الضحية الرابعة " حبيبة "

4.5K 457 95
                                    

يُقال أن عمر الإنسان يُقاس بالأيام السعيدة التي عاشها ، فلو كان يُقاس بالأيام الصعبة الظالمة واللحظات القاسية سيصبح عمرى إذاً أضعاف عمرى الحقيقي .

_______________________

أنا حبيبة ابنة الشيخ منصور، حسن السمعة وطيب السيرة، كان أبي يعمل موظف في وزارة الأوقاف، بعد سنوات طويلة قضاها في محراب الأزهر يتعلم من العلوم الدينية والدنيوية ما يجعله قبلة لمن يريد أن يعرف دينه حق المعرفة أو من يريد الاستفسار عن أمر ديني معين، وأيضا كان قبلة للمتنازعين والمتخاصمين لحكمته وعدله في حل مثل هذه الأمور.

كانت شهرته واسعة في مكان عمله بسبب علمه الغزير وسعة ثقافته، وأيضاً في المنطقة التي كنا نعيش بها بحكم أنه الرجل الصالح التقى، كان نعم الصاحب والأخ والزوج والأب، حتى أصبح إماماً للمسجد لسنوات طويلة حتى قبل مماته بفترة قصيرة، كان يؤم المصليين ثم يجتمع بهم في حلقة علم عقب صلاة العشاء حتى يغدق عليهم من علمه، ويعلمهم أمور دينهم ودنياهم، ويجتمع بأطفال الجيران عقب صلاة الجمعة كل أسبوع حتى يحفظهم من القرءآن ما تيسر لهم.

كانت هذه حياة أبى وحياتنا معه، فمنذ أن ولدت في بيته لم أر غير ذلك، لم أر سوى أب يراعي الله في زوجته وبيته وأولاده، ويراعي الله حتى في جيرانه وأصحابه.
وكان أيضاً أب مكافح، فحين ازدادت عليه نفقاتنا أضطر لاستئجار دكاناً صغيراً بالشارع القاطنين به، وأحضر به بعض البضائع التموينية وكان يجلس به عقب انتهاء ساعات عمله الرسمية، ولشهرته الواسعة وحسن سيرته أكتسب الكثير من هذا العمل، على الرغم من كرهه لهذا العمل الذي لا يناسب علمه ومكانته وتسبب في إبعاده عن حلقات العلم التي كان يلقيها في المسجد عقب الصلاة، ولكنه اضطر له مرغماً، حتى يستطيع أن ينفق على ولده وتعليمه وعلي فتاة صغيرة جاءت إلى الدنيا عبر صدفة بحتة، وتحتاج الكثير من الرعاية والتدليل حتى لا يعرف الحرمان طريقه إليها وهي في بيت أبيها، فهو لا يعلم هل سيمهله العمر حتى يسلمها بيده إلى من يستحقها أم سيتركها في منتصف الطريق تواجه مصيرها

**************

حتى الآن لا أعلم كيف لهذه النبتة الشيطانية أن تخرج وتترعرع في بيتٍ كهذا البيت، كانت وكأنها قد سُقيت بماء دنس في وسط كل هذا اَلطُّهْر.
فمنذ أن بدأت أعي وأدرك ما حولي بعيون طفلة بريئة، لم أر منه سوى الجمود والقسوة، كان لا يتعامل مع أبي قط، وعلى الرغم من ذلك لم يقصر أبي في واجبه تجاهه وكان يعطيه مبلغاً شهرياً لمصاريفه الخاصة دون أن يسأله فيما أنفقها كما أنه كان يزيدها له عندما كان يطلب شراء ملابس جديدة، لم يكن طفلاً أو حتى مراهقاً صغيراً بل كان هذا الوضع وهو في سن الجامعة، لم يطلب منه أن يعمل ويساعده بل كان يتركه حتى يتفرغ بالكامل لتعليمه ومذاكرته، حيث كان التعليم لدى أبي شيئاً مقدسا، وكان حلمه الأكبر أن يلتحق ولده الوحيد بكلية الطب حتى يكون مصدر فخر له ويطمئن على مستقبله، وعلى الرغم من حصوله على مجموع درجات لم يُسبق وحصوله على المركز الأول دون منازع، ألتحق بأقل الكليات من وجهة نظر أبى، فكان أبى لا يحب هذه الكلية أبدا ويرى في هذه المهنة الكثير من الشبهات.

جنّة إبليس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن