_تشعر بأنك تكتفي بها عن كل النساء.. نظرة حب من عينيها تجلعك منتشيا، راضيا.. ابتسامتها تشعرك بأنك بأوج عنفوان الرجوله.. سعادتها تكسبك كل ثقة الدنيا وكل ميداليات الفوز..
كان هذا فواز وهو يتكئ بذراعه على الرمل يصاحب نديم المتألم.. يجلس بقربه فوق الرمال.. يسند ذراعيه فوق ركبتيه.. يتأمل البحر أمامه و ضياء القمر المنعكس يترجرج ككيانه بفعل الأمواج الهادئه.. متناسين برودة نسمات الشتاء من حولهم أو ربما مشاعرهم القويه من تمدهم بالدفىء الذي يتأجج من اعماقهم.. سأل نديم رفيقه بصوت خافت محمل بالحزن..
_ ماذا لو تركتني فواز ؟ مع ما أفعله، لن تحتمل، ستذهب..
.. تنهد بحرقه وهو يقول..
_ ستهرب بجلدها.. ستكرهني..
.. نظر له صديقه بحزن حقيقي، فهو حذره اكثر من مره من معاملته العنيفه و الجافه لسما، نبهه بأنها ستتركه ما لو بقي بجنونه و غيرته و تملكه.. عليه أن يهدئ من نفسه و يلجم غضبه.. هي له و تحبه، تطيعه و لا تعترض على طلباته و اوامره حتى لو كان فيها ما لا يرضيها و ما لا تقتنع به.. تريده راضيا دائما مرتاحا و سعيدا.. تتعامل معه برقه و تفهم.. تمرر له تماديه في التجاوز على حقها و اهاناته اللفظيه أو الجسديه.. ففي الشهر المنصرم لم يفوت نديم فرصه الا و اغرق سما بسيل من الصياح و الاتهامات و الغضب المستعر.. تقابله دائما بدموع و صمت.. يعالجه هو بندم و اغداق بالهدايا و تنظيف اذنيها من كلامه المسموم بأعذب و اصدق أشعار الحب و أغاني الغرام.. يراه صديقه وهو عاشق متفان لاحتواء حبيبته و اغراقها حب ودلال.. ليعود و يقصف كل هذا بلحظه غيره عمياء و تملك هوجاء.. حتى وصل به الحال أن طلب من سعاد الإبتعاد عن سما، فقد لاحظ فواز أن قرب سعاد من سما يجعل نديم كالمجنون، يريدها له فقط، أن لا تنشغل عنه ولا تتكلم أو تنظر لغيره، أن تبقي كل اهتمامها و تركيزها معه.. يريد أن يكون هو محور حياتها و تفكيرها.. اما لو ابتسمت أو حييت أحدا من زملائها فبتلك اللحظة عليها أن تستعد لانفجار المشتعل المستحوذ عليها.. لم تسلم من قبضات يده القاسية الساحبه لها للانفراد بها وامطارها اتهامات بعدم الاهتمام و الاحترام و التفنن بتنسيق محاضرات عن السلوك السىء الذي ينعتها به.. يبدع بتلحين خطاباته بنبرات صوت عاليه يظهر بها امكانيات حباله الصوتية القويه.. يرعبها احيانا بالضرب فوق الطاولات التي تجمعهم حولها أو رمي الكؤوس لتتناثر شذراتها حول المكان أو حتى لحظاته الأكثر جنونا عندما يرميها تجبرا و تعنيفا لتجلس بسيارته يقودها برعونه واستهتار و هو يصرخ بجنون أكبر.. كما حدث قبل يوم من الآن..قبل يوم واحد..
هربت سما من الجامعه مستغله دخول نديم لاحدى محاضراته الطويلة.. وجدت من وقتها ملائما لتفيذ ما خططت له.. وقفت في محطه الحافلات وهي تراجع كلام سعاد عن رقم الحافله واسم المنطقه و وصفها للمكان.. وصلت الحافله المطلوبه لتصعد وتجلس على أول كرسي فارغ قابلته وهي تتنفس براحة، وتتابع بعينيها اللامعه من الحماس مبنى جامعتها الذي بداء يبتعد اثر سير الحافله.. وصلت لذلك المكان، تبحث بعينيها القلقه عن اسم المنطقه و الاتجاهات.. ابتسمت براحه وهي ترى اللوحه التعريفيه الخاصه بالشارع وعليها الاتجاه.. مشت بسعادة، واخيرا ستحصل على الساعه التي نوت شرائها لذلك الوحش الذي تعلقت به.. أرتجف قلبها قليلا مع غشاء دموع غطى خضراوتيها وهي تتذكر معاملته لها.. تلمست بأصابعها جانب بطنها تتذكر ذلك اليوم حينما دفعها يضغط بأصابعه بقوه فوق بطنها حتى شعرت بأبهامه اخترق جلدها.. وكل هذا لانها مدت يدها لترد على احد اصدقائه مد يده لها مصافحا.. لم يهتم لوجود الناس من حولهم ولم يهتم لاحراجها و صدمتها و المها، حتى لصديقه الذي اشاح بنظره بسرعه كيلا يحرجها اكثر.. وبعدها ككل مره أتاها معتذرا متوسلا باكيا اسفل شباكها، ما لها الا أن تعذره و تتفهم غيرته.. فهي حبيبته، يحق له الغضب و يحق له محاسبتها !! هذا هو تفكيرها وتلك هي قناعاتها.. والتي
لاقت رفضا و امتعاضا من ايه لكن لسبب ما التزمت الصمت و عادت لتهتم بها و تجالسها وتحاول دائما مواساتها بدون أن تفتح معها أي سيرة تؤدي لاحراجها أو لومها.. وقفت معها و التزمتها كصديقه مسانده، كتف حنون متى ما أرادت البكاء، مستمعه متفهمه متى ما احتاجت لفضفضه..
تنهدت سما وهي تمتن لله على وجود ايه و سعاد في حياتها فهي لن تتجراء و تحكي لحياة ما يحدث معها من تعنيف نديم لها..
اشرقت عينيها بفرح وهي ترى اللافته الكبيرة تحمل اسم دكان المجوهرات الذي اخبرتها سعاد عنه.. فبعد بحث كثير في مواقع الشراء الالكترونية وجدت سما ضالتها والمتمثله بساعه فضيه انيقه جدا وباهضه جدا جدا من إحدى الماركات المعروفه، تليق بنديم و مستواه.. لكن ما لديها من نقود لايكفي حتى لربع سعرها ولا يمكنها أن تطلب من حياة أن ترسل لها المزيد، فيكفي أنها تلتزم بكل مصاريفها الجامعيه و مصروفها الشخصي.. صحيح أنهم مرتاحون ماديا بشكل متوسط و يكفيهم ما يأتي من محصول الأرض و إيجار دكان والد حياة و ما يلتزم سمير بأرساله للفتاتين شهريا كنوع من المسؤولية اتجاه اختيه، الا أن سما تخجل جدا من التحدث مع حياة أو سمير بأمر المال.. خصوصا أنها ترى بأنها لاحق لها بما يجنيانه من ارث ابيهم وانها مجرد ثقل اضافي عليهم.. وهذا بالطبع ما تفهمه حياة جيدا بسما و ما جعلها بعد اتفاقها مع اخوها الكبير بأن تفتح حسابا بنكيا خاصا بأسمها و تحويل ما يكفيها ويغطي احتياجاتها شهريا، منها و من سمير.. لكن يبقى سعر تلك الساعه اكثر من ما في حسابها المصرفي، هذا بعد انفاقها الكثير من اجل شراء الفساتين الجديده و التي لن تستطيع إرتداء أي منها بعد جنون نديم في أول صباحات السنه الجديده.. لذا و بعد تفكير طويل وجدت الحل بأن تبيع قطعا من مصوغاتها الذهبية التي لا ترتديها، فكان هنالك خاتم صغير اهداها اياه والد حياة المرحوم بعد أن انتقلت للعيش معهم، و أيضاً ذلك السلسال القديم المقطوع والذي كان الشيء الوحيد الذي تملكه من والدتها، يبدو أنها نست انتزاعه من رقبه سما الصغيره حينما تركتها أمام باب بيت عمتها.. و اسوارة ناعمه لم تكن تحب ارتدائها لانها تتشابك بأكمام ملابسها.. وبعد أن طلبت من سعاد مساعدتها على بيعهم و التي رفضت و شجبت تصرف سما إلا أنها استسلمت لطلبها و دلتها على مكان يمكنهم مساعدتها بذلك الأمر بدون أن تستغل، و اعطائها سعرا جيدا.. و لانها لا يمكنها مرافقتها في بادئ الأمر بسبب تحذير فواز لها بأن تبتعد عن سما امتصاصا لغضب نديم و غيرته المجنونه فقد وجدت لها الحل بأن تذهب بواسطة الباص و شرحت لها كل ما يمكنه مساعدتها.. و لولا تضارب اوقاتهم لكانت الآن رافقتها.. اقنتعتها سما أن الفرصة الآن سانحة، و طلبت منها أن تدخل محاضرتها مرتاحة البال و لا تقلق عليها.. فغادرت سما، تحت ترحيب الاخيرة و سعادتها، و ضيق سعاد و قلقها.. فلو علم نديم بأن سما خرجت من سور الجامعة بدون اذنه و علمه سوف يحرق الدنيا فوق روؤسهم، لكن إصرار سما جعلها ترضخ و تدعو بأن لا يكشف أمرها.. وفعلا، باعت سما مصوغاتها وعادت سالمه بعد أن اودعت المال بحسابها البنكي.. وصلت الى الجامعه تتنفس الصعداء لان نديم لايزال في محاضرته ولم يكتشف خروجها.. ليأتيها صوته القوي الراعد صائحا بأسمها ناسفا جبل الراحه الذي كانت تستند عليه.. تسمرت مكانها، فصوته لا يبدو طبيعي ابدا.. لابد و أنه قد كشف أمرها..
قلص نديم المسافه بينهم بخطوتين ناريتين احرقت ظهر سما ما أن وصل إليها.. سحب ذراعها بسرعه يلفها ناحيته.. لتستشف ما سيحل بها.. كان مظلم العينين متصلب الوجه رافعا حاجبيه بطريقه مرعبه متوعده، يشع جسده المتشنح بزوابع لهيببه صهرتها من الخوف.. تقف أمامه رافعه رأسها إليه بعيون مفتوحه بفزع صاحبها شحوب شديد و ارتجاف طال كل اجزائها و خلاياها.. تحاول ابتلاع ريقها لكن ارتعاشها احال ذلك، لا يمكنها سحب نفسها بسبب السخونه التي غلفتها من حريق انفاسه السريعة التي لفحتها لميله عليها ضاربا العيون المترقبه حولهم بعرض الحائط، افزعها صوته الخافت وما خفوته الا مايسبق العاصفه..
_ أين كنت !!
.. سؤال عادي لكن ما يحمله من توعد و غضب وما ستجنيه من جنون و ألم و عذاب ليس عاديا ابدا.. ارتجفت شفتيها وهي تحاول الكلام ليصرخ هذه المره بصوت أعلى افزع من حولهم و اجبرهم على المضي في سبيلهم..
_ تكلمي ! أين اختيفيتي !
.. سقطت دموعها رغما عنها و تقوست شفتيها تنظر له بتوسل أن لا يؤذيها أمام الناس، لن تحتمل نظرة شفقة من احد ولن تتحمل غضبه منها.. ثوان حتى ضيق عينيه بنظره تفهمها هي جيدا لتزفر بأرتجاف وهي تخفض رأسها بأنتظار خطوته التاليه.. ولم تنتظر كثيرا حتى امسكها ساحبا اياها كالعاده، مستسلمة صامتة تاركة له تحريكها و اخذها اينما يشاء.. تركض بخطواتها لتجاري خطواته الغاضبه.. يسيرون تحت عيون الجميع ولم تغفل العيون الشامته من ذلك المنظر الذي أثلج صدورهم.. الا رندا التي حزنت على سما لما يفعله بها نديم.. رماها على المقعد بجانب السائق و مد رأسه و جذعه إليها يقول من بين اسنانه..
_ لديك خمس ثوان لتفكري بحجة غياب تنقذك من جحيمي !
