنا غلطت..

رفعت بصرها إليه، تتعلق بعيونه معترفة بذنبها: غلطت لما فكرت فـ سعادتي وبنيتها على سعادة غيري، فكرت إني هأكون مع الشخص اللي قلبي اتعلق بيه من غير ما أحس، بس ما فكرتش مين ممكن يتضر أو يتجرح السنتين اللي فاتوا كانت كل لحظة سعادة بيقابلها عشرة حزن ووجع، حتى السعادة نفسها كنت دايمًا بأحسها ناقصة.. لما قعدت وفكرت استغربت إزاي قدرت أحس بسعادة ولو صغيرة، السعادة كان بيعكرها ضميري اللي اتجاهلته؛ عشان اغتصبت حق غيري، زوج لواحدة تانية، حبيت أبني فرحتي على تعاستها.. اتغاضيت عن إنها أجمل مني، وحبه ليها اللي باين فـ عيونه، وإنها كل حاجه ممكن راجل يدور عليها فـ الست، استغليت نقطة ضعفه ورغبته فـ طفل عشان أقربه مني وأسرقه منها.

كفكف دموعها بكفه دون أن يفكر في مقاطعتها، لقد طال انتظاره لهذا الإنصات، أن يسمع ما يدور في عقلها ويتوجعه قلبها: حسيت دلوقتي بس قد إيه أنا سيئة، مش بس كدا.. اكتشفت إنعدام ثقتي فـ نفسي كـست ممكن تملى عين جوزها، إن نظرتي لنفسي بتركز على العيوب وتنسى المميزات، كرهت نفسي عشان وزني زايد، ما حاولتش أحبها زي ما هي أو حتى أنقص وزني فأرجع أحبها.. سلبية، كنت سلبية جدًا.

اعتصرها في ضمة طويلة، يبكي وجعها، يبكي عجزًا يلجم ذراعيه: وأنتِ عايزه إيه؟

صمتت، فأصغى لصمتها، رفعت نفسها وانتصبت جالسة، عيونها تحمل عزمًا يحفظه جيدًا، يعني أنه لم يعد هناك مآب وستتحمل الآتي مهما كان: مش هأرجعله، هأطلق.. هو ما كانش ليا من الأساس، وجنة هأحاول على قد ما أقدر ما أخليهاش تحس بالفرق وطبعًا مش هأحرمه منها.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن