الفصل الواحد و الخمسون

232 16 15
                                    

ملاحظة: الفصل معدل.. نهايته مختلفة..
اكثر من نصف الفصل القديم قمت بقصه، تفاصيل اعتذر لاطالتي فيها اضفتها لدعم الشخصيات و فهم تخباطتهم بعد الشفاء.. فالخوف يبقى موشوما في الارواح ليجعل الشيطان من الجزع سلاحه الجديد ضد تلك الارواح المجروحة.. فقط باليقين بالله و حفظه يمكن تجاوز الازمة..

ومن ختام بعض القصص؛ تنطلق البدايات الجديدة..

_ على صفيح ساخن توقدت روحي، حتى تفحمت حياتي.. سنوات مغموسة بالخداع قضيتها مع اسوء انسان قابلته في كل عمري كنت يوماً مغرمة فيه حد الغرق، لكنه جازاني بأحقر طريقة ممكنة، بل اسوء ما صنعه بشر قط.. اجتث مني انوثتي و قتل حلما مخمليا راودني منذ الصبا.. وئد احساسا يبتغي التدفئ بالامومة.. سقاني دون أن أدري دوائا اضعف مبايضي حتى استأصل رحمي.. ليته صارحني بعدم رغبته بالانجاب لكنت تفهمت و احتملت، فحبي له عصمه في عيني من الخطأ.. مجنونة كنت فيه.. غبية ! لسبع سنوات ابتلعت نفس الحبة، احسبها علاجا لتأخري عن الإنجاب.. ولم تكن الا سما يحيل عنه.. نار شبت في روحي حينما ابلغتني الطبيبة بتضخم جدار الرحم و تهتك المبايض نتيجة الاستخدام المفرط طويل الأمد لحبوب منع الحمل ! و ضرورة إجراء جراحة مستعجلة لازالة الجزئين، بقائهم سيسبب مضاعفات تهدد حياتي، مع عدم امكانية الإنجاب ابدا، فقد تلف كل ما كان سليما في السابق.. صعقت، فأنا اواضب لسنوات على علاج متقدم حدده لي طبيب عالم في مجاله عين من قبل أشهر مركز للخصوبة خصيصا لي يدفع له زوجي ثروة لاحاطتي بكل الاهتمام ليحقق لي حلم حياتي بحمل قطعة منه في احشائي، ليكون هو من قتل ذلك الحلم.. فهمت وقتها سبب اصراره على ذلك المركز و شخص الطبيب بالذات، لكي ابقى مخدوعة.. لولا ألم داهمني فجأة و انا برحلة سياحية في أحدى الدول، افقدني وعيي لشدته.. نقلت على اثره إلى المستشفى.. اخضعني الأطباء لمجموعة من الفحوصات و التحاليل لاكتشف اخيرا اللعبة القذرة ! اسوء ما في الأمر انه نفذ من العقاب بعد أن فضحتهم و قدمت شكوى قضائية أغلق على اثرها المركز و سجن المجرم المسمى طبيب، إلا زوجي السابق طبعا، لكون له اقارب نافذين في الدولة فحسب هو ضحية مثلي لخطأ طبي من طبيب غير مسؤول، و هذا قتلني حقاً.. نلت حريتي منه و اجتيثه من قلبي كما اجتثوا مني كينونتي، رحمي..

تجمعت الدموع في عيني نديم وهو يستمع لقصة وجع امرأة لطالما كرهها، بل تمنى في وقت من الأوقات قتلها لاحتلال أرض ليست لها، و حب أقرب الناس إليه حرمت منه من كانت تستحقه اكثر منها.. هي كانت سببا في حقده الدفين على كل نساء الطبقة الراقية التي يمقتها أساساً لما كان يراه من تعال يعامل ابوه أمه بواسطته، وعجرفة وقسوة اعتمدها هو لاحقا مع امثالها معاقبا رفيقات مجونه يمعن التعنيف ثأرا وتلذذا بأفراغ ما فيه من قهر و رفض و غضب مكتوم لماض تعيس..
أقترب منها بجذعه و مد ذراعه يتلمس كف يدها ينبئها بدعمه و تعاطفه.. عزز رقة اللمسة صوته الخافت..
_ لاتبكي منى.. فقد عوضك الله بتاليا..
.. رفعت رأسها بسرعة تومئ له بالتأكيد بين دموعها مع ابتسامة توسعت حين قرائت صدقه في لمعة عينيه التي صاحبت نبرة صوته الحنونة.. اعقبت بصوت مخنوق..
_ صغيرتي تاليا اكثر من عوض، أنها هديتي من القدر، كل ما ارجوه من الدنيا رؤيتها سعيدة و زاهية.. تاليا حياتي يا نديم، وكم كنت أتمنى لو تكون انت أيضا جزءا منها..
.. احنى رأسه مبتسم بأحراج متورد الوجنتين، فهو كان يرى نظراتها المهتمة نحوه.. يشعر برغبتها المترددة في التحدث معه أو التقرب إليه وهذا تحديدا كان اكثر ما يغضبه.. اعتبرها دخيلة ذات قدر كبير من الصلف ! تدخل بيوت الغير لتسرق اسرهم، و حبهم..
_ كانت صابرين صديقتي..
.. ابتسمت له حين استرعت انتباهه الشديد في ما صرحت به.. رفع رأسه بحدة يطالعها بأستغراب و علامات استفهام كبيرة مرتسمة في عينيه.. استطردت..
_ بعد الجراحة المهلكة خضعت لعلاج بسيط لدعم الهرمونات، و شرعت بمراجعات دورية في إحدى العيادات النسائية، حيث التقيت المرحومة صابرين هناك.. كنت محطمة انذاك، و مسحوقة.. لكنني كنت ابتسم كل ما اراهما هي و باسم.. يرق قلبي لطريقة اهتمامه بها و دعمها.. لم يفوت زيارة الا و كان معها، ممسك بيدها أو يحملها احيانا لشدة وهنها و هذا ما جعلني اتقرب منها.. عشرات الأسئلة كانت تدور في رأسي حولها، ماذا حدث معها، مابها، لما يبدو الزوج حزينا، بيد السعادة كانت تشع من وجهها الباهت.. فهمت بعدها أنها مريضة، حالتها متأخرة جدا و قد رفضت اكمال العلاج خوفا على جنينها يتأثر.. ثم بداء بيننا تواصل على الهاتف.. وجدت فيها ملاذا ذو رونق لا ينطفئ رغم ما فيها من ذبول.. ياللهي كم دعمتني و شدت من ازري بيقينها الغريب بأن تلك النهاية ليست الا بدايتي.. و ما كان غريبا اكثر حديثها الذي لا ينقطع في كل مرة نتواصل فيها عن باسم، وكم محظوظة من تكون زوجته.. تصف عطفه بعمق المحيط.. دفئه بأحضان كل امهات العالم متجمعات.. حنيته حياة، و صدره دنيا.. حتى اني كنت اشعر احيانا أنها تريد اغاضتي و أن كان هذا أمرا مستبعدا عنها الا اني لم أجد تفسيرا آخر حتى يوم ولدت فيه تاليا.. اتصل بي باسم يطلب مني زيارتها في المشفى نقلا عن رغبتها هي، ذهبت فورا.. تجمدت اطرافي حين قدمت لي ملاكا ملفوفا بغطاء زهري قبل أن يخترق صوتها المنهوك اسماعي نافذ كنصل رمح مشتعل حتى اسبار اعماقي" سميها انت منى، اخترتك انت، لتكوني أما لطفلتي " ضحكت بصدمة غير مستوعبة ليوقظني صوت باسم الضعيف وهو يلومها.. يخبرها أن لا أحد سيعتني بصغيرتهم غيرها.. ستستطيع الآن بعد أن وضعتها من استكمال العلاج و تعود معافاة تماماً من اجل اطفالها.. وكانت اجابتها كما دائما؛ بأبتسامة جميلة متعبة، و يقين مطلق بأنها سترحل.. بكى باسم تلك اللحظة كطفل صغير وهو يدفن رأسه في صدرها.. لم اتحمل، فهربت سريعا من هناك وانا ارفض بكل تأكيدات العالم ما لمحت به هي.. لم تكمل تاليا الثلاثة أشهر حين غادرتنا صابرين، تاركة باسم بحال يرثى له، و طفلة بريئة طاغية بالجمال تبحث عن حليب والدتها.. ضعفت، و ذهبت برجلي لباسم اطلب منه أن يسمح لي بتنفيذ الوصية.. كنت مستعدة أن اتبناها، لكن هذا مستحيل فوالدها لن يستغني عنها.. هذا ما قاله حرفيا حين طردني من المنزل آنذاك، و حرج علي زيارة بيته مجدداً.. سائت حالتي النفسية و دخلت بأكتئاب حاد فرض علي الخضوع لجلسات اسبوعية قابلت خلالها باسم هناك صدفة.. أو ما ظننته أنا وقتها صدفة.. كأن القدر رتب للقائنا عبر سقوطنا الموالي لاحلك فترة في حياتنا.. تقاربنا كثيراً في تلك الايام و لم يمر الا القليل من الأشهر حتى طلب الزواج مني، خفت و فرحت بذات الوقت.. لكنني وافقت دون تردد، يكفي اني سأكون مع ملاكي الصغير.. ثم وجدت كل ما وصفته لي صابرين عن باسم بأرض الواقع، تبقى فقط سبب عدم اتمامه لزواجنا و اعتكافه عني لعامين كاملين غير مفهوم، و غريب.. لم اهتم كثيرا بصراحة، بل شعرت بأرتياح نوعا ما، المهم كانت تاليا تنام في حضني، هذا اهم ما في الأمر.. إلى ان في مرة دخلت عليه في الحديقة الداخلية حيث كانت صابرين تقضي اغلب وقتها.. ذهلت و تأثرت حين رأيته جاث على ركبيته أمام شجرة صغيرة ذابلة متيبسة الفروع كحال اكثر نباتات الحديقة، فقد كانت مهمولة منذ رحيل صاحبتها، و منع هو الجميع بأستثنائه دخولها، تلك كانت مرتي الأولى اتجرئ و الجها بعد أن سمعت نشيجه العالي.. جلست بقربه شاركته بكائه و رثائه لزوجته الراحلة، ليجمدني بأرتمائه في حضني.. ليس تصرفه ما صدمني في الحقيقة، بل ما قصه علي من تعاسة، تعاسة اذاقها لمحبوبته نادم عليها اشد الندم.. لولا مرض عضال الم بها لما كان افاق من غيبوبة الغطرسة، لكن كان الاوان قد فات.. جوى روحه وصل الي، فتفهمته..
.. اطرقت رأسها بعد أن تلونت وجنتيها مما دفع نديم للابتسام بحنان رغم اللوعة التي تفتقت مع الجرح لمعرفته سبب هذا الخجل قاطعا سيل الألم.. تماماً كنسمة باردة أيام آب اللهاب ! همس لها بمشاكسة، بمنتهى اللطف مغالبا دموعه..
_ حسنا.. تولدت شعلة الحب حينها، كما هو واضح..
.. ضحكت بأحراج شديد تدور حدقتيها على كل الأرضية هروبا من زرقاوتين التمعتا بالخبث، فأردف..
_ ثم غرقتي في المحيط و دفئتك احضان الامهات، بعد أن زودتك الدنيا بحياة جميلة !!
.. سعلت بشدة مخنوق حلقها بشهقة خزي تتأمل الارض لو تنشق لتبتلعها و تخفيها من أمام هذا الوقح !
جلجلت ضحكته في المكان وكم استمتع بأحراجها، ناولها قارورة الماء المستقرة على الطاولة الصغيرة بينهما في غرفة المقابلة.. تكلم بجدية بين بقايا ضحكته..
_ اذن لجئ ابي لعلاج نفسي لعدم مقدرته تخطي ما حدث ؟

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن