الفصل الثالث
الساعه الثانيه صباحاً ومحمد لم يعد سترك يارب
همستها برعب وهي تبعد رأس افياء عن فخذها فقد نامت الأخيرة وهي تنتظر شقيقها ... بقيت تتنقل بين الممر الخارجي والصالة الى ان اشرقت الشمس ... لم تستطع السكوت اكثر اتصلت بأخيها حامد لتستنجد به لم يمض إلا بضع دقائق ليصل حامد الى منزلهم بلهفة ... فتحت الباب قائله له بنبرة باكية
- ولدي يا حامد !!
اغلق الباب ودلف الى الصاله يسألها بقلق
- اهدئي واحكي لي على مهلك مابه محمد ؟
جلست على الأريكة وهي تضرب فخذيها بقوة وتهتف بنبرة تقطع نياط القلب
- منذ البارحة لم يعد الى البيت لقد اتصل بي في السادسة عصرا وقال انا في طريق العودة ... لكنه لم يأتي ... حرق قلبي ولم يعد ماذا افعل يا ويلتاه
استيقضت افياء مذعورة على صوت نعي والدتها وهي تفرك عينها بنعاس بينما جلس حامد قرب امينه قائلا بنبرة متماسكة لكن داخله كان يشعر برعب حقيقي
- اهدئي اختي سأذهب حالا لابحث عنه ولن اعود الا عندما اجده لا تقلقي
هتفت وهي تراقبه يبتعد عنها
- يارب ... يااارب ... اعد لي ولدي الوحيد
............................
...........................................
اتصلت افياء بشقيقتها لتعلمها بما حصل وما ان سمعت ابتهال بالخبر حتى انفجرت بالبكاء وكانها كانت تحتاج الى حافز ما لتطلق العنان لتلك السيول المخزونه خلف مقلتيها لتاتي متزامنه مع خبر اختفاء شقيقها ... انهت اتصالها وهي تبكي بحرقة لا تعرف اتبكي اخاها وسندها ام تبكي حظها العاثر الذي رماها بطريق ذلك القاسي الجلف .. مسحت وجهها بسرعه وهبت واقفه ما ان لمحته ينزل الدرجات كان يصفر بخفه وهو يتلاعب بمفتاح سيارته يرتدي ملابسه بأناقه كالمعتاد ... نظرت له بعينيها الحمراء وفمها يرتجف بشده ... قطب يبادلها النظرات باستغراب ثم قال ببرود
- ماذا هناك لما تبكين ؟!!
اجابته بلهفه وكأنها كانت تنتظر سؤاله
- اخي محمد لم يعد للمنزل منذ البارحة ونحن لا نعرف عنه شيئا
اجابها بسخرية
- ربما ذهب ليبيت عند احد من اصدقاءه او ربما ذهب ليعربد في الملاهي الليلية
اجابت بقوة وعيناها البنيه تلتمع بغضب
- اخي لا يبيت عند اصدقاءه ابدا ولا يسهر في الملاهي الليلة ... فمحمد رجل بكل معنى الكلمة ليس كغيره ممن يدعون الرجولة !
تقدم منها وعيناه تشتعل بشراسه غرس اصابعه بذراعها قائلا
- تبا لك يا امرأة لا تتحديني وتستفزيني بالكلام والا جعلتك تندمين على اليوم الذي ولدتي فيه
اجابته بشجاعه مزيفه وقد احتقن وجهها غضبا
- تبا لك انت .. اريد ان افهم شيئاً واحداً .. لما تزوجتني ان كنت تكره وجودي لهذه الدرجة ؟!
اجابها بفحيح
- اتريدين ان تعرفي لما تزوجتك ؟! حسنا تزوجتك لأعذبك ببطئ واجعلك تذبلين امامي رويدا رويدا
هزت رأسها بضعف وهي تحاول تخليص ذراعها من قسوة يده
- لماذا ؟ فقط قل لي لماذا ؟! مالذي فعلته لك اريد ان اعرف ؟!!
رماها بنظرة احتقارقائلا بسخرية قبل ان يغادر الصاله
- ستعرفين السبب لا تقلقي
هتفت بعنف
- طلقني وانهي الأمر لقد تعبت منك ومن قسوتك واستبدادك !!
التفت ينظر لها بسخريه
- لن تحلمي بالطلاق إلا عندما اقرر انا الوقت المناسب لذلك.
خرج من المنزل وصوت سيارته ينطلق بزمجرة قوية كأنه وحش كاسر .. ارتمت على الأرض وهي ترتجف بقوة حضنت جسدها بذراعيها وهمست بضياع وهي لا تصدق ما سمعته ... يا الهي بما جنيت على نفسي ومن هذا الذي تزوجته ؟!
انه مختل مختل !!!!
..............................
..............................................
مضى ثلاثة ايام واخيها مفقود لا احد يعلم اين مكانه ولا مصيره اهو على قيد الحياة ام قتل ؟!
والدتها ترقد في الفراش وخالها المسكين يواصل البحث في المستشفيات و مراكزالشرطة و ابتهال تتصل بهم بشكل يومي تقول ان زوجها مسافر ولا تستطيع ترك المنزل دون اذنه
اما هي فقد تغيبت عن الكلية تجلس جوار والدتها تواسيها بالكلمات التي تطيب خاطرها وتسألها الصبر واحيانا تقرء لها القران ...
صوت الهاتف اخرجها من افكارها نظرت للشاشه وقد كانت وسناء اجابتها بارهاق
- اهلا وسناء
اجابتها وسناء بتسأل
- اهلا عزيزتي اين انت لي ثلاث ايام اتصل بك وهاتفك مقفل هل انت بخير ؟
اجابتها بضعف وهي تنظر لوجه والدتها الشاحب كانت تغط بنوم متقطع
- انا بخير الحمدلله لا تقلقي
سألتها بلهفه
- اذن لما لم تأتي للجامعة الأستاذة احلام اقسمت انها لن تعيد لك الأمتحان ؟
اجابت بأختناق وقد تجمعت الدموع بعينيها
- تبا لها هي منذ البداية لا تطيقني ابدا ولا اعرف السبب !!
قالت وسناء بهدوء
- حسنا حاولي ان تاتي الى الجامعة غدا ربما استطعت ان تحدثيها اخترعي لها اية حجة
اجابتها بمرارة
- ولما اخترع لها حجة بالفعل امي مريضة جدا ولا استطيع تركها
همست وسناء بشفقه
- انا اسفه افياء .... سلامتها الف سلامه للخاله ام محمد سأحاول ان اتي لزيارتكم
اجابتها بسرعه وتعلثم
- لا داعي لذلك .. اقصد منزلنا بعيد ... عن منزلكم لا اريد ان اتعبك ثم انا ساتي للجامعه خلال هذين اليومين لا تقلقي
فهي لم تكن تريد لاحد من زملائها ان يأتي لمنزلها ليس لأنها تستعر من فقرهم .. فوسناء بالذات كانت تعرف بظروفهم المادية .. بل لأنها لا ترغب بأن يطلع اي احد على امورهم الشخصية وينظر لها بشفقة فهي ابية النفس ينطبق عليها قوله تعالى (( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف , لا يسألون الناس الحافا ))
قالت وسناء بغير اقتناع غير انها لم تعارضها
- حسنا عزيزتي كما ترغبين ان احتجتي لشيء فقط اتصلي بي
ودعتها ثم وضعت الهاتف على المنضدة المجاورة للسرير اتاها صوت والدتها تقول بارهاق
- غدا ستذهبين لمواصله دراستك
اجابت افياء بأعتراض وهي تسارع للجلوس جانب والدتها
- امي الجامعة تنتظر المهم صحتك لن اتركك وانت لازلت مريضة
قالت وهي تحاول ان تجلس ساعدتها افياء بسرعة وقامت بتعديل الوسائد خلفها
- انا بخير انه فقط ارتفاع طفيف في الضغط غدا سأنهض من الفراش ان شاءلله
همت افياء بالأعتراض الا ان والدتها قاطعتها بصرامة
- كفى لا داعي لتعارضي وإلا سأغضب عليك
اجابت بأستسلام
- كما ترغبين أمي
همست والدتها بضعف وعيناها غارقه بالدموع
- رضى الله عنكم جميعا واعاد لي اخيك وهو بخير واتم صحة
.................................................. ........
.....................................
متورم الوجه عينيه تؤلمانة بشدة بينما الدماء متجمدة على انفه يجلس بزنزانة انفرادية يدخلون عليه عدة مرات يضربونه بشدة وهم يأمرونه بالأعتراف على انظمامه لمجموعة ارهابية .. كان بكل مرة يزداد اصرارا بالأنكار فهو لم يفعل شيئا ليعترف عليه .. عن اي مجموعة ارهابية يتكلمون !!
نظر الى شباك الزنزانة الضيق وهو يدعو بحرارة
- لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
تذكر ما حصل قبل بضعة ايام بطريق العودة الى المنزل بعد ان انهى وجبه الغداء في بيت العم فرج ... استقل الحافلة المخصصة للنقل الجماعي عندما توقفت بنقطة تفتيشية .. صعدو للحافلة رجال من الجيش والشرطة كانو يتنقلون بين الركاب يطلبون منهم بطاقاتهم الشخصية الى أن وصل اليه الدور اعطاهم بطاقته بكل عفوية ليتفاجأ بهم بعد بضعه ثوان يسحبونه من ذراعه وينزلوه بالقوة اراد ان يفهم السبب الا انهم لم يمهلوه شدو وثاقة وكممو عينية بعصابة سوداء وادخلوه الى سيارة دفع رباعية خاصة بالجيش .. عند وصوله الى مكان مجهول اشبه بسجن للمعتقلين ادخلوه لسجن انفرادي دون كلمة واحده صرخ ونادى عليهم لكن ما من مجيب بقي عدة ايام ثم اخرجوة وادخلوه لغرفة فارغة لا تحتوي الا على كرسيان وطاولة .. دخل بعد دقائق قليله ضابط يرتدي ملابس رسميه خاصة بالجيش كان يرفع كميه وعلى وجهه ابتسامة شيطانية لم يطمئن لها قال بهدوء
- اعترف بالتي هي احسن وبدون تعذيب الى من تنتمي
اجاب بدهشة
- لا افهم ماتقصد سيدي ؟
قال بصوت بارد
- الى اي منظمة ارهابية تنتمي ومن هم اصحابك اعطني اسمائهم بسرعة
قال محمد بصوت ثابت رغم الخوف الذي تسلل لداخله
- انا لا انتمي لاحد ولا اعلم عما تتكلم ؟!
نظر له الضابط بأستهزاء
- ما فهمته انك لاتنوي الأعتراف بسهولة
اجاب محمد بثبات
- لم افعل شيئا لأعترف به سيدي !
بعد هذا الكلام لايعرف ماحدث فقد انهالت عليه الصفعات واللكمات من كل جانب واتجاه .. وله الأن اسبوع او ربما اقل ينام لعدة دقائق ليفاجأ بهم يضربوه تاره ويبصقو بوجهه تاره او يرموه بالماء البارد عندما يروه نائما الى متى سيصمد على ظلمهم وجبروتهم !! لقد اراد البارحة ان يعترف على ذنب لم يقترفه فقط لينتهي من هذا العذاب لكنه تماسك لن يعطيهم الفرصة ليفوزو عليه لن يستسلم فهو على حق ومن على حق لن يخشى شيئا الا الله ... كل ما يشغل باله والدته وشقيقتيه ترى كيف حالهم الأن بغيابه بالتأكيد والدته قد جن جنونها ..... همس بيأس ...
رحمتك وفرجك يارررب
.....................................
.................................................. ..
طرقت الباب بخفوت ثم سمعت صوتها الرفيع يأذن لها بالدخول
دلفت وهي ترسم على وجهها ابتسامة صغيرة وقبل ان تتفوه بحرف قالت لها الأستاذة
- ان كنت قد جئت لكي تستدري عطفي لأعيد لك الأمتحان فأحب ان اقول لن اعيده حتى لو ركعتي امامي
نظرت لها افياء برعب حقيقي وعيناه متسعه بينما واصلت الأستاذه كلامها بسخرية
- هل هذا واضح يا انسة !! والأن تكلمي ماذا تريدين ؟
قالت وهي تبتلع ريقها
- يا استاذة صدقيني ان لغيابي في اليومين السابقين ضروف صعبه جدا فأخي
قاطعتها بحده وقسوة
- ومالي انا بأخيك وعشيرتك لقد اخبرتك لن اقبل بأي تبريرات ولن اعيد الأمتحان لك مهما يكن والأن .. اذا كان لك استفسار بشأن شيء اخر تكلمي بسرعة والا فأذهبي انا مشغولة
عادت تنظر الى الأوراق امامها وكأن افياء مجرد شبح غير مرئي
همست افياء بأختناق
- كلا لا يوجد شيء اخر ... كثر الله خيرك استاذة عن اذنك
..........................
........................................
تبكي بقوة وجسدها الصغير يهتز ... اختلطت الأصوات حولها لاتعلم من يتكلم معها فقط كانت مطرقه الرأس تضع المنديل الورقي على انفها تتذكر اهانتها المستمرة لها همست وسناء بشفقه
- لا تبكي افياء كفى عزيزتي حاولي ان تعوضيها في الأمتحان القادم
اجابتها بصوت متقطع مرتجف
- اي تعويض ان درجاتي السابقه كلها قليلة جدا بالكاد استطيع ان اصل للنجاح كيف الان وقد ... وقد ...
انفجرت بالبكاء مرة اخرى شهقت لتكمل
- لا اعرف لما لا تطيقني ... انا دون عن الكل تعاملي بازدراء وقرف وكان فقري هو شيء يعيبني ... لماذا ... لماذا اصبح البشر يقاسون بما لديهم من اموال ...
رفعت نظراتها الحمراء لوسناء قائله بقهر
- اراهنك لو ان من تغيبت كانت احدى الفتيات الغنيات في القاعه هل ستعاملها مثل ما تعاملي ؟!!!
هزت رأسها وعادت تطرقه من جديد وهي تواصل البكاء
...................................
كان يجلس في الطاولة المجاورة لها تماما , سمع ماقالته لا بل سمع صوت بكائها الناعم ... الذي اخترق حواسه وبعث الفضول داخله التفت ينظر لها لكن لم يرى إلا جانب وجهها فقط ... قال لهاني الذي كان يجلس جانبه يبادل الفتيات المزاح
- هاني ... هاني ...
اجابه دون ان ينظر له
- نعم !!!
اشار برأسه ناحيتها قائلا
- اتعرفها ؟!
التفت هاني يلقي نظرة عليها ليقول بلامبالاة
- لم اراها بحياتي ابدا
ثم عاود الحديثه مع الفتيات مرة اخرى وقف فارس بصمت واتجه نحوها لم يعد يحتمل سماع تلك الشهقات الناعمة كانت تزعجة بشدة ...
احست بظل عملاق يحجب الضوء عنها توقفت عن البكاء غير انها كانت تشهق بخفوت كأنها طفلة صغيرة ... رفعت رأسها لتشاهده امامها يتفرس وجهها بفضول تبادلا النظرات بصمت كانت ترمش بقوة ودموعها تتساقط على وجنتيها كحبات المطر ... رغم آلمها ورغم حزنها ... قلبها هدر بعنف ....انه هو يقف امامها ينظر لها بعينيه السوداء اللامعه !! بجسده الرجولي بملامحه الوسيمة !! رباه سيغمى عليها لا محاله اهذه حقيقة ام حلم اخر ضمن احلامها اليومية التي تدور كلها حول فلكه !!!
رقيقة الملامح عيناها عسليتان حمراء من البكاء انفها صغير واحمر هو الاخر فمها مزموم كالأطفال ... ووجهها متوهج الحمرة وكانه على وشك الأنفجار ... شيء ما جعله يلتهم ملامحها بدقه وبطئ وهذا الحجاب الأبيض الذي ترتديه اعطاها هالة من الصفاء والنورانية ... سألها بهدوء
- مالأمر انستي هل لي ان اعرف سبب البكاء
وكأنه بكلامه هذا قد اعادها الى أرض الواقع وذكرها بتلك الأستاذة البغيضة احلام عادت تبكي من جديد وهي تضع المنديل الورقي على انفها ... تنهد بتململ ثم وجه كلامه لوسناء
- انت يا انسة هلا اخبرتني سبب بكائها فلربما استطيع المساعدة ؟!
نظرت وسناء بحيرة الى افياء الغارقة بالبكاء ثم عاودت النظر اليه .. فجأة التمعت برأسها فكرة لما لا هو ابن عميد الكليه السابق وبالتأكيد له مكانته وهيبته بين الأساتذة اجلت صوتها وقالت ببراءة مصطنعه
- لقد كانت والدتها مريضة وراقده في الفراش وقد تغيبت عدة ايام عن الجامعة وصادف ان كان لدينا امتحان مهم جدا تشرف عليه الاستاذة احلام ولما .....
رفع كفه قائلا وقد فهم كل شيء
- كفى ... كفى .. لقد فهمت
نظر لتلك الصغيرة التي تبكي بشهقات متقطعه وكأن حياتها متوقفه على ذلك الامتحان البائس لا يعرف لما تعاطف معها ربما لأنه لمس عجزها فهو الأخر شعر بمثل مشاعرها عندما كان راقدا في مستشفيات لندن يتنقل من مكان لمكان بحثا للعلاج ... اجلى حنجرته قائلا بصوته الأبح الذي تسمعه يوجهه لها لاول مرة
- تعالي معي يا انسة ؟!!
لتجيبه وسناء بسعادة وقد نجحت في مسعاها
- افياء اسمها افياء
اومأ موجها كلامه لافياء
- تعالي معي انسة افياء سأحل الأمر ان شاءلله
ابتعلت ريقها بصعوبه وشعرت بأرتباك رهيب بينما تجمعت قطرات العرق الباردة على جبينها وراحة يديها كيف ستسير معه وبقربه هذا اكثر بكثير مما حلمت به يوما ماذا ستفعل يا الله !!انتهى الفصل
أنت تقرأ
احلام موؤدة لكاتبة رقية سعيد القيسى
Romansaبين التهور والعقل خطوة واحدة خطأ بسيط يحول حياة الانسان ويتحكم بمصيره بلحظة خاطفة يصبح الملاك شيطان فيتلبسه وحش الانتقام وتعصف بقلبه رياح الظلمات وعندما ينتهى كل شئ لايبقى غير بقايا