.. ابتعد و صفع الباب لتحتضن رأسها تشهق بقوه وفزع.. تبكي دون صوت خوفا من اغضابه اكثر.. شعرت بصعوده لمقعد السائق واكد ذلك صوت صفع الباب.. أنزلت يديها بسرعه من على رأسها و اطبقت شفتيها بقوه حتى لا يصدر منها صوت البكاء أو الشهقات، محنية الرأس دامعة العين فزعة النظرات.. صوت انفاسه السريعة الغاضبه جعلها تشعر بقرب فقدانها لوعيها و كم تمنت ذلك لتهرب من عاصفه قادمه لا محاله..
قال بصوت محمل بكل انواع الغضب و السخط..
_ استمع لك ! هيا !!
.. و قبل ان تنطق افزعها صائحا..
_ لا تفكري بالكذب، احذرك !
.. لتستسلم لألم الصرخه التي تكتم انفاسها وتجشهش ببكاء هستيري مرتعب.. ربعت ذراعيها فوق ركبتيها و احنت جسدها لتسند رأسها فوقهم مطلقه العنان لدموع الخذلان و قلة الحيله.. يصيبه جنون أكثر من بكائها تضاعف ذلك الجنون بسبب صوت هاتفها ليسحب حقيبتها بقوه و يرميها على المقعد الخلفي بعد أن وجد الهاتف الذي كان يرن بنغمة الرسائل النصيه و التي زادت من سعيره و هو يقراء محتوى الرسائل.. اشعارات بنكيه بأيداع نقود بتاريخ اليوم و أخرى بسحب احد المواقع لمبلغ كبير لغرض شراء سلعه.. واشعار لتثبيت الشراء.. تتوسع عيونه و يتفجر في عقله تحليلات و تخيلات بينما يطلع على الاشعارات المريبه جعلته يمد يده يمسك رقبتها بقوه من الخلف يقربها اليه رافعا الشاشه أمام وجهها يسأل بحده..
_ ما معنى هذا ؟! من أين حصلتي على تلك النقود و التي ذهبتي من اجلها.. من اودعها في حسابك البنكي ؟! تكلميي سما ! اقسم اني سأقتلك لو كان ما افكر به صحيح !!
.. تتألم من ضغط يده على رقبتها ساحبا بعض من خصلات شعرها.. وألم قلبها يفوق ذلك الألم بمراحل.. تشق دموعها طريقها بتزايد، لا تعرف بما عليها الرد و كيف ستشرح و ماهو الذي يقصده.. هل فهم أنها باعت مصوغاتها مثلا، ام أنها اشترت له ساعه.. مالذي يجعله يهددها بالقتل..
رفعت يديها تغطي وجهها وهي تميل إليه كأنها تطالب بعفوه عن روحها، تطالب بنديم الرحيم، نديم الدافئ.. الذي جعلها تتعلق به خلال أشهر قليله..
يتنفس بثقل، ينظر إليها وقد فهم مناجاتها.. أبعد يده عنها ببطئ، استشعر نعومة شعرها.. لا يلمسها هو ابدا وقد وعد نفسه بذلك.. الا تلك المرات عندما يفقد تحكمه بذاته.. فنوبات غضبه تخرج عليها على شكل هياج و تعنيف بالكلام و الذراع.. لم يتحسس لمساته لها ابدا، كانت كلها قاسيه جافه غليضه..
استمع لصوت رنين هاتفه.. سحبه من جيبه الخلفي بهدوء، رأى اسم فواز على الشاشه، كبس على الزر الجانبي ليقطع الاتصال.. اعتدل جالسا بجمود ينظر إلى الأمام بنظرات غاضبه و متوجعه.. يستمع لصوت بكاء سما الخافت..
أنت تقرأ
حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة )
Romanceننطلق نحو اهدافنا.. نجتاز الطريق.. نتعثر احيانا، نسقط احيانا.. لكننا نصل.. مايهون الصعاب.. هو الرفقة.. الجزء الأول ( حكاية حياة ) بداءت بتاريخ 19/أكتوبر,2022 انتهت بتاريخ 28/فبراير,2024 *الرواية أصلية، غير منقولة أو مقتبسة.. *كل ما ورد من تأليفي، عد...