الفصل الثامن و العشرين .. شك ..

180 17 39
                                    

اختارت اسراء أن تعلن عن قرارها أمام قبر زوجها، وهذا ما قدره ادم وجعله يجلها و يحترمها اكثر.. أخلاصها لحبيبها المتوفي اثر فيه و دفعه للأقتراب منها و طبع قبلة حب واحترام فوق جبينها.. و زاده تمسك بها، يتذكر كلام عمته بعد رفضه و تعجبه من طلبها زواجه من ارملة أخيه..
_ اسراء لم تصبح زوجة المرحوم ايمن يا ابني.. عقد قرانهم و زفوا لبيتهم لكن لم يتمم ايمن زواجهم، لانه كان يشعر بقرب اجله.. أراد أن ينعم بقربها كونها زوجته و حليلته بعد الحاح شديد منها وافق على الزواج، لكن بشرط أن لا تطالبه بحقوقها الزوجيه.. وافقت.. لتكون بقربه فقط.. احبته كما احبها.. منذ صغرها و هي مبهورة ومتعلقة فيه، حتى لم تهتم لفارق السن الذي زاد على ثمانية عشر عاما.. اختارت أن تضحي بشبابها و حقها في زوجها، فقط لتكون معه و بقربه.. احبته، وحرمت منه.. الا يحق لها السعادة وان تعيش باقي حياتها مع رجل يقدرها و يعوضها حرمانها ؟
 
ابتعدت اسراء بخطوة إلى الوراء وهي تنكس رأسها بخجل.. احاطها ادم بذراعيه يمسك كتفيها يكلمها بهدوئه المهيب و نبرته الرجولية العميقه..
_ أنا مصر على طلبي يا اسراء.. لم تكن رغبة عمتي فقط، أنها رغبتي أنا.. و هنا، أمام قبر اخي، أعلن عن طلبي منك بأن تقبليني..
.. بسرعه وضعت اسراء اصابعها فوق فم ادم تمنعه من اكمال كلامه.. ردت بأنفعال و دموعها تجري فوق وجنتيها تهز رأسها برفض..
_ كيف تجرئ يا ادم !! كيف تفكر حتى بالامر بهذا الشكل ؟! كيف يمكنك أن تراني كزوجة لك !! لا اصدق !!
.. ابتعدت عنه توليه ظهرها تمشي مسرعه تذكره بأنتظار اعمامهم له.. استفاق من صدمته و انفعالها عليه.. اضطرب و هو يتلفت حوله غير مصدق ما حدث.. وقع نظره على قبر أخيه.. شعر بقلبه سيخرج من مكانه.. أرتجف.. خاف.. لا يعلم لماذا انتابه شعور بأن ايمن استمع إليه و جرحه ما طلب من زوجته !! وقف بعيون متوسعه يطالع قبر شقيقه.. نزلت دموعه يقول بصوت متلكئ نادم معتذر..
_ ايمن !! انا.. أنا اسف..
.. تقدم اكثر ينحني ليمسك بقبر أخيه يردد بصوت باك و دموعه تسقي تربته..
_ سامحني.. قلت ما قلته من اجلها فقط.. اقسم بذلك.. اردت أن اسعدها و اعوضها حرمانها منك.. لكنني اخطأت.. لا يمكن لاحد اخذ مكانك.. سامحني يا اخي.. سامحني..
.. بكى وهو يردد اعتذاراته يتلمس فوق تربته.. مشتاق لاحتضان أخيه و رؤيته.. يأنب نفسه لانه لم يكن معه ولم يشعر بمرضه وضعفه.. ينعت حاله بالانانيه و الجحود لابتعاده وانشغاله عن اخوه الكبير في عز حاجته إليه.. كان ايمن قريب منه جدا، نعم الأخ كان و السند.. هو من كان يهتم بهم هو و عدنان، يساعدهم في دراستهم، يأخذهم معه دائما لملعب كرة القدم أو أماكن الألعاب الالكترونية أو ساحات سباقات السيارات.. كان مثلا يحتذى به كأخ كبير مراع و مهتم.. يسد عن انشغال الاب و اهمال الام.. يملي وقتهم و يثري افكارهم.. هو من جعل ادم يعشق القراءة و المطالعه.. يسمح له بدخول غرفته و اقتراض أي كتاب يرغب في قرائته.. علمه الرسم و النحت على الكرستال، و جعله يشاركه في أعمال البستنه و تصميم الحدائق..
أيمن كان بارعا في كل شيء و خصوصا في ما يتعلق بالفن، له ذوق خاص و نظرة عميقه.. و كأي فنان.. كان حساس و مرهف.. يحب الطبيعه و يهوى الهدوء.. يعشق الليل و يهيم بالخضره.. و هذا ما كان يجعله شبه مستقر في قرية ابيه.. لولا دراسته لكان انتقل إلى هناك و قد نوى استقراره فعلا في بيت أبيه في القرية بعد تخرجه من كلية الهندسة بفرعها المعماري و اتفاقه مع احد أبناء عمومته بأن ينشئ مكتبا هندسيا للتصماميم و الديكور.. اكثر ما كان يسعده هو رؤية اسراء الصغيره.. يدللها و يلاطفها، يجلب لها هدايا من صنع يديه كلما ذهب اليهم، و طوال فترة مكوثه هناك يأخذها بجولات على ظهر حصانه، فهي الوحيده من كان مسموح لها ركوبه.. احبها و تعلق بها.. بادلته حبه، بل عشقته و تغلغل في خلاياها.. ادم من كان ينقل رسائلها الغراميه إليه و يرى بعينيه حب أخيه لها و اهتمامه بها، بعد أن نصب نفسه مرافقا دائما لايمن عند ذهابه للبلده..
عاد من ذكرياته بحال اسوء و ندم اكبر.. يغمض عينيه مبتلة الاهداب لا يعرف كيف سيواجه اسراء بعد ما قال و ما طلب.. لم يكن من حقه، عيب ما فعل و ما فكر..

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن