الفصل الحادي عشر .. ترقبات

163 18 15
                                    

بداء الصباح مشرقا.. تجول بين اشعه الشمس الوليده عصافيرا تتغنى لنشر السعادة.. تخبرنا أن نسعى و نتفائل فهذا فجر يوم جديد.. يستقبله فواز يوميا منذ أعوام بأعلى جرعات التفاؤل و النشاط.. يعدو لساعات.. يهرول ذهابا و ايابا على ساحل البحر.. يجلب بطريقه فطورا لذلك الرجل الفقير الذي يبيع الصحف، لا يهتم كثيرا بالجريده فدائما ما يضعها أمام شباك العم منصور، من جعلته سنين عمره الثمانون قعيدا.. يحيي هذا و يساعد ذاك.. يبتسم دائما لصبي الفرن الذي يشتري منه الخبز أثناء عودته للنزل..
يصعد مهرولا الدرجات يقتحم الشقه كعادته يصيح بأعلى صوت..
_ ندييم أستيقظ !!
_ استيقظت، واخذت حمامي وحضرت لك الفطور.. سيد رامبو !!
_ جيد، سأكمل حمامي سريعا حالما تجهز عصيري..
قالها امرا وهو يتجه بخطوات سريعه إلى الحمام.. اردف نديم بتهكم بعد أمر العصير..
_ امرك مولاي !! عصير اخضر مقرف !! حتى لو اعطيته لمعزه كانت لترفضه !

اعتاد فواز أن يشرب عصير الخضروات مما يحويه من عناصر غذائيه و فيتامينات تمده بالنشاط و القوه و تساعده على بناء جسم سليم وبالتالي عقل سليم..
أستحم خلال فتره قصيره وانضم لنديم المنقرف من رائحة العصير الأخضر الذي يحتوي على الشبت والكرفس و النعناع و السبانخ و الليمون واحيانا يضيف اليه البنجر الأحمر و الجزر أو التفاح مع عود قرفه.. لتغيير الطعم بين فتره واخرى حتى يتجنب الملل..
_ كيف يمكنك شربه هكذا !! تبدوا ملتذا به !!؟
.. تحدث على وجهه علامات القرف أثناء شرب فواز لكأس العصير دفعة واحده..
_ اعتدت على طعمه.. ليتك أن تعتاد أنت أيضا على الاستيقاظ مبكرا ! يكفيك سهرا و فسادا !!
.. ضحك نديم وهو يرجع رأسه إلى الخلف، اجاب بغرور و وقاحه..
_ حاولت صدقني.. لكن قلبي الطيب دائما ما يمنعني.. فعندما تشتاقني احداهن يكون صعبا أن لا ألبيي النداء !!
_ قلبك الطيب هاا !! وتقرف من العصير الأخضر.. الأولى لك أن تقرف من نفسك ! 
.. بأمتعاض علق.. فنديم يكاد أن لا يترك ليله بدون سهر و نساء و في الكثير من الأحيان يتصلون بفواز ليقله من المكان الذي هو فيه بسبب شدة ثمالته.. سن صغير على نمط حياة فاسده كهذه والتي بدأها منذ عمر السابعة عشره.. حاول فواز معه مرارا ولكن لا فائده.. دائما كان يعود لطريقه الاعوج ذاك..
أراد نديم أن يغيير مجرى الحديث..
_ هل سنذهب معا أم ستمر على معالي ابنة السفير !!
.. حدجه فواز بنظره جعلته  يقلب عينيه بلامبالاة و يلف وجهه إلى الناحيه الأخرى، إجابه بصوت منزعج..
_ سنذهب سويا.. سعاد ستقلها اختها..
_اممم جيد.. بالمناسبه، ما اسم تلك الفتاة ؟
_ اي فتاة ؟
_فتاة المنشفه.. اقصد من اعطيتها المنشفه..
_وما شأنك بها ؟
_ فقط للتعارف.. لا اكثر..
خلال ذلك الحديث كان فواز يولي اهتمامه للطعام أمامه، يجيب بأقتضاب على اسئلة نديم التي يعرف معناها و مآلها.. لغايه فقرة التعارف.. رفع نظره ليتابع ملامح نديم المشاكسه.. ابتسامته، لمعه عينيه والتي جسدتها أمامه نبره صوته من خلال الاسئله.. وضع فواز قطعه الخبز الصغيره التي كانت بيده على الطاوله..
_ وما شأنك بها لكي ( تتعارف ) ؟
.. كم احب نديم تلك المداخله، و ذلك الصوت الذي يشوبه القليل من الحده..
_ لاشيء.. فقط لأنك قلت أنهما زميلتا دراسه، استغربت أني لم اراهما من قبل.. صحيح انك في كليه الحقوق التي دخلتها لحاقا بالانسه سعاد !
.. قالها بأكثر الطرق تهكما ولوما وعتابا.. أكمل يتصنع البرائه.. برائه بريئة منه تماماً !
_ وانا في اداره اعمال قسم محاسبه، لكننا بجامعه واحده ونعرف زملاء بعضنا.. يعني، لو كانتا معنا لكنت لمحتهما مره على الأقل خلال العامين المنصرمين..
.. فتح نديم عينيه بسرعه منتبها ليردف بسؤال اكتشفه الآن فقط..
_ هل هما من طلاب السنه الاولى؟! كيف ومتى تعرفت عليهما ؟ أيها الخطيير لا تضيع وقتك !
مدحه ضاحكا وغامزا بمرح جعل فواز يضحك رغما عنه..
_ حسنا نديم، أنهما من طلاب السنه الأولى.. ولكن أياك، اياك أن تزعجهما !
_ لا تقلق.. أنا فقط احب أن اواكب كل التحديثات الجديده !
.. يتكلم بصوت وطريقه يعرفها فواز جيدا لذلك خاطبه بتحذير وحده..
_ لن تقترب منها.. لن تزعجها.. أياك و التفكير حتى !
.. مندهش و لكن سعيد، أراد استفزازه اكثر ليعرف ما يجول في خاطر رفيقه الكتوم..
_ منهاا ؟!! كنت أظن " منهما " و ليس منها فقط ؟ الم تكونا اثنتين، زميلتا الدراسه ؟!!
.. بهت فواز قليلا بسبب ذلك الخطأ اللغوي الغير مقصود و كم اسعد نديم الذي يحاول كتم ضحكته..
_ نعم.. صح.. كلاهما !
_ لم لا تعترف بأنها ( هي ) فقط تلك من تبللت.. مع ان الحمراء كانت الذ منها بكثير !! قصيرة و ناعمه تبدو صغيره لكنها مثيره !
.. فجأة .. لمعت صوره سما المبلوله في رأسه، تذكر هيئتها و جسدها الممتلئ انوثه وكم اغراه بوقتها، كانت عيناه تمشط تضاريسها بتركيز شديد لولا حركه المنشفه تلك بذهاب فواز إليها شتت تركيزه بشيء اكثر امتاعا.. وهو رؤيه فواز يهتم بالفتيات.. أكمل مبتسما بعيني صياد ونبرة صوت بدأت بأشعال صاحبه..
_ صحيح أن شكل الأخرى لم يكن واضح، لكن هيئتها تلك كانت فتاكه !!
.. يصفها بصوت لعووب مع حركة ايحائيه بيديه بتماه مع انحنائات جسدها.. جعل فواز يضرب فوق الطاوله أمامه بقبضته بقوه محذرا وهو يرعد بصوته الخشن..
_ اياك نديم !! حذرتك من مضايقتها أو مضايقة صديقتها.. وان فعلت.. ستجدني امامك !
تفاجئ نديم جدا من ردة فعل فواز الغريبه.. من تلك الفتاة بالنسبه إليه؟ لم هو غاضب لهذه الدرجه؟ لم يشعر بالمسؤليه اتجاهها ؟ صحيح انه شهم و محب للمساعده لكن ليس لدرجة الانفعال.. عبارة ( ستجدني امامك ) لم يجد لها أي تفسير سوى أنها ربما تكون قريبته أو تخصه جدا.. لولا معرفته بأن فواز من المستحيل أن يقدم على خيانه سعاد والتي كم يتمنى لو يتركها اصلا.. هنا انارت نقطه ضوء في عقله ونظر لفواز بأستغراب اكثر من ردة فعله.. فهو لم يتحدث معه بتلك الحده ابدا حتى عندما كان الأمر يتعلق بسعاد.. فنديم دائما ما يبدي استيائه من علاقتهما و بشكل لحوح يخبره أنها لا تليق به و أنها من طبقه أخرى ليس لديها مشاعر ولا احساس.. بارده و ممله لا تملك أسس الجمال التي تجعل منها مميزه، متكبره وتمشي فوق غيمه من الغرور، فارغه و تافهه تغريها الماديات و الحياة المبهرجه المليئه بالنفاق.. والكثير الكثير من الاوصاف و النعوت.. كان فواز في بداية الامر يناقشه بالعقل ويحاول أن يشرح له كيف يراها هو بعينيه و بقلبه.. بعد فتره رأى أن لافائده مع نديم و ليس مهما أن يستلطفها او لا.. فعمد على تجاهل ملاحظاته و تعليقاته و حول الأمر إلى مزاح و أحيانا استفزاز لكن بعد أن أخبره بأن عليه أن يحترم مشاعره و اختياره لسعاد.. فهي حب حياته..
نظر نديم إليه بأهتمام، سأل..
_هل هي قريبتك ؟
_ اعتبرها قريبتي !
.. ضحك الاخر، ليرد..
_ حاضر.. امرك..
.. ثم استقام واقفا وبدأ بلملمة طاوله الطعام بينما يخبر فواز بأن عليه إرتداء ملابسه فهو كان لايزال يلف نفسه بمنشفه الحمام حتى لا يتأخروا على موعد محاضراتهم.. التفت يحمل كوبه وصحنه ليضعهما على رخامه المطبخ تحت انظار الجالس الذي يرى بوضوح تلك الثعالب الماكره التي تدور في دماغ صاحبه !! ولم يخيب ظنه ابدأ !! قال نديم مزامنة مع يقين فواز بأبتسامه لئيمه و صوت يوحي بالكثير..
_ حتى لا نتأخر على زميلتا الدراسه !! قريبتك ! من تخصك !
.. تنهد بيأس من نظافه عقل نديم وقد التفت بجسده ناحيته يتكئ على خزانه المطبخ مكتف ذراعيه على صدره، ينظر له رافع الجبين مستفز النظرات باسم الثغر بمنتهى البراءه !! ضحك فواز على منظره، قابله نديم بضحكه صافيه تخص رفيق الدرب لوحده..

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن