" هشام " (2)

5.5K 403 117
                                    

هذا هو أنا الآن ، وهذا ما أصبحت عليه ، فإذا جعلتني أتألم لحظة سأجعلك تتألم شهرا ، و إذا جعلتني أتألم يوما سأجعلك تتألم طوال حياتك ، فهذا هو عقابي وأراه مستحقا جدا ..

وباتت تتعاظم بداخلي هذه الأفكار حتى محت كل ما كان قبلها من أفكار ومشاعر سوية ، فلم أجد ما يحقق لي السعادة والرضا في حياتي كلها أفضل من التخريب والتدمير والأذى ، وهو شيء بداخلي يجعلني مقتنعا بذلك .

وتجددت هذه الرغبة من جديد حين تقابلت مع صديق قديم يوم ما قبل الاختبارات ، وهو تحديداً الولد الذي طلب منه والده قطع علاقته معي في السالف ، بسبب فسادي وسوء تربيتي ونحن حتى لم نكمل العاشرة ، و كان ضعيف الشخصية وانساق خلف أوامر والده دون تفكير للحظة واحدة ، فهو أكثر من يعلم بأنني لست كذلك ولم أكن صديقا سيئا أبدا، لذا فقد حان الآن وقت العقاب .

تقربت منه مرة أخري ، وكانت هذه المرة قبل اختبار مادة الفيزياء ، وكانت هذه المادة تحديداً بالنسبة له مادة لوغاريتمات ولا يستطيع تحصيل أي شيء فيها ، ويعتبر اختبارها كابوسا مجسدا ، لم يكن متفوقا نهائيا ولكنه يستطيع النجاح وتخطي جميع الاختبارات بسلام حتى ولو بتقديرات ضعيفة جداً ، وعلى الرغم من ذلك كانت حالته سيئة في يوم هذا الاختبار ، لذا عرضت عليه المساعدة فهو صديق قديم و يهمني مصلحته ومن الشهامة أن أعرض عليه هذا الأمر، فرح جدا بهذا العرض واعتبره إنقاذا من هذا الموقف ، وحاول إظهار امتنانه لي بل وتندمه أيضا على ما فعله معي فيما مضى .

حيث يعلم جيداً كم كنت متفوقاً في هذا الوقت ، فاطمأن كثيراً وهدأت ثورة نفسه ، وأثناء الامتحان جلسنا بالقرب من بعض من حسن الحظ ، وأخذت امليه إجابات أغلب الأسئلة ، وكان يكتب ما أقوله بصوت هامس دون ذرة تفكير أو مراجعة ، فهو يثق في إجاباتي أكثر من إجابات مدرس المادة نفسه .

أنهى اختباره وهو يشعر بالرضا عن نفسه ، على الرغم من تحقق هذا النجاح عن طريق الغش ، ولكن لا يوجد مباديء من الأساس ، فهو يعيش وسط أسرة عادية وغير متشددة ، ولكن كان والده صارما و ذا طبع حازم ، وشخصيته طاغية ، فهو يربي ولده على الطريقة العسكرية ، فلا مجال لخطأ واحد ،ولا مجال للترفيه أو الحيد عن الطريق المستقيم ، لذا كان يعاني من الحرمان من العشوائية والفوضى ، و هذه الأشياء تحديدا لا يستطيع أي مراهق الاستغناء عنها ، فهذه المرحلة هي فترة العشوائية والتخبط بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهذا ما كان ينقصه .

وتوطدت علاقتي معه من جديد وساعدته في باقي الاختبارات ، وحين انتهينا من الاختبارات تماما ، اقترحت عليه مكافأة أنفسنا على ما ابليناه في هذه الاختبارات المقيته ،والترفيه عن أنفسنا قليلا ، وبالطبع وافق على الفور كأنه كان منتظرا ، فكان في حاجة ماسة لمن يأخذ بطرف يده إلى أي حدث مختلف عن روتينية حياته.

جنّة إبليس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن