الفصل الثامن عشر

227 15 0
                                    

الفصل الثامن عشر

كانت تريد الذهاب لمنزل جارتهم الطيبة ام يوسف لتطلب من ولدها ان يجد لها عملا حتى لو مؤقتا لتبدأ ببناء حياتها من جديد لن تستطيع والدتها اوحتى محمد من تثيتها عن قرارها الذي اتخذته
وببرود وتماسك كانت معتادة عليه منذ صغرها استقبلت كل محاولات والدتها لاقناعها والضغط عليها لتعود الى سعد من جديد لا والف لا اذن انت لم تعرفي ابنتك جيدا يا امينه ليست ابتهال من ترضى بالذل والمهانه احساس الاهانه والظلم بشع جدا جدا .. كيف احبته اي لعنه صبت فوق رأسها لتقع في حب رجل بارد المشاعر كسعد ... لكنها رغم كل شيء لازالت تعشقه .. لازال قلبها يخفق ما ان يذكرو اسمه امامها تمارس الهدوء وضبط النفس لكي لا تنهار ...
عندما يتصل بها كل ساعة وعندما يرسل لها عشرات الرسائل تشعر ببعض الارتياح تشعر ان كرامتها قد ردت اليها حتى لو قليلا فقط يكفي ان ترى نظرة الندم التي تبزغ بزيتون عينيه عندما جاء عدة مرات ليستعطفها لكي تعود معه الا انها لم تبالي به .. تبا له .. وتبا لذلك العشق الملعون الذي كبلها كطوق من حديد
وقبل ان تدلف لبيت ام يوسف شاهدت يوسف يستقبلها عند الباب كان يبدو انه على وشك الخروج هتف بسعادة جعلت شعورها بالذنب يتفاقم
- اهلا ابتهال !! كيف حالك
انها تعرف جيد انه يحبها ومنذ زمن بعيد الا ان الامر لم يكن بيدها لم تستطع ان تبادله حبه ... ربما لو تجاهلت مشاعرها واحاسيسها وفكرت بعقلها ربما كانت لتكون الان سعيدة ولديها طفل صغير يشغل وقتها نفضت افكارها سريعا واجابته بابتسامة صغيرة
- اهلا يوسف انا بخير الحمدلله كيف حالك انت !
اجابها بلهفة لم تخفى عليها
- بخير .... بخير الحمدلله ..
ثم فتح باب منزلهم قائلا بترحاب
- تفضلي بالدخول امي وشقيقتي في الداخل
اجابته بسرعة
- لاحاجة كنت فقط اريد ان استفسر منك عن الموضوع الذي اخبرتك به !
فكر قليلا وهو عاقد حاجبيه الكثيفان
- اه تذكرت .. تقصدين موضوع عملك !
اومأت بأمل
- اجل
وقبل ان يجيبها انتفضا على صوت بارد ومتهكم
- لا حاجة لايجاد عمل فزوجتي غيرت رأيها
التفتت تنظر له نظرات غاضبه نارية ليبادلها النظرات الغاضبة بأخرى هادئة وباردة وهو يضع يديه بجيبي بنطاله ... وجهت كلامها ليوسف وهي لاتزال تحدق بوجه سعد المتجهم
- كلا يوسف انا لم اغير رأيي لكن يبدو ان زوجي قد نسي ما اتفقنا عليه
اجابها سعد وهو يضيق عينيه
- كلا لم انسى لكن يبدو انك انت من نسي
زاغت نظرات يوسف المرتبكة بينهما وشعر بأن هناك شي غير طبيعي يجري لذلك قرر الانسحاب قائلا بتفهم
- حسنا ابتهال ان توصلتم لقرار انا في خدمتك دائما
ثم التفت لسعد وهو يمد يده قائلا ببشاشة
- سررت برؤيتك سعد
نظر سعد ليده الممتدة ثم اخرج يده من جيبه ببطئ ليصافحة قائلا ببرود
- وانا كذلك
غادر المكان بسرعه تحت نظرات سعد المتجهمة وابتهال الحانقة .. همست بغيض
- مالذي جرى لك اجننت ؟!
امسك معصمها ثم سار بها نحو منزل عائلتها قائلا ببرود
- سنتحدث في الداخل
الشارع كان يحتوي على بضعة اطفال يلعبون الكره كما لم تخلو من نظرات النساء الفضوليات اللاتي وقفن خلف الابواب ينظرن نحوهم بفضول ... زمت شفتيها وتبعته بحنق بينما داخلها كان هناك احتفال ومهرجان بين دقات قلبها ومشاعرها التي شعرت بالانتشاء والشبع من رؤيته وجهه وملامحة المتعجبه الغير مصدقة عندما اجابته بتحدي مسفر وامام رجل غريب...
.................
ما ان دلف الى داخل المنزل حتى ابعدت يدها عنه بعنف وهي تهتف بقوة جعلت والدتها تخرج مذعوره وهي تسمي بالله
- اجننت !! ما تظن نفسك من انت لتتدخل بحياتي من انت لتحرجني امام يوسف بها الشكل
- بسم الله ماذا هناك يا ابتهال
اخترق صوتها الناعم الذي يلفظ اسم يوسف هكذا وكانهما وكانهما حبيبين طبلة اذنه لتعلن اجراس الخطر والغيرة الانذار داخله ...ليجيبها بصوت اعلى من صوتها وهو يمسك ذراعها بقوة
- يوسف !! يوسف !! وتقوليها هكذا امامي دون خجل ..
هتفت امينة برعب وهي تتقدم لتقف بينهما
- ماذا هناك ؟! ماذا حصل يا ابتهال
اجابها سعد وهو يركز نظراته الشرسة على وجه ابتهال الغاضب
- انا ساقول لك السيدة المحترمة كانت تقف في الشارع دون حياء دون مراعاة لكونها متزوجة .. تكلم الاستاذ المبجل يوسف وتتضاحك معه
اجابته ابتهال وهي تتخلص من قبضته وترجع الى الوراء
- احذر لكلامك سيد سعد ولا تتجاوز حدودك انا اعرف الاصول ولم اخطا بشيء
كانت امينه تقف عاجزة عن ردعهما بينما حمدت الله بسرها ان محمد ليس في المنزل ... قالت بهدوء وهي تمسك سعد من ذراعه
- يا ولدي استهدى بالله وتعال اجلس .. ثم يوسف هذا كشقيقها محمد لقد تربيا سويا تقريبا
قالت ابتهال وهي تحاول كبت غضبها
- لا تبرري امي لن يسمع لك هذا هو سعد ولن يتغير سيبقى يلقي التهم وينسج الاقاويل والاستنتاجات حسب اهوائة
رفعت ذقنها بآباء ثم قالت ببرود
- والان اخرج من منزلنا ولا تعود الا لنتفق على اجراءات الطلاق
كل كلمة تنطقها كانت تزيد من تشبثه بها يتركها ؟!!! هي مجنونه لو فكرت مجرد تفكير انه ممكن ان يتركها ليس قبل ان يقتلها ويقتل نفسه معها شهقت امينه باستنكار وهي تقرع ابنتها
- مالذي تقولينه ابتهال !!! عيب يا ابنتي
وقبل ان تتكلم اجاب سعد وعيناه مثبته على تلك القطة التي كانت فيما مضى ناعمة اما الان فهو يرى قطة اخرى شرسة تلوح بمخالبها
- اتركيها امي هي تعرف جيدا بعد كل كلمة تنطق بها ماذا سيكون مقابلها !!
ليكمل بوعيد مبطن وهو يقبض على اصابعه بقوة
- احذرك ابتهال صبري بدأ بالنفاذ .. لاتضطريني لعمل شيء لن يعجبك !!
اجابته وهي تضحك بمرار وحزن
- بالتأكيد يمكنك عمل ما تشاء ؟!!
لتكمل بحقد وغل جعل امعاءه تتقلص وضربات قلبه تعصف بيأس
- منذ ان تقدمت لخطبتي وانا افكر دون ان اجد جواباً ...لماذا اخترتني انا دون عن كل الموظفات الجميلات في الموؤسسة ؟! اعتقدت بسذاجة مراهقة صغيرة انك احببتني ... لكن الحقيقة كانت مؤلمة ... مولمة جدا اكثر مما تتخيل صدقني ولن انساها مدى الحياة !
اراد ان يكمم فمها ليصرخ عاليا ... سامحيني وكفى كفى لاتذكريني بما احاول نسيانه ... علها تدرك ندمه الحقيقي بل علها تدرك ما يكنه لها
كانت والدتها تنقل نظرتها الحائرة ببراءة بينهما لاتعرف مالمقصود خلف حوارهم المبطن هذا .. لتقطع الصمت الذي لفهم بتوتر
- تعال اجلس ياولدي وليفهمني احدكم ما يجري
اجابها سعد ببرود وهو يستدير ليخرج
- لا داعي خالتي ساتي بوقت لاحق عل ابتهال تهدء وتعود لرشدها لحقت به وهي تهتف عاليا
- لست مجنونة لاعود لرشدي يا سيدي ... و انصحك لا تعاود الرجوع انت غير مرحب بك سمعتني غير مرحب بك اطلاقا
قضمت شفتها بغيض وهي تراقب خروجه الهادئ بينما قالت والدتها بعدم فهم
- مالذي حصل يا ابنتي اخبريني ؟!!
همست بغيض قبل ان تنطلق لغرفتها
- لاشيء مهم امي لاتهتمي
...........................
يتجنبان اي مكان يجمعهما معا يحاول بشتى الوسائل ان لا يلتفت لها ولا ينظر تجاهها .. لكن حتى وان ادعى نسيانها كيف يستطيع ان يخفي تلك اللهفة التي تظهر عندما تلتقي الاعين وتفصح عن مدى الشوق والعذاب الذي يتكبدانه !!!
لم تستطع افياء الصمود امام عيناه المتوسلة التي تراقبها وتتبعها بلا هوادة ان بقيت على هذا الحال ستجن لا محالة ...
نظراته الحزينة تطعنها بشدة وكأنه يعاتبها ويهمس لها بشجن .. كيف طاوعك قلبك لتنهي ما كان بيننا !! لكن مالذي كان بينهم ؟!! مالشي الحقيقي الذي ربطهما معا ... علاقتها مع فارس كانت سلسلة متتاليه من التنازلات والاحباطات لو بقيت على صمتها كانت ستفتضح و النهاية الحتميه لهما هو موت احدهما ان لم يكن كليهما !!!
لو كان لها نصيب يجمعها به سيحدث مهما طال الوقت والزمن سيحدث ... مهما بلغت العقبات والصعاب سيحدث ورغم الجميع ....
......................
نظر لها من بعيد لها الان اربعة ايام وهي تعمل في مكتب المدعو يوسف والذي لم يرتح له ابدا
اربعة ايام يأتي بها يوميا ليقف بعيدا ينظر لها بلهفة وجوع لقد جاراها بلعبتها تلك علها تكن وتهدء وتعود لرشدها لكن يبدو انها لازالت مصممة على عنادها الذي يكاد يصيبة بالجنون
اربعة ايام يمسك اعصابه ويضغط على نفسه لكي لا يهرع ويقتحم المكتب يخرجها من هناك بالقوة ياخذها للمنزل ليفهمها بطريقته ان كل ما تفعله لا فائدة ترجى منها هي له خلقت من ضلعه ولاشيء في الدنيا ممكن ان يفصلها عنه حتى لو كسرو اضلعه وخلعوها من مكمنها !!!!
مالذي وجده فيها ليجعلها مميزة هكذا .. انجذابه لها لاعلاقة له بالجمال الخارجي سابقا كان مايجذبه له رقتها ونوثتها اما الان .. لا يعرف حقا ربما بسبب ذلك الكبرياء الذي بات يلازمها كلما التقى بها !!
من اين اتت بكل هذه القوة والكبرياء لتصده وتقف بوجهه ... هي هشة و ناعمة لقد ظن انها ستسامحة بسرعة وتبدأ معه حياة جديدة تطوي صفحة الماضي للابد .. لكنها عنيدة وصلبه وكلما زادت عنادا زاد هو تشبثا ... ضيق عينيه وغضبه يزداد عندما لمحها تلقي السلام على شاب مر من جانبها بأبتسامة رزينة لكن رائعة!
ترجل من سيارته واتجه ناحيتها بغضب مكبوت ليهمس بصوته الاجش
- كيف حالك ابتهال
..............................
منذ ان عملت في مكتب يوسف وهي تشعر ببعض الحرية صحيح ان الراتب الشهري ليس ضخما لكنه جيد يكفي انها اخيرا تشعر بذاتها وستقلاليتها ... بل لاول مرة تشعر بالأمان ... الامان الذي بحثت عنه بين ذراعي زوجها وللأسف لم تجده .... هذا اول الطريق لبداية جديدة
كون والدتها تقبلت فكره عملها اذن ستتقبل فكره الانفصال لا محالة ..كما ان شقيقها اصبح غريب الاطوار بالفعل يقضي معظم الوقت خارج البيت ولا يعود الا في منتصف لليل وعندما تريد ان تتكلم معه يكون شاردا لايصغي لما تقول .. لاتعرف بما يفكر ومالذي يخطط له !
لكنها لن تنتظر وتسكت ستبني كيانها الخاص وستصل لمبتغاها بالتأكيد !!
اخرجها من رحلة افكارها صوته الاجش القاسي الذي لن تخطئه ابدا
- كيف حالك ابتهال
استدارت بسرعة وقلبها ينبض عشقا لهذا الرجل الذي ظلمها واهدر كرامتها .. ابتلعت ريقها الذي جف فجأة ثم قطبت قائلة وهي تتحكم بأرتعاش صوتها ببراعة لكنها لم تجيد التحكم بنظراتها التي التهمت ملامحة الرجولية بلهفة مخجلة رغما عنها
- انت !!!! مالذي تريده مني لقد انتهى كل ما بيننا اتراك نسيت ام ماذا !!!
هز رأسه قائلا بأصرار وصوت عميق واثق جعلها ترتعش بشدة
ليكمل بلهجته الأمرة التي لاتفارقه
- تعالي الى السيارة لاقلك الى المنزل
اجابته بشموخ وهي تنظر له بلا مبالاة
- لا داعي شكرا لك استطيع ان اتدبر امري !
همس بأبتسامة باردة ومتوعدة وهو يتقدم ليمسك معصمها
- تعالي ابتهال ولا تكوني عنيدة
نفضت يده عنها بغضب وهي تبتعد عدة خطوات ثم قالت بشراسة :
- لاتكلمني بهذه الطريقة قلت لا اريد وكفى الا تفهم ؟!
حدق بها بدهشة وذهول وكأنه لايصدق ان تلك هي ابتهال !!! تبا اين كانت تختبئ تلك اللبوة الشرسة !!! من اين ظهرت لها هذه الروح المقاتلة ؟!! هل كان اعمى البصيرة لكي لا يلاحظ !!!!
كانت تستعد للمغادرة لكنه اوقفها وهو يقول لاهثا
- اما ان الاوان لتعودي للمنزل !!
نظرت له مليا نظرات غامضة عيناها جامده لاروح فيها وبوجه خالي من اي تعبير قالت بلامبالاة
-اولا لم يكن لي منزل حقيقي يجمعني بك لاعود اليه ! ثانيا وهو الأهم انا لن اعود مطلقا سعد وهذا امر نهائي لا رجعة فيه !
كل كلمة تنطقها تسبب له جرحا جديدا لاشفاء له الا على يديها ... هتف هذه المرة برجاء لم تعهده به سابقا
- ارجوك انا احتاجك الى جواري ..
لاحظ صمتها وعبوسها ليكمل
- اتريدين ان اتوسلك ؟!! حسنا ابتهال !
سحب نفسا عميقا ثم قال
- ارجوكِ ابتهال عودي الي ارجوكِ .... هاقد توسلتك ... وانا ابدا لم اتوسل بأحد طيلة حياتي لكني فعلتها من اجلك فقط !!
لوهلة ارادت ان تضرب كل ما وعدت نفسها به عرض الحائط ارادت ان تمحو تلك النظرة المنكسرة في عينيه ... هزها بقوة نبرته المتوسلة وصوته الاجش .. لم تره يوما طوال الاشهر التي قضتها معه بهذا الشكل فهو دائما فخور بنفسه ذو كبرياء وهيبة وهذا ما جعلها تقع بحبه كالبلهاء ... تماسكت وهي ترسم ابتسامة مريرة على شفتيها ثم قالت بحزن
- وانا لا ارغمك على التوسل ...ولا اريدك ان تتوسلني لانه لن يجدي نفعا صدقا لن يجدي نفعا
طريقنا مختلف ولن نتلاقى ابدا .. الوداع سعد
تركته وغادرت بينما ارتسم الغضب على ملامح وجهه ثم همس بتوعد
- حتى وان كنت طرقنا متفرقة انا سأجعلها تتلاقى وسترين
..............................
ارجوك فارس هيا نخرج قليلا انت تعتكف بغرفتك منذ عدة ايام لا اعرف مالذي اصابك !
قالها هاني وهو يتفرس بملامح فارس المتجهمة ليكمل متنهدا
- وماذا اذا افترقتما اهي نهايه العالم ؟! هل ستموت بابتعاد أفياء عنك ؟!
قست نظرات فارس عندما ذكر اسمها ولم يرد .. تذكر الحاحها وبكائها المستمر ... تذكر نظراتها الدامعة المتوسلة ... تذكر تنفسها المضطرب وارتجف جسدها وهي تجلس جانبه تواجهه ببسالة ....
عندما مزق الورقه لم تكن مجرد ورقة عادية بل كانت شيء اكبر لقد قطعت الخيط الذي ربط بينهما ... لم تحاول ان تحارب وتصبر على الصعاب .. لم تكن سندا له .. تبا لو وقفت لجانبه كان ليحارب الدنيا لاجلها لكنها خذلته
في اليومين التاليين لم يستطع الادعاء ان شيئا لم يكن ... لم يستطع ان يحتمل رؤيتها بكل مكان يتوجه اليه ... لذلك فضل الاعتكاف بغرفته لعدة ايام عله ينساها ويرتاح ....
- انهض وارتدي ملابسك ريم وسوسن بانتظارنا في النادي هيا
اجابه بجمود وهوينظر للامام
- اذهب انت انا لا رغبة لي للذهاب لاي مكان !!
وقف هاني وهو يسحبه من ذراعه
- هيا فارس لا تكن عنيدا كالبغال .. ثم مالذي ستجنيه من الجلوس وحيدا والبكاء خلف الاطلال !!!!
ليكمل بأصرار
- هيا هيا لن اتركك هكذا !
تنهد فارس وهو يقف بأستسلام ليقول بنبره جافه
- انتظرني في الاسفل
اجابه هاني بنبرة سعيدة
- هكذا اريدك انت الكبير فارس ..
..............................
حاول بكل ما يستطيع ان يجاري مزاحهم ويبتسم على طرف هاني بينما سوسن تجلس جانبه تنظر له بعطش ولهفة .. لم تصدق عينيها عندما انقطعت العلاقة بين فارس وتلك الحقيرة بصورة ملحوظة لا بل الكل لاحظ ذلك وليس هي فقط ... ترى مالذي جرى ؟!!! هل وصلت رسالتها التي ارسلتها لاخيها محمد ... فلقد عثرت على رقم هاتفه بعد جهد وعناء ... خاصة عندما اتضح انه يعمل بسوق شعبي حيث بعثت السائق الخاص بها ليحضر لها الرقم بأية وسيلة ...
همست له برقه بينما هاني مشغول بالحديث مع ريم
- كيف حالك فارس
اجابها بضجر
- الحمدلله كما ترين لازلت اعيش
قالت بعتب ممزوج بالغيرة
- اكل هذا بسبب ست الحسن والجمال
نظر لها ببرود لتكمل بغيض
- لقد اعطيتها اهميه لا تستحقها لا افهم لما تعلقت بفتاة بائسة وفقيرة مثلها !!
اجابها بجفاف وعيناه تلتمع بلهيب اسود
- لا تذكريها رجاءا
ابتسمت بوحشيه ظننا منها انه قد كرهها ولا يريد ان يتذكر حتى اسمها
- حسنا عزيزي كنت اريد ان اتكلم معك على انفراد
رفع حاجبه بتهكم
- ماذا هناك سوسن ؟!!
اجابته وهي تدعي الحرج
- شيء مهم .. ارجوك فارس !!
وقف بتململ ثم قال لهاني وريم
- دقائق ونعود
راقبت ريم ابتعادهم ثم همست لهاني قائلة
- ماذا تريد منه ؟!
اجابها بابتسامة واسعه
- ربما شيء خاص بهما
قلبت شفتها بامتعاض
- ومنذ متى وهناك اشياء خاصة تربط سوسن بفارس !!
اجابها بنفاذ صبر
- اتركيهم الان وركزي معي !
رفعت حاجبيها تدعي البرائة بينما هي تعرف تماما ماذا يريد فقد التمست تغير معاملته لها وتلك النظرات اللامعه التي يوجهها لها بين الحين والاخر.. لن تخطئها ابدا ..
- ماذا هناك هاني ؟!
اجابها بنعومة
- لقد قررت الزواج
ابتلعت ريقها بحرج وتهربت من النظر اليه قائلة بخفوت
- مبارك الف مبارك لك هاني
اجابها بتعجب
- الن تسألي من هي العروس
احتقنت وجنتها وهي تجيب
- اممممم سوسن ؟!
قطب بغيض
- أتعتقدين انني من الممكن ان افكر مجرد التفكير بسوسن المتعجرفة !!
همست بخجل
- اذن من ؟!
اجابها بحنان
- لديها عينان بنيتان لامعتان كانهما حجران من الكهرمان .. كما ان لديها اجمل ابتسامة رأيتها بحياتي
صمتت تنظر ببراءة تامة
- واول حرف من اسمها ريم !
لم تنطق بحرف صحيح هي احست بحبه لها لكنها لم تكن تعرف بان للاعتراف هذه اللذه من السعادة اللامتناهية قال بخفوت
- الن تعطيني جوابك ريم .. هل اتي بعد التخرج لخطبتك ؟!
ابتسامتها الواسعه اخبرته كل شيء وماحاجة للكلام بعد ان تتكلم العيون باجمل واسمى اللغات
......................................
تأفأفت افياء وهي تدلف لذلك النادي الذي يدل على ثراء مرتاديها .. لولا الحاح وسناء لم تكن لتأتي ابدا ... عندما اخبرت والدتها بالذهاب مع وسناء ظنت بانها ستمانع غير انها رحبت بالأمر وهي كذلك شعرت بالأختناق من كثرة تفكيرها به ..قلبها يتأكله الخوف عليه فهو لم يحضر للجامعة منذ عدة ايام .. كانت تود لو تسأل ريم عنه لكنها امتنعت لقد عاهدت نفسها على الابتعاد عنه وعن عالمه .. لن تضعف ابداً!!
كانت تسير بخطوات متمهلة تنظرحولها بأرتباك فلقد تركتها وسناء لتقضي امرا ما وطلبت منها الانتظار .. كل شيء هنا غريب على عالمها ... انه عالم خاص بالأغنياء امثال فارس وريم وهاني ... تنهدت بألم وهي تهمس
- هذا ليس عالمي وهنا ليس مكاني
رفعت نظراتها لتصطدم بنظراته ... كان يسير معها يدها ملتفه حول ساعده ابتسامة واسعه تزين شفتيها المطليه باتقان ...تجمدت مكانها .. شعرت بفقرها وضألتها .. مقارنه سريعه جرت كومضات امام عينيها ... سوسن الفائزة انهما من عالم واحد .. من بيئة واحده ... نغزه حارة استقرت بقلبها .. ادرات وجهها الى الناحية الاخرى وحثت خطاها لتخرج من هذا المكان الذي اضاعت فيه نفسها تريد الخروج لتعود افياء الفقيرة تعود لمكانها الطبيعي ...
لحق بها بسرعة غير ان سوسن امسكت ذراعه لتمنعه قائلة بحقد
- الى اين فارس ؟!! هل ستتركني من اجلها !!
اجابها بلامبالاة وعيناه تراقب طيف افياء الذي كان يبتعد بسرعة
- سأعود بعد قليل
تخلص من يدها وهرول ليلحق بها همست سوسن بغيض .. من اين ظهرت تلك الماكرة الن اتخلص منها ابداً !!!
لا تعرف كيف وصلت الى البوابه وقبل ان تخرج احست باصابعه تنغرس بذراعها التفتت تنظر له بعينان دامعتان وهي تهمس بأختناق
- اتركي رجاءاً
لم يهتم سحبها معه متجها الى مرأب السيارات
كانت تحاول ابعاد يدها دون ان تثير انتباه احد اليهم لكنها لم تستطع .. قلبها كان يهدر بعنف شديد ابتلعت ريقها بصعوبه تركها اخيرا عندما وصلا الى ركن منعزل بعيد عن الاعين همست بانفاس لاهثة
- مجنون !! انت مجنون ومتهور كيف تفعل ذلك !! ماذا سيكون موقفي ان رأك احدهم ؟!!! الا تفكر ابدا !!!
لم يهتم بل لم يسمع ما قالته من الاساس .. عيناه كانت تنهل من وجهها الطفولي الذي اشتاقه بشده ..حجابها المحتشم جسدها الصغير الذي يلتف حوله فستانها الربيعي الاصفر ... عيناها العسلية اللامعة لكنها الان كانت باهته احتلت الهالات السودء اسفل عينيها ... هذا اثر السهر ... اه يا حبيبتي اذن انت تسهرين كما اسهر !! تتعذبين كم اتعذب !!!
قال لها بهمس
- افياء . ... لماذا ابتعدت عني لماذا حكمت على حبنا بالاعدام ... انا لم انسك افيائي ... للان عطرك متغلغل في اعماق روحي ... للان ابتسامتك تزور احلامي كل يوم .. للان انت تسكنين روحي يا افياء ... ولن تغادريها الا بموتي
توقفت عن الكلام لتنظر له بألم و دموعها تنسكب على وجنتيها بغزارة ..
قال لها بوجع
- تكلمي افياء قولي كلمة واحده ارجوكِ
همست بشهقات متقطعه
- مايجري جنون ... جنون
هتف بالم يوازي المها وهو يتقدم ليمسك ذراعها
- اوليس الحب هو اجمل جنون نعيشه حبيبتي
خلصت ذراعها من يده وهي ترسم ابتسامة مرتجفه لتهمس من بين دموعها
- انساني فارس وتزوج بمن تليق بك
هتف بلهفة
- انت من تليقين بي وانت من اريدها ...
هزت رأسها بضعف وهي تمسح دموعها العالقة على وجنتيها
- نحن من عالمان مختلفان .. صعب جدا ان نلتقي ....
همس وهويقترب منها بجراءة
- لا يوجد صعب مادمنا معا !
ابتعدت عنه عدة خطوات وهي تقول بألم
- والدك من المستحيل ان يوافق لذلك لا داعي ....
قاطعها بسرعة
- فلنتزوج
اتسعت عيناها بخيبة امل وعدم تصديق ليكمل حديثة ببساطة شديدة وكأنه يمتلك الدنيا بين يديه وكأن افياء مجرد نكرة لاتملك عائلة لاتملك كرامة
- اجل حبي نتزوج ...نحن راشدان نعي ما نفعله ولا احد يمتلك علينا سلطة
ابتسمت بحزن ومرار وهي تسأله بنبرة هازئة
- وكيف تقترح زواجنا ؟! عرفي ...
اجابها مقطبا
- كلا بالتأكيد نذهب الى اقرب محكمة ونعقد القران شرعيا ثم ...
قاطعته بعنف وهي تحتضن حقيبتها الجلدية بقوة
- ثم ماذا ؟!!! ماذا ؟!!! الا نهاية لانانيتك وعجرفتك !! الا تفكر الا بنفسك راحتك ماتريده انت فقط .... وانا ... انا الم تفكر ....
تقدم واحتضن وجهها بين كفيه ليقاطعها هامسا بالم
- ان كنت تسمين حبي لك ورغبتي بأن نجتمع بمنزل واحد انانية اذن انا اناني اريدك لي وحدي
ابعدت يديه عنها ثم تراجعت عدة خطوات لتهمس بمرار وهي تنظر له نظرة محبطة مليئة بالألم واليأس جعلت قلبه يتمزق الى اشلاء
- لا فائدة .. انت لن تتغير فارس .. لن تتغير ابداً .. الحل الافضل لكلينا هو ان تنساني وتبدأ حياتك مع اخرى تلائم مستواك وذوق والديك !!!
قالت جملتها وانطلقت هاربة منه ومن جنونه الذي لاحد له !!!
ليتها رأت ما خلفته من وجع بعد تلك الكلمات ... ليتها تشعر بما غرست بصدره من خنجر .. كيف شطرت قلبه لقسمين ... همس بشراسه
- ابدا لن تتخلصي مني افياء ساعود اليك من جديد حبيبتي فقط انتظري
...........
بخطوات واسعة خرجت من النادي ودموعها تجري كالامطار على وجنتيها لم تهتم لعيون المارة الفضولية ولم تفكر ماذا ستقول وسناء عندما تكتشف غيابها .. جلست على مقعد اسمنتي في احد المتنزهات العامة لتهمس بوجع وهي تلتقط انفاسها المتسارعة
" عجباً لك ايها الحبيب القاسي ... تقول انك تحبني وانت اول من يجرحني !!! تقول انك من ستهديني السعادة وانت اول من يجعل عيني تدمع !!! تقول انك اشتقت لي فلما تعذبني ما ان تراني ؟!!
اذا كنت حقا تشعر بي سوف تعلم انني تعبت من كل شيء .. تعبت من الخوف المستمر وتعبت من جنونك ولا مبالاتك !!
يا ليتني املك قلبا انانيا مثل قلبك لاكرهك لكني وياللأسف رغم كل ما قلته لي لازلت احبك وهذا ليس بيدي رباااااااااااااه ليس بيدي"
...........
هاهو يراقب منزلة ومكان عمله منذ اسبوع .. اغلق هاتفه اهمل والدته واختيه لاهم له الا متابعته ... حفظ اوقات خروجه واوقات مبيته خارج المنزل بحكم عمله كضابط في الجيش .. الخطة وضعها وهي مرسومة بعقله منذ ان خرج من السجن .. لن يكون محمد ان لم يشفي غليله ويأخذ حقه عندها فقط قد يجد الراحة والحياة الجديدة !!!

انتهى الفصل

احلام موؤدة لكاتبة رقية سعيد القيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن