تجوب حياة اروقة المصح، تسجل ملاحظات و تراقب الحالات.. انهت ملف الجلسات و استنتجت من الحوارات.. كالنحلة النشيطه، تدور هنا وهناك.. تحب ما تعمل و تقوم به بأحسن ما يكون.. وصلت لذلك الرواق، حيث غرفة ادم، وقد صارت الآن مكانا لنزيل آخر.. تنهدت بشوق و قررت حالما تنتهي من جولتها أن تستريح في الحديقة السريه والتي لم تطأها قدماها منذ رحيله..
تجلس وحيدة فوق ارجوحة الحبال.. تتذكر أياما جمعتهم هنا.. كلامه، نظراته، صوته و رائحته.. اسندت رأسها على احد حبال الارجوحة الغليضه التي تيبست الاغصان الملتصقة الملتفه حوله بسبب البرد، تفكر كيف ستتمكن من الوقوف أمامه مرة أخرى.. جرحها كلامه و لم تنصفها ظنونه.. التغاضي ترف لا تملكه لو كانت عزة نفسها المعنيه.. لا يمكنها غض الطرف عن اسائته و سوء معاملته و ان كان له مبرراته لكن الاهانه لا تبرر.. أطلق احكامه و انتهى، الغى المنطق و تشبث بالقشور.. اذن، لماذا عليها توضيح موقفها ؟ هو من اخطأ بالتشخيص !! و عالج بالبتر !!
وقفت مكانها تنفض عنها ضعف اللحظة و تدحر جند الشوق، آمرة قلبها بالانسحاب.. فالحب خدعه..
رن الهاتف أثناء سيرها، سحبته من جيب ردائها الأبيض بحركة عصبيه توازي شعور السخط الذي يعتريها.. ردت بحده دون أن ترى اسم المتصل.. جاء صوت سما المنخفض المتردد، مندهشة من طريقة الرد..
_ حيااة ؟ يبدو اني اتصلت بوقت غير مناسب..
.. تنبهت لصوت ابنة خالها الرقيق، تلكأت تقول..
_ سما ؟ هذه انت ؟ لم انتبه اعذريني..
.. تنهدت وهي تجلس فوق حافة السياج الخشبي القصير المحيط بالحديقة..
_ ارهقت نفسي في الاونه الاخيره.. كما اخبرتك سابقا، انوي أن أحصل على شهادتي خلال شهرين من الآن، أي أن اتمم ثلاث أعوام ونصف من مدة دراستي الجامعيه، و هذا يعني زياده عدد ساعات التدريب و بالتالي عدد ساعات الدراسه.. لانه علي أن اجري جميع اختباراتي بوقت متقارب..
_ و لما تضعين نفسك تحت هذا الضغط ؟ لديك متسع من الوقت، ادخلي اختباراتك النهائيه بوقتها، مع زملائك، لما العجله ؟
_ لأنني انوي الحصول على زمالة بحثيه.. يجب على الطالب أن يستحقها، وبما أني دائما الاجدر سأحضى بها..
.. صدمت سما و قالت بسرعه..
_ ماذا ؟!! زماله ؟ هل تريدين السفر بعيدا يا حياة و تركي ؟
.. تفاجئت حياة من كلام سما التي لامت نفسها على اندفاعها فأردفت مبرره بتوتر..
_ اقصد.. اني، سأشتاق لك.. اعني.. سأعتاد على البعد، لا عليك..
.. تحدثت حياة بأهتمام..
_ اسمعي سما.. لن يكون هناك بعد أو سفر، أنها زماله بحثيه وظيفيه مموله من احدى المنظمات المجتمعيه المعنيه بدراسة وتشخيص حالات العنف و الاكتئاب و الانتحار و الحد منها.. علي أن أحصل على شهادة البكلوريوس بوقت قياسي لاستفيد من تلك الزماله لبحثي الذي أعمل عليه.. سأكون هنا يا سما، لن أذهب لأي مكان.. بالاضافة الى أنها درجه اكاديميه عليا ستمنح لي و تضاف إلى سجلي المهني..
.. تنهدت سما بأحراج وهي تقول..
_ اتمنى لك التوفيق حياة، واعتذر على اندفاعي و انفعالي.. اشتقت لك جدا، لم يعد بوسعي الأنتظار لغايه العطله..
.. بتردد شديد اضافت..
_ اخبرتني قبل فتره عن رغبتك للحضور الى هنا، لرؤيه المدينه و البحر، و لقائي.. ما رأيك ؟ أيمكنك المجيء خلال هذا الاسبوع مثلا ؟
.. تنهدت حياة بضيق و دون قصد قالت بطريقة جرحت سما..
_ اخبرتك منذ لحظات أني اعمل على أمر مهم علي انهائه بسباق مع الزمن !! اليوم جئت إلى المصح على الرغم من أنها عطلة نهايه الأسبوع، لكن كان علي ذلك..
.. كتمت سما ألما اعتادت عليه و ارغمت نفسها أن تبتسم تحت دموعها..
_ نعم معك حق، لم انتبه حقا.. اذن، سنلتقي في عطلة الربيع ام لن يتوفر لك وقت لذلك أيضا ؟
_ بلى، سأكون هناك عزيزتي.. سما، أنا اعتذر، لكن صدقا لا وقت عندي.. اتخذت هذا الأمر كتحد جديد لاثبات نفسي و ما يمكنني تحقيقه.. احتاج فقط للمثابره و الاراده، و هذا أمر مفروغ منه فأنا كذلك.. لكن يبقى الوقت هو الفيصل، لذلك علي طيه و تسخيره لخدمة ما اريد، وهذا ما سيحدث.. فأنا حياة..
.. اردفت سما سريعا مقاطعه..
_ من تتفتت من اجلها العواقب و تتلاشى من امامها الصعاب !!
.. ضحكت حياة و قد حفضت سما شعارها.. دار بعدها حوار سريع مع تمنيات بقضاء عطلة نهاية أسبوع لطيفه و هادئه..
هدوء كان بعيدا كل البعد عن سما.. اعصار صاخب يضربها من الداخل مزعزعا ما تبقى من منسوب ثباتها، صوته يدوي يغلف ادراكها ويستحوذ على مناطق الحذر في دماغها.. تشعر بألم يكاد يفتك بقلبها.. حريق يأكل احشائها بلسعات لهب تجلد روحها.. تقف امام الشباك تتأمل مكان نديم المعتاد حيث يتوقف بسيارته، في الشارع الخلفي تحت عمود الاضائه.. ترك مكانه فارغ كما تركها.. تتذكر بروده ليلة الأمس عندما ودعته.. أغلق معها الخط دون أن يعلق أو يسأل ماذا عنت بالوداع.. سحبت شهيقا تترجى به اطفاء ذلك الحريق الذي خلفه بلامبالاته.. استدارت توزع نظرها الذي غشى اركان الغرفة الخاليه ليستقر على فراش آيه.. تركته فارغا هي أيضا بعد سفرها بالأمس عند عودتها من الجامعة، لم يتسنى لسما مقابلتها لمجيء أمر السفر بشكل مفاجئ، عندما علمت بترقية والدها في العمل ذهبت لتشارك عائلتها الاحتفال مستغلة يومي العطلة و ما بعدها فأول يوم في الأسبوع شاغرا من الامتحان.. تقدمت بخطى لا حياة فيها تجلس فوق فراش آيه تتلمس بيدها فوق الغطاء.. سحبت تلك الوساده ذات الألوان المبهجه تقربها من انفها تستنشق عطر صديقتها الحمراء الجميلة، الطيبه.. تركتها هي الأخرى لتزور عائلتها.. كما تركها هو ليحقق حلم حياته.. وكما اختارت حياة البقاء بعيداً لتركض وراء اهدافها.. سواها هي.. لا هدف لها و لا عائله، حتى الحلم قد ضاع منها.. نزلت دموعها وهي تحتضن الوسادة، القت جسدها متكومة فوق سرير آيه تلتجئ لبقايا عطر صديقتها الحنونه كأنها تحتضن خيالا منها تواسيها على وحدتها و ضياعها.. يعلو صوت شهقاتها يمزق الصمت المطبق حولها و يثير زوابع صغيره بداءت تبطش بقناعات و ايمان كانت تتحلى بها..
أنت تقرأ
حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة )
Romanceننطلق نحو اهدافنا.. نجتاز الطريق.. نتعثر احيانا، نسقط احيانا.. لكننا نصل.. مايهون الصعاب.. هو الرفقة.. الجزء الأول ( حكاية حياة ) بداءت بتاريخ 19/أكتوبر,2022 انتهت بتاريخ 28/فبراير,2024 *الرواية أصلية، غير منقولة أو مقتبسة.. *كل ما ورد من تأليفي، عد...