رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)

16

أمسكت كتابًا يختص في أمور التربية وعلاقة الأمهات بأطفالهن، بعد مرور يومين على علمها بنبأ الحمل غير المتوقع وذهاب الفرحة الأولى بدأت تتوجس خيفة وتستشعر ثقل الحِمل المُلقى على عاتقها، منذ بداية تكوينه في رحمها إلى يوم أجله وتمام مهمته على الأرض.

تحست أسفل معدتها، خلية صغيرة تتكاثر وتزداد عددًا، تصير بعد أشهر جنينًا يخرج إلى الحياة صارخًا مطالبًا بحقه فيها ومساحته منها، سيكبر ويتعلم المشي والحديث والتصرفات السليمة وينهر عن السيئة منها. بعد سنوات يذهب إلى المدرسة ويحضر متضايقًا لمشكلة ما، ستكون صغيرة أو تافهة لكن بالنسبة لمن لم ير سواها من الحياة فهي أكبر معضلة.

طرق ياسين الباب وطلب منها الاستعداد للخروج؛ فموعد الطبيبة للمتابعة اقترب ويجب أن يكونا هناك على الموعد.

لحقت به خلال دقائق، تتشوق معرفة أخبار طفلتها، حلوتها الصغيرة ذات الشهر الثاني جنينيًا، طوال الطريق والصمت يحلق فوق رأسيهما، التوتر ألجم الألسنة وعطل العقل عن تجاذب أطراف حوار ما.

في انتظار الدخول إلى الطبيبة راقب كل منهما النساء الحوامل في أشهر مختلفة، تحدق في بطن واحدة أوشكت على الولادة فتشهق غير متخيلة نفسها بهذا الحجم وهذا الإمتداد إلى الأمام، تنفست الصعداء حينما سمعت نداء الممرضة عليها أخيرًا.

***

وقفت محتدبة الأكتاف وأصابعها تتشابك أمام جسدها، ألم ينهش قلبها ولكن كيف السبيل إلى الخلاص؟، سمعت كل ما قاله نوح للطبيب المختص بمتابعة الشئون النسائية للفتيات التابعات له أمثالها، يخبره عن حمل غير مرغوب وتهديد مبطن لها إن تكرر هذا الوضع.

خرج نوح بعدما حذرها من محاولة التفكير في عرقلة مهام الطبيب، هناك رجل في الخارج ينتظرها حتى تنتهي ثم يصحبها إلى المنزل مجددًا؛ فهو لا يملك وقتًا يضيعه في انتظارها. رفعت رأسها حين سمعت الطبيب المتصابي يسألها شيئًا، رجل أكلت السنون سواد شعرهوأبدلته بياضًا، بياض يجب أن يسم صاحبه بالوقار لكن على العكس تمامًا، نظراته فاحت برائحة خبثه ودناءته، فإن لم يكن فكيف عمل مع نوح وجماعته؟

صحبها إلى سرير الفحص، يتأكد أن الأمور على ما يرام، سمعت دقات قلب جنينها فبكت، سيوقفون نبض قلبه الغير مكتمل، ويحرمونه من حق منحه الله إياه، حقه في الحياة، في تذوق مرارتها ومعاملة أهلها.

مسح السائل اللزج عن معدتها وطمأنها أن مكروهًا لن يصيبها رغم تعدي مدة الحمل للفترة المسموح بها لإجهاضه، أجلسها على مقعد آخر في غرفة لها باب داخلي مع مكتبه الذي كانا جالسين فيه، بعدما حلت ملابسها وبدلتها بأخرى للمرضى رفع ساقيها متفرقتين كل على رافعة، وبدأ يعد العدة والدموع -لا تعلم من أين أتت بهذه الغزارة- تغرق وجهها.