تغسلان الصحون.. تعلو اصواتهم و ضحكاتهم..
تحدثت حياة بأستياء وهي تنشف الصحن الذي غسلته سما التي تقف بجانبها تغسل صحنا آخر..
_ عليك ان تفهمي يا سما أن تلك الملابس لا تليق بطالبه جامعيه !
_ لا أرى شيئا غير لائق بما اشتريت.. بالعكس، كلها وقوره ومحتشمه..
طالعتها حياة بوجه مكرمش كأنها متقززه من شيء ما.. جعلت سما تضحك بصوت عالي على شكلها.. تسائلت بعدم فهم..
_ ماذا ؟!
ردت بحنق وهي ترمي المنشفه الصغيره على رخامه المطبخ بعد أن نشفت الصحن الأخير..
_ ستبدين كمديره مدرسه بتلك الملابس !!
.. وبدأت بتقليد صوت سما بسخريه..
_ وقوره و محتشمه !!
.. قالتها بأمتعاض بينما تجلس على الكرسي بجانب طاوله الطعام في المطبخ.. سما بضحك شديد على طريقه حياة و تعليقاتها..
_ماذا تريدين مني أن ارتدي مثلا ؟ تلك الفستاين الضيقه كأني ذاهبة لحفل ما؟ ام التنانير القصيرة لأبدو كمضيفه طيران ؟ ام تلك الكنزات الملونه والضيقه واسعه الصدر ؟ ياللهي ! لقد شعرت بالخجل وانا اجربها فقط، كيف يمكنني ارتدائها أمام الناس؟
.. تمتمت متعحبه بصوتها الرقيق محتضنة خديها بكفوف يديها وهي تجلس على الكرسي الاخر أمام حياة حول طاوله الطعام الدائريه..
_ اووف سما ! افهميني، انت ستلتحقين بالجامعة و الحياة الجامعيه تختلف اختلافا جذربا عن ما اعتدت عليه.. خصوصا أن المدينه التي قبلتك جامعتها من المدن الساحليه الراقيه التي يغلب على سكانها الغنى و الاناقه وعليك أن تتماشي مع الوضع وتندمجي مع زملائك وزميلاتك.. يجب ان تهتمي بمظهرك جيدا..
..سما وهي تستمع بأنتباه مع بدء ازدياد قلقها..
_ وما العيب في مظهري ؟ انت تعريفيني لا أحب الملابس الملفته، حتى اني لا احب الألوان المبهرجه وأفضل الألوان الموحده.. بعيدا عن الأحمر و البرتقالي و البنفسجي طبعا..
تكلمت حياة بهدوء لتقنع سما بدون احراجها و زعزعه ثقتها بنفسها..
_حسنا سما، معك حق، انت تتبعين نمطا خاصا وهذا شىء جميل.. لكن احيانا علينا ان نتطرف قليلا، نضيف لمسه مختلفه على ما اعتدنا، حتى نبتعد عن الرتابه والملل.. يعني تغير بسيط.. مثلا، إحدى قمصانك البيضاء الرقيقه الواسعة مع إحدى تنانيري الكحليه القصيرة، أو مثلا، فستان انيق بلون داكن عليه إحدى ستراتك العمليه، ويمكن أيضاً قميص ذو طابع ريفي ذو المربعات الملونه تحته كنزه قطنيه رقيقه و بنطال من نوع الجينز
.. تستمع سما بتمعن واقتناع، لكن جرئتها التي لو حاولنا اعطائها رقما من عشره لكانت صفر تمنعها من تطبيق نظريه حياة عن الموضه..
سما فتاة يتيمه عاشت طفوله قاسيه لم تنصفها حياتها الا بعد انتقالها للسكن في بيت عمتها السيدة منيره.. لكن الصدمات النفسية التي تعرضت لها جعلت منها انسانه مهزوزه، خائفه، هادئه جدا، منغلقه على نفسها، روتينيه حساسه و هشه.. ثقتها بنفسها متأرجحه، تخشى الاختلاط وتكوين علاقات اجتماعية على الرغم من لطافتها و هدوئها وابتسامتها الرقيقه إلا أنها لم يكن لها أي صديقات في ايام الدراسه .. سوى حياة .. ابنة عمتها واختها .. حياة تمثل لسما المرجع و بر الامان..
بعد حرب تفكير تابعتها حياة وهي تقرأ تعاقب التعابير على ملامح سما وقد فهمت ما يدور بعقلها الصغير، لكنها لم تتكلم أرادت منها أن تفتح قلبها و تدلي بدلو حيرتها وقلقها والذي يعتبر احد اعمده شخصيه سما المهزوزه
.. بعد صمت طويل..
_ما قلته صحيح.. لكن.. لكن انا.. لا أشعر بالارتياح في الأماكن العامه كما تعرفين..
.. انقطع صوتها المضطرب وهي تعتصر اصابعها بتوتر وقلق جعلت حياة تمسك بيديها بسرعه كحركه دعم مع ابتسامة تشجيع وهي تفتح عينيها الزمرديه وترفع حاجبيها بمعني هيا اكملي.. اكملت سما بصوت مهزوز خافت بعد أن اخفضت وجهها..
_لا أحب أن اكونه ملفته للنظر، أنا حتى إلى الآن لا أعرف كيف سابداء حياتي لوحدي.. كم رغبت بأن تقبلني إحدى جامعات المدينه التي تقطنين فيها، لكن هذا ما حدث، مجموعي لم يقبل الا هناك..
.. ابتسمت مع ظهور لمعه سعاده في عينيها..
_ لكن الجميل في الأمر اني قبلت في قسم المحاسبه.. يعني التخصص الذي رغبت به..
.. تنهدت وهي تنظر لحياة..
_ أعلم انك قمتي بترتيب جميع اموري من حيث السكن و اكمال اوراقي وتسجيلي و اخرتي نفسك للبقاء معي مع انه تدريبك بداء قبل اسبوعين في مصحه الدكتور توفيق، اخرتي حلم حياتك من اجلي..
.. ادمعت عيني سما لتحتضنها حياة بحب تحرك كف يديها صعودا ونزولا على ظهرها برفق..
_عن أي تأخير تتحدثين يا سما، انت اختي واقرب شخص لي في هذه الدنيا، صديقتي المقربه.. انت من تبقى لي من بعد المرحومه امي التي لم أكن بقربها عندما توفيت.. عزائي الوحيد أنها كانت بين أحضانك ساعه وفاتها قبل اربعه أشهر..
.. ابتعدت عنها سما بهدوء تمسح دموعها مردفة..
_ رحمة الله عليها.. حتى عند شدة مرضها كانت تفكر بي، انتظرتني لاكمل اختباراتي النهائيه..
.. تنهدت بعمق وهي تنظر لحياة التي كانت تحبس دموعها بقوه..
_ سامحيني لانني دائما السبب في حزنك..
.. حدجتها حياة بنظره حاده وقالت بجديه..
_ سما ! اياك أن تتفوهي بمثل هذا الكلام مرة أخرى !
.. اومئت سما بطاعه تبتسم فهي تعرف ما تكنه لها حياة.. رغم ما صار في الماضي..قفزت حياة من كرسيها بسرعه و هي تتحدث بمرح لكي تلقي بعيدا بمخلفات الحزن..
_ هل تعرفين يا سما لو كان لدي جسد انثوي مثير كجسدك ماذا كنت فعلت ؟!
.. دارت حول نفسها تتكلم بطريقه حالمه..
_ كنت سارتدي فستان أسود ضيق ذو فتحه صدر مربعه و حزام أسود عريض على الخصر.. يصل لغايه ركبتي.. مع حذاء اسود مدبب ذو كعب عالي.. امسك حقيبتي الجلديه المستطيله وانا اخطو بغرور لداخل مصحه الدكتور توفيق !
.. ضحكت سما على الطريقه التمثليه لحياة..
_ لو لم أكن أعرف أن الدكتور توفيق رجل ناهز السبعين لقلت بأنك واقعه في غرامه !
.. شاركتها حياة الضحك هي الأخرى لتقول..
_ أنا واقعه بغرامه فعلا، لكن من الناحيه العلميه..
.. تنهدت بطريقه شاعريه لتضيف..
_قلبي سيبقى خاليا.. انتظر اللحظه التي التقي بها فارس أحلامي الذي أعرف أنه ليس موجودا على أرض الواقع..
.. اتكأت بأسفل ظهرها على حافه خزانه المطبخ الرخاميه تصف فارس أحلامها الأسطوري بكلمه واحده..
_ اوريون !
.. ضيقت سما ما بين حاجبيها مستغربه الاسم.. فأوضحت حياة..
_ اوريون؛ احد اكثر الرجال الاغريق وسامه وجمال.. امتهانه الصيد البري جعل له جسدا عضليا مثاليا، و على الرغم من جديته وصرامته الا أنه كان أكثر الناس لطفا وطيبه وكرم، ذو قلب حنون، و بطولة و بأس، يحترمه الرجال و يحبه الأطفال و يثق به جميع الناس.. يعامل النساء كأنهن اخوات له، أي انه رجل نبيل لا يجري خلف شهواته.. فالاغريق يا عزيزتي كانوا قوما يمتازون بالرقي و النبل، يصفون عظمائهم من الرجال أو الإلهه بمنجزاتهم وحكمتهم وهيأتهم القويه بأجسادهم العضليه و صدورهم العريضه.. ولو كنت لاحظتي بالكتب التي تحكي حكايات آلهة الاغريق و حروبهم التي تملأ مكتبتي، بأن كل منحوتاتهم المجسمه و المصوره في الكتب تمتاز بأجساد ضخمه وأعضاء ذكريه صغيره لا تناسب ضخامه الجسد، فبالنسبه للاغريق العضو الذكري الكبير يرمز للهمجيه و الوحشيه.. وهذا ما كانوا يرسمونه ليرمزوا لانصاف الإلهه _ نصفه رجل ونصفه حيوان _ يجعلون لهم أعضاء ذكريه كبيره تدل على أن هذا المجسم لشخص همجي او نصف الهه..
كان وجه سما محمرا من جرئه الحديث التي اعتادت حياة سرده دائما على اسماعها.. تحمحمت تسأل..
_ هل كان اوريون اله ؟
_ كلا، كان رجلا من عامه الناس، لكنه بطل، وكان صديقا لارتميس آلهه القمر و الصيد، والشقيقه التوأم لابولو الهه الشمس والدهم زيوس ملك الإله..
ضحكت حياة بشده على ملامح سما المصدومه من كم المعلومات و صلات القرابه و عدد الإله التي القتها بسرعه عليها.. فأردفت وهي تتنفس بصعوبه اثر قهقهاتها..
_ اه سما ليتكي ترين وجهك !
.. تمتمت سما بنفس ملامح الصدمه..
_أشعر اني بلهاء ! ضعت بين ثرثراتك ! ما همي أنا بزيوس و ابولو ؟!
.. هزت رأسها بقله حيله .. اقتربت منها حياة عائده لتجلس على الكرسي..
_معك حق، اعتذر، توهتك.. لكنني اتحمس دائما عند التحدث عن الأغريق و اساطيرهم كما تعرفين..
هزت سما رأسها بتفهم..
_ اذن انت تبحثين عن.. ما كان اسمه ؟ ها، اوريون، بطل اسطوري وسيم؟
.. اجابتها حياة بما جعلها شاخصه العينين ملجومه اللسان بوجه كالطماطم..
_ بالضبط.. لكنني افضله بهيئه نصف الالهه !!
.. قالتها بأبتسامه جريئه وغمزه مشاكسه !
أنت تقرأ
حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة )
Romanceننطلق نحو اهدافنا.. نجتاز الطريق.. نتعثر احيانا، نسقط احيانا.. لكننا نصل.. مايهون الصعاب.. هو الرفقة.. الجزء الأول ( حكاية حياة ) بداءت بتاريخ 19/أكتوبر,2022 انتهت بتاريخ 28/فبراير,2024 *الرواية أصلية، غير منقولة أو مقتبسة.. *كل ما ورد من تأليفي، عد...