الفصل الثاني عشر .. مصيده ..

168 17 23
                                    

دقات على الباب.. فصمت.. فدخول.. دقات قلبها كانت أكثر الحاحا.. وصمت انفاسها كان اشد قسوه.. اما الدخول، فكان خانقا.. بمجرد انفراج الباب تسللت هالته تجتاح المكان تستحوذ عليها كليا.. نبرة صوته العميقه الرجوليه ذات البحه المميزه اجهزت على ما تبقى من ثبات انفعالي كانت تتغنى به ! تسمعه يخاطب استاذها بتحيه وسؤال عن الحال.. و هي، من كانت تتحرق لهذا اللقاء تجلس مرتجفة، مكبله، معقوده اللسان، ومسلوبه الانفاس.. تريد فقط اللحاق بأنفاسها لترد تحيه الصباح.. غضبت من نفسها و تألمت من حالها " منذ متى وانت ضعيفه حيااة !! منذ متى ينعقد لسانك و تدحر جرأتك ؟! " انتفض غرور الانثى فيها مذكرا اياها بذاتها..
التفتت بكل وقار وعمليه تحيي ذلك الفارس الساحر.. لم تشىء الوقوف فقوانين الاتكيت تمانع وقوف النساء للرجال.. اكتفت بمد كف يدها تصافحه بطرف الاصابع.. فضولها المستميت لمعرفه لون عينيه جعلها تطيل النظر بتلك الحدقتين.. تقسم انه كاد ينيمها مغناطيسيا ! جعل الغرفة تدور بها.. حتى أنها لم ترد على سؤال الأستاذ..
_ حياة.. هل انت بخير يا ابنتي ؟
_ ههمم.. عفوا استاذي غفلت قليلا.. أ أ ماذا كنت تقول ؟
_متأكده من انك بخير عزيزتي ؟ تبدين شاحبه..
فورا وضعت اصابعها فوق وجنتها كأنها تتحسس شحوبها وياليتها لم تفعل !! رائحه عطره التي علقت بيدها استقرت الآن على خدها .. بجانب انفها .. يعني كأنه لا يكفي جلوسه بقربها تستشعر حراره جسده باتت الآن رائحته تغطيها !
" رائع حياة ! لتكتسبي ثقته الآن وهو يراك كالتلميذه المذنبه التي جاء والدها ليشكوها مديرها إليه !! " تقافزت دقات قلبها عندما مد يده يمسك برسغها.. يتفحص النبضات.. ادارت وجهها بهدوء مصدوم تمشي عيونها فوق اصابعه الطويلة التي تضغط على وريدها، ذراعه الحنطيه ذات الشعر، كم قميصه المطوي الأسود، كتفه وقد امالت رأسها وهي تصل لرقبته " ياويلك حياة ستفضحيين ! " افترست شفتيه نظرا، و بعثرت ذقنه وشاربه تفحصا، لتتجمد امام عينيه.. لون بني غامق.. أم انه اسود ؟ فذلك الحاجب الكثيف المعقود يأخذ مساحه كبيره و تليه رموش طويله ترمي بظلالها السوداء على حدقتيه.. يحرك شفتيه الأن " ماذا ؟! يحرك شفتيه !! " رمشت عده مرات كأنها تعطي اشاره لنفسها الاماره بالسوء أن تسمح لعقلها بأمساك زمام الأمور..
_ نعم ؟ حضرتك، ماذا قلت ؟
اجابها ادم بأهتمام..
_ هل تشعرين بأعراض أخرى غير الشرود و الشحوب و ازدياد ضربات القلب ؟
_ لا ابدا أنا بخير.. لكنني ارهقت نفسي بالدراسة على ما يبدو.. لم انم لوقت كاف ليله امس..
.. اكملت وهي تقول في نفسها " لأنني سهرت طول الليل احضر نفسي لمقابلتك.. وبكل فخر.. افسدت الأمر !! تبا لسحرك الذي ضيعني !! "

كان يراقب تتابع المشاعر على وجهها تحرك حاجبيها و ترمش بعينيها كأنها تحدث نفسها أو تفكر بشيء ما.. يراقب تلك الزمردتين الكبيرتين التي اقتحمتا ذاكرته.. أنها هي ذاتها من كانت في المقهى.. و من وطأت بدون سابق انذار حديقته السريه.. كم راقه منظرها وهي تتأجرح بسعاده بأرجوحة الحبال.. اعاد انتباهه للدكتور توفيق يسأله..
_ ارسلت لحضوري، دكتور توفيق.. كلي اذان صاغيه..
_ اجل.. طلبت منك المجئ لاعرفك على حياة.. الدكتورة حياة.. ابنتي و تلميذتي.. الأولى على مرحلتها لثلاث سنوات، وأكثر المعالجين تميزا و حماسا وسوف يكون لها مستقبل واعد.. تحب مهنتها كما تحب عائلتها.. تفانيها و جديتها تجعل مني دائما ادفعها لمتابعة اكثر الحالات تعقيدا، فثقتي بها لا حدود لها..
.. قالها وهو ينظر لحياة بنظره ذات مغزى.. حياة التي كانت تطفو فوق غيمه من السعادة بسبب اشادة استاذها بها وبالاخص أمام ادم..
_ تشرفت بمعرفتك..
_ لي الشرف أنا أن اجلس مع استاذين نجيبين مثلكما دكتور ادم.. اسمح لي بأن اتحدث معك بأريحيه، فقد حدثني عنك استاذي كثيرا.. لذلك وددت لقائك..
.. اومئ ادم لها بهدوء مع ابتسامة مجامله لم تصل لعينيه استطاعت أن تلاحظها بوضوح.. تدخل دكتور توفيق قائلا..
_ دكتور ادم كما تعرفين عزيزتي حياة مختص بالجراحه العظميه و قد سجل في الدراسات العليا قبل عدة اعوام، لكنني أرى بأنه لو كان درس في مجالنا لكسبنا اسما لامعا يضيف إلى المهنه الكثير.. ابتسم ادم بشكر له..
_ العفو دكتور توفيق.. يكفي اسم شخصكم الموقر..
" كم هو مهذب.. قليل الكلام لكنه يختاره بعنايه " دمدمت حياة في نفسها و هي تشتعل إعجابا به اكثر.. استمر تجاذب اطراف الحديث بين الثلاثه وكأنه لقاء عادي للتعارف لا اكثر دام لمده عشرين دقيقه انسحبت حياة خلالها وهذا كان بأتفاق مسبق مع أستاذها كي لا يشعر ادم بضيق أو احراج خصوصا انه رجل ذكي جدا كان سيكشف ما اتفقوا عليه.. اتفاقها مع أستاذها ينص على أن تتعرف على ادم بالبداية بلقاء خفيف، ليتسنى لها بعد ذلك الجلوس معه احيانا و التحدث احيانا اخرى إلى أن تبداء بأكتساب ثقته والتقرب منه خطوه خطوه.. كل هذا يحدث خلال مراقبتها لكل تحركاته وتصرفاته، تدرسه جيدا.. لتقع بنقاط الضعف و القوه وتجد المنافذ للولوج داخل اعماقه.. الأمر المحير بأدم انه شخص هادئ و متزن جدا.. طبيب من عائله علميه مرموقه، فوالده كان من اشهر و أفضل الجراحيين و شقيقه الأكبر طبيب مختص بأمراض القلب.. عائله ذات صيت و وزن.. تخرج منذ عده أعوام بتقديرات عاليه وتفوق طوال مراحل دراسته.. مجتهد و عملي، مهذب و لطيف، راق و ملتزم.. كيف يمكن أن تسحب منه رخصه مزاوله الطب و الحكم عليه بالاقامه الجبريه لمده ثلاث سنوات في المصح للبت في مسأله قدرته و امكانيته من العوده إلى مزاولة المهنه و أن لا يكون مضرا للمجتمع أو لنفسه.. كيف لشخص كهذا أن يكون قاتل ؟!!

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